| |
مقاربة إنتروبولولجية لنص شعري أمازيغي
(قصيدة
”تامناكرت“ نموذجا)
بقلم:
الحسين دمامي (ورزازات)
هيبة
الشعر في المجتمع الأمازيغي: للفن ارتباط بالحياة الاجتماعية على اعتبار أن الإنسان
ليس مجرد كائن عاقل، بل كائنا رمزيا يعمل على توظيف الخيال لإدراك وسطه وذاته
والتعبير عنهما إبداعيا مثلما يسعى للإمساك بهما عقلانيا. والفن الأمازيغي ليس
استثناء عن هذه القاعدة حيث يلازم الجماعات الأمازيغية في حلها وترحالها؛
إذ يتجسد في الشعر الذي يحتل الصدارة في الإبداع الأمازيغي مقارنة بالنثر. فهو سجل
للقيم والمعتقدات يعمل على صيانتها وحمايتها بإعادة إنتاجها تذكيرا للأجيال الجديدة
بالأعراف المتحكمة في سير القبيلة، حيث الشعر ـ والأمثال كذلك ـ كان أداة تربوية
مركزية في بيئة تغيب فيها مؤسسات مختصة بمهمة التربية الاجتماعية والفنية لعدم وجود
مجال عام ترعاه دولة مركزية تتغلغل بأدواتها الإيديولوجية في المجال الخاص، قبليا
كان أم أسريا. فالتربية شأن أسري رفقة امتداداتها القرابية، حيث الأسرة أداة إنتاج
مادي ورمزي ومؤسسة للرقابة تسعى لتجنيد أعضائها لنمط الحياة المعتادة حفاظا على
التقاليد كأفق لا يرى المجتمع التقليدي نفسه خارجها، بما أنها عصارة هويته.
والشعر لم يكن فقط أداة ترف، بل لا يخلو من بعد رمزي سحري ككلام يحمل رؤية نبوئية
ومفعولا سحريا مثلما للرصاص مفعول مادي. ففي الشعر تتحول الكلمة من لفظة عادية إلى
سلاح فتاك قد تصيب الشخص في جسده وثروته(1). هاته الأهمية للشعر ـ وبؤرته الكلمة ـ
تجعل منه وسيلة لولوج عالم الثقافة الأمازيغية أو ثقافة المجموعات الأمازيغية
كتعبير عن بعدها الرمزي والروحي باعتماد المقاربة الأنثروبولوجية لإزالة الغبار على
الفلكلرة التي يتعرض لها الموروث الرمزي الأمازيغي بعرضه الاستهلاكي المحض، أو عدم
وعي ذويه بحمولته الرمزية وسهره على صيانة التقاليد التي لا توجد قبالتنا، بل تقطن
عصب الثقافة الذي هو اللغة كحاملة للقيم والوعي واللاوعي الجمعيين. ومما قد تساهم
به القراءة الأنثروبولوجية نجد التحرر من الاعتقادات النضالية والإيديولوجية التي
تحاول أن تسقط على الثقافة الأمازيغية نماذج خارجية لا ينطق بها حال المجتمع
الأمازيغي، ولا ذاكرة كبار السن، ولا معجم اللغة الأمازيغية. مما يفيد أن التعامل
النقدي مع الثقافة الأمازيغية يزيل عنها طابع التقديس الإثني(2) لأن هذا ليس إلا
إعادة لرؤية مركزية تعلي من شأن الذات المهضومة الحقوق، وترى في الآخر ـ الوهمي أو
الفعلي ـ كل السلبيات، مانحة ـ أي الرؤية المركزية ـ امتياز الأسبقية في ما يخص
حضور القيم المعاصرة داخل الثقافة التقليدية بدون مراعاة الحس التاريخي.
توثيق النص قيد الدراسة(3): أهمية النص قيد التحليل تعود إلى شهرته في منطقة شاسعة
بإقليم ورزازات (بما فيه منطقة زاگورة التي أصبحت عمالة). إذ لا يتحدد مجال انتشاره
بقبيلة محددة، بل نجده متداولا عند قبائل “آيت عطّا” و”إيمگون” و”آيت سدرات” وقرى
دادس. وهي مناطق تجمعها سيادة فن “أحيدوس”. والملاحظ على النص اتفاق على قصته
واختلاف في صيغ وروده، خصوصا المقدمة التي تسبق الأبيات المتشابهة بين كل الروايات(4).
ويعود الاختلاف في نظري إلى أن الناظمين ظلوا يجددون في مطلع القصيدة في الملتقيات
الشعرية أو في النظم الفردي(5) دون أن يكونوا هم مبدعي النص الأول، أو القصيدة
الأصلية، وهذا يدفعنا إلى الكشف عن قصة القصيدة.
إن سبب نظم القصيدة هو تقدم شاب لخطبة فتاة قبلت أن تتزوج منه. فقام برحلة إلى
“درا” (درعة) للعمل كلي يجمع النقود التي سيقيم بها العرس(6). وحينما حصل عل مبلغ
مهم، توجه به إلى قريته. لكن في الطريق، قبل وصوله، اجتمع مع قرب مغيب الشمس بشباب
سألهم عن وجهتهم، فأخبروه أن هناك عرسا في إحدى القرى. وحينما سألهم عن العرسان
الجدد أخبروه بزواج فلانة التي لم تكن إلا خطيبته. فلم يذهب بعدها إلى قريته، بل
اتجه فورا إلى قرية العريس. وحينما خرج الناس لإقامة رقصة “أحيديوس” كما هو معتاد
بعد تناول الضيوف للعشاء، قام إلى المرقص وحمل الدف (Ageneza – Allun – Igedem)
وأطلق قصيدته.
والأمور إلى هنا تبدو عادية حيث لا يوجد ما يمنع أي شخص من الوقوف إلى المرقص
لإلقاء الشعر ولو كان الأمر يتعلق بفتاة تربطه بها علاقة عاطفية(7). لكن الغريب هو
أن الناظم لم يتمم إنشاده حتى ماتت خطيبته السابقة وهي لابسة لزي العروسة المسمى “إيعبراق”،
حيث انقلبت فرحتها إلى مأتم. هذه النهاية المأساوية هي التي جعلت النص خالدا. ولم
يكن موتها إلا لقوة الكلمات التي استعملها الخطيب المستغنى عنه. فما هي كلماته التي
لم يكن يحضّر لإلقائها؟ وما ذا يوجد خلف الكلمات؟
قبل التطرق للقصيدة، أذكر أن لها صيغا متعددة (ست على الأقل). وسأعتمد أطول نص(8)
توصلت إلى تدوينه.
مضامين النص الشعري من ”»آيت علوان“ بمنطقة ”تاگونيت“ بعمالة زاگورة:
1 – Ayedi yenna babi, ad xefui tenepa mma
2 – Ayedi tenna: «tiwetmin d tighddvarin,
3 – A yemi tessa tagertilet, i teghez anu,
4 -Anu nessen t ighub ur illi lehedd g akal
5 – Ur ilkim afus igezzulen itvan»
6 – A Fadvma, a tarumit anegh izzenezar
7 – I yiodawen, tenna k: «Ur junk zzenezigh»
8 – A tamnakert ad am inaker izedi ilem,
9 – Irakr am udvar rreqqab geram d wakal,
10 – Irakr am ufus izebyen ger tegezviwin,
11 – Irakr am uleghum aga igametid segwulan.
12 – Inakr usettur ileqaqen iged gulan,
14 – Inakr ugertil ioerrimen iged gulan.
15 – Ad kem izeri rebbi azerruy n imendi mi
16 – teqqurem a yaman aret isseleww uzal.
17 – Ad issetver rebbi tiwili nnem i yizem u lefus.
18 – Iga sen tegheli tafuyet i yaley asen wayyur.
19 – Ad issetver rebbi tasekkûret nnem
20 – dat ihemmamen n lebzuz
21 – Ad t id bettvun d ijvijv.
22 – Ad ttini t udem agheddvar, asi a tvitv aregel.
قراءة النص: القصيدة وليدة إحباط عاطفي ناتج عن غدر الخطيبة دون مراعاتها للخطيب
الذي تحمّل مشقة الهجرة(9)، ولو كانت مؤقتة لإحضار قيمة مهرها ولتغطية تكاليف العرس.
فعندما فقد الخطيب من وعدته بالزواج انفجر غضبه شعرا ودعاء عليها، أي لجأ إلى
الهجاء، وهو شعر لا يلجأ إليه إلا في حالة الخصومة ووجود تحدٍّ لأن كلمات الهجاء قد
تتحول إلى لكمات(10)، إذ للشعر قداسته التي تتطلب الترفع عن النزول به إلى الحضيض.
إن البحث عن مضامين إتنولوجية داخل الشعر الأمازيغي لا يمكن أن يكون تاما إلا
بالمراعاة الدقيقة لفضاء الرقص وأدوار الراقصين القائمة على فصل جنسي لمن له
الريادة والكلمة، ومن له دور الترديد وتأثيث الرقصة. ومن خلال هاته المراعاة تظهر
لنا هوية الأنثى في المخيال الثقافي لمناطق انتشار النص، ورمزية “أحيديوس” وفضاء
المرأة، والقيم الضمنية المحددة للسلوك.
1 ـ توزيع الأدوار في فضاء الرقصة: حضور المرأة في رقصة “أحيدوس” هو حضور سلبي؛
إنها جزء من شكل الرقصة، لمن دورها هو ترديد اللازمة، في ما المبادرة تبقى ذكورية
لأن “أحيدوس” هو امتداد للحرب، وهي وظيفة خاصة بالرجال طالما أن “تيمّوزغا” تقتضي
عدم اللجوء إلى العنف الجسدي واللفظي في حق الإناث(11) لأن الرجل صاحب الكلمة (Awal)
والجاه (Udem) لا يواجه إلا أنداده.
والطابع الحربي والذكوري لرقصة “أحيدوس” تظهر في تسمية الراقصين الذكور بـ “إيمغزا”
(Imugheza(. وتسمية “أحيدوس” بـ”لغزو” (Leghezu)(12).
2 ـ هوية الأنثى أو طبيعتها كما يعرضها النص: النص يقدم الأنثى كغادرة أو منكرة
للعهد أو خائنة. ومما يزيد من تمتين هذه الصفة كون الأمر يتعلق بشهادة أنثى هي الأم
في حق بنات جنسها، إذ يصعب الوصول إلى سريرة الإناث حيث جاء في البيت الرابع:
هن بئر عميق لا قاع له في الأرض
وأقسى صفة يمكن لأمازيغي نعت آخر بها هي صفة “أرومي”. والكلمة تحمل معاني القسوة
وغياب الرحمة، إذ الخطيبة في عين الناظم رومية باعته لأعدائه، وتظل رغم ذلك نافية
لفعلها (البيت 6 ـ 7). وفي صيغة أخرى، إن الخطيبة لم تحترم كلمتها، رغم أنها وعدت
في الزاوية، وهي مكان حُرُمٌُ له قدسيته. إذ تبدأ الصيغة المحصل عليها بقبيلة آيت
سدارت الجبل بـ:
1 – A llap a Oica, a talligh med segwulligh
2 – Iwighet ar agensu n yat zzawit.
هاته الصيغة تجعل الأنثى كائنا لا يأخذ بعين الاعتبار المقدس، وهو رابطة ثقافية
كأنها محكومة بالطبيعة ولم ترتق سلم الثقافة.
إن الأوصاف السالفة تجعل الأنثى طرفا غير معني بأي تعاقد لغياب أية ضمانة ذاتية
تلزمها بتنفيذه، فيصبح مصير التعاقد في يد أطراف أخرى قادرة على صيانة الوعد والعهد؛
في ما الأنثى تتحول إلى مجرد رسالة بين أسرتين؛ وهو ما يزكيه المثل السائد: »النساء
رسائل«(13). وهاته الأوصاف لا يجب أن تنسينا أن الصوت السائد في القصيدة هو صوت
ذكوري، وأن الرواية الشفوية لا تحرم الأنثى من التعاقد، خصوصا في موضوع يهمها وهو
الزواج. وموافقة الخطيبة في النص مثال حي على ذلك. لكن يظهر أن صورة المرأة في
المخيال الاجتماعي تخفي حقيقة المراة في التعاملات الاجتماعية حيث لا تخلو من
مبادرة وجرأة، وإن كانت الجريئة توصف بـ”بارياز” (Baryaz) إذ لا تمنح صفة “أرياز”
ولا تحتفظ بصفة “تامطّوت”.
