|
|
الهوية والجنسية والأمازيغ العروبيون والوطنيون بقلم: مبارك بلقاسم
من المفاهيم المغلوطة الشائعة لدى الجمهور الأمازيغي (سواء الناطق بالأمازيغية أو بالدارجة) أن الإنسان يمكن وصفه بالأمازيغي فقط إذا كان: 1) يتكلم الأمازيغية، أو 2) ينحدر من قبيلة أمازيغية معينة أو من «منطقة أمازيغية»، أو 3) يدافع عن القضية الأمازيغية، ضمن جمعية أو حركة أو حزب. وحسب هذا الفهم الخاطئ فبقية الأشخاص والمواطنين الذين لا ينطبق عليهم أحد هذه الشروط ليسوا أمازيغيين وإنما هم عرب أو مروكيون (مغاربة) أو جزائريون أو مسلمون أو أي شيء آخر غير الأمازيغية! وعلى أساس هذا الفهم الخاطئ فالحالة الطبيعية للإنسان في شمال أفريقيا هي أنه عربي مغربي مسلم إلى أن يثبت العكس! أو إلى أن تتضح معلومات إضافية جديدة!! أما الهوية الأمازيغية فهي، حسب ذلك الفهم الخاطئ، حالة طارئة استثنائية. حالة تخص عددا محدودا من المواطنين يشكلون مجموعة بشرية شاذة عن الأصل! وهذا المفهوم الخاطئ يؤدي بسهولة إلى اعتبار هؤلاء «الأمازيغ» أقلية عرقية أو إثنية أو لغوية في بحر ذلك المجتمع اللاأمازيغي المتخيل. وهكذا تتناسل كل المفاهيم والأشكال التعبيرية التي نراها حولنا والتي تنظر للأمازيغية كقضية أقلية عرقية إثنية جهوية ثقافية. وأقصى ما يمكن أن يقدمه أصحاب هذا الفهم الخاطئ إلى هؤلاء «الأمازيغ» (أي الأقلية الإثنية المتخيلة) هو اعتبار الأمازيغية «رافدا» من روافد ما يسمى بـ»الهوية المغربية». ولكنهم لا يلبثون أن يتنكروا حتى لهذه الهوية الكوكتيلية Cocktail حينما تنتهي تلك الدردشة الثقافية اللطيفة الخفيفة، فيعودون إلى “مغربهم العربي” وإلى هويتهم “العربية الإسلامية” وإلى “عالمهم العربي” و”فلكهم الفرنكوفوني”. علما أن تلك الهوية الكوكتيلية المخلوطة وكل تلك الروافد والمكونات والنظريات العرقية والإثنية كانت كلها من بنات أفكارهم ومن اختراعهم. ولا يستخدمونها إلا خلال الدردشات الثقافية مع أفراد “الأقلية الأمازيغية” أو في برامج الدردشة التلفزية، للخروج من المآزق والتناقضات الكلامية والحوارية وللظهور بمظهر التعددية والتسامح والتحضر.أما هوية “مغربهم” أمام العالم الخارجي فيريدونها عربية إسلامية فرنكوفونية. لا وقت للتشويش والشوشرة الأمازيغية! أي أن الأمازيغية ما هي إلا فضيحة داخلية لا يجب أن تخرج إلى العالم الخارجي! الهوية والجنسية.. ما الفرق بينهما؟ Tamagit d taghelna.. min ten ibttvan? أولا يجب التذكير بأن الواقع والمنطق يثبتان حقيقة أن كل سكان شمال أفريقيا أمازيغيون أولا وأخيرا.كل من يعيش في المروك بشكل دائم هو أمازيغي الهوية مهما كانت لغته أو لونه أو عرقه أو دينه أو نسبه أو شجرة عائلته أو مكان مولده أو وثائقه الثبوتية. وكل من يحمل جواز سفر مروكي ويعيش في المروك فهو أمازيغي الهوية، مروكي الجنسية، يعيش تحت طائلة قوانين دولة المملكة المروكية (المملكة المغربية) التي تأسست عام 1912. وبالتالي فالهوية الأمازيغية هي هوية طبيعية فطرية لكل من عاش أو يعيش في بلدان العالم الأمازيغي (المروك، تونس، الدزاير، ليبيا، منطقة أزاواد...). أما الجنسية فهي “هوية سياسية” قانونية مكتسبة ومبنية على أساس القانون وسياسة الدولة، وقد تخضع للتغيير والتعديل والنزع والمنع والمنح، حسب تغير قوانين أو سياسات الدولة. وقد يحدث أن يحصل شخص على جنسية دولة أو بلد ما دون أن يكون قد عاش فيه يوما واحدا! وهذه هي حالة مئات الآلاف من الأوروبيين ذوي الأصل الأمازيغي المولودين في أوروبا والذين يحصلون على الجنسية المروكية فقط لأن آباءهم يحملون جواز سفر مروكي. فلا يعقل أن نعتبر هؤلاء الأوروبيين ذوي الأصل الأمازيغي بأنهم مروكيون أو جزائريون أو أمازيغ الهوية، وذلك لأنهم ولدوا وعاشوا في أوروبا ولا يربطهم شيء ببلاد الأمازيغ سوى بعض الروابط العائلية أو بعض البقايا الثقافية أو اللغوية. أما هويتهم الحقيقية فهي هوية البلد الذي يعيشون فيه: أي أن هوياتهم هي هولندية أو ألمانية أو فرنسية أو إيطالية أو إسبانية...إلخ.
وقد يحدث أن تقوم دولة بنزع الجنسية عن أحد المواطنين لأسباب
سياسية أو جنائية. فمثلا، جردت السلطات المروكية ابراهام السرفاتي من جنسيته
المروكية لأسباب سياسية وزعمت أنه مواطن برازيلي رغم أنه أمضى (آنذاك) معظم حياته
في المروك، قبل أن تتراجع عن ذلك القرار بعد سنين وتعيد له جنسيته! ونفس الشيء ينطبق على الشخص الذي يحمل جنسيتين أو جوازي سفر (وهناك من يحمل ثلاثة). فذلك الشخص ليس ثنائي الهوية بل هو فقط ثنائي الجنسية. أما هويته فهي هوية البلد الذي عاش فيه أكبر مدة أو هي هوية البلد الذي تشكل وترسخ فيه وعيه ووجدانه. وبالتالي فالنظام الحاكم والبيروقراطية والقرارات السياسية والقوانين والظهائر لا تحدد ولا تصنع الهوية المجتمعية والحضارية للإنسان وللشعب ولا تستطيع نفيها ولا إعدامها ولا إنكارها. وكل ما تستطيع فعله هو الاعتراف بها أو تجاهلها ولكنها لا تستطيع إلغاءها من الوجود. فهوية الشعب تسبق دائما مرحلة تشكل الدولة والمملكة والجمهورية والقانون والدستور والثقافة والدين. أما الدولة والسلطة والقانون وكل المؤسسات الأخرى فهي نتاج لهوية الشعب وخاضعة لمنطقها ومحدداتها (في الحالات العادية والطبيعية). وفي بعض الحالات الشاذة تكون الهوية الرسمية للدولة وقوانينها غير مطابقة لهوية الشعب، ويكون هذا الشذوذ بسبب استعمار أو احتلال أو تأثير خارجي أو استبداد داخلي فرداني أو نخبوي أو مركزي. من هو الأمازيغي العروبي؟ ما هويته؟
Wi yellan d Amazigh Aârubi? الأمازيغي العروبي هو كل شمال أفريقي يرفض هويته الأمازيغية بكامل وعيه وإرادته، أو يتنكر لها ويدافع عن الهوية الأجنبية العربية كهوية له ولشعبه، ويعتنق أفكار القومية العربية. والشعب الأمازيغي (الشمال أفريقي) شعب كثير العدد متعدد الاتجاهات الثقافية والأيديولوجية. ومن بين الاتجاهات الأيديولوجية الموجودة في تامازغا هناك القومية العربية. ورغم أنها متناقضة مع الهوية الأمازيغية ومع حقائق التاريخ والجغرافيا والمنطق، فهي أيديولوجية موجودة ولا جدوى من إنكارها. وانتشار أيديولوجية القومية العربية بين نسبة من الشعب الأمازيغي يمكن تشبيهه في تناقضه بوجود الأيديولوجيات والمنظمات النازية اليوم في بعض البلدان التي عانت من الغزو النازي مثل روسيا. ففي روسيا هناك اليوم العديد من المنظمات النازية التي تمجد هتلر أو رموز النازية رغم أن النازيين الألمان قتلوا من الروس أكثر من أي شعب آخر، وخربوا روسيا أكثر من أي بلد آخر. بل إن النازية الألمانية الأصلية اعتبرت العرق السلافي (الروسي) عرقا منحطا لا ينتمي إلى نخبة الأعراق الآرية المتفوقة مثل الأعراق الجرمانية والاسكندينافية والأنجلوساكسونية (حسب الفكر النازي المريض طبعا). ومع ذلك فهؤلاء النازيون الروس الجدد يقرأون اليوم بحماس كتاب هتلر “كفاحي” (الذي أبان فيه هتلر عن عدائه العميق للسلافيين) والذي اضطرت السلطات الروسية إلى منعه في مارس 2010 بسبب تصاعد بيعه وتداوله وتصاعد الإجرام العنصري في المدن الروسية ضد الأجانب. ويقنع هؤلاء النازيون الجدد الروس أنفسهم اليوم بأنهم ينتمون للعرق المتفوق وبأن هتلر كان يريد بالروسيين خيرا وأن العالم لم يفهمه، وأن الأفكار النازية هي مستقبل روسيا! وهكذا يمكن أن تتواجد أيديولوجية قومية أجنبية صنعها أجانب في بلدهم الأصلي على مقاس ثقافتهم وعرقهم وهويتهم، ببلد آخر مختلف تماما عن البلد الأصلي حيث تم “تصنيع” وإنتاج هذه الأيديولوجية.
في المروك يعتنق أيديولوجية القومية العربية المئات من السياسيين
الأمازيغيين وعلى رأسهم الوزير الأول عباس الفاسي (الذي صرح يوما للتلفزة المروكية
بالصوت والصورة بما مفاده أن من بين واجباته خدمة القومية العربية). ويعتنقها أيضا
الكثير من المثقفين الأمازيغيين المروكيين مثل الراحل عابد الجابري، وعبد الله
العروي، ومحمد العربي المساري وغيرهم. وجدير بالذكر أن تأثير الصحفيين الأمازيغ العروبيين في نشر القومية العربية في العالم الأمازيغي هو أكثر تدميرا من تأثير السياسيين الأمازيغ العروبيين الذين لا يصدقهم الشعب، وأكثر تخريبا للعقول من المثقفين الأمازيغ العروبيين الذين لا يقرأ السواد الأعظم من الشعب كتبهم. الصحفيون الأمازيغ العروبيون هم الذين يذكّرون الشعب الأمازيغي يوميا على صفحات الجرائد بـ”هويته العربية” وبـ”واجباته القومية” تجاه فلسطين والعراق ولبنان. هم الذين يبكون وينوحون يوميا حول “الزمن العربي الرديء” و”التخاذل العربي”. وهم الذين يندبون يوميا حظ العرب العاثر في العلوم والتكنولوجيا وكرة القدم والحرب والسينما والصناعة والتنمية. وهم الذين يحلمون بتشريف (أسيادهم) العرب في المحافل الدولية بل وحتى في المسابقات الرياضية! وبالتالي فهم الذين يرسخون العصبية العربية والقومية العربية في أذهان العامة من الشعب الأمازيغي. وهم الذين يحاولون توجيه أفكارهم وأعمالهم في اتجاه “المصلحة العربية”، عبر مسلسل من التكرار والإيحاء والتكييف وخلق الشعور بالذنب لدى الأمازيغ حول معاناة الفلسطينيين والعراقيين واللبنانيين (مع تجاهل معاناة الشعوب غير العربية). من هو الأمازيغي الوطني؟ Wi yellan d Amazigh anamur? أما الأمازيغي الوطني فهو كل مواطن شمال أفريقي واع بهويته الأمازيغية ويعتنقها ويقبل بها كهوية وحيدة له، ويرفض التبعية السياسية أو الهوياتية لكل ما هو أجنبي من عروبة وفرنكوفونية وغيرهما، ويرى أن بناء أو إصلاح المجتمع الأمازيغي (بلدان شمال أفريقيا) يجب أن يتم على أساس الهوية الأمازيغية والثقافة الأمازيغية بالإضافة إلى العلم والديموقراطية. الأمازيغي الوطني منسجم مع هويته الوطنية الأمازيغية، وهو مكتفٍ ذاتيا، ولا يتسول الانتماء الهوياتي والثقافي من الأجانب، لا من العرب ولا من الفرنسيين ولا من الإسبان ولا من غيرهم. لا يحتاج لرضىاهم ولا ينتظر تعليماتهم ولا إيحاءاتهم. الأمازيغي الوطني قد لا يتكلم بالضرورة اللغة الأمازيغية، ولكنه متشبث بها وفخور بالانتماء إليها. إذا كان الأمازيغي الوطني ناطقا بالدارجة فقط فهو يأخذ اللغة الأمازيغية بنفس الجدية التي يأخذ بها الدارجة والعربية، وهو واع بالمكانة الوطنية الرائدة للأمازيغية وبأسبقيتها التاريخية المطلقة، وهو يدعم العناية بها وتدريسها لأبنائه مثلا. الأمازيغي الوطني متمسك بتقاليده وثقافته الأمازيغية ولن يتخلى عنها إلا إذا تناقضت مع حقوق الإنسان أو مع تطورات العلوم والتكنولوجيا. وماذا عن الأمازيغ الفرنكوفونيين؟ Min gha nini xef Imazighen Ifransawalen? الفرنكوفونية لم تبلغ بعد مرحلة الأيديولوجية في بلاد الأمازيغ. وإنما هي بقايا ثقافية من الاستعمار تمكنت من تثبيت موقعها في مؤسسات الدولة. ولا يحب معتنقوها ومناصروها الظهور للعلن للدفاع عنها. وتتلخص أهداف الأمازيغ الفرنكوفونيين في تثبيت وتقوية وجود اللغة الفرنسية في المروك وبقية تامازغا، وتقوية التبعية الثقافية لفرنسا. والسياسيون منهم يرغبون في ترسيخ التبعية السياسية والاقتصادية الحالية لفرنسا من أجل أن يستفيدوا من المكاسب المادية الناتجة عن لعبهم دور الوسيط والسمسار بين الشعب الأمازيغي والدولة المروكية من جهة وفرنسا من جهة أخرى. والأمازيغ الإسلاميون؟ Iwa hi Imazighen Islamanen? الأمازيغ ذوو الأيديولوجية السياسية الإسلامية يجمعون بين بعض خصائص الأمازيغ العروبيين وخصائص الأمازيغ الفرنكوفونيين. وكثير منهم يرفض الهوية الأمازيغية علنا ويعتبرونها “فتنة ونعرة جاهلية” يجب استئصالها أو تركها نائمة. أما المنخرطون في السياسة منهم فيحرصون عادة على نفي معاداتهم للأمازيغية وينكرون رغبتهم في تعريب الشعب. ولكنهم يفرضون شروطا على “الأمازيغي المسلم النموذجي الطيب” مثل أن تكون لديه “غيرة” على “الأمة العربية الإسلامية”، وأن يعلم العربية لأبنائه أو أن ينشرها في مجتمعه، وأن يتخلى عن الأفكار العلمانية والغربية مثل “حقوق الإنسان” و”الحرية”، وأن يتبع بدلا عنها “المشروع الإسلامي” المفضي إلى إقامة دولة إسلامية على غرار إيران أو السعودية حيث الفقيه أو المفتي أو الولي الفقيه يحدد طريقة عيش الشعب ويرسم حدود حرية التعبير وحدود حقوق الإنسان. الأمازيغ الإسلاميون يلتقون مع الأمازيغ العروبيين في مشروع التعريب اللغوي والهوياتي للشعب الأمازيغي والرغبة في استئصال “التشويش الأمازيغي” و”النعرة الجاهلية” و”مشكلة الأقليات”. والإسلاميون يستخدمون بحماس مصطلحات “العالم العربي” و”الأمة العربية الإسلامية” مثل العروبيين بالضبط. والأمازيغ الإسلاميون يلتقون منهجيا مع الأمازيغ الفرنكوفونيين في نزوعهم للتبعية للأجنبي. فهم يحرصون على استلهام تجارب الإسلاميين العرب (في آسيا) حيث يغرفون من منابع الفكر السياسي الإسلامي هناك ومن آخر مستجدات الصراعات السياسية التي يشارك فيها الإسلاميون هناك، بل ويتبنون خططهم ومشاريعهم وهمومهم مهملين هموم الشعب الأمازيغي. بالإضافة إلى أن الأمازيغ الإسلاميين معروفون بنزوعهم وميلهم إلى رهن مصير الشعب الأمازيغي بمصير الشعوب العربية الإسلامية في آسيا، وهذه طبعا هي قمة التبعية. خلاصة: Tafellawt مثل كل بلدان العالم، توجد في بلدان العالم الأمازيغي العديد من التيارات والأيديولوجيات بعضها منسجم مع الهوية الوطنية وبعضها أجنبي تماما ومناقض للهوية الوطنية. إلا أن ما يختلف به العالم الأمازيغي عن معظم بلدان العالم هو أن الأيديولوجيات الأجنبية الشاذة والغريبة والمناقضة للهوية الوطنية (الأمازيغية) هي الأعلى صوتا والأكثر قوة وتنظيما وتمويلا، بينما الأفكار والأيديولوجيات والمنظمات المنسجمة مع الهوية الوطنية (الأمازيغية) هي الأقل ظهورا والأضعف تمويلا وتنظيما.
|
|