uïïun  162, 

mrayur 2960

  (Octobre  2010)

Amezwaru

 (Page d'accueil) 

Tamazight

tiçupäa n uwank d ntta d amntil n tkmmawt n waorabn i wlallu n imrrukiyn

Raxart n raxart

Français

L'amazighité est-elle en danger?

L'art de l'emprunt dans le poème amazigh

Hassan Banjari, une figure tazenzartienne

Le combat amazigh au niveau des nations unies

Le Maroc sommé de cesser ses discriminations anti-amazighes

Création d'un groupe Ahidous

Création de la section de l'APMM à Ifrane

Condoléances

العربية

الشذوذ الجنسي للدولة هو المسؤول عن تطاول العربان على كرامة المغرب

أزمة الهوية عند العروبيين المغاربة

الاستلاب العروبي والمجتمع المدني المغربي

المشرق العربي يحطم كرامة المرأة المغربية

البيان التأسيسي للشبكة المصرية من أجل الأمازيغ

القضية الأمازيغية من منظور القوميين والإسلاميين

جريدة الاتحاد الاشتراكي ىتهاجم الأمازيغية

الحركة الإبداعية النسوية بالريف

التشريع السياسي الأميريكي والأمازيغي

نماذج من المظاهر الفنية الأمازيغية

السلطات تمنع تسجيل الاسم الأمازيغي سيمان

نشاط لجمعية تامازغا

تأسيس جمعية أمازيغية بأوطاط الحاج

 

 

 

أزمة الهوية عند العروبيين المغاربة

(قراءة في نماذج من خطابها)

بقلم: ميمون أمسبريذ

 

موضوع أزمة الهوية عند العروبيين المغاربة سبق أن كتبت فيه كما كتب فيه غيري في هذه الصحيفة وغيرها. ومع ذلك أجدني مضطرا للعودة إليه هنا. والسبب أن العلة لا تزداد على ما يبدو إلا سوءا بالنظر إلى تكاثر وتنوع أعراضها. وقد رأينا في مناسبات سابقة أن هذه الأخيرة تتخذ عند بعضهم صورة انفصام الشخصية؛ وعند آخرين هيئة إنكار الذات والتنكر في قناع ذات مستعارة عبر بناء «رواية أصول» استيهامية؛ وعند غير هؤلاء وأولئك تظهر في شكل كراهية الذات، وذلك بمعاداة كل ما يرتبط بالمزوغة/تموزغا وخاصة المدافعيين عنها.

وهذه المرة أحب أن أتناول عرضا آخر من أعراض أزمة الهوية عند عروبيينا، يبرز بإلحاح في المناسبات التي تقع فيها أزمة عاطفية أو سوء تفاهم بين المحب المغربي والمحبوب العربي (تذكروا أنهار الحبر والدموع التي أغرقوا فيها محبوبهم إبان المقابلة الدموية بين الفريقين الجزائري والمصري. أنهار ما لبثت أن جفت لتعود إلى الفيضان تارة أخرى بمناسبة السلسلة الكرتونية الكويتية). أريد الحديث عن عرض أكثر التباسا من كل سابقيه، إلا وهو: نزعة معاداة العرب عند العروبيين المغاربة! (أطلب من القارئ أن يوفر اندهاشاته: فلن تكون هذه آخر ما سيفاجئه به أصحابنا! وعند التحقق سنجد أن الأمر يتعلق في الواقع بنوع من «الحب بالمقلوب»).

وقد رأيت أن أرصد هذا العرض في مقالين لـ»قلمين» من «أقلام المساء» (هكذا تسمي جريد «المساء» المساهمين القارين فيها بمقالاتهم): أحد المقالين لصاحب الجريدة رشيد نيني، والآخر للسيد عبد الله الدامون.

1. حين تصبح المزوغة / تموزغا هوية احتياطية

كل من يقرأ كتابات رشيد نبني في ركنه الثابت «شوف تشوف» – كما أفعل من حين لآخر على سبيل الاستخبار عن الخطابات الرائجة في بلادنا – يعرف مقدار العداء الذي يحمله هذا الكاتب الشعبوي للمزوغة والمناضلين من أجلها: عداء ينم عند هذا الأمازيغي الأصل عن إصابته بالمرض النفسي المعروف ب»كره الذات» (la haine de soi) . هكذا نجده لا يترك فرصة تمر، وإن لم تسنح الفرص يختلقها اختلاقا، دون أن يعرض بالنشطاء الأمازيغيين غمزا ولمزا وتحقيرا وتجريحا وتشهيرا... لكن رشيد نيني، وعلى غرار إخوانه من العروبيين المغاربة، لا يجد بأسا في أن يجعل من المزوغة نوعا من الهوية الاحتياطية يلجأ العروبيون إلى تعبئتها كلما صدر عن «أشقائهم» العرب موقف أو سلوك يُفهمهم أن هؤلاء لا يحرصون على أن يشاركهم في عروبتهم أناس يختلفون عنهم ثقافة وعقلية ونمط حياة، وإن ظلوا يفعلون كل ما وسعهم ليقنعوهم بخلاف ذلك. هكذا يتحول نيني وإخوانه العروبيون، في انتهازية تثير الغثيان، من أعدى أعداء المزوغة إلى حاملين للواء الدفاع عنها، باعتبارها الأصل الذي يعتزون بالانتماء إليه، والهوية التي يمتازون بها عمن سواهم، والخصوصية التي هي مناط شخصيتهم وعلامة تفردهم، الخ.

