uïïun  176, 

mggyur 2961

  (Décembre  2011)

Amezwaru

 (Page d'accueil) 

Tamazight

zi hicam loalawi vur musïafa loalawi

Azwwaj

Abezzeghraru

Français

Le protocole des incorruptibles en Timuzgha

Corippe et l'éloge de l'erreur

H.alaoui, p.i et pjd même combat contre tamazight

La falsification identitaire

Quelle perspective pour l'amazighité au Maroc?

Imazighen ou l'éternel combat pour la liberté

Dialogue des fous

L'enseignement de tamazight a raté son rendez-vous

Libye: la fin des années noires

العربية

من هشام العلوي إلى مصطفى العلوي: الأمازيغوفوبيا ملة واحدة

الأمازيغ والربيع العربي

اقتراب نظام التشريع الرسمي المغربي من التشريع الأمازيغي

عشرية المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية

لهذه الأسباب سيفوز الخليفة على عصيد

اغتيال معتوب اغتيال للثقافة الأمازيغية

الأمازيغوفوبيون أو النازيون الجدد

صورة المرأة في الأمثال الشعبية الريفية

أشغال الدورة الثانية لجائزة الطيب تاكلا

البيان الختامي لمهرجان بويلماون

 

 

 

اقتراب نظام التشريع الرسمي المغربي من التشريع الأمازيغي

بقلم: ذ – الصافي مومن علي

 

التشريع بالمفهوم الأكاديمي هو كل قانون يصدر في وثيقة رسمية عن سلطة عامة مختصة (1)، وهو بهذا المعنى يتميز بالكتابة والتدوين عن القانون العرفي وعن العادة المتميزين بالشفوية.

ونظرا لتعدد أصناف التشريع، تقتضي منهجية عرض الموضوع، معرفة مختلف هذه الأصناف، لإدراك النوع الذي ينتمي اليه كل من التشريع الرسمي للدولة المغربية، وتشريع المجتمعات الأمازيغية، التي لم يكن يصل اليها نفوذ هذه الدولة.

أصناف التشــريـع:

ينقسـم التشـريع عموما إلى قسمين أساسيين هما:

1– تشريع ديني يعتقد أصحابه أن واضعه إله أو قوة عليا غير بشرية.

2– وتشريع وضعي يسنه إما فرد معروف، أو جمهور المجتمع العام، أو مجلس خاص معين من ذلك الفرد، أو هيأة نيابية ممثلة للجمهور.

فالتشريع الديني إن كان لأنواعه قاسم مشترك واحد، يتمثل في نسبته إلى مصدر خارق غير بشري، فإنه يختلف في تحديد الشخص الذي تلقى هذا التشريع من ذلك المصدر المتعالي.

ـ فقد يكون هذا الشخص نبيا آمن به الناس كرسول، جاء من عند الله برسالة عامة، تضبط حياتهم، وتنظم علاقاتهم الاجتماعية والكونية.

ـ أو يكون ملكا يزعم أن الآلهة قد ندبته لإقامة العدل، وسحق الشر والفساد ونصرة الضعيف، كما ورد في مقدمة تشريع الملك البابلي حمو رابي (2)

ـ أو مشرعا أقنع الناس بتلقى تشريعه من آلهتهم التي يؤمنون بها، مثل ليكورغ الذي سن تشريع دولة أسبارطا،(3) أو صولون مشرع دولة أثينا، الذي يربط نسبه العرقي إلى الإله بوسيدون (4)

ـ وقد يكون ملكا يدعي أنه هو نفسه الإله، الذي يملك مقدرات البشر، مثل بعض ملوك الفراعنة، أو مثل الإسكندر المقدوني الذي فرض على رعيته عبادته(5)

هذا وأن الخاصية التي يتميز بها كل تشريع ديني، هي اعتقاد معتنقيه كونه يمثل الحقيقة المطلقة الغير القابلة للتغيير أو التعديل، والطريق الأقوم الوحيد لسعادة البشر في أي زمان وأي مكان.

أما التشريع الوضعي البشري، فينقسم كذلك إلى انواع بحسب مصدره.

ـ فقد يكون هذا المصدر صاحب سلطة فرد، يملك جميع سلطات الدولة، من تشريعية وتنفيذية وقضائية، كما هو الحال في أنظمة الحكم المطلق.

ـ وقد يكون أساسه عقدا اجتماعيا رضائيا، شاركت فيه كل مكونات المجتمع، في إطار الحرية والمساواة والاختيار الديموقراطي، مثلما هو الأمر في الديموقراطيات الشعبية.

ـ أو يكون مصدره مشتركا بين الملك وبين الشعب، كما هو الحال في الممالك الدستورية الديموقراطية.

وهكذا على ضوء هذه المقدمة، ومن خلال المعطيات الواردة في مقالتي السابقة (دعوة المشرع المغربي إلى الإقرار صراحة بالقانون الكوني)، يبدو أن تشريعات المجتمعات الأمازيغية تدخل في إطار القوانين الوضعية، الصادرة من سلطة تشريعية منبثقة من المجتمع في شكل ديموقراطي، أي تشريعات صنعتها بنفسها ولنفسها، من دون أن تكون قد تلقتها جاهزة من أي كائن فرد بشري أو غير بشري، وسوف لن أكرر ما سبق ذكره في مقالة أخرى تحت عنوان: (الأصل المشترك لنظام التشريع الأمازيغي والأمريكي) بخصوص تكوين هذه المجتمعات لسلطة تشريعية مستقلة، وكذا طريقة تصويت هذه السلطة على قوانينها، ثم مسطرة إشهارها لهذه القوانين قبل العمل بها، وشكلية كتابتها في وثيقة رسمية، ومحتويات نصوصها، وغير ذلك من الأمور التي تبين تمتع هذه المجتمعات بسيادتها الكاملة في وضع تشريعاتها.

وأشير في هذا الصدد أن إدراك دور السلطة التشريعية الحاسم، كمعيار فاصل بين المجتمع الحر، الذي يمتلك السيادة الكاملة، وبين غيره من المجتمعات التي تفتقر إلى هذه السيادة، يتم أكثر بالإطلاع على كتابات جون لوك ومونتسكيو، وبالأخص على تأملات ايمانويل كانط (6) بخصوص ارتباط حق التشريع بحق السيادة، اذ يؤكد هذا الفيلسوف أنه لما كان من له الحق في التشريع، هو الشخص الذي يجب أن يكون فوق الجميع، ولا يخضع لأي أحد، وتكون كل مؤسسات الدولة ومكوناتها خاضعة لقوانينه، فيجب أن يكون هذا الشخص هو الشعب، لأن الشعب وهو يشرع قوانينه، يختار حتما القوانين الأصلح التي تلائم تطوره ووضعه الاجتماعي، من باب أن لا أحد منطقيا يقرر قوانين تضره، أو تحدث له الأذى، اللهم إن كان جاهلا على حد تعبير هذا المفكر.

إذن من هذا المنطلق يبدو أن تلك المجتمعات الأمازيغية، كانت تمتلك فعلا سيادتها التامة، لأنها خولت لنفسها حق التشريع في حرية تامة، من غير خضوعها لأي قانون آخر كيفما كان، غير القانون الكوني الاجتماعي الأزلي طبعا، الذي نقشه الله في عقل الإنسان.

وأعتقد أن أجلى ما تتمثل فيه هذه السيادة وهذه الحرية، هو قيامها بإصدار تشريعات جنائية تتعارض مطلقا مع ما نص عليه الشرع الإسلامي على الرغم من ثبوت تشبثها بالإسلام وغيرتها الدينية العميقة المعروفة، اذ كما أوضحت من قبل في مقالة (الميزات العقلانية المجهولة لنظام التشريع السياسي الأمازيغي )، فقد وضعت هذه المجتمعات الكرامة الإنسانية لمواطنيها فوق كل اعتبار، لكونها حصرت العقوبات التي شرعتها لردع المذنبين في نوعين فقط همــا:

ـ النفي وهدم المنزل في الجنايات.

ـ والغرامات المالية في الجنح والمخالفات.

