Numéro  58, 

  (Février  2002)

Amezwaru

 (Page d'accueil) 

Tamazight

Imughrabiyn aoraben d taddunlit tagmudvit

advan tuorba di tmura n timuzgha

Anebdu

Arrudv n tmaghart

awal

Kusayla

Taghawessa

Tnayn n isekkurn

Tiktit deffit tayedv

Yewn ughnja as ak swan

Français

Tamazight en crise de calculs

Anazur face aux marionnettes

Tamazight dans les projets bmce

Tamazight et le jeu aux échecs

Un message d'espoir

Mots et choses amazighs

العربية

المغاربة العرب والاستبداد الشرقي

من طقوس نهاية السنة الفلاحية بوادي دادس

هكذا تكلمت ديهيا

عودة إلى الماروك والمارويكوس

هوروس والأمازيغية

إميلشيل ليس سوقا لعرض النساء

النبض الغافي

لماذا المطالبة بإنشاء جامعة بالناظور؟

دوران منسجمان للأمازيغية والعربية بالمغرب

 

 

 

دوران منسجمان للامازيغية والعربية في المغرب: الأولى لغة الهوية والحياة والثانية لغة الدين والصلاة.

بقلم: سعيد زنّو (الدار البيضاء)

لما قرأت محتوى كثير من الصحف المعرّبة في الأشهر الماضية، والتي تطرّقت للمسألة الأمازيغية، وددْت أن أعطي وجهة نظري المتواضعة حول هذه القضية المشروعة والعادلة.

لقد سبق لي أن شاركت في حوارات و نقاشات مع المهتمّين بالشأن الثقافي في البلاد خلال السنوات المنصرمة، والتي تطرّقنا فيها إلى المسألة الأمازيغية والغزوات العربية في المغرب الأقصى منذ فجر الإسلام خلال القرن السابع الملادي، وها أنا ذا أشرك القرّاء تصوراتي حول الموضوع.

أولا، لا يخفى على أحد، بشهادة المؤرخين القدامى والمعاصرين على السواء، أنّ سكّان المغرب الأصليين هم الأمازيغ، أي أجداد المغاربة قاطبة. لقد عمروا هذه الأرض المباركة منذ فجر التاريخ وكانت لهم حضارة كسائر الأمم ويتحدثون لغة يطلقون عليها اسم "أوال أمازيغ"، أي "الكلام النبيل"، وذلك بشهادة المؤرّخين أمثال الحسن الوزّان وغيره.

 وبما أن الشعب المغربي الأمازيغي الأصيل شعب متفتّح على الشعوب الأجنبية، المشرقيية منها والغربية، بحكم عاداته الخالدة، فإنه استقبل في كنفه وآوى إليه كلّ إنسان أو جماعة طلبت منه النجدة، ثم قاوم وحارب بقوة وقساوة شديدتين كلّ شعب متغطرس عنيد يريد سفك دماء أبنائه و سبي نسائه واغتصاب ممتلكاته والقضاء على لغته ومحو هويته. ويظهر ذلك بصفة واضحة في تعامله مع الرومان الذين استولوا بالقوّة، بعد حروب مريرة، على الشواطئ المتوسّطية لمدة قرون. فتعامل السكّان الأمازيغيون مع الغزاة في حدود نواميس التعامل الحضاري بين الأمم دون أن يؤدّي ذلك إلى طمس هوّيتهم وانصهارهم في هوية الغزاة، حيث احتفظوا بلغتم وتقاليدهم. فرغم تعامل الأمازيغ، أي أجداد المغاربة جميعا، مع هؤلاء الأجانب و لمدة قرون، فلم ينسوا هويتهم ولغتهم، بل العكس تماما هو الذي وقع.