3 ـ قدسية أحيدوس: موت الخطيبة تم في المرقص. وهناك اعتقاد عند آيت سدارت الجبل يرى
في المرقص مجالا حُرُماً (Agewedal) يؤدي انتهاكه إلى الإصابة بمرض ينطلق من أعين
الحاضرين أو أشعار الناظمين الذين يعلقون على أية واقعة شعريا(14) في حينها ارتجالا.
إذ الحضور على الرقصة يتطلب الانضباط، وهو معطى لم يعد حاضرا الآن. وعند تأمل هندسة
الرقصة في مجال انتشار قصيدة “تامنكارت” نجدها دائرية حيث تتقابل العين؛ وإذا كان
الراقصون في الوسط، فإن سيدة الدائرة هي العروسة التي تلقب في أيام العرس بـ”تاگرّامت”،
أي الصالحة، ومصطلح “أگرّام” في أصله الأمازيغي قد يعني حامل قوة سحرية(15). ومنح
الصفة للعروسة هدفه حمايتها من الأعين الشريرة.
4 ـ فضاء المرأة في المجتمع التقليدي: إن قاموس النص يبرز فضاءات المرأة ووظائفها
في المجتمع التقليدي. فالفضاء المركزي هو المنزل كمجال خاص بملامح نسوية مع فضاءاته
الفرعية، وهي نبع الماء ومحل الاحتطاب، ووظائفها هي الإنجاب ورعاية قطعان الماشية
والقيام بالأعباء المنزلية ورعاية الأسرة.
أما في ما يخص الدملج الوارد ذكره في البيت العاشر، فإن عادة القبائل موطن النص هو
إعطاء العروسة دملجين من الفضة كضرب من الصداق، وفي حالة الطلاق ـ على الأقل في
قبيلة آيت سدارت الجبل ـ يستردهما الزوج. وتوظيف الناظم للكلمة هو دعوة على الخائنة
للعهد بأن تظل بلازواج عكس قريناتها. والمرأة تفقد ما لها من قيمة كلما ظلت بلا
زواج أو مات لها الأطفال أو كانت عاقرا. ومن هنا نفهم دعاء الناظم عليها بموت
الأطفال. إن خصومة الدملج واليد صورة لعدم دخول الأنثى بعد عالم الزواج، إذ الدملج
رمزيا كبقية طقوس التزيين من علامات التأهيل (Initiation) أو من طقوس المرور (Rites
de passage) من عالم العذرية إلى الحياة الزوجية التي تحضّر التربية الأسرية الفتاة
لتقوم بها احسن قيام بمقتضى العادات الثقافية المتوارثة.
5 ـ “أموتّل” كضامن للعهد: إن توصل طرفين أو أكثر بتعاقد في مجال انتشار القصيدة
بإقليم ورزازات وزاگورة في القبائل الأمازيغية لا يعني وجود ضمانة مؤسساتية لإنجازه
ومراعاته، بل فقط ضمانة ذاتية هي كلمة المتعاقدين. لكن الأمر لا يتوقف عند الواجب
الأخلاقي والالتزام الذاتي تعبيرا عن الكلمة والجاه الشخصي، بل هناك ضمانة سحرية
تنطلق شرارتها وتحصد الأخضر واليابس، الكبير والصغير، ولا راد لقضائها. وهذه
الضمانة السحرية هي “أموتّل” أو اللعنة التي تملكها القبيلة والصلحاء.
لقد غيرت الخطيبة رأيها، ويظهر أن أبويها لم يتدخلا لجعلها تصون عهدها الأول، إذ
عبرت عن حريتها وتمردت، لكن نهاية التمرد لم تكن سعيدة، بل كارثية. وموتها ليلة
زفافها هو عقاب لذويها طالما أن الاعتقاد السائد يجعل المفعول السحري “لأموتّل”
يشمل كل أقرباء المذنب، ولو بعد مرور أجيال؛ كأن “أموتّل” نوع من الثأر (Tagahtv)
يجب تنفيذه في الجاني أو قريب له.وإذا كان الثأر التقليدي يمس الذكور فقط، فإن
“أموتّل” يمس كلا الجانبين.
خاتمة: إن النص السالف الذكر يحتمل قراءات متعددة، ويتضمن معطيات إتنولوجية تؤطر
حياة ساكنة مجال تداوله لأنها تخاطب ذاكرتهم الثقافية. ولربما كان بعده اللاشعوري
أنتروبولوجيا ما جعله يصمد أمام النسيان في ثقافة تقليدية ترى مثالها ونموذجها في
حياة الأسلاف طالما أن الاعتقاد السائد يرى انهم أنجزوا ما يجب إنجازه، وأي إخلال
بذاكرتهم لا يترتب عنه إلا الخراب. غير أن النص لا يخلو من مفارقات تعكس توترات تلك
الثقافة التقليدية وحركيتها ضمن جدل الجماعي/القبلي والفردي. ووجود مثال ذهني وواقع
يتمرد ضده، وإن كان الهدف المقصود على مستوى الوعي هو إعلان انتصار ثقافة الأجداد،
فإن فراغات النص ومفارقاته تظهر حركية المجتمع في هويته الرسمية واختلافه الواقعي.
الهوامش:
1 ـ للصلحاء (Igûrramen) سلاح رمزي هو “اللعنة” كنقيض للبركة. ومما يتطلب بحثا
إتنولوجيا، البحث في الأصول الأمازيغية لعدة معتقدات تسود لدى أسر الصالح، يظهر
للوهة الأولى أنها من مصادر غير أمازيغية في ما هي في العمق أمازيغية لسيادتها في
عدة مناطق انقطع حبل التواصل بينها. فاللعنة المنسوبة للصلحاء (أموتّل) لها ما
يوازيها ويعتقد انه الأخطر منها، وهي لعنة القبيلة. فضربة القبيلة ـ كما يعتقد في
الثقافة التقليدية لدادس ـ أخطر من ضربة الزاوية.
كما أن قيمة كلام الصلحاء لا يمكن فهمه بمعزل عن قيمة الكلمة/العهد في الأمازيغية
وفي أخلاقيات “تيمّوزغا” (Timmuzgha) التي تحتاج بدورها إلى بحث أنتروبولوجي طالما
أن الكتابة التاريخية الوثائقية شبه منعدمة لدى الأمازيغ.
2 ـ التعامل النقدي مع الثقافة الأمازيغية لا يعني بأية حال من الأحوال تنازلا عن
حقها في الوجود، أو إضفاء قيمة سلبية عليها لإحلال موطن قدم لثقافة مضادة لها. إذ
التعامل النقدي تمليه ضرورات الفهم العلمي بمراعاة الزمن، وإقرار الحقيقة بدون مركب
نقص، وهو في نهاية المطاف تجسيد عملي لأم القيم الثقافية الأمازيغية التي ليست إلا
“تيمّزغا” التي تتحدى في منطوقها أبناءها قبل غيرهم. إذ “تيمّوزغا” استحقاق وليست
وراثة.
3 ـ وثق “تاوشيخت إبراهيم” صيغة عند آيت خبّاش تعتبر القبيلة موطن الواقعة. انتظر:
“أسونفو” (ملحق شهري ثقافي فني)، عدد 1، صفحة 7، يونيو 1999.
4 ـ عدم الإجماع حول صيغة النص تطال نصوصا قريبة زمنيا، خصوصا في فترة مقاومة
الاستعمار، إذ نجد لبعض القصائد اكثر من صيغة، وكل صيغة تنسب إلى شاعر بعينه مع
وجود أبيات مضافة أو محذوفة.
5 ـ حسب الصديق “الحسين بومسعود”، إن البحر الشعري للقصيدة (أسيف) من النمط السهل
الذي يمكن نظم أبيات شعرية أخرى على منواله (من حوار بيننا حوالي 1996)
6 ـ هذا المعطى مفهوم على ضوء اقتصاد الندرة السائد في منطقة صحراوية أو شبه
صحراوية، إذ رغم ما هو سائد في السوسويولوجيا العفوية عن الزواج المبكر في المجتمع
التقليدي، فإن ما يفهم بوضوح من روايات بعض المخبرين أن زواج الذكور عند آيت سدارت
الجبل كان متأخرا. وتتشابه البنية الاقتصادية للواحات يسمح بتعميم هذا المعطى على
قبائل المنطقة، وأساسا المستقرة.
