|
سؤال القصيدة الأمازيغية في المغرب بقلم: حمو بوشخار
"Il y a toujours un drame du contact
culturel", Hichem Djait,In : le mal de voir ,p 258.
تحديد الشعر: الشعر خلاف. لأن لا تعريف صمد، وواصل العيش وحده. الشعر ضد المصادرة. إنه استدعاء للقول. ويكفي التذكير هنا بكون الشعر موجودا، لا يحتاج إلى مدرسة. إنه في استقلال عن الرأي الذي نصدره بخصوصه. وهو غير الاختزال. حتى بات كل شاعر، مشروع تعريف للشعر. وإذا كان لا بد من رأي في النهاية بعد كل التحفظ الذي سلف، قد أستثني من الشعر ما ليس مبدعا. أقصد الذي يقتصر فيه الشاعر على التكرار والتقليد. الشعر خرق؛ ولا زمني، بحيث إذا لفظت قصيدة، شعرا لا تحزن إذا لم تعثر على قارئها حالا، أو من سينصت إليها.سيبلغ يوما، بالاستناد على قول إن ’’الحقيقة ليست دائما نفسها على كل العصور‘‘(1)، وهو التبدل الذي يضمن عدم ثبات الأسئلة التي قد تشعل الفكر مرحلة من الزمن، قبل أن يصل اليوم الذي يعاد فيه قلبها وحرثها. و’’ميزة الشعر، مهمته وامتيازه، هو ربط صلة، اتفاق نحو هذا الحاضر: الخاص باللغة أولا، لكن والتاريخ كذلك ابتداء من الشخصي إلى الكوني، صلة تمتد حتى الآخر القارئ‘‘(2). سياق إقصاء ثمديازت:لقد سهل الانتماء الرسمي للشرق، خاصة في وجهه الإسلامي الاختزالي بالطبع، عملية استيعاب المغرب الكبير، وبالتالي احتواؤه. والتغريب التالي، الذي سيصيبه ليس بالتغريب الخلاق، القادر على إيجاد مكان له في الذات. التغريب الذي نعرفه اليوم هو وجبة تزوير واجبة؛ عند لحظة التخلي عنها، يتمردون عليك وفي أقلها يكيلون لك السباب، حائلين دون تحررك منه. والأداة الحاسمة في تمارين اجتثاث الإنسان، الذي أهل شمال إفريقيا، ستكونه المدرسة بالطبع. وعموم أبناء هذا الوطن، لم يحن الوقت بعد للعثور وكذا إيجاد ذواتهم فيه. وثمة تمزق سيظل يطاردهم.؛ ما لم يجئ المرء إلى إدراك إنه ليس مجرد آلة إيديولوجية (ألثوسير) .من ’’ المؤسف أن المدرسة ليست هنا للقيام بثورة لأجل الآخرين، لا تعتمدوا على المدرسة لإصلاح الفوارق الاجتماعية... إنها الآلة الممتازة لإعادة إنتاج الاجتماعي...‘‘(3) الذي يستند على تصريف الموروث الخاص بالفئة التي تتحكم في السلطة. ’’لم يستطع أبدا النظام التربوي أن يوهم بوجود استقلال مطلق عن كل الطلبات الخارجية وبالخصوص تجاه مصالح الطبقات الحاكمة‘‘(4) وحين يوجد هذا الاستقلال فعن لا وعي الذين يمرر عليهم. اللغة التي تستخدمها المدرسة اليوم كانت زمن التواجد الفرنسي، في المرتبة الثانية وفي إطار مسلسل تهريب الأطر تم تشجيع التعريب. فكان السكوت عن المسخ والمسح الذي يتعرض له المحيط الثقافي لثامازيغت. المعركة كانت للاستعراض لا غير، مادام أن الفئات المحظوظة ستواصل تسجيل أبنائها في مدارس البعثات الأجنبية. وإذا تمت مطاردة اللغة الفرنسية، فلكي يجعلوا منها امتيازا؛ ويهجروا اللغة العربية وترتكب في حق من سيرفع لأجلهم شعار تعميم التعليم. على هذا النحو سيتم خلق أفواج، شقوق تقف ضد ذاتها. وتعمل بالحفاظ على خلق نزاعات وهمية. وينشأ التيه بمطاردة قضايا بعيدة لن تساهم سوى في إتلافنا. إنه وهم معانقة الكوني على حساب نفي الشخصي، والذي يرى إليه كهامشي غير جدير بالاعتناء. ’’إن صمتا ثقيلا، ولزمن طويل، قد طغى على الحقيقة الأمازيغية‘‘(5). وثامديازت/ القصيدة في ثامازيغت، عرفت نفس المصير، الذي سينسحب على كل ما له صلة بالإرث الحضاري العريق للأهالي في شمال إفريقيا. والذي عمق الهوة أكثر هو المسافة الفاصلة التي نشأت بين الرسم كحرف وكتقليد كتابي من جهة، وبين ما يعتزم حفظه، أي كل ما نميل إلى تخزينه كعواطف وإثارات. لقد سقط الدال؛ لكن الأساس أي المرجع سيبقى حيا، وإن في تعب، ينتج الغيم الذي يكسي الدال إلى حين. أشكال الكتابة هي التي تحملها ’’الحنابيل‘‘. إلا أنها كتابة أضحت خرساء، حين أتلفت مفاتيح شفراتها في مغارات الأطلس التي محتها الريح؛ فيما الهوامش التي منعت من الخراب الذي تعرضت له في ليل التاريخ، ستظل تحمل العتمات الحاثة على الإنارة. ’’عثرت على بعض ثيمديازين وثيماوايين، لكني انتبهت لوجود مفردات غير مفهومة بالنسبة لي، تجعل هذه النصوص الشفوية ملغزة حقا‘‘(6). إن الغياب الذي سيسم ثامازيغت، والذي ساهم فيه الأمازيغي عن طواعية أحيانا على أمل أن يعثر على لغته وعاداته عند عودته إلى البلاد التي خلفها وراءه لحظة نزوله إلى المدينة، كما كشف كومبس عن ذلك(7)؛ سيعمل على تأطير القصيدة على الأقل منذ أدركت نفسها وانتهت إلى أن تعرف أن الكتابة تتم في النقص الذي تحمله ويدعمها، وهو النقص الذي لا يمكن فصله عن الكلام-الأم(8). لذا على خلاف تيعاوذين/ الحكايات التي تكون تعليمية، وتستهدف الأطفال، فالشعر يتطلب نضجا لتقبله، الشيء الذي لم يمنع من أن يصير الشعر ’’القيمة المهيمنة في تجربة الكتابة الأمازيغية‘‘(9). ولو كنا نجد في أساس هذه الهيمنة كل الرصيد الحكائي لثيعاوذين ابتدءا من النفس (بفتح الحاء) إلى البنية. تجليات ثامديازت: قد تتعدد، ولكن جميعها تقوم على اللغة التي منحتها البروز. ا- مسار الهوية: هي مرحلة للكتابة بلغات لقول الذات. وهنا سيتم التركيز على الخطاب، لأنه سيمنحه التحديد الذي سيؤطره (فاتيمو). وبالتالي على اللغة كاحتجاج لتبليغ الصوت على اعتبار تشغيلها كوسيلة. فكانت الممر إلي فسح الطريق لأطروحة تعدد الروافد في الثقافة المغربية؛ إذ سيتم التنازع في هل هي عربية فرنسية... لتبقى في أساسها أمازيغية، واخا أن عائقها في منح الاستمتاع الشامل هو اقتصار هذا الأدب على الشفوية(10)، التي تحولت إلى عيب، وفتحت باب الازدراء واسعا. فيما جوهر أو روح الثقافة هو اللغة، التي بقيت في جميع الأحيان تقاوم النسيان، بفضل تشبث مستعمليها بها. وستشكل المرأة بهذا الخصوص مقرا ’’للثقافة والتقاليد‘‘(11). إنها الثابت في الكل المترحل. وإذا جاء اليوم الاهتمام بتعليمها في المجال القروي، فليس لكحل عيونها، بل لأجل ضرب المخزون وكذا عمق ثامازيغت؛ وتبذير رصيدها. ب- حسم المسار: تميزت الفترة السابقة بهم التعبير، وخلقت الالتباس المرتبط ببحث الكتابة المغربية، لأجل تصنيفها. لقد يطل البحث وتم تخطيه مع وجود إنتاج باللغة الأمازيغية. لحظة الوعي، حاسمة لأجل بلوغ هذه المحطة، ولولاها لما انتهى البعد والوجود الأمازيغي، إلى إثارة الانتباه، إلى التهميش الذي يتعرض له، ويطاله؛ فكانت ’’صدمة الرجوع إلى داخل الكائن‘‘(12). الشعر المتقد: خلال هذا المسار، كان حضور ثامديازت يتواصل، والمقاومة التي تمارسها اتسمت بالكفاية؛ لا تبغي سوى مواصلة العيش وكذا ضمان الاستمرار. لن يكون حضورا منطويا بالمرة على الذات ومحدودا، حتى لو بدأ(13) ’’أن القصيدة ليس لها ما ترويه، ولا ما تقوله فإن ما ترويه وتقول هو ما تنتزع منه كقصيدة‘‘. القصيدة الأمازيغية يتيمة. لماذا؟ لأن التقليد بمعنى وجود موروث موثق، غائب عندها. ولهذا فهي لا تستند إلا على نفسها، صوتها العابر؛ لتقول المنسي. وبكلمة إنها الحياة. ويبقى الرجع هو ’’الذاكرة الشفوية‘‘(14)، التي تعمل في عود أبدي، لأنها ذات جوهر يلغي الماضي لقول الآني باستعادة حضوره. بفضل الشعر الأمازيغي، يمكن اكتشاف ليس الشعر بصفة عامة(15)؛ وإنما الحياة قاح / كاملة. وقول أمذياز حمال أصوات، عبره ’’نستطيع الوصول لهوية الجماعة، لاديولوجيتها، نظرتها للكون، قيمها العقائدية، لتنظيماتها الاقتصادية الاجتماعية وبالخصوص لسكنه اللساني والثقافي لأعضائها‘‘(16). الألم والغياب، ولو عبروا في مصفاة ثامذيازت تظل فاضحة، ومعلنة عن حضورهم، دون فجاجة الواقع؛ وقد أصابت بييريت رونار(17)، عندما أوضحت ’’الألم أولي، وسبب بداية الإبداع، أكثر من التأمل‘‘. إنه الانخراط في الحياة، بالرغم من إغراءات’’ الحكي- المفارق‘‘( ليوتار) الذي تكشف عن انهياره التام. الصوت الشعري الحار، معدن نادر لأنه لا يأتي على عجل، وقصيدته غير مرقعة بأوتاد مستهلكة. القصيدة اعتناء، حتى تتقدم بلورية، غارقة في الدلالات. القصيدة تلبية طلب، وكأن الشعراء، أكتاف مياومون. يطلب المنشط فرقة الشعراء كي يتحدثوا الجيران ’’ذ ما ئدجا نبي‘‘. ولكم أن تتخيلوا الهدايا؛ في امتحان التنفيذ تنتهي القصيدة وتنتهي. صحيح أن الشعري نتشربه في اليومي. لكن ضرورة المعرفة به، والتعرف ليست معطاة؛ وتبقى الطريق في النهاية غير مهيأة للارتياد في كل حين. هذا في الوقت الذي يجب أن ’’يعادل الدخول للشعر الدخول للحياة والذي يبقى لا منتهيا‘‘(18). لقد ساهم الانتقال من الشفوي إلى الكتابي، بخصوص القصيدة الشعرية، في خلق غموض. لكنه يعتبر الحجر الأساس في كل قول شعري. والذي سيتسبب فيه، في هذا المقام، هو التنقيط.’’فالقصيدة دون فواصل صعبة القراءة بسبب تعثر إيجاد الوقفات، تقدير النبر وحتى المتكلم‘‘(19). الحاجة إلى التنقيط فقر. ولن يكون إلا مرحليا، لأن القصيدة في ثامازيغت تمر اليوم من مرحلة التبليغ؛ والشعر لا يستقيم معه. القصيدة تعطيل للرسالة. وكثير مما يتم انجازه، في برنامج إذاعي يريد الاحتفاء بالشعر، لن يمت له بأية صلة؛ إنه للوعظ، وبالتالي قد يحسب أي شيء سوى كونه شعرا. ولا يكفيه أن تلمع قصيدة هنا، أو انفجار مقطع هناك أن ينقذه من هذا التشغيل الأسود، الذي لا يزيد عن استغلال. للنظر الذي هو مهمة النقد، أن يأخذ في الاعتبار مكتسبات القصيدة العالمية. لقد عانت من التوصيل الذي يعد وجها للتقتيل، في حين أنه يلزمها الكثير من الدعابة في القبض على سربتها وحيويتها اللدنية. تشخيص القصيدة لا يبرر استنادها على التواصل. وبالتالي لن نكون هنا أمام عقم إذا سارت القصيدة في هذه الوجهة(20). معاناة في القصيدة: معاناة القصيدة المغربية، في شقها العربي، أنها بقيت تقليدية. وسيظل يطاردها لأنها تحمل جينة التقليد في لا شعورها. من خلال وضع الشرق نموذجها، وهو ما يتسرب لها مما تكتبه هذه اللغة في مهدها. ارتقاء هذه القصيدة لا يمكن أن يتم دون ألم. وهو ما يمكن لمسه في السعي لقتل الأب؛ التي تطرح بالنسبة للقطاء والمهووسين بنفي الغير إلى حدود ’’الإقصاء‘‘(21). فيما الذين يترعرعون في الفضاء الطبيعي، الذي يملؤه العطاء، فيكون عن طريق الاستقلال؛ من دون حاجة إلى ارتكاب جريمة. ومهما جاهدت في الخروج عن النموذج، يظل يطاردها شبحه الذي صنع لكي تصادقه، دونما إكراه على خدمته. هذه العقدة لم تطرح مع الطبقة التي تكتب بالفرنسية. فهي لم تبحث أن تتخلص أو تتنكر للرأسمال الشعري الفرنسي؛ بل إنهم تعرضوا للهجوم على يد هؤلاء المقيمين على هوامش الإبداع العربي في الشرق. فبالرغم من الاعتداء ’’المسرحي‘ ‘(مسرحي لأنك تراهم يسارعون لإيجاد من ينقل أو يترجم ما يكتبون إلى الفرنسية) لم يقعوا في المغارة البلهاء. وهو ما يجد تفسيره، في المسافة التي لم تقطع، لتضعهم في صلب التماهي الذي حدث لمن ينحازون للشق العربي، من أهل الشمال الإفريقي. الشعر المغربي، حتى عند من يدافعون عن هذا المسمى، إلى اليوم تقليدي. فعلى الرغم من القلق والغضب، وادعاء الجرأة، لم يطرحوا يوما سؤال اللغة عن حق؛ كي يتبين أن ما يذودون عنه من شعر عربي في المغرب لن يرقى بهم إلى أكثر من ملحقة للشعر العربي في الشرق. وستكون السعادة كبيرة عندما نراهم ينصبون سفراء القصيدة العربية في المغرب. الالحاقية لها مزاياها كذلك. مفارقة ’’الملحقة‘‘ أنها تتهرب من ’’التقليدية التي يستسلم فيها الشعري لمتطلبات الديني والسياسي‘‘(22) نفسه. وتنسى أنها تضرب بأرجلها في وحل السياسي. نعت ’’المغرب العربي‘‘ اختراع سياسي. فكان أن ترتب عنه، فزاعة الشعر العربي في المغرب ’’العربي‘‘. إنه نكتة. العدول عن سؤال الإلهام والموهبة وتعويضهما بالبحث عن التقنية والدراية، جواب ضمني عن قدر الالحاقية. لا يمكن الحديث عن الإلهام بخصوص لغة تم أخذها من مقاعد المدرسة. الأنسجان في الإلهام يسطح؛ والذين يأخذون به، عليهم سماع من يفتح كل شيء ليصير نصا(23). وإذا تم النظر للقصيدة بريبة(24) في المشهد الشعري العربي فلأنها لم تبلغ رشدها، حتى تستطيع أن تعترف أو تبوح لهم: احترسوا مني. إن سعيها للقتل، الذي يجعل منها مجرمة بامتياز، إذ يقودها إلى اغتيالات واسعة، حتى بالسكوت عن حقوق اللغات التي تصير مهددة في وجودها، فما بالك بالدعوة إلى إبادتها. قلت إن سعيها هو بحث عن شرعية بالمقلوب، نتيجة التوحشات التي تتواطأ على تمريرها. فهي لم تستوعب درس نسيانها ولم تضجر من اجتراره. إن محاولتها إيجاد مكان لها ضمن المسار الطبيعي للقصيدة العربية تطاول على من تحل عليهم ضيفا. المعرفة تحرر إذا قادت إلى نهج النقد الذاتي. لكن المأساة، تبدأ عند الاحتماء بها، لغاية إخراس’’الضيم‘‘ الذي تقاسيه الشعرية العربية في طبعتها المغربية. إن اللجوء إلى المعرفة هو لتفادي ’’العجز‘‘ في قول الموهبة. وبالتالي ليمنحها إمكانية تأجيل، أن تتعرف ذاتها، كقصيدة مترجمة عن لغة ممنوعة. إن العماء الاديولوجي، المتلحف بعباءة الحداثة المدربلة، فوت على المصاب أن يرى أن تعبيرات نحو ’’تاتكل لحم خضر، أو قطعت علينا رجلك‘‘ لا تحوي أي شاعرية إضافية، إلا لمن يجهل أنها ترجمة لكلام كل يوم، عند الناطق الأمازيغي، وهي على التوالي: Itett aksum aziza d Tebbit at’ar هذه الاستعارات هي مستهلكة، ولن يستشهد بها رجل الأدب لحجة شعرية. والمستعمل اليومي يقودها للسخرية، دون أن يقع في الالتباس ويأخذها كفعل واقعي. بهذا يظهر زيف ادعاء ’’تحويل الممارسة الشعرية (المغربية بالعربية) إلى كتابة وفعل وجود‘‘(25). ومحاولة يائسة لأجل تعويض ما لا يعوض نحو التحقق والكينونة. سؤال القصيدة المغربية لم يتجاوز المسالة التي وضعت مع صورة ’’الشعراء‘‘. أي لم تتعد الأفق التبعي أو التقليدي، الذي طهر ما يزيد عن قرون عدة. لقد بني الفخ واستحال استراتيجية(26)؛ عقلت فيه القصيدة المغربية منذ أن رسمت طموحها في ’’بلورة نص شعري مغربي معاصر لا يقل شاعرية عن نظيره المشرقي‘‘(الإبراز من عندي)(27). وهو يكشف ارتباكا، جعلها تفركل وتتخبط. ففي الوقت الذي تود فيه انجازا لا يقل، أي في نفس درجة هذا الذي يوجد في رأسها. وتدعي الانفتاح على الأفق الإنساني، سارعت إلى النظر في النطاق الشعري العربي الرحب، على أنه ’’ضيق‘‘(28)، قبل أن تتهمه بالتمركز ’’حول ذاته‘‘. لا يكفي أن تتوجه، أسماء نعتت ب’’العيار الثقيل‘‘ إلى الطبع في المغرب، حتى يتعجل الواحد تأويل الأمر، لجعله مركزا شعريا بعد أن أثخن في الهامشية. وهو الوجه الذي مثله دائما لأنه لم يخرج عن ما صنع له، بوعي ودونه، كونه ’’امتدادا للعربي‘‘(29) لاختبار هذه المركزية. لا نتوفر على إحصائيات لمعرفة عدد النسخ المبيعة لهذه الأسماء التي أخذت عناء النشر في المغرب، حتى يمكن استخلاص نتائج منها. كم سيكون الاجتهاد في البحث والانفتاح عن شعريات بعيدة، لو كانت الذات قد استوفت واستنفذت مجالها. لكن إذا نقزت عن هذا البحث، وجعلت العربة أمام الحصان؛ فالأمر يحتاج لتشخيص.’’ليس هناك اختلاف من دون غيرية، ولا غيرية من دون خصوصية، وتنعدم الخصوصية من دون هنا-الآن‘‘(30). بعض الأقوال القديمة لا تفقد من حكمتها شيئا، كهذا الذي تسأل فيه الشفرة عن أي وجهة تأخذ؟ فترد: إلى الغابة لقطع الأغصان. فيعقب السائل: لكن ابدئي بالذي يلتصق معك. والاستنتاج، هو قبل التطلع إلى معرفة الشعرية الايطالية أو الشينوية الأجدر بحث الشعريات المحيطة بنا. الخارج يبدأ من المحيط. وكونفوشيوس كان قد حث على الدوام، على دراسة العالم الخارجي بدقة. والخارج يوجد في كل ما لا يدخل في ما لا يتم الاهتمام به عادة: الأمازيغية. فمن يجهل نفسه، لن يقدر غيره. وساعة التطبال عابرة. احتكار مسرح (الشعر المغربي): نشرت أعمال يوم دراسي، عن الشعر المغربي، دون أن يدرج النص اليتيم الذي يكون قد عرض للشعرية الأمازيغية. والذريعة، تأخر المشارك في تقديم ورقته في الوقت المناسب للنشر. جزء من المسؤولية يعود للذي لم يحضر في وقت السفر؛ ولا أعلم إن علق على الأمر أو اشتكى من التعجل. الجزء الآخر يتحمله المنظمون الذين استدعوا مهتما واحدا، ولصنف واحد لا غير من الشعرية الأمازيغية. لو تم الالتفات إلى جهة الوسط وإلى الشمال، لعثروا على أكثر من باحث. لكن هاجس الإقصاء، وعملية التفادي كانت مؤدبة. وهذه طريقة عامة تحتكرها جماعة، تنصب نفسها وحدها، كمن تشد زوك القول في الشعر المغربي. عقلية التهميش تحتاج لكثير من الريح حتى لا تتعفن. كما تحتاج لزمن يفعلها في كلماتها إلقاء نظرة عن المختارات التي اهتمت بالمغرب، ستجعل الناظر يجحظ لفقرها المهول. فانطولوجيا الشعر المغربي المعاصر، التي صدرت في 1998، لم تدرج إلا اسما أمازيغيا واحدا (عفوا سيد هولدرلين، أقلت إن: ما يبقى يؤسسه الشعراء؟). صحيح إنهم يتركون الخراب. ويجب انتظار 2005 ليرتفع عدد شعراء الأمازيغية، إلى ثلاثة أسماء، كما هو الحال مع المختارات التي وضعها الشاعر ع. اللطيف اللعبي. وبالرغم من الفرق بين، مرجعية العبيد، التي تحكمت في تدبيج المختارات الأولى، وبين المرجعية التقدمية، التي وجهت الثاني، هو ما سيظهر في الانتقال من العدد واحد إلى العدد ثلاثة؛ فالتبخيس والإجحاف هو ما كان من نصيب ثامديازت/ القصيدة الأمازيغية. وننتظر انطولوجيا أكثر توازنا، لا يتم فيها احتكار أصوات من الجنوب لتمثيلية ثامديازت. كما حدث مع العمل الأخير. لا يمكن رد هذا النقص إلى جهل بتنوع الجغرافيا الشعرية الأمازيغية. وإنما لحساب ضيق، يطغى على أذهان من كان الدليل إلى الاهتداء إليها؛ الأمر الذي سيحب منا أي شرعية إذا كانت تتوهم أنها تحوزها أو تمثلها. فهل الشعراء توجههم مصالح أخرى غير القصيدة والكتابة؟ فبورديو(32) يرى أن ما يميز المفكرين هو أن تكون لهم مصالح لا تضر أحدا. لمصلحة من تتم تصفية شعراء من الوسط، مثل عمر الطاوس، احمد حداشي، عمر درويش، والشيخ عمر، أو من الشمال ك: أحمد الزياني، فاظما الورياشي، ولوليد ميمون... لم تصل حتى اكتشافات الحداثة، أن تدفعهم إلى التساؤل حول ’’1-المنسي،2-المتخفي،3- ولا إلى اللامفكر فيه من ماضيهم الخاص‘‘(33). لو أنجز بعض من ذلك، لكانت القصيدة قد أخذت مسارها السليم وكذا الملامح التي تعرف بها. بهذا الالتفات، يمكن رؤية القصيدة المغربية سليمة غير مشوهة، غير موجهة بأي دوغما. ومتنصلة من كل حساب أو وصاية سياسية. يظل يطلبها من يريد أن ينصب نفسه أبا، بالرغم من كونه عاقرا. جاء في سياق الحديث عن أحد شيوخ التمرد ’’خير لعواطفنا أن يصادمها أبناؤنا بأقلامهم، من أن نبقى في غفلتنا مستسلمين لكل ما تعودنا به‘‘(34). لكن وهن البصر، لم يقدهم إلى استخلاص تصور الفرق أو المسافة، الذي قاد كل عمل الشابي. فهو كي يقيمها، انطلق من العنوان. لم يكتب: الخيال الشعري عندنا، بل عند العرب. فتفادى التماهي، التغييب، الإقصاء الذي تكتمه النون في عندنا. إن الفرق الذي كشفه عند المقارنة، بين النظرة العربية والغربية ينطلق مع الطبيعة (ص،67)، أو الرنة (ص، 63). ولن يقف هنا. المقارنة سينقلها هذه المرة إلى الجغرافيا ف’’الأمة العربية قد عاشت في أراض محرومة من الجمال‘‘(ص، 46)، وكأنه يوحي بتأثير الطبيعة في من يقيم فيها وعليها. لكن يبدو أن جبال الأطلس لم تثر إلا أدونيس الذي ذكرها في أكثر من موضع من أشعاره. وما عدا ذلك فإنها تعرضت للتفقير. الانغلاق الذي رده الشابي لنوع من الغرور، حين علق مرة: ’’كان العرب مغترين بأدبهم‘‘(35)، سيتم تأويله كنوع من التمركز، مرة أخرى، دون الانتباه إلى التماهي الذي لا يكفون عن إعلانه بمناسبة أو دونها. لكن اللسان ما فيه عظم. واللغة آهلة بالفخاخ، للإيقاع بالقوبعات. الإقامة على مسافة من الموضوع، مسألة حاسمة، مع كتاب الخيال الشعري عند العرب، لأجل تعميق سؤاله المغربي، في تعريف القصيدة العربية التي اختار الانتماء لها، باستثنائه اللغة من السؤال؛ وهو ما أوقعه في مأزق وجد ترجمته في الاضطراب الذي وسم درسه(37). لأنه تعثر في إيجاد موقع واضح، داخل اللغة التي يكتب بها، بعيدا عن الالحاقية والتبعية. لقد دفع الاضطراب الذي شخصه باحث عند الشابي إلى أن يعدم آخره، آخر الشابي، حتى يسهل ربطه بالأصل الواحد(38) الذي يعتبره حقيقة لا يمكن الانفصال عنها. لكن ما الذي يمنع من تغيير التحليل، عندما يتناقض مع الوقائع؟ لماذا ’’التنقل بين النجوم يعد سهلا من التغلب على الطابووات وإنهاء التخلف؟‘‘(39). عندما أخذت الأفكار الحداثية في تسليط الأنوار على ظلمات الفكر، تم الانتصار لها للتخلص من سلطة الباتريارشيات العفنة. وهو ما لم تجده جاهزا في طابق شهي. لقد كانت ثمار جهد مرير. لكن لن تنعم بالاستقرار طويلا، إذ سرعان ما تعرضت الحداثة بدورها لنوع من العقوق، عندما ظهر أنها سقطت في الاستبداد، من خلال قولها بالمعنى المطلق(40)، والذي أهلها لتدخل مرحلتها الرجعية بتحفظها على إخضاع المكتسبات مرة أخرى للنقد. إحالات: 1- Gianni Vattimo « poésie et ontologie », www.emsf.rai.it 2- P. kechichian, le monde des livres. 13/02/2004. 3- Bentolila, par, A Damir « éducation et tolérance »l’essentiel, n°26, nov03. 4- P. Bourdieu & J-C Passeron : la reproduction, Minuit1999, p.237. 5- Arsène roux par Nadia chafiK « écritures du Maroc » l’essentiel, jan02.p, 76. 6- Michael Peyron, entretien avec R. Raha, le monde amazighe, n°40 7- G. Camps : « COMMENT LA BERBÉRIE EST DEVENUE LE MAGHREB ARABE », Revue de l’Occident musulman et de la Méditerranée, n°35, Aix-en-Provence, 1983, pp. 7-24. 8- Zehra Mezgueldi « khir din : de l’inter/dit de l’écriture », Actes du colloque, nov1996, p45. 9- مصطفى فروقي’’الكتابة الشعرية الأمازيغية، محاولة التحديث‘‘ العالم الأمازيغي،ع 40/2953. 10-H. Aourid « parcours identitaire », l’essentiel, jan03, p27. 11-Tine Hinan « statut de la femme », l’essentiel, jui02, p51. 12-P. Renard, Textes et prétextes, colloque, p.284. 13-philipe. Lacoue-labarthe, « poésie et ontologie », www.emsf.rai.it 14-ighembab yarezun x wudem-nsen deg wudem n waman, trifagraph, berkan2002, p9. 15- Michael Peyron, op cité 16-Ehoussain Elmujahid « littérature orale et compétence culturelle », in : les Puissances du symbole, sous la dir : A. Diouri, fennec1997,p, 131. 17-Pierrette Renard, colloque de khir-ddin,p 284. 18-Bouazza Benachir « ainsi parlait forough…la persane », l’essentiel, jan02, p81. 19-H. Banhakiea « problèmes de ponctuation dans le texte Amazigh », Tawiza, n°80. 20-فروقي س.ذ 21-م. ل. اليوسفي، ضمن: الشعر المغربي المعاصر، طوبقال،2003،ص 55. نفسه، ص 53.-22 23- - Rick lewis « all the world’sa text ? ». philosophy now, 2007 24- نفسه،ص 57. 25- نفسه، ص 56. 26- كمال التاغولي’’لعبة صراع النص والخطاب‘‘ كتابات معاصرة.ع، 54. ص،125. 27-: الشعر المغربي المعاصر، م س. 68. 28- نفسه،ص69. 29- كمال التاغولي، نفسه، ص.126. 30- Derrida : spectres de Marx, Galilée 1993.p, 60. 31-R. Garner « Beijing pays UK schools to teach chinese culture » the Independent, 5 july2007. “Confucius, the 6th century BC Chinese philosopher, always told his disciples to study the outside world in detail” 32-Bourdieu : « les conditions sociales de la production sociologique.. »in :le mal de voir,10/18. 1976.p, 416 33-Arkoun « pour une islamologie appliquée » ibid p282. 34-مقدمة الخيال الشعري عند العرب، الشابي، تونس ط3. 1985،ص15. 35-نفسه ص، 140. 36-بوحمالة، ضمن : في الشعر المغربي المعاصر، ص 84. 37-س.م. السريحي ’’في انتظار ما لا يجيء- مدخل لقراءة أعمال الشابي النثرية‘‘ علامات في النقد. ج25. م 7. شتنبر 1997.ص 27 38نفسه، ص26.- 39- Munsif al marzuqi, l’essentiel, nov2002, p39. 40- Abdelkader Aoudjit « Terry Eagleton’s take on wath comes ofter postmodernism », philosophy Now, 2007.
|
|