بمعنى أنها لم تقرر عقوبة الإعدام، أو عقوبة الجلد، أو الرجم، أو الصلب، أو قطع الأطراف أو سمل العيون أو سحل الجلد، أو الحرق حيا، أو غير ذلك من العقوبات الأخرى، المرتبطة بالعنف الجسـدي الجاري بها العمل في الماضي، في العديد من دول المعمور.

وإذا ما وضعنا في الاعتبار صدور هذه التشريعات من سلطة تشريعية منبثقة من كل مكونات الشعب، في إطار المساواة والاختيار الديموقراطي الحر، فإننا نكون فعلا أمام تشريعات ذات مصداقية حقوقية، لتطابقها مع الطرح النظري المثالي الذي ذكره كانط في تأملاته.

وما من شك أن توفر هذه المجتمعات آنذاك على جمعية تشريعية شعبية، يعتبر في حد ذاته نقطة إيجابية، مقارنة مع العديد من المجتمعات المعاصرة لها، التي لم تكن تتوفر اطلاقا على هذه السلطة.

وبالفعل فإن الكثير مثلا سيصاب بالاندهاش حين اطلاعه على كتاب (النظم الإسلامية في المغرب في القرون الوسطى) للدكتور ج.ف.ب هوبكينز، الذي نبه فيه إلى ملاحظة انعدام السلطة التشريعية في الدول الإسلامية.

فقد ورد في هذا الكتاب ما يلـي:

(ولم يوجد في الدول الإسلامية حتى الأزمنة الحديثة – نظريا وكذلك عمليا بصورة عامة - سلطة تشريعية بالمعنى الحديث للكلمة، أي جماعة من الأشخاص يوكل اليهم أمر سن القوانين، يكونون قد خولوا الصلاحية لتبديل القوانين القائمة، أو لوضع قوانين جديدة في نطاق أفكار أساسية، لا تكون حتى هي نفسها غير قابلة للتغيير، أو باختصار هيئة تشريعية حسب الأفكار الحديثة، تسن قانونا من لا شىء، وعلى أساس قواعد ترتئيها لنفسها، أما في الإسلام فالحال يختلف تماما فالقانون من صنع الله تعالى، لا من وضع الإنسان، وهذا يؤدي إلى نقطتين مهمتين أولاهما أنه منذ أن أبلغ الله تعالى مشيئته إلى المسلمين، عن طريق النبي محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيئين، فقد وجد القانون الذي لا يتبدل، ولن يتبدل إلى يوم الدين، وثانيهما أنه لا مجال للتشريع بالمعنى الحديث، فقد وضعت المصادر الوحيدة المعترف بها للقانون الإسلامي بصورة نهائية لقرون عديدة، ويقتصر العمل التشريعي على تفسير تلك المصادر وتقييمها، وهكذا فإنه لا يمكن أن تقوم بالمعنى الصحيح جمعية تشريعية، اذ ليس ثمة تشريع، لقد كان هناك دائما بالطبع أعداد كبيرة من الرجال، كرسوا طاقاتهم لدراسة المصادر لمعرفة كنه القانون، إلا أن هؤلاء الفقهاء يعملون مستقلين تماما الواحد منهم عن الآخر وكل واحد من هؤلاء الفقهاء لا يمثل إلا نفسه، وقد يخلص فقيه أحيانا إلى استنتاج يختلف عن استنتاج فقيه غيره، ومثل هذا التباين في الآراء شائع جدا، ورأي الواحد لا يقل قيمة عن رأي زميله)

وأنه بعدما لا حظ هذا الكاتب افتقار الدول الإسلامية إلى سلطة تشريعية تملك كامل السيادة في وضع التشريعات التي ترتضيها، لاحظ كذلك وقوع هذه الدول في التناقض والتذبذب، بين ما تدعو اليه أحكام الشرع الإسلامي، وبين التطبيقات العملية لهذه الدول، المتعارضة مع الشرع، وفي هذا السياق ذكر ما يلي:

(ونظام الدول الإسلامية غير عملي بالمرة، لم يحدث أن أية دولة اسلامية وجدت أنه من الممكن إدارة شؤونها بالرجوع إلى الشريعة وحدها، ففي النشوة الأولى من الحماس التي تصحب عادة تأسيس دولة جديدة، يعلن عادة بأن الشريعة ستكون أساسا لجميع الأمور، إلا أن الشرع زهرة بضة لا تقوى عادة على تحمل أول تيار بارد للمصالح الدنيوية، فيلجأ عادة إلى نبات أكثر احتمالا، وهو القانون من صنع الإنسان، ومهما ندد الفقهاء به فإنهم عاجزون عن الحيلولة دونه، وفي الواقع فإنهم عادة يدعون الفضل لأنفسهم، ويستخدمون سلطاتهم الإفتائية ليجدوا في الشريعة ما يبررون به الأعمال المفروضة عليهم، ولم يحدث أن حاكما مسلما افتقر في يوم من الأيام إلى فتوى تصدر تأييدا لأي إجراء قد يفكر في اتخاده)

وفي إطار النقد البناء، ما من شك أن ملاحظة السيد هوبكينز بشأن حالة التذبذب هذه، نجدها مكرسة بالفعل في السياسة التشريعية لدولتنا الحديثة، بدليل أن الدستور السابق لسنة 1996، في الوقت الذي نص فيه على أن الدولة المغربية دولة إسلامية وعلى منع خضوع أحكام الدين الإسلامي لأية مراجعه، فقد أحدث نفس هذا الدستور سلطة تشريعية (برلمان) أسند اليها سلطة التشريع في تحديد الجرائم والعقوبات الجارية عليها، مع العلم أن لا مجال للتشريع في هذا الميدان، لسبق الإسلام ضبطه بأحكام غير قابلة للتغيير.

ومن جهة أخرى فعلى الرغم من وجود تناقض واضح بين قواعد القانون الجنائي الجاري به العمل، وبين أحكام العقوبات الإسلامية، فان كل الأحزاب الوطنية تقريبا، بما فيها ذات التوجه الإسلامي، لم تدرج صراحة ضمن أهدافها، السعي إلى رفع هذا التناقض أو تصحيحه، عن طريق المطالبة بإلغاء القانون الجنائي الحالي، والعوة إلى قانون العقوبات الإسلامي، مما أدى بالدستور الجديد الصادر سنة 2011، إلى إعادة تكريس نفس ذلك التناقض، الوارد في الدستور السابق.

الحاجة إلى ازالة التناقــض:

اذا سلمنا بأن التناقض في حد ذاته يعتبر أمرا غير مريح، يأباه المنطق، ويتعارض مع الحس السليم.

وإذا سلمنا أيضا بوجود تناقض جلي بين فصول الدستور التي تبوئ الدين الإسلامي مكانة الصدارة، مانعة احكامه من أية مراجعة، وبين الفصول التي أحدثت السلطة التشريعية (البرلمان)، مسندة اليها الاختصاص في تحديد الجرائم والعقوبات الجارية عليها، هذا التناقض الذي يتمثل من جهة في قيد السلطة التشريعية بالمرجعية الدينية الإسلامية، ومن جهة أخرى منح هذه السلطة حرية سن قانون العقوبات الذي يتلاءم مع تطور المجتمع ومع ظروف العصر.

إذن إذا سلمنا بذلك فإن حالة التناقض هذه، لن تزول في تقديري إلا باختيار أحد هذين الأمرين:

1– إما التمسك بصدارة الشرع الإسلامي، الذي يفرض حتما الغاء اختصاص السلطة التشريعية في تحديد الجرائم والعقوبات الجارية عليها، الوارد في الفقرة الثانية من الفصل 71 من الدستور، أو على الأقل منع هذه السلطة صراحة، من مراجعة ما نص عليه الشرع الإسلامي من حدود وعقوبات في هذا الباب، مع إعطائها حق التشريع فيما عدا ذلك.

2– أو الإبقاء على سيادة السلطة التشريعية، وعلى حريتها الكاملة في إصدار القانون الجنائي الذي تراه ملائما مع مقتضيات العصر، مما يقتضي حتما إلغاء الفصول التي تنص في الدستور على مرجعية الشريعة الإسلامية، وعدم قابلية هذه المرجعية لأية مراجعة.

اقتراب تشريع دولتنا الرسمي من التشريع الأمازيغي:

في انتظار اتخاد القرار الحكيم الذي يزيل هذا التناقض، أشير إلى ملاحظة هامة، وهي زوال ذلك التناقض المزمن، الذي كان قائما قبل الاستعمار الفرنسي في المغرب، بين مناطقه التابعة للدولة المركزية، التي يسود فيها تطبيق القانون الديني الإسلامي، وبين المناطق الخارجة عن نفوذ هذه الدولة، التي تطبق القانون الوضعي، المستوحى من مبادئ القانون الكوني، اذ بعد توحد كل هذه المناطق في دولة حديثة، زال هذا التناقض، بقيام هذه الدولة بإجرائين أساسيين هما:

1)- تخليها عمليا عن عقوبات الشريعة الإسلامية كالرجم والجلد والصلب، وقطع اليد، وغير ذلك من العقوبات المرتبطة بالإيذاء الجسدي، ثم تبنيها القانون الجنائي الذي خلفه الاستعمار، الذي ترتكز عقوباته في الغالب على الحبس والغرامة المالية.

وأعتقد أن دولتنا الحديثة بقيامها بتعويض العقوبات الإسلامية، بجزاء الحبس والغرامة، تكون بذلك قد اقتربت من التشريعات الأمازيغية، التي ترتكز كما هو معلوم على عقوبة الغرامة والنفي، وذلك على اعتبار أن عقوبة الحبس تعد في حد ذاتها نفيا للمذنب عن المجتمع، بعزله في بناية محروسة، ينقطع فيها إما لمدة محدودة أو مؤبدة، عن ممارسة حياته الاجتماعية الطبيعية، علما بأن محدودية الإمكانيات المادية للمجتمعات الأمازيغية، وعدم قدرتها على ايواء وإطعام المذنبين في مؤسسة حبسية، هي ربما التي فرضت عليها الالتجاء إلى عقوبة النفي خارج المجتمع.

2) - تأسيس هذه الدولة لأول مرة في تاريخها، سلطة تشريعية منتخبة ديموقراطيا من نسيج المجتمع، تتمتع باستقلال نسبي، في وضع التشريعات التي ترتضيها، وذلك بعدما كانت طبيعة الدولة الإسلامية، تمنع تأسيس هذه السلطة، كما ورد في كتاب الدكتور هوبكينز الآنف الذكر، ولعل أبرز شيء أظهرت فيه السلطة التشريعية المغربية سيادتها وحريتها بعد تأسيسها، هو إصدارها لقانون رقم : 03-79 المتعلق بتغيير وتتميم مجموعة القانون الجنائي، الذي يختلف في مضمونه وجوهره عن الشرع الإسلامي، كما سبقت الإشارة إلى ذلك من قبل.

وبإقدام الدولة المغربية على إصدار هذا القانون تكون قد التحقت بركب دول العالم، التي تخلت عن عقوبات الجلد والصلب وقطع الأطراف، والحرق حيا، وسمل العيون، وغير ذلك من العقوبات الشديدة، التي كانت سائدة في جل أطراف المعمور، منذ عهد تشريع حمو رابي، تلك العقوبات التي وصفها جل المفكرين بالبدائية أو الوحشية، من ضمنهم اليكيسيس توكفيل الذي نعت الدساتير الأولى لبعض الولايات الأمريكية بكونها لا تشرف العقل البشري، لتطبيقها في بداية نشوئها بعض هذه العقوبات.

وهكذا إذا كان التخلي عن تطبيق هذه العقوبات القاسية من جهة، والقيام بتأسيس سلطة تشريعية حرة ومستقلة من جهة أخرى يعتبر معيارا موضوعيا لتمييز الدول المتقدمة سياسيا عن غيرها، فيمكن والحالة هذه القول بأن التشريعات الأمازيغية، كانت متقدمة عن نظام التشريع المغربي الرسمي، لثبوت أخذها بهذا المعيار، مند زمن بعيد يعود إلى ما قبل الفتح الإسلامي.

ثم من جهة أخرى إذا ما أدركنا الفرق الموجود بين فكرة الشورى وبين فكرة الاستشارة، فسنلاحظ كذلك أن هذه المجتمعات الأمازيغية، كانت هي التي تطبق بحق، مبدأ الشورى القار في القانون الكوني، المنقوش في العقل، المنصوص عليه في القرآن في الاية الكريمة: (وأمرهم شورى بينهم - سورة الشورى )، لأنها عن طريق مجالسها التمثيلية المؤسسة ديموقراطيا، كان نوابها يتشاورون في جميع أمورهم في إطار المساواة الكاملة فيما بينهم، عكس ما كان يجري به العمل في الدول الإسلامية في مختلف العصور، التي لم يكن فيها الحكام متساوين مع مستشاريهم من جهة، كما لم يكن هؤلاء المستشارون أحرارا منتخبين من المجتمع من جهة أخرى، بل كان الحاكم هو الذي يختارهم ويعينهم بإرادته المنفردة، الأمر الذي جعل علاقته معهم، تدخل في إطار الاستشارة الاختيارية، وليس في إطار مجلس الشورى الحقيقي، الذي يلتزم فيه الحاكم بتنفيذ توصيات هذا المجلس، تحت طائلة محاسبته بالإخلال بمسؤوليته.

اما السبب في تقدم التشريع الرسمي المغربي، لاقترابه من التشريع الأمازيغي، فيتمثل في عودة الدولة المغربية الحديثة، إلى السير في نفس طريق القانون الكوني الأزلي، الذي كانت المجتمعات الأمازيغية من قبل، تسير فيه، بمعنى أن اشتراك التشريعين معا في السير في نفس الطريق، هو الذي هو الذي أدى إلى اقترابهما من بعضهما، بعد أن كانا متباعدين لسيرهما في طريقين مختلفين، أي طريق القانون الديني الإسلامي، بالنسبة للدولة الرسمية، وطريق القانون الوضعي، المستوحى من القانون الكوني الالهي المنقوش في العقل، بالنسبة للمجتمعات الأمازيغية، هذا القانون الذي سبق للدول الغربية، أن عادت إلى السير في طريقه، بعدما هداها إليه فلاسفة عصر الأنوار.

لكن إن كانت دولتنا الحديثة قد انفتحت عمليا فقط على المبادئ السمحة، لهذا القانون الكوني، فإن هذا الانفتاح لم يرقى بعد إلى المستوى المبدئي، لعدم إقرار هذه الدولة صراحة بهذا القانون في دستورها، أو في تشريعاتها العامة، كما اتضح ذلك في مقالتي السابقة: (دعوة المشرع المغربي إلى الاقرار صراحة بالقانون الكوني).

ذ- الصافي مومن علي، محام بالدارالبيضاء

*****

المراجع

1ـ المدخل لدراسة القانون - الدكتور ابراهيم فكري – نشر البديع .

2ـ التشريعات البابلية – عبد الحكيم الدنون – منشورات دار علاء الدين .

3ـ في السياسة – ارسطو – ترجمة اوغسطينس باربارة البولسي – اللجنة اللبنانية لترجمة الروائع .

4ـ قصة الحضارة – ويل ديورانت – أجزاء 5-6 – ترجمة الكتور زكي نجيب محمود .

5ـ قصة الفلسفة – ويل ديورانت – ترجمة فتح الله المشعشع – مكتبة المعارف.

6ـ فلسفة القانون والسياسة – اماويل كانط – تاليف عبدالرحمان بدوي – منشورات وكالة المطبوعات – الكويت.

7ـ مقالة الميزات العقلانية المجهولة للتشريع الامازيغي – الصافي مومن علي.

8ـ مقالة الاصل المشرك انظام التشريع السياسي الامازيغي والامريكي – الصافي مومن علي.

9ـ النظم الإسلامية في المغرب في القرون الوسطى – الدكتور ج.ف.ب هوبكينز- ترجمة الكتور امين توفيق الطيبي - منشورات شركة النشر والتوزيع المدارس.

10ـ في الحكم المدني – جون لوك – ترجمة ماجد فخري – مجموعة الروائع الإنسانية الانيسكو.

11ـ روح القوانين – مونتسكيو – ترجمة عادل زعيتر- القاهرة - 1954

12ـ الديموقراطية في امريكا – اليكسيس توكفيل – ترجمة امين مرسي قنديل – نشر عالم الكتب.

 

 

 

 

Copyright 2002 Tawiza. All rights reserved.

Free Web Hosting