|
|
الصوت الشعري النسوي الأمازيغي بين الإبداع والاحتجاج الشاعرة خديجة إيكان في حوار مع جريدة تاويزا أجرت الحوار: عزيزة نفيع تعتبر الشاعرة الأمازيغية الشابة خديجة إيكان من مؤسِّسات الكتابة الشعرية النسوية الأمازيغية بسوس، اختارت أن تكون بصمتها الأولى في مجال الكتابة الشعرية بلغتها الأم - اللغة الأمازيغية- وذلك بإصدار ديوانها الأول بعنوان ئلودي Iludi سنة 2009. ولكي نتعرف أكثر على الشاعرة والإنسانة خديجة إيكان، أجرينا معها هذا الحوار لقراء جريدة تاويزا الأفاضل. سؤال: كيف تقدم خديجة إيكان نفسها؟ جواب: امرأة مغربية معتزة بهويتها الأمازيغية، عادية جدا وأحلم كثيرا، ولدت بالدار البيضاء وترعرعت فيها ولا أتخيل نفسي في مدينة غيرها، أعشق الطبيعة وأعتبر سوس ينبوعي الذي لا ينضب. سؤال: لماذا اختيار درب الكتابة عموما؟ جواب: لم أحلم أن أكون كاتبة، ومع ظهور القضية البوسنية وما رافقها من مآسٍ إنسانية، لم أجد أمامي طريقة لبث كل ما يجول في ذهني سوى ورق وقلم، فكانت الكتابة فعلا أشبه بطبيب يفحص مخاوفي العميقة، ومع مرور الوقت صرت أكتشف ما للكتابة من دور في التغيير وقدرتها على خلق عالم جديد إن على مستوى الأفراد أو الجماعات. سؤال: لماذا كتابة الشعر بالذات؟ جواب: الشعر لغة خاصة، مؤثرة وعميقة، لغة ذات تأثير خلاب وأبدي، لقد قرأت أشعارا من قرون ماضية وتساءلت كيف أمكن لكلمات من عمق القرون أن تؤثر في أفراد من زمن لاحق، ذلك لأن الروح العذبة الصادقة حين تمتزج بالكلمات تمنح الخلود للمعاني، لقد فهمت من عطاءات الشعر أنه فن قادر على منح الكثير للعالم، إني أعتبره مثل دين، فكلاهما رسالة عدالة وحرية. سؤال: لماذا الكتابة بالأمازيغية؟ وكيف كانت البداية؟ جواب: لم يسبق أن فكرت بالكتابة باللغة الأمازيغية، بالرغم من كوني تساءلت لماذا لم نكن ندرس لغتنا في المدرسة، لكن هذه الأسئلة كانت تتلاشى مع الحياة اليومية، ثم جاءت سنة1998، حين وجدت نصا أمازيغيا من رواية الحمار الذهبي لآبوليوس، إنه مقتطف مترجم من الرواية يحمل عنوان "عشاء في بيت دينكو"، لما كنت أقرأ النص تألقت الدموع في عيني انبهارا بسحر لغتنا الأمازيغية. كان ذلك أول لقاء لي مع كتابة أمازيغية جعلتني أفكر جديا في التعبير بلغتنا، وأن أمنح لها شيئا جيدا؛هكذا بدأت بخط أولى كلماتي دون أن أدري إن كانت ستكون قصة أم شعرا، ثم وجدت نفسي تلقائيا أكتب أبياتا شعرية، البعض يعتقد أنه صعب الكتابة بالأمازيغية، هذا وهم كبير، لقد كتبت كما أنطق، أرسلت كتاباتي إلى موقع سوس الالكتروني، فأحب أصدقاء الموقع نصوصي مما شجعني على التفكير في إصدار كتاب. سؤال: يعتبر ديوانك "ئلودي" ثمرة سنوات من إنتاج الشعر بالأمازيغية، ونمط الكتابة الشعرية فيه يدرجه ضمن أفق الحداثة، فما سر هذا الاختيا؟ هل هو تعبير عن ثورة ضد التقليد؟ جواب: أظن أن هناك أفكارا وأحاسيس تفرض بنفسها طريقة الكتابة، وشخصيا لم يسبق أن انبهرت بشعر تقليدي وذلك بأي لغة كان، أنا أتبع إيقاع روحي، وأثق فيه، أسعى لشعر يمنح الإحساس بالأشياء، يمنح للقصيدة حركة ورونقا، وتأثيرا، إنه أسلوب متجدد وحداثي، الإيقاع الوحيد الذي أؤمن به هو إيقاع الكلمات الثائرة، والحداثة بالنسبة إلي هي ثورة الكلمات التي تحرك الأشياء من مكانها، تقلب مناخ اللحظة، تجعل المرارة رقة، والشحوب رونقا، ثورة الكلمات التي تمنح التأمل وتأثرا عذبا غير مفهوم أحيانا، وأعتبر أن اللغة الأمازيغية قادرة على العطاء بأسلوب حداثي يصل إلى روح العالم أكثر من أي أسلوب آخر، فالأسلوب التقليدي ظل مرتبطا بالمناخ الفلكلوري وإن لم يكن كذلك في حقيقته، لكني لمست هذه المسألة في مشاركتي في إحدى الملتقيات الشعرية، حيث كان البعض ينتظر مواويل من الأطلس المتوسط معتقدين أن هذه هي الطريقة الوحيدة التي يقال بها الشعر الأمازيغي، وهم مخطئون، فالحداثة في الأسلوب والإلقاء لغة تتقنها اللغة الأمازيغية، وبالنسبة لي الكلمات التي تثور في أساليب رصها ونسجها هي التي تحيي روح القصيدة، والشعر الذي لا يخاف من التجديد ومن لوم الآخرين هو الكفيل بتحقيق الأفضل. سؤال: يعتبر ديوانك مؤسس الكتابة الشعرية النسوية الأمازيغية بسوس، هل توافقين أصلا على هذا المصطلح؟ جواب: أن أمنح شيئا جميلا للأمازيغية كان حلمي، أنا شخصيا اعتقدت أني جئت متأخرة، أما هذا المصطلح فيبقى للنقاد وحدهم أهمية الرأي. سؤال: يرى بعض النقاد أن الكتابة النسوية الأمازيغية هي عمل احتجاجي مزدوج الأبعاد، احتجاج من الهامش على المركز، احتجاج من المرأة الأمازيغية على الهيمنة الذكورية لإثبات فاعليتها في مجال الإبداع والخروج من شرنقة الحصار الذي يراد فرضه عليها، واحتجاج على هيمنة العروبيين الذين يحتقرون لغة الأمازيغ لإثبات قدرة هذه اللغة على الانخراط في الكتابة الحديثة، هل توافقين على هذا الرأي، وما تعليقك؟جواب: أبعاد الاحتجاج في الكتابة النسوية الأمازيغية مزدوج بالفعل هناك نساء عانين من سلطة ذكورية لا تقدر مواهب المرأة، فبحثن عن الانعتاق وولادة جديدة عن طريق الإبداع. فالرجل لا يعرف ما يفعله بالمرأة حين يحتقرها، إما أن تنصاع لألم دفين، أو يجعل منها مجرمة أو تتفتق من إرادتها في النجاح طاقات بسببه كانت مجهولة؛ وأخريات ساخطات على الوضع الاجتماعي الاقتصادي المهمش، فيبحثن عن خلق آمال لواقع أفضل، الكاتبة الأمازيغية هي امرأة وإنسان ككل الناس تفكر وتنتقد وتحلم وتتفاعل مع محيطها وتعبر بلغتها العريقة. إنها تكتب بكل اللغات، وأن تكتب باللغة الأمازيغية فهذا احتجاج واضح موجه إلى كل من يستصغر من شأن لغة مغربية عريقة، فهذا الاحتقار لا أساس علمي له، ونبعه الوحيد هو ذهنية متخلفة متشبعة بكراهية من أجل الكراهية، وهذه طامة كبيرة أن تكون مثل هذه الذهنية تتحكم في مصير هوية بكل عمقها الذي هو اللغة، إنه احتجاجي الصارخ ودافعي لأكتب بالأمازيغية. لكن مواضيع كتاباتي ليست احتجاجا فحينما أكتب عن الطبيعة مثلا أكون أبعد الناس عن الاحتجاج. الكتابة النسوية باللغة الأمازيغية لديها رسالتان: واحدة للذين لديهم عقدة ما مع اللغة الامازيغية، أقول لهم إنها لغة إبداع إنسانية ولم تبدعوا أنتم شيئا تفتخر به الإنسانية، فأي إبداع ستبدعه عقليات لا تستحي من الجهر بعدائها للغة أنجبت إمبراطوريات في هذا البلد، إنها عقليات غير وطنية، والرسالة الثانية موجهة إلى الكتاب المغاربة أن يخوضوا تجربة الكتابة بالأمازيغية. سؤال: يتفق أغلب من قرأوا ديوانك الأول على أن قوتك في الكتابة الشعرية تكمن في صورك الممتعة التي تتسم بالبساطة الممتنعة، وفي تيماتك المرتبطة بفضاء الطبيعة وتحولاتها، وفي حضور الآخر بمختلف التجليات في أشعارك، بحيث يهيمن ضمير المخاطب، مما يمنح لنصوصك فرادتها وتميزها في المشهد الشعري الأمازيغي، فما العناصر التي تتحكم في اختياراتك الشعرية؟ ولماذا هذا الحضور اللافت للآخر؟جواب: قوة الأشياء والناس والطبيعة تكمن في البساطة، كل ما يؤثث الطبيعة من سهول ووديان، جبال وأنهار، شروق وغروب، هي مفردات لأشعاري، لا أتخيل ديواني بدون تكريم للطبيعة، كما لا أتخيله بدون تمجيد لقيم إنسانية كالحب والعدالة، الوفاء والتقدير، وتيماتي مرتبطة بعمق الإنسان وبعلاقته مع الطبيعة والكون واللحظات التي يعيشها مهما بدت صغيرة أنا أمنحها قيمتها؛ أما الآخر فهو حاضر في ذهني حين أكتب، كما لو كنت مكانه أو كان مكاني، لدي رغبة كبيرة في البوح لهذا أنا أخاطب الآخر الذي أود أن يسمعني، قد أبقى صامتة لا أتكلم لكن روحي تعج بأشيائي الكثيرة التي لم أعد أطيق حبسها في نفسي، فأبثها للذي قد يكون صديقا، شخصا مفترضا لا قامة له، لا لون، لا جنسية، قد لا ألتقيه أبدا لكني لن أكف عن مخاطبته. إني أغضب عليه وأحزن من أجله، نفترق ثم نلتقي، نتأمل العالم سويا، إني مهووسة بالحوار الذي بغيابه تكون المشاكل بين فردين أو أكثر، لهذا كله كان للمخاطب كل هذا التبجيل في الديوان. سؤال: تعرف الساحة الأدبية الأمازيغية حركية مشهودة في السنين الأخيرة، ما رأيك؟ جواب: تقدم المشهد الثقافي الأمازيغي في الآونة الأخيرة هو أصدق تعبير عن حاجات المجتمع المغربي إلى آفاق ديمقراطية وحضارية في التعامل مع تجليات الأدب المغربي، وهذه الحركية تأتي استجابة لإرادة الإبداع باللغة الأم لدى الشباب المغربي سيكون لذلك أعظم الأثر في تطور الأدب المغربي خاصة وفي تغيير العقليات إلى مستويات ديمقراطية. سؤال: هل ثمة أسماء أو توجهات أدبية تأثرت بها في تجربتك الشعرية وطنيا أو خارجيا أو أمازيغيا؟ جواب: قبل أن أكون كاتبة، كنت قارئة وما زلت، قرأت كل أصناف الأدب، وفي الشعر لا يمكنني تجاهل حبي الشديد للشعر الفرنسي وتقديري الكبير للشعراء الفرنسيين الذين منحوني عذوبة أدبية، فعن طريقهم آمنت بأن الشعر الصادق خالد في الحياة، يتأثر به أفراد من قرون لاحقة، شعرهم بسيط وجميل لا يحتاج معاجم من القرون الغابرة، أحببت الأغنية الطيبة لـPaul Verlaine وأزهار الشر لـ Charles Baudelaire وآخرين رائعين، أحببت أيضا قصائد الشاعر العراقي بدر شاكر السياب، أمازيغيا كنت أستمع للشعر المغنى لصفية ءولت تلوات ولمجموعة ءوسمان، إنهم شعراء مختلفون في ألوان كتاباتهم وجميعهم تركوا في انطباعا عميقا منذ أحسست بتجاوبي الروحي معهم. سؤال: ما بعض المشاكل التي تواجه الكاتب الأمازيغي من خلال تجربتك الخاصة؟جواب: مشكلة التوزيع هي المشكلة العويصة التي واجهتني، ثم الإشهار للكتاب الأمازيغي، فكثير من الناس لا يعلمون بتواجد الدواوين الأمازيغية في المكتبات، نحتاج إلى استثمار في صناعة متقدمة وتوزيع مناسب للكتاب الأمازيغي. سؤال: هل من عمل أدبي أمازيغي جديد في الأفق؟ وما هو المشروع الأدبي الذي تشتغلين عليه حاليا؟ جواب: أجل هناك عمل جديد أشتغل عليه حاليا، إنه ديواني الثاني. سؤال: هل فكرت في طرق أبواب الكتابة في أجناس أدبية أخرى كالرواية والقصة القصيرة؟ جواب: بطبيعة الحال فكرت، ربما سأخوض في مجال مختلف عن الشعر، يحتاج الأمر إلى وقت، وأتمنى أن يكون الغد مبشرا بعمل جديد ومختلف بإذن الله.
|
|