لنقرأ بالأحرى ما كتبه ر. نيني على هامش ما جاء في «سلسلة (الميخيات) الكويتية التي استهدفت النساء المغربيات بالتجريح واتهمتهن باستعمال السحر من آجل خطف رجال الكويتيات» (هكذا جاء في مقاله. شخصيا لا أعرف بماذا يتعلق الأمر: يجب أن يكون المرء «خاوي السوق» كما يقال عندنا لكي يشاهد قناة كويتية، بله سلسلة كرتونية تبثها قناة خليجية! لكن ما علينا). يقول نيني منتفضا لكرامة الأمازيغيين – هؤلاء الأمازيغيون أنفسهم الذين يتنكر لهم نيني في الأحوال العادية معلنا عروبته بمناسبة وغير مناسبة، ولا يتورع عن تأليب الدولة على طلائعهم التي تدافع عن الهوية الأمازيغية للمغرب – (يقول): «ما حز في قلبي وقلوب الملايين من المغاربة وهم يتتبعون سلسلة «الميخيات» (؟) هذه هو اختيارهم مدينة أكادير، عاصمة سوس، من أجل طعن كرامة المغرب في الظهر. ولعل كاتب قصة السلسلة، الذي يسخر من فتح الأندلس ويشبهه بفتح أكادير والجهاد فيه على طريقة «بيل كلينتون» مع «مونيكا لونسكي»، يجهل أن سكان هذه الحاضرة السوسية ينحدرون من نسل طارق بن زياد وجيشه الذي فتح الأندلس «بصح»، بسواعد الرجال الأمازيغيين وليس بسواعد «بوقتادة وبونبيل» (كناية عن العرب، وهما كما يبدو شخصيتان في السلسلة موضوع الكلام). ولعل أكبر إساءة الى ذاكرة وتاريخ الأمازيغ هي تقديم سلسلة «الميخيات» للأندلس كبلاد فتحها واستوطنها العرب، والصحيح أن فاتحيها ومستوطنيها هم المسلمون وليس العرب، على اعتبار أن مسلمي الأندلس كان فيهم عرب المشرق وأما زيغ المغرب (...) أكادير، التي داست الكويت كرامتها، هي عاصمة أحفاد الفاتحين الأصليين للأندلس، تلك الجنة التي ضيعها ملوك الطوائف العرب (...) عشرون سنة كانت كافية لكي يحول هؤلاء العرب القادمون من الخليج سوس إلى عاصمة للجنس، بعدما كانت عاصمة للعلم (...). وإذا كانت الأندلس قد ضاعت فليس بسبب الأمازيغ المغاربة الذين فتحوها بسواعدهم، بقيادة طارق بن زياد، وإنما بسبب مجون أجدادهم العرب القادمين من المشرق. هؤلاء العرب الذين يأتي أحفادهم اليوم إلى المغرب ليكرروا مهزلتهم من جديد». انتهى كلام نيني. وبعد قراءته لا يتمنى المرء إلا شيئا واحدا هو أن يستمر «العرب» في شتم المغاربة لعل عروبييهم يعيدون اكتشاف أمازيغيتهم، بعد أن فشلنا نحن في إقناعهم بذلك بالموعظة الحسنة وبمجادلتهم بالتي هي أحسن! وقد تعمدت نقل فقرات كاملة من مقال نيني للتمثيل على نوع من الخطاب الرائج لدى العروبيين المغاربة عن «أشقائهم» عرب المشرق عندما تنشب أزمة عاطفية ما بينهما. لقد حدثتني نفسي مرة أن أصنع انطولوجيا أو ديوانا أضمنه ما أقع عليه خلال قراءاتي العرضية من منتخبات في «أدب العنصرية العروبية-العربية». ثم إني عدلت عن الفكرة اقتصادا للوقت وانصرافا عن اللغو. والملاحظة العامة التي يمكن الخروج بها من قراءة نماذج من هذا الخطاب هي أن العروبيين المغاربة يبلغون مبلغا من العنصرية ضد «أشقائهم» العرب لا يبلغه أكثر النشطاء الأمازيغيين تطرفا! لقد وصل هذا الخطاب الهجائي المبني على السجل البلاغي للