|
|
فجر الأوديسا، أو دلالة أسماء العمليات العسكرية بقلم: حمَّاد ؤهريش (محمد أهريشي)
إهداء: إلى معتقلي القضية الأمازيغية بالمغرب: حميد أعضوش، مصطفى ؤسايا، وإلى كل ثوار ليبيا.
يعكس الاسم الذي يطلق على كل عملية عسكرية ما يحمله، في وعيه وكذا في لاوعيه، صاحب الاسم من أفكار وتخيلات وأحكام مسبقة أو ملحقة بمعرفة ما تجاه هذه العملية العسكرية كفعل وفاعل ومفعول به ومفعول فيه ومفعول لأجله وما هو على هذا النحو في اللغة الفصحى لصناع القرارات والأحداث... فأسماء العمليات العسكرية ليست في مجملها، كغيرها، اعتباطية احتمالية كتلك التي قد يوكل اختيارها في بعض الحالات للكومبيوتر مثلا، وليست كذلك مزاجية كتلك التي تمليها الحالة النفسية لأحدهم حين يدفعه ما يمثله اسم ما لديه لشراء إمكانية تعميد إحدى العواصف (Xynthia كمثال....)، فالعملية العسكرية كتحرك مادي وغير مادي عنيف لواقع وفكرة ما ضد واقع وفكرة أخرى تبقى أسماؤها أكبر من هذا، لذلك فهي تقبل التحليل والتخمين لاستكناه ما تخبئه من معانٍ وإشارات لا تنفصل بشكل عام عن رؤية صاحب التسمية لذاته وللآخر، وعن رؤيته بشكل خاص للمبدأ العام المحرك للعمل العسكري وللهدف المتوخى منه، فهي إذن (التسمية) نوع من تمجيد الذات على حساب الأخر/العدو، يمكّن الدولة، نظاما وشعبا وجيشا وقيادة عسكرية، من التوحد حول العملية متلذذين براحة الانتماء إلى إطار موحد ومصير واحد تمنح فيه التسمية كذلك ذلك المذاق المسبق الذي يعطيه فأل التسمية الذي يغذي رغبة دفينة في التفاؤل برؤية الذات من الآن وهنا منتصرة وقبل حتى انطلاق العملية العسكرية... فهي إذن ماركوتينك حرب، يسوق به متخصصوه هذا الشر- الذي لا مندوحة عنه أحايين كثيرة- في سوق الرأي العام الوطني والدولي، لتوحيد جبهة داخلية ضد جبهة خارجية، أو لتحييد جبهة جانبية ضد جبهة أمامية... وقد قدمت حرب فيتنام من قبل دروسا استفاد منها من هم اليوم أساتذة في هذا الباب. سنقف هنا عند بعض أسماء العمليات العسكرية للغرب، وبالتحديد تلك الموجهة ضد منطقتي شمال إفريقيا والشرق الأوسط، محاولين فهم ما يختبئ وراء تلك الأسماء. لقد احتك الغرب عسكريا بهاتين المنطقتين وبشكل مباشر وأقدم وأوسع بمنطقة شمال إفريقيا لدرجة أن كلمة «بربر»، بمعنى كل من وما هو أجنبي عن الحضارتين الإغريقية والرومانية، إنما التصقت بسكان هذه المنطقة (الأمازيغ) دون غيرهم من الشعوب التي عرفها الغرب القديم (الإغريق والرومان) والتي تدخل هي الأخرى في حكم الشعوب البربرية، بما يعني أن هذه المنطقة، شمال إفريقيا، المتقابلة ضفافها مع ضفاف أوروبا، كانت وكان سكانها هم الآخر المقابل الذي أدرك به ذلك الغرب القديم ذاته، وقد نجد لهذا ما يدعمه في أساطير الإغريق والرومان...، إلا أن كلمة «بربر» تلونت عبر رحلتها من بر إلى بر بمعانٍ أخرى تشير إلى وحشية الاحتكاك العسكري ووحشية المقاومة، التي أهلت هذا الشمال الإفريقي «البربري» «المتوحش» ولم تؤهل غيره ليحكم روما بعدد من الأباطرة. وليس الغرض هنا هو التناول التاريخي لكل ذلك الاحتكاك العسكري، ولكن الغرض هو الوقوف عند الأفكار والتصورات الكامنة خلف تلك الأسماء التي أطلقت على العمليات العسكرية. لم تكرس التسمية المسبقة للعمليات العسكرية منذ البداية كموضة وأداة تواصلية تسويقية سوى في حقبة متأخرة، لذلك سنقتصر على دراسة المرحلة الحديثة من تاريخ الاحتكاك العسكري للغرب بهاتين المنطقتين، والتي تبدأ مع اكتساحه الإمبريالي لها. ففي شمال إفريقيا حملت العمليات العسكرية في المغرب مثلا اسم التهدئة Pacification، اسم نفهمه اليوم على أنه يعني تهدئة نفوس المحميين الذين وقعت معاهدة الحماية (1912) من أجلهم، بأن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون مع وجود من سيزيدهم تمكينا في الأرض وفق ما نصت عليه بنود المعاهدة. أما في الجهة الأخرى للمعنى فالتهدئة كانت تعني كل ما لا هدوء فيه، دمار وعنف دموي فضيع دخلت به بلادنا التاريخ بكونها من أولى البلدان التي استعملت فيها الطائرات لقصف المدنيين على الطريقة القذافية، وبكونها كذلك من أولى البلدان التي استعملت فيها الغازات السامة ضد المدنيين (منطقة أرّيف شمال المغرب كمثال1921 – 1927 )، وبعد معارك لهري وأنوال، واد زم، تازيزاوت، دهار ؤباران، بادو، بوكافر وغيرها كثير... سيخرج المحميون وقد هدأت عمليات التهدئة نفوسهم وزال عنهم خوف سوء المنقلب، سيخرج المحميون من صمتهم وألسنتهم تلهج باللطيف (1930) ليوقعوا به عقد ازديادهم السياسي الجديد الذي قطعوا به مع وجودهم السياسي التقليدي القديم كبطانة سوء أوعزت عبر التاريخ بشرور كثيرة للأكليد Agllid (السلطان)، كان أخرها نصحها له بتسليط الكفار (الفرنسيس) على الفجار (إمازيغن)، حينما حاصر الأمازيغ عاصمة البلاد يومذاك، مدينة فاس، في محاولة منهم لتغيير الوضع السياسي كما هو العرف الدستوري الجاري به العمل دوما على طول التاريخ في مغرب إزرف Izref ، سيخرج إذن المحميون بعد اكتمال العمليات الكبرى لهذه التهدئة ليباركوا للمستعمر نجاحه في إخماد المقاومة المسلحة للشعب المغربي، وذلك في ديباجة وثيقة رسمية حملت اسم «وثيقة المطالبة بالإصلاحات» (1934)، وثيقة لا يذكرها المحمييون اليوم، بل ويحجبونها ومضمونها الدنيء عبر التخليد السنوي لذكرى تقديم وثيقة أخرى، «وثيقة المطالبة بالاستقلال» (11 يناير 1944). وعجبي كيف تخلد دولة ما ذكرى اختباء بعض الأفراد في منازلهم وإصدارهم لوثيقة يطالبون فيها بالاستقلال ولا تخلد ذكرى أية بطولة فعلية لشعبها، ولما العجب والنوايا معلومة؟؟فهذه النخبة البئيسة التي استولت بفضل فرنسا على الدولة في مغرب ما بعد الاحتلال العسكري المباشر، وقس على حال هذه النخبة المغربية أحوال مثيلاتها في باقي بلدان الشمال الإفريقي، كانت ولا تزال هي الأرض الخصبة للمرض القومجي الذي سيصدره الشرق الأوسط لشمال إفريقيا، لتصبح بلاد مراكش، المنسوب إلى عاصمته الإمبراطورية، مغربا غرب عن نفسه، وجزءا مضموما إلى مغرب عربي هو نفسه مضموم، كما تضم المستعمرات، إلى عالم يقال أنه عربي... أما في الشرق الأوسط، حيث ولد المرض، فقد أخذت العملية العسكرية اسم «الثورة العربية الكبرى» وافقت فيها أطماع الغرب (فرنسا، إنجلترا) أطماع العرب، وتكالب الاثنان على تقويض الحكم العثماني للمنطقة، وكم هو جميل جهلنا بما تخبئه الأيام، ليت الذين فجروا سكة حديد الحجاز في أحد أيام 1916 كانوا يعلمون حينها أنهم لم يعملوا على تحرير أنفسهم وبلادهم بقطع الإمداد عن الجيش العثماني وإنما عملوا في حقيقة الأمر على تحرير العثمانيين من جر أطنان من التخلف كانت ستعيق مسيرتهم، وها هي تركيا اليوم من بعد غلبها تغلب في بضع عقود وتذهب بعيدا تاركة العرب خائضين في حلمهم وظلمهم التحرري، ها هي تركيا اليوم تزن على أكثر من صعيد لوحدها ما لا تزنه جامعة دول بعضها عربي وبعضها الآخر يدعي العروبة ويستجديها استجداء المعدمين، ليدمر ما تحته من شعوب غير عربية ويعيق العرب عن التقدم في ما هم أهل له. أفلا ينظر مرتزقة القومجية العربية هنا في شمال إفريقيا إلى سادتهم في شبة الجريرة العربية كيف يلتئمون في مجلسهم الخليجي ليتدارسوا مشاكل منطقتهم، فيتقدموا بمبادرة أو مؤامرة موحدة تجاه اليمن، أو يعبروا عن موقف موحد تجاه إيران، أو يتدخلوا عسكريا بالدرع الخاص بهم في البحرين، أو يسكتوا ثورة عمان بمعونة دولارية، كل هذا دون أن يشركوا في حكمهم أحدا من الموالي الذين جعلت لهم كعبة أخرى اسمها جامعة الدول العربية ليطَّوفوا حولها حتى ينسوا أنفسهم ولن ينسى التاريخ ما جنوه على شعوبهم، فإذا دعا الخليجيون أحدا بعد ذلك إلى مجلسهم في ما يشبه رياضة القفز بالزانة في العلاقات الدولية فهو حشو في البيت أمام القوافي، يملأ فراغا في عروض الإستراتيجيا تركته المتغيرات بعد توقف هدير ماكنات العروبة في مصانعها، فماذا يرجو عرش أطلسي عريق لدى مشيخات خليج عمرها ربما من عمر أكبر معمر في بلدي؟؟ و تستوقفني هنا تهمة مجانية تلصقها الامتدادات الإيديولوجية لذلك الشرق القومجي البئيس في بلادنا بكل من يدافع عن أمازيغية شمال إفريقيا وعن الأمازيغية في شمال إفريقيا، كيف لمن قاد عميللٌ إنجليزي ثورته العربية (لورانس العرب) أن ينعت غيره بحفدة ليوطي، فلم يسجل التاريخ أن قاد هذا المارشال الفرنسي معركة من معاركنا، بل إن جيوشه وبشهادة مكتوبة من جنرالاته تكبدت من الخسائر ما لم تتكبده في أية منطقة من العالم الذي احتلوه، بل أكثر من ذلك ساهم سكان شمال إفريقيا في تحرير بلاد هذا المارشال من الاحتلال الألماني، واعترف الفرنسيون لهم بذلك يوم وشح الجنرال دوغول صدر محمد الخامس بوسام رفيق الكفاح سنة 1943، ونسيه اليوم منهم من دنس مقابر الجنود الشمال إفريقيين هناك، وفي المقابل لم يساهم ليوطي في تحرير بلادنا، بل بالعكس دمر أسسها الأمازيغية وقوى من الطابع المخزني للدولة المغربية العربية الحديثة التي أصبح هو مؤسسها والمولى إدريسها الثالث على حد تعبير الأستاذ محمد بودهان، ففرض بالقوة ما رفضته طوال التاريخ وبالقوة مناطق القانون الأمازيغي (Izref) التي تنعتها منذ القديم الدعاية السوداء للمخزن (السلطة المركزية) ببلاد السيبة. فكيف إذن تكون الحركة الأمازيغية اليوم حفيدة لليوطي؟ فأولى بالقومجيين عندنا أن يتخذوه من دون استحياء ومن باب البر بالوالدين، أبا وزعيما ويحملوا إلى ضريحه في ليزانفاليد Les invalides شموع مولاي إدريس كما حملوها إليه من قبل وهو على فراش المرض، أفليس هو الذي مكنهم من تحقيق ما لم يمكنهم منه أحد من قبل، وقادهم بطريقته إلى حيث قاد لورانس العرب ثورتهم العربية في الشرق، أي إلى جاهلية جديدة أحيوا بها النعرة القومية العربية التي لا تقل - على حد قول لويس عوض - خارج مجالها الجغرافي خطورة عن النازية، التي باسمها قاموا على مرأى ومسمع من هذا الغرب المشارك والصامت باقتراف هولوكوست اللغة والثقافة الأمازيغيتين في شمال إفريقيا والمستمرة إلى اليوم؟ بعد هذه الموجة من الاحتكاك العسكري وما صنعته من واقع لا نزال نعيش داخل مخلفاته جاءت موجة أخرى ستستمر فيها نفس العقليات في التفاعل. فالغرب الذي خبر هذه المناطق على أكثر من صعيد، من العلمي المعرفي إلى العسكري مرورا بالاقتصادي الاجتماعي والنفسي... تكونت لديه فكرته الخاصة عن الأرض وعن الناس هنا وهناك، وتبطنت تفاصيلها (الفكرة) في لاوعيه، فهي التي ترشد اليوم خطى مصالحه في كل درب، وهي التي يطفو بعض أجزائها على سطح الأسماء التي يطلقها على العمليات العسكرية التي يشنها في هذه المناطق. وللإشارة فقط فنفس العمل العسكري له أكثر من اسم واحد إلا أننا سنتناول منها هنا ما تم اعتماده وتكريسه بشكل أكبر من غيره. ففي سنة 1990 أطلق الغرب اسم عاصفة الصحراء على العملية العسكرية التي شنها ضد النظام العراقي بعد احتلاله الكويت، وقبلها بقليل أطلق اسم درع الصحراء على عملية حماية النظام السعودي، وفي سنة 1998 ظهر ثعلب الصحراء الباحث عن أسلحة الدمار الشامل في العراق، وفي عامنا هذا لاح فجر الأوديسا في سماء ليبيا... وبين العاصفة والثعلب تظل الصحراء هي الثابت، ورغم أن الصحراء معطى مشترك بين الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بل أكثر من ذلك ففي شمال إفريقيا تتواجد أكبر صحراء في هذا البعد الوجودي الذي نعرفه، فإن معطى الصحراء ارتبط بالعرب أكثر من غيرهم في تصور الغرب مع كل ملحقاته من بداوة وشظف عيش وتفكير، ورتابة مناظر وأحوال وشاعرية وعنتريات وغيب جذّاب... فذلك ربما هو سبب ورود الصحراء في أسماء العمليات العسكرية التي وجهت ضد هذه المنطقة، في حين غاب وراء فجر الأوديسا ذكر أي صحراء في اسم العملية العسكرية الموجهة ضد النظام الليبي... فهل تسمية عاصفة الصحراء يمكن أن نفهم منها أن الغرب يتقمص هنا دور ظاهرة طبيعية لا خير يرجى فيها، أو كما نقول عنها في ثقافتنا الشعبية: «ما كايجي من شرق غير شركي (كاف معقوفة) ؤجراد» ، وكأنه هنا يحذر الناس نفسه، ليخشاه المعنيون بعمله العسكري؟ أم أنه فقط يود أن يقول إنه إنما أخد من الصحراء عاصفتها وضرب بها بعض أهلها؟ أي أنه «كواهوم بشحمتهوم»، بترودولار بعض العرب سيمول العملية العسكرية ضد البعض الآخر، وأراضي البعض ستكون منطلقا لها ضد البعض الآخر، فالغرب جاء إلى هناك إذن دون أن يحمل كل الهم المادي للعملية، كأن يأتي أحدنا إلى لعبتنا ورياضتنا العسكرية «تبوريضا» Tafrawt , Asbahi دون أن يشغل باله بكثير من الأعباء المادية حينما يكون متأكدا أن «لحبة ؤ لبارود من دار لقايد» كما نقول. وهل الثعلب في تسمية ثعلب الصحراء إشارة بريئة إلى حيوان ما، أم هي إشارة متعمدة إلى مهارته وحيلته بالذات في اصطياد الدواجن والقوارض، وبالتالي فالتسمية يمكن أن تكون حاملة لتقسيم ما للأدوار في إطار رؤية للذات وللآخر، للغرب فيها دور الثعلب وللآخرين دور الدواجن، في شرق أوسط هو خم تتم فيه العمليات؟ أم أن الثعلب هنا فريسة يطاردها غرب يتمتع برحلة صيد في نهاية أسبوع شرق أوسطي؟ أم أن استعمال الثعلب في هذه التسمية يعكس رؤية الغرب لأمة درس مستشرقوه من قبل ظاهرة تسمي أفرادها بأسماء الحيوانات: معاوية، عثمان، ثعلبة، أسد، فهد، جحش...؟ لذلك ربما قيل لهم أن خير الأسماء ما حمٍّد أو عبٍّد تهذيبا لهم... ولا يكتمل هذا التناول للكامن وراء تسميات العمليات العسكرية دون أن نقف كذلك عند التسميات القادمة من الجهة الأخرى في ارتباط بنفس العمل العسكري، حينها سنجد أنفسنا أمام تسمية أكثر من ثخينة: «أم المعارك»، اسم يعكس بسرعة عنتريات الثقافة العربية وعنتريات ما تنتجه من قواد مساكين، من صدام حسين إلى القذافي، الإخوة في رضاعة الثدي المسموم للقومجية العربية التي ما أنزل الله بها من سلطان، وسبحان الله أهي لعنة إلهية معجلة في هذه الدنيا أن يقضي هؤلاء آخر أيامهم في الجحور؟ فاعتبروا يا أولي الألباب من الباقين، والحمد لله رب العالمين. لكن بعد الإشارة أكثر من مرة إلى الصحراء في أسماء عمليات عسكرية موجهة ضد الشرق الأوسط، يطلق الغرب اسم فجر الأوديسا على عملية ضد النظام الليبي رغم تواجده في صحراء شمال إفريقيا. لماذا الصحراء كخلفية إيحائية لأسماء عمليات عسكرية في الشرق الأوسط، ولماذا الأساطير والشعر الملحمي كخلفية لعملية عسكرية هنا في شمال إفريقيا؟ ولماذا الأوديسا بالذات وليس الإلياذا أو غيرها مثلا؟ الأوديسا لغة تعني اليوم ما لم تكن تعنيه في بداية أصلها الإيتيمولوجي، فهي اليوم تطلق على كل سفر طويل زمانا ومكانا مليء بالمغامرات، وهذه الدلالة إنما اكتسبتها من عمل شعري ملحمي بنفس الاسم نظمه هوميروس على ما يقال في القرن الثامن قبل الميلاد، ليحكي عودة أوليس Ulysse إلى وطنه، والذي بعد دوره الهام في حرب طروادة، قضى عشر سنوات تائها لكي يصل إلى جزيرته إتاك Ithaque ليلتقي بابنه ولينقذ زوجته التي أحاط بها الطامعون. فإذا كان رونالد ريغن من قبل قد أطلق اسم إلدورادو Eldorado على عمله العسكري الخفيف ضد النظام الليبي سنة 1986، في انعكاس واضح لعقلية راعي بقر لم يتعاف أبدا من حمى البحث عن الذهب وعن كل فرصة اغتناء مادي سريع، فإن الغرب اليوم يمجد ذاته كما لم يفعله في أسماء الصحراء وغيرها، إذ يمتح مباشرة رموزه وإشاراته من موروثه القديم الذي يشكل فيه عملا