7 ـ لرقصة “أحيدوس” تقاليدها التي يشرف عليها شيخ أحيدوس (Amghar n uhidus). وهو
شخص متطوع يكون غالبا من “إسلان”، وهي مجموعة الشباب التي تساعد أسرة العريس أيام
العرس، كما تحمل هدية العرس للعروسة وتحضرها من منزل والدها إلى منزل زوجها المقبل.
8 ـ أمدني به مشكورا، الصديق “بقاس” أستاذ مادة الرياضيات بثانوية ابن الهيثم
التقنية بورزازات. وهو نص من منطقة “تاگونيت” حيث قبيلة آيت عطّا.
9 ـ للهجرة تصور سلبي في الوسط القبلي، حيث لا يغادر القبيلة إلا النازح (Amezewag)
الهارب. كما أن الهجرة للعمل تعبير عن فقر الأسرة ومتغير لتحديد موقع الأسرة ضمن
الهرمية الاجتماعية. ولقد كان أوائل المهاجرين من قرية سيدي بوبكر السدارتية
يغادرون القرية ليلا ويدخلونها ليلا عند عودتهم. وأثناء الحماية الفرنسية تم الحديث
عن إمكانية تهجير البعض إلى الولايات المتحدة الأميريكية! فساد الهلع، ووصل الأمر
بالبعض تقديم رشاوى تجنبا لوقوع الاختيار عليهم.
10 ـ في الحملة البرلمانية لسنة 1992، كان ناظمان يتبادلان الهجاء بالأشعار، وامتد
صراعهما الشعري طويلا إلى درجة أن أحدهما قال للآخر: »لم يعد أمامي إلا أن أصفعك«.
11 ـ في صراعات الثأر قد تقوم النساء بوظيفة الوساطة بين طرفي النزاع. ويعتبر
الطلاق هو العنف الممكن استعماله في حق المرأة دون ضربها.
12 ـ ظاهريا لكلمة Umughza و Leghzu رابطة بلفظة الغزو في اللغة العربية. لكن فعل
“غزا” غير مستعمل في المنطقة. واللفظة الأولى لا تفرّد، في ما الثانية تجمع على
Idleghzu. ويمكن رد جذر الكلمة إلى فعل Ighewaza أي حفر؛ إذ الشعر حفر في اللغة
وكشف لأسرارها بإزالة الحجاب عنها، كانها كنز معطى ولا قدرة لغير الناظم على
استنباط مكنوناتها ونقلها إلى عالم الضياء.
13 ـ صيغته الأمازيغية Tiwtmin gnet d tibratin
14 ـ تهكمت امرأة من ناظم به عاهة، فدعا عليها عند إلقائه الشعري بالعقم، ولم تلد
نهائيا. وهذا المعطى يظهر الاعتقاد في المفعول السحري للكلام عموما والشعري على
الخصوص. وكانت بعض النساء يلجأن إلى طلب “إيمديازن” بالدعاء لهن عند نظمهم الشعر
مقابل هدية أو نذر، وطلب يهم الدعاء لهن بالإنجاب.
15 ـ لفظة “أگرّام” من فعل “إيسگرم” Isgûrrem، وهي حلاقة شعر الطفل لأول مرة
بمراعاة طقوس خاصة. يقول احمد التوفيق: »”أسگورم” هو جزّ شعر الصبي في عامه الأول
وهي من الأمور التي كان يقوم بها الصلحاء في الأطلس ولا ندري هل كانت تلك العملية
موكولة في يوم ما إلى كهنة ومبجلين قبل الإسلام وكانوا يسمون أيضا “إيگرّامي”«،
“المجتمع المغربي في القرن التاسع عشر، إينولتان 1850 ـ 1912″، صفحة 443، طبعة
ثانية، منشورات كلية الآداب، الرباط 1983.
الحسين دمامي، 1997 ـ (ورزازات)
|