فمنَ الرومان منْ انصهر كلّية في الهوية المغربية الأمازيغية الاصلية الوحيدة، وهذا منطق التاريخ. فعندما يصبح الروماني بهذه الطريقة ذا هوية أمازيغية، فإنه أمازيغي بغض النظر عن أصله البيولوجي والإثني الذي لا قيمة له في الحياة الاجتماعية والحضارية، إلا إذا كانت للجنس أهداف اقتصادية وسياسية. و لهذا السبب البسيط، فهوية جميع المغاربة أمازيغية، ومن ادعى غير ذلك فلأسباب غامضة. ورغم هذا الوضوح، فإننا كدمقراطيين أبا عن جد، نحترم شعور كل مغربي إن ادعى أنه ليس بذلك وأنّ له هوية مغايرة. وبنفس المنطق الدمقراطي، نطالب أن يحترمنا في شعورنا نحن أيضا ولا يحاول أن يزدري لغتنا ويحرمنا منْ حقوقنا اللغوية والثقافية المشروعة.

ثم جاءت الغزوات العربية في القرن السابع الملادي حيث انطلقت من جزيرتهم الصحراوية وكانت تحمل معها الدين الإسلامي الحنيف. ومما لا جدال فيه، هو أنه لم يكن لهؤلاء الغزاة العرب ولا للغتهم العجمية، بالنسبة للمغاربة، وجود بالبتة في هذه المناطق قبل هذا التاريخ، بشهادة جميع المؤرخين، ومنهم المؤرخون المعرَّبون أنفسهم. وكانت مقاومة الأمازيغ، أي أجداد المغاربة جميعا، لهؤلاء الغزاة الجُدد مقاومة أكثر حدة من المقاومات السابقة حيث دامت الحروب مع الأجنبي أكثر من سبعين سنة (70 سنة)، في حين استولى الغزاة العرب على أكبر إمبراطوريات تلك العصور، الرومانية والفارسية، في أقلّ من عشر سنوات. وللتذكير، نقول إن الإمبراطورية الرومانية كانت هي أمريكا الحالية خلال تلك القرون.

فلمَ يا تُرى قاوم أجداد المغاربة جميعا هؤلاء الغزاة لمدة تناهز قرنا من الزمن قبل الاستسلام، في حين أنّ أمريكا القرن السابع الملادي هُزمت منْ طرف هؤلاء الأجانب في بضع سنين فقط؟ إنه، كما أشرنا إلى ذلك آنفا، رفض واضح للهيمنة المتسلطة بقوة الحديد والنار، إنه رفض لاحتلال أراضيهم و سبي نسائهم واغتصاب أموالهم وطمس هويتهم اللغوية والثقافية منْ طرف غزاة أجانب عن بلادهم الأمازيغية. إنه شعور عميق لديهم بأنّ تلك المقاومة من حقهم و من واجبهم، مما جعل الحرب تستغرق زهاء قرن من الزمن. ولهذا السبب، لمْ و لنْ تُطمس هويتهم و تنقرض لغتهم لتصبح كالفرعونية في مصر والبابلية في العراق والفنيقية في لبنان. فهذا شيء لا يُعقل و يتنافى مع مبادئ الإسلام والحضارة والإنسانية، فعلينا أن نتشبّث بمبادئ ديننا الحنيف.

فلما تيقن الأمازيغ أن الدين الإسلامي الحنيف لا يتضمّن في كتبه ومبادئه تفضيلا لجنس ولا لهوية ولا للغة دون أخرى، دخلوا فيه. ولكن لم ير المغاربة أي داعٍ لاستبدال لغتهم الأمازيغية الأصلية باللغة العجمية، بالنسبة إليهم، والتي كانت منحصرة في المساجد والمسائل النظرية الخاصة بعلمائهم، حيث كانت هذه اللغة العجمية انشغالا للخاصة دون العامة من أجداد المغاربة قاطبة. و دليلي على ذلك هو أن اللغة الأمازيغية العريقة ما تزال حية إلى يومنا هذا، بخلاف القبطية في مصر والعربية الفصحى في اليمن والآرمية في بلد آخر. فهذا كله يؤكد بأن تشبث الأمازيغ بلغتهم له تاريخ عريق. وكانت نسبة الغزاة العرب والمعرَّبين من أقوام الشرق الأوسط والأقباط المصريين، الذين ليسوا عربا أقحاحا والوافدين إلى المغرب الأمازيغي ما بين القرن السابع الملادي والقرون الوسطى، كانت نسبتهم لا تتجاوز 9% حسب التقديرات الأكثر تفاؤلا، والتي قام بها الباحثون. وتجدر الإشارة  في هذا الصدد إلى أنّ نسبة الغزاة العرب الأقحاح قليلة جدا حتى في نسبة 9% نفسها. فهل من المنطق، بعد هذه الحقيقة التاريخية الثابتة، وهل يمكن لنسبة 9% من الغزاة العرب والغير العرب الوافدين إلى المغرب الأمازيغي، طمس هوية ولغة 91% من السكان المغاربة الأمازيغ الاصليين حتى تصبح كالفنيقية في لبنان والفرعونية في مصر، وفرض هويتهم ولغتهم وحدها في الدستور المغربي، بدعوى أنها لغة الدين؟ أم أنّ هذه النسبة القليلة جدا من الغزاة هي التي عليها أن تتبنّى حسب منطق التاريخ، الهوية الوحيدة للأغلبية الساحقة من المغاربة والتي هي الأمازيغية، كما هو شأن عرب بلاد الفرس والترك الذين انصهروا كلية في حضارتهم دون أن تكون العربية لغة رسمية في إيران مثلا؟ فعلينا أن نكون واقعيين غير حالمين، وعلينا أن نكبح أطماعنا و نتّسم بخُلق الشورى والدمقراطية التي دعا إليها القرآن الكريم.

فمن نحن إذن؟ نحن مغاربة أبا عن جد، ديننا الإسلام نؤمن به ولا نتنكر له ولغته العربية نحبُّها و نقدسها، وهويتنا مغربية أمازيغية عريقة ولغتنا هي اللغة المغربية الأمازيغية الأصلية ذات اللهجات الثلاث في المغرب: السوسية والأطلسية والريفية، التي نتحدث بها يوميا. منا من عرّبته المدرسة نظرا لتهميش لغته الأصلية في المدارس العمومية، وذلك باستغلال الظروف التاريخية المعروفة. ثم منا من يتنكر لأمازيغيته ويدّعي أنّ له هوية مغايرة. وبصفتنا دمقراطيين أبا عن جد، و نتحكم في نزواتنا وشهواتنا أكثر من البعض، فإننا من هذا المنطلق، نحترم هؤلاء الذين يدّعون هوية غير هويتهم الأصلية. وبالمقابل، لنْ نتنازل بحجج واهية، دينية كانت أم سياسية، عن الهوية الأصلية لجميع المغاربة، لغة وثقافة، ونطالب بحمايتها القانونية الفورية بإدخالها في الدستور المغربي كأختها العربية، و تطويرها بالوسائل العصرية و جعلها لغة مدرسية كسائر اللغات المدرسية في المغرب، وذلك لسبب بسيط، هو أننا إذا أطلقنا العنان للمجازفات، فإننا لنْ نرى الدمقراطية والنماء الاقتصادي أبدا في البلاد. ثم بعد نضال طويل، أمر جلالة الملك بإنشاء معهد للغة المغاربة لتطويرها وإدماجها في المؤسسات التعليمية وغيرها ليتعلمها أبناؤهم لأن ذلك حقا لهم في بلدهم الدمقراطي. فمن قال إنها لهجات قاصرة غير قادرة على التطور والترقي إلى مستوى اللغات الحية المعاصرة، فربما يكون السبب في ذلك هو عدم الإلمام بمبادئ علم اللغة التي أقرّها العلماء، أو نسيان تاريخ اللغة العربية نفسها التي استقرأ فقهها سبويه (العجمي) وغيره من علماء اللغة، وذلك منذ قرون غابرة. فإذا استطاع سبويه العجمي استقراء فقه لغة عجمية، بالنسبة إليه، من لهجات متباينة و متفرقة، منذ قرون غابرة، فمن الواضح أنّ في قدرات العلماء المغاربة، المتمزغين الأكفاء في القرن الواحد والعشرين حيث الوسائل العصرية، أن يصوغوا قواعد لغة المغاربة الأصلية.

وكدمقراطيين، نحترم التعدد و نؤمن أنه وحده أساس العدالة والمساواة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والحكم الديمقراطي الحق والعادل، خلافا لأسطورة الوحدة اللغوية، بدليل أن بعض الدول الإفريقية التي فُرضت فيها لغة رسمية واحدة دون اللغات الأخرى تعيش الويلات، بينما سويسرا مثلا التي لها ثلاث لغات رسمية ـ وأكثر ـ تعيش السلام والأمن منذ زمن طويل. ففي بلد ذي لغتين فقط، مع لغة مهمّشة، تكثر المشاكل

الاجتماعية. فعندما تريد أمي التطبيب و تصل إلى عيادة طبيب لا يُتقن الأمازيغية، فما العدلُ في الإسلام، أن يتعلم الطبيب الأمازيغية و يداوي المتمزغ والمعرّب بدون تمييز، أم على كل مغربي متمزّغ أن يتعرّب ليستحق التطبيب في بلده الديمقراطي؟ أظن أنّ الجواب واضح.

غير أن مجهودات جلالة الملك الرامية إلى تغيير نمط التفكير المخزني القديم قصد بناء دولة ديمقراطية حديثة، ثم مقتضيات الديمقراطية الحقة التي أساسها التعدد والاحترام المتبادل بين المواطنين دون احتقار أو احتكار للغة دون أخرى في دستور بلد واحد، كل ذلك أحيى النزعة والعُبيّة المخزنية القديمة في بعض النفوس المضطربة التي لا تحب أي تغيير و لو كان هذا التغيير هو ما يريده المواطنون ويحتاجون إليه. الشيء الذي لا يتناسب مع مبادئ الإسلام والديمقراطية الحقة وحقوق الإنسان والطرق المعاصرة للتسيير الإداري، مما جعلنا نلاحظ أننا لا زلنا نعاني و نتخبط في مشاكل اجتماعية واقتصادية مزرية من جراء هذا النمط اللادمقراطي من التفكير المخزني المتخلف الذي آتي ثماره في القرون الماضية والذي نحن في غنى عنه الآن.

فإذا كانت اللغة الأمازيغية في المغرب هي اللغة اليومية للأغلبية الساحقة من المغاربة، من شماله إلى جنوبه و من شرقه إلى غربه، و لغة ثقافتهم ومعارفهم الدنيوية، فالعربية هي لغة دينهم وصلواتهم الخمس اليومية، لا يتكلمونها إلا للنطق ببعض الآيات القرآنية المباركة خلال الصلوات الخمس اليومية، والتي حفظوها عن ظهر قلب، و يحبون هذه اللغة كثيرا و ذلك لأنها لغة القرآن العظيم، كسائر المسلمين في العالم رغم أنهم لا يفهمون منها حرفا واحدا، كما هو الحال في بلدان عجمية أخرى، كإيران والترك. فهي لغة ديننا الحنيف وقرآننا الكريم و يحبها و يقدسها جميع المغاربة دون استثناء. ولكن على الرغم من هذا و ذاك، فلن نستطيع أن نجعل من هذه اللغة الميتة لغة حية يتحدث بها جميع المغاربة يوميا، ولا لغة العلم والتكنولوجيا المتطورة والمعقدة التي من الممكن أن يتكلم بها الباحثون والخبراء المغاربة في المختبرات خلال التحليلات العلمية الدقيقة والمعقدة، كما ينادي البعض، وذلك أن هذه اللغة الدينية لا يتكلمها أي إنسان في الدنيا عندما يداعب أبناءه وأحفاده مثلا، فعلينا أن نكون واقعيين غير حالمين.

فيجب، في نظري المتواضع، عدم التنكر لهذه اللغة الميتة، بل يلزم على كلّ مغربي أن يحترمها و يقدسها ويستعملها لحفظ القدر الكافي من سور القرآن الكريم لأداء الصلوات المفروضة و للتبرك بها عند الحاجة، كسائر اللغات الدينية في أرجاء المعمورة، كما هو الشأن بالنسبة للاتينية في الكنيسة، والقبطية في الكنيسة المصرية، والعبرية القديمة في قدس اليهود والعربية نفسها في بلدان عجمية أخرى، كايران وتركيا وأندونسيا وغيرها. وليس المقصود من ذلك حصرها في المساجد، كما يُقال. و في هذا الصدد نرضى أن تبقى لغة رسمية للمغرب كما ينص على ذلك دستور البلاد منذ الاستقلال. فلن يضر هذا الشعور بالاحترام والقدسية في النفوس باللغة الأمازيغية وقوتها ومناعتها، فهي لغة حية و محكية من طرف جزء هام من المغاربة، إنها لغة أجداد المغاربة جميعا و لغة هويتهم.

وإذا كان الإسلام دينا أومن به، بكل ما في الكلمة منْ معنى، ولا ولنْ أتنكر له أبدا، وكانت العربية لغته، تعلمتها في المدرسة وأحترمها جداً، وإذْ أنا مغربي كغيري من المغاربة، أحب بلادي وأريد لها الخير كله، وها أنا أناضل لتحقيق ذلك إن شاء الله؛ وإذ أنا أكنّ كثيرا من الاحترام الخالص للجنس العربي والهوية العربية واللغة العربية القرآنية منها والعصرية، بدليل أنني أكتبها وأفهمها. وعلى الرغم من هذا و ذاك، فإنه طوال حياتي، لم أشعر ولو مرة واحدة على أنني عربي بالهوية، كعرب المشرق، أو حتى كعرب مصر الأقباط الذين عُرّبوا، والذين أحترمهم كبشر و كمسلمين. وهذا الشعور الذي لا أمتلك تغييره، لا يعرفه من يدّعي العروبة بالهوية واللسان من المغاربة لأن الدستور يسانده في هويته خلافا للمغاربة الآخرين الذين حرمهم في بلدهم من هذا الحق الذي هو حق بسيط من حقوق الإنسان في كل البلدان الديمقراطية في العالم.

ومما لا شك فيه، هو أن أبنائي هم أيضا لا و لنْ يشعروا بأنهم عرب بالهوية، لأن ذلك غير صحيح، رغم كل ما تبذله وزارة "التربية والتعليم" من مجهودات التلويث لمحو هوّيتهم و جعلهم عربا أقحاحا كما هو الأمر في مصر الأقباط. فهذه المشاعر، لا يعرفها بعض المغاربة الذين لهم مشاعر أخرى. نحن المغاربة ذوو الهوية الأمازيغية المغربية الأصلية، الذين لا نتنكر لها والتي حرمتنا الدولة منها منذ الاستقلال، والتي نناضل للسعي وراء حمايتها القانونية والمؤسساتية لكي لا تكون ـ لا قدر الله ـ كفرعونية مصر وفنيقية لبنان وبابلية العراق، كما ينادى البعض، لأننا نعيشها يوميا وتشكل جزءا هاما من مشاعرنا الباطنية واللاشعورية التي لا نتحكم في تغييرها، والتي يبدو أنّ البعض لا يريد الاعتراف بوجودها، هذه المشاعر نعرفها و نفهمها جيدا. ولهذا السبب، فإننا نحترم مشاعر غيرنا ونحترم التعدد خلافا للبعض. فهويتنا جميعا، نحن المغاربة، هي أننا مغاربة دون تمييز، ديننا الإسلام جميعا، نعيش في بلد فيه من يقول أنه عربي و فيه من يقول أنه أمازيغي. والحل السياسي العادل، في نظري المتواضع، هو الديمقراطية التي دعا إليها جلالة الملك، والتعدد اللغوي في الدستور كما هو الحال في بلدان ديمقراطية كثيرة عبر القارات، والتي لا تعيش التمزق خلافا لما يروّجه البعض.

و لهذا وذاك فإنه، في اعتقادي المتواضع، من العبث والمُحال والأحلام، طال الزمن أم قصر، ألا تكون هنالك حماية قانونية للأمازيغية بإدخالها في الدستور المغربي كأختها العربية، وأن يُحرم المغاربة في تعليم أبنائهم لغتهم الأصلية التي هي جزء هام من هويتهم و تبديلها بلغة أخرى كانوا يستعملونها فقط في الصلاة، إلى أن جاء الاستقلال، أي منذ 40 سنة فقط، حيث أقر"الوطنيون" هذه اللغة، لأول مرة في التاريخ المغربي العريق، كلغة رسمية مع حرمان أختها اللغة المغربية الأمازيغية الأصلية منْ ذلك. وإذا جاء من يدّعي العكس و يريد أن يحرمنا في بلادنا من حقوقنا المشروعة والعادلة، و يتّهمنا ظلما

و بهتانا بالمساس بوحدة وأمن البلاد و زرع بذور التفرقة والتمزق والمساس بحرمة الإسلام، كما ارتكب ذلك في حق أستاذنا القيم والمقاوم من أجل استقلال بلادنا خلال الحماية الفرنسية، الأكادمي محمد شفيق، وذلك على صفحات صحيفة "الشرق الأوسط" (14\12\01، كانون الأول)، فإننا كمغاربة غيورين على دينهم الإسلام وبلدهم المغرب والهوية الأمازيغية التي هي الهوية الأصلية لجميع المغاربة، سندافع ديمقراطيا عن هذه الحقوق المشروعة في بلادنا الديمقراطية، كما كان دائما يفعل أجداد المغاربة جميعا

مع كل من يحاول طمس هويتهم الأصلية وتهميش لغتهم بدون أي مبرر غير الهيمنة، كما رأينا ذلك مع الرومان. وهذا كله من الإسلام و من باب الوطنية والدفاع عن حرمات ومقدّسات البلاد و حقوق الإنسان. فلنحمد الله على أننا مسلمون جميعا. فدين الإسلام، دين العدل والمساواة، يدعو إلى احترام الإنسان في دمه و ماله وعرضه ولغته التي هي مخلوق من مخلوقات الله. الإسلام دين المحبة والمودة والحياة، فهو لا يُقرّ بإبادة اللغات الحيّة حتى تصبح كالبابلية في العراق والفرعونية في مصر والفنيقية في لبنان. ولكن، إذا تأملنا الحياة الروحية في مجتمعات شمال إفريقيا خلال القرون الوسطى، فسنجد فيها أكبر عدد من الأضرحة من أي بلد مسلم أخر، ويفسر الباحثون هذه الظاهرة بأنها مؤشر على أن ديننا الحنيف كان يُستعمل لأغراض غير التي جاء من أجلها. وفي اعتقادي المتواضع، أرى أنه قد حان الوقت كي لا يكون ديننا الإسلام الحنيف مطية لأهداف دنيوية تافهة.

و في الختام، كتبتُ هذا المقال بنفس النسق والمنطق الذي كُتب به مقال آخر في مكان آخر ليرى القرّاء على أن الحجة السياسية والدينية والعاطفية لا تفيد شيئا في تغيير حقيقة يفرضها الواقع، ولا يمكن أن تعطي مهلة كافية من أجل تغييرها. إن هوية شعب ولغته لا يمكنها، بشهادة التاريخ، أن تندثر بقوة الحديد والنار، فأنّى لجرة قلم أن تحقق ذلك. فإذا كان الكاتب يشعر أنّ له هوية ولغة أخرى، فهذا من حقه و نحترمه في ذلك، ولكن لا يبدو أنه مستعد أن يعطي غيره نفس الحقوق، بل يساند بمقاله هذا كرجل سياسة، المواطنين الذين لهم نفس الشعور على حساب مواطنين مغاربة آخرين، و ذلك بازدراء لغتهم بوصفها باللهجات القاصرة بقصد تعريبهم، وهذا دليل آخر على أنّ المنطق السليم والمنطق السياسي لا يمكن أن يجتمعا في قلب إنسان واحد كما قاله رئيس أمريكي معروف.

  سعيد زنّو، الدارالبيضاء، أستاذ التاريخ. (يُدلي برأيه كباحث مستقل في تاريخ شمال إفريقيا)

 

 

Copyright 2002 Tawiza. All rights reserved.

Free Web Hosting