هوميروس (الأوديسا والإليادا) أحد أهم أسسه الأسطورية، لكن في هذا التمجيد كذلك يختبئ اعتراف بعمق علاقاته وقدمها بأرض شمال إفريقيا، عمق يشير إليه مضمون الأوديسا، وكأنه يقول للأنظمة القومجية العربية في شمال إفريقيا ولجامعة دولها النازية إنها مجرد قشرة لا بد من المرور عليها للوصول إلى لب ما يريد، وإذا كان المرور بموافقة شكلية من القشرة فذلك مما يؤكد أن القشرة هي قشرة حقا وحقيقة. ربما كانت الأوديسا لا تعني شيئا للقدافي ولنعرته القومية إلا أن يخرج علينا من جحر ما بتقليعة من تقليعاته العلمية، يصفق لها علي فهمي خشيم وأمثاله، ليدعي أن الأوديسا كلمة عربية انحرف نطقها على لسان المحرفين عن أصل هو: الود السيئ، بدليل أصلها الاشتقاقي المتضمن لمعاني القبح والسوء (Odieux) فبما يشبه الإعجاز اللغوي إذن يشير هذا الاسم إلى عمل عسكري أنهى به الشيخ أبو عمامة (أوباما) وحلفاؤه من عشيرة وجيران الشيخ زبير (شكسبير) الود المصلحي بينه وبين الغرب، فإذا كان هذا هو إلف العقلية القومجية العربية وديدنها في البرهنة والتدليل، فإن الأوديسا من داخل الثقافة الأمازيغية توحي بأشياء كثيرة من دون تكلف بليد يقتضي تصديقه إلغاء عقل لطالما جسده ودافع عنه من قبل ضد أمثال هؤلاء ابن خلدون وابن رشد وابن طفيل... فمن داخل نص الأوديسا يمكن أن نفهم علاقة الأوديسا وفجرها بعملية عسكرية يشنها الغرب ضد النظام الليبي، إذ نجد أنفسنا أمام عدد من المتوازيات الرمزية وفي اتجاهات مختلفة بين الأحداث والشخصيات والأماكن في أوديسا الأمس وأوديسا اليوم، نلخصها كما يلي: ـ خاض الإغريق الحرب ضد ملك طروادة الذي اختطف هيلين أجمل جميلات الدنيا - في الحدود التي يعرفها الإغريق يومذاك - وكان الإغريق قد أقسموا من قبل على حمايتها، ويخوض الغرب اليوم هذه الحرب في فجرها الجديد من أجل جمال مصالحه التي من دون قسم سيعمل على حمايتها، وكل مصلحة في عين صاحبها جميلة، ولتبدو كذلك في أعين الآخرين فلا بد من ماكياج ومساحيق حقوق الإنسان وحماية المدنيين، ولا ننكر أبدا أهمية تدخله في حماية المدنيين، ونؤيد ذلك، كما لا ننكر أن حجرا واحدا يمكن أن يسقط أكثر من عصفور، لنعيد نحن كذلك اليوم طرح نفس السؤال الذي طرحه هيرودوت من قبل: «هل من الناس من يصدق أن الطرواديين يحاربون عشر سنوات من أجل امرأة واحدة؟! « (مهما كانت جميلة). ـ تردد أوليس كثيرا قبل أن يقرر المشاركة في حرب طروادة، ومن أجل تجنب الذين جاءوا ليدعوه للمشاركة تظاهر بالهبل، وكذلك الغرب تردد طويلا قبل اتخاذ القرار 1973، وكما انكشف تهابل أوليس حينما وضعوا طفله أمام محراثه... فكذلك انكشف الغرب وافتضح تعاونه مع أنظمة دموية رأى العالم شهيتها المفتوحة للقتل، ويوم دخلت الكتائب بمحراثها الدموي إلى بنغازي انتفض هذا الغرب وحسم في أمر القيام بعمل عسكري حفاظا على «تعقله» وعقلانيته» الديمقراطية والحقوقية. ـ تعدد الأبطال المشاركون في حرب طروادة (Ulysse, Achille, Nestor, Patrocle, Palamède, Agamemnon…) كما تعددت الدول المتدخلة في ليبيا اليوم، ويمكن أن نرى تشابها في العلاقات التي ربطت هؤلاء الأبطال وما يقع اليوم في علاقات الدول المشاركة في ضرب النظام الليبي، فالطبيعة البشرية واحدة لم تتغير. ـ قصفت ليبيا من قبل وحوصرت وبعد أن رأى القدافي بأم عينه الثعلب يركض في الصحراء ويدخل إلى خم إخوته في القومجية العربية البليدة ويفتح فم القوارض في جحرها الأخير ليتأكد من أنيابها التي نهشت بها الحقوق والحريات، انبطح القدافي أرضا ليجعل من ليبيا إلدورادو الغرب كما أراد لها رونالد ريغن من قبل، يسيل منه النفط والدولار في شكل تعويضات عن جرائمه وفي شكل صفقات فوق الطاولة وتحتها، وكانت أيام هذا الإلدورادو موعودة بطول ودوام الازدهار لولا رياح بوعزيزية هبت من جهة الغرب (غربنا) تأتي بما ينفع الناس، لا كرياح الشرق التي تأتينا بوأد النساء في الملابس السوداء، أو تأتينا بمن يفجر كبته عندنا أو بمن ينفجر علينا... فتعكرت سماء الإلدورارو وظل الغرب «حائرا» بين مصالحه ودعاواه بالدفاع عن الحريات والديمقراطية، تردد قليلا ليقرر، من بعد إعادة حساب مصالحه، محاصرة ليبيا من جديد عسكريا وجويا ماليا ودبلوماسيا... يعود الحصار إذن إلى ليبيا في قدر يشبه قدر طروادة التي حوصرت من قبل عدد سنين حتى يئس محاصروها منها إلا أن الحيلة كانت أقوى من كل حصار، فكما أن لطروادة حصانها الشهير الذي مكن لأعدائها منها، فلطروادة اليوم / ليبيا حصانها كذلك وهو القدافي، مع صادق الاعتذار لكل حصان.ـ تاه أوليس بعد حرب طروادة لسنين بين جزر حوض الأبيض المتوسط وضفتيه لغضب بوصيدون عليه، غضب يرجع البعض أسبابه لإنكار أوليس لفضل بوصيدون عليه في انتصاره في حرب طروادة، وفي رحلة تيهه هذه سيصل أوليس إلى مكان يسكنه Les Lotophages يرجح الدارسون أنه طرابلس ليبيا، حيث استقبله سكان هذا المكان ومن بقي معه من جنود بترحيب وحفاوة، أنستهم ما كابدوه على يد شعوب أخرى ك Les Lestrygons الذين طاردوهم ورجموهم وأكلوا بعضهم ولم ينجوا من سفنهم سوى واحدة نأت بأوليس وجزء ممن معه عن هؤلاء. ففي طرابلس لم يستطع جنود أوليس مفارقة هذا المكان لفاكهة لذيذة كانوا يلتهمونها بنهم هناك اسمها Le lotos، مما اضطر أوليس للمغادرة دونهم، ويمكن القول هنا إن الفاكهة اللذيذة تتوازى رمزيا مع الدولارات التي ينفقها القدافي على مرتزقته، والتي تجعلهم يفدون ولا يستطيعون مقاومة إغراءات عميد القادة العرب ذا النياشين والألقاب، كما يمكن القول إن الفاكهة الطرابلسية تتوازى رمزيا مع النفط ومع الأهمية الإستراتجية لموقع ليبيا التي جاءت بالغرب إلى ليبيا، والقولان معا واردان بدون حرج، فبطن الحصان تتسع للجميع. ـ غابت الأمازيغية وغيبت بعنف في ظل نظام الفاشية القومجية العربية للقدافي وفي ظل باقي أنظمة هذه الإيديولوجيا اللقيطة بشمال إفريقيا، ولم يكن لها من حضور سوى على خلفية يسمها القمع والاعتقال والاغتيال، ونرى اليوم المجلس الانتقالي الليبي وكأنه يسير في نفس الاتجاه، في إعلانه وتصريحات بعض أعضائه الذين لم يستطيعوا بعد التفكير من خارج هذه الإيديولوجيا، قد نتفهم الأثر البالغ الذي تتركه اثنان وأربعون سنة من التعبئة والشحن الإيديولوجي، لكن نود فقط أن ننبه إلى ما يلي: كيف يمكن القول بنجاح الثورة الليبية، وكيف للأحياء أن يبروا دماء الشهداء، إذا استمرت ليبيا في إعادة إنتاج نفس تصورات وأوهام إيديولوجيا القومجية العربية التي حكم بها أمينها القدافي- بئس الأمانة وبئس المؤتمن- ليبيا لأربعة عقود؟؟ فعلى نفس هذه الخلفية الموشومة بالإقصاء وعدم الاعتراف تظهر كذلك رموز الأمازيغية في أوديسا هوميروس، فبوصيدون، الإله الأمازيغي باعتراف هيرودوت، باني أسوار طروادة وهادمها كذلك، ليس له من حضور قوي سوى غضبه على أوليس - وهو غضب في حد ذاته ذو أسباب أكثر من دالة - وتدخله العسكري الحاسم ضد أو مع هذا الجانب أو ذاك، تماما كما يفعل أبناء هذه الأرض من الأمس البعيد إلى اليوم، حين يناضلون من أجل قضايا الآخرين ويهملون قضيتهم، بل أنكى من ذلك يناضلون ضدها، ومع ذلك فلن يرضى عن الأمازيغية أحد ولو اتبعت ملته. و الأكثر دلالة هنا في موقع الأمازيغية داخل أوديسا هوميروس وتوازيه مع موقعها من داخل أحداث واقعنا القريب والبعيد هو أن فاكهة المصلحة في طرابلس ليبيا أو أي مكان من شمال إفريقيا الأمازيغية يمكن أن تجذب الغرب/جنود أوليس حتى لا يستطيعوا عن أرضنا فراقا، لكن نفس هذه الأرض وما تمثله من ثقافة عميقة في أصولها وحمولتها الإنسانية لا يريدونها أبدا من داخل علاقة مساواة وأخوة وحرية، ففاكهة المصلحة تستطيع إبقاءهم ملتصقين بأرضنا، لكن كاليبسو Calypsoالإنسانة لن تفلح في ذلك، فكاليبسو ابنة أطلسAtlas حينما آوت إليها أوليس الذي جرفته الأمواج بعد تحطم سفينته إلى شاطئ مقامها الجميل حيث الحدائق والعازفات بمنطقة يقال إنها سبتة المحتلة اليوم، وتعلقت به وأحبته وطلبت منه البقاء معها، لم تستطع أن تثنيه عن رغبته الجامحة في الرحيل، ومع رفضه البقاء معها قدمت له كاليبسو ما صنع منه مركبة جديدة، ومن علوم أبيها أطلس دلته على النجمة التي عليه الاهتداء بها في البحر ليعود إلى وطنه. فرغم اشتراكنا مع هذا الغرب في تبني نفس القيم الإنسانية فليس هذا ما قد يجمعنا به ويبقيه معنا في علاقة زواج أو تآلف مبني على المساواة والأخوة الإنسانية (كاليبسو= أوليس) فلن يثنيه هذا عن العودة إلى وطنه، إلى أناه المنتفخ، إلى مركزيته التي لا تخفي تبجحها، فعبر التاريخ إنما تأتي به إلى أرضنا مصلحته لدرجة لا يستطيع عنها فراقا، كلما أخرجناه من باب أو نافدة عاد مرة أخرى، تماما كما غادر أوليس وبقي جنوده يلتهمون الفاكهة الطرابلسية، عسكريا إبان كل احتلال مباشر، أو سياسيا واقتصاديا في حال الأنظمة التبعية التي يخلفها وراءه. من كل هذا التوازي الرمزي بين مضامين أوديسا هوميروس وأوديسا حلف الناتو تناسلت في فهمي إيحاءات ودلالات الاسم الذي أطلقه الغرب على عمليته العسكرية ضد النظام الليبي، ولا يحسبن أحد أن كل هذه الدلالات كانت واردة في ذهن من أطلق التسمية، إلا أن الأكيد أن من أطلقها كان يشير إلى ذاته الغربية عبر الإشارة إلى واحد من أهم أسسها الأسطورية، بما يجعل غربي اليوم يتماهى مع أجداد أسطوريين، يخال نفسه ينسج عملا بطوليا على منوالهم، بل وعلى أرض لها ما لها من عمق العلاقة مع أجداده أولئك ومع أساطيرهم وآلهتهم، ومن تفاصيل هذه العلاقة بالذات يتكون إطار عام يضم كل المتوازيات الرمزية التي أتينا على ذكرها ويعطي لإيحاءاتها مزيدا من القوة والوضوح، وهذا الإطار هو ليبيا الضفة الجنوبية لحوض الأبيض المتوسط وما لها من موقع هام في ميثولوجيا الضفة الشمالية بشكل عام. إن ليبيا عند الغرب القديم (الإغريق والرومان) ليست فقط هي هذه القطعة من الأرض المعروفة اليوم بحدودها السياسية، والتي عاثت فسادا فيها الشوفينية القومجية العربية لنظام القدافي، إنما هي كل الشمال الإفريقي الممتد من غرب وادي النيل إلى جبال أطلس وبحره المحيط حيث مغرب الشمس، ولهذه الأرض حضور جليل، عجيب وغامض في الأساطير الإغريقية والرومانية، يستحق أن تستجليه دراسات وافية ومتخصصة، فعلى هذه الأرض ولدت إلهة الحكمة أثينا Athéna متوشحة بلباس الليبيات قبل أن تكون يونانية، وإلى هذه الأرض تشير مؤسسة الديمقراطية اليونانية: أكورا Agora لتعانق لفظا ودلالة مؤسسة أكراو Agraw من داخل إزرف أمازيغ (القانون الأمازيغي) ومن بحيرة في تونس Lac des tritons انطلق بوصيدون Poséidon ليحكم بحار العالم، وعلى غايا Gaïa، أرضنا هذه ، تصارع هرقل Héraclès وأنتي Antée أمام أعين زوجته تينجيسTingis (مدينة طنجة)، وعليها كذلك تعلم هرقل من أطلسAtlas قوانين الفلك الأولى حين جاء طالبا للفاكهة الذهبية في حدائق الحوريات الأطلسيات Nymphes، هسبريد Les Hespérides، عند قدم جبالنا الأطلسية...مند القدم توالت على أرضنا موجات من الغرب والشرق تنافست فيما بينها كي لا تكون أرضنا هذه ما هي بثقافتها ولغتها الأمازيغية، وكانت كل موجة لاحقة تنفي وتمحو السابقة، إلى عصرنا هذا الذي تحالف فيه الاثنان ودعم فيه بعضهما البعض، بما يحفظ مصالح كل واحد منهما، فالغرب الذي مكن للقومية العربية النازية في شمال إفريقيا وأسس لها جامعة دول عربية كدس فيها ما صنعت يداه من كيانات سياسية، هو الذي يمكن لها إلى الآن عبر دعم ديكتاتوريات الأنظمة العروبية القائمة بها، وعبر تكريسه - وهو العالم باحثوه بالحقيقة الثقافية للمنطقة - إعلاميا وسياسيا... لمغالطة انتماء هذه الأرض، شمال إفريقيا، إلى عالم وهمي خداع، شوفيني استعماري اسمه العالم العربي تغيب وراء أوهامه وأحلامه أمازيغية هذه الأرض، فالغرب بهذا يجد طوع يديه أنظمة منفصلة عن الأرض التي تقوم عليها مستعدة لتقديم كل التنازلات للبقاء على الكراسي، في تطبيق حرفي لمعنى الديمقراطية حسب تفسير العالم اللغوي الفيلولوجي الكبير القدافي: أديموالكراسي، والشرق في المقابل يجد شعوبا بأكملها يركبها ويسرق إنتاجاتها ليضيفها بوقاحة لنفسه، فله هو التفرغ لإشباع نزواته ولغيره من الشعوب المسلمة وغير المسلمة الكد في بناء المسماة تدليسا حضارة عربية. إن أرضنا حينما تجلي وجهها الأمازيغي يمكنها أن تقوض حتى الأسس الأسطورية للمركزية الغربية، فما بالك بغيرها، وهنا يظهر عمق المشروع التحرري للحركة الأمازيغية، أما إذا غيبت الأمازيغية وراء تشادور العروبة والقومجية فلا صداميات وبشَّاريات البعث أو بالأحرى العبث العربي تستطيع ذلك، ولا قدافيات تأبط شرا لها ذلك. هذا ربما ما فهمه الغرب قبل أن نفهمه نحن، فخلف من بعده في كل الشمال الإفريقي أنظمة قومجية عربية أو ديكتاتوريات إفريقية ترعى مصالحه، ولم يخلف هنا من بين كل الدول التي أنشأ بعضها إنشاء ولا دولة أمازيغية واحدة بما يوضح لمن له رأي آخر المضمون الحقيقي لما كان يطلق عليه «سياسة بربرية» للمستعمر. فهل قدرنا نحن أبناء بوصيدون أن نظل غاضبين على هذا الغرب وأعوانه القومجين كما ظل بوصيدون غاضبا على أوليس في الأوديسا؟؟ سؤال يحلو لعيني المتوهمة أن ترى إجابته في شكل إشارات خافتة ومتفرقة تلوح بوجهها من بين ثنايا الأحداث، فهل شارتنا وتحيتنا الأمازيغية ثلاثية الأصابع والدلالات، وكذلك حرف أزا الأحمر على علم شمال إفريقيا ثلاثي الألوان، كلها صور عن رمح بوصيدون الأسطوري ثلاثي الرؤوس، الذي كان يصرف به غضبه، محركا البحار ومفجرا الينابيع؟؟ هل روحه الغاضبة والقابعة في هذه الأرض قبل أن تكون قابعة فينا هي من فجر ينبوع ثورة اختارت لها من الأزمنة رأس السنة الأمازيغية، 14 يناير، ليكتسح موجها الجوار القريب والبعيد؟؟ أم أنه هي من اختارت لها كذلك من الأمكنة سيدي بوزيد كمكان للانطلاق، لتدعم بدليل غريب لا كالأدلة قول من قال بعلاقة امتداد بين بوصيدون وسيدي بوزيد أي أن ضريح هذا الأخير ما هو إلا أسلمة شكلية لمعبد الأول .......؟؟ تأخذني هذه الإشارات والدلالات الرمزية لأتبعها فكرة فكرة، وزنكة زنكة، إلى آخر قطرة من مداد قلمي، لأنه معي منها الملايين، ؤ موش من داخل هذه الأسطورة فقط، معايا الملايين من الأساطير الأخرى، لكن دقت ساعة النشر، دقت ساعة التعقل، لا رجوع، إلى الأمام، فليميز كل واحد منكم، فردا فردا، حدود ما هو عقلي موضوعي فيها، وما هو خيالي ذاتي، أوردته متداخلا بعضه في بعض ليكون وخزا خفيفا بإبر أسطورية للذات في شمال إفريقيا لعلها تعي نفسها وتعيد تموقعها في السياق الحضاري للإنسانية بشكل سليم. تبدو الرحلة طويلة كما كانت رحلة أوليس في الأوديسا، والغرب حينما أضاف الفجر إلى أوديساه فإنه يعدنا بما أبقاه في جعبته من باقي أجزاء اليوم، فها هم هؤلاء لهم اليوم من الأوديسا فجرها، فعلينا نحن للأمازيغية أن تكون لها واضحة النهار، نفضح فيها النفاق المصلحي للغرب - إلى أن يرضّي الغرب بوصيدون كما رضّاه أوليس في نهاية المطاف - ، ونشلح عن إيديولوجيا القومية العربية ما تبقى من أسمال «وكل ثوب إذا ما رث ينخلع». حمَّاد ؤهريش (محمد أهريشي). أزرو، في 06 مايو 2961 ـ 19 مايو 2011 **** Bibliographie: 1- Dictionnaire de la mythologie grecque et romaine, Pierre GRIMAL, Presses Universitaire de France, 1982. Webographie : Wikipédia, l’encyclopédie libre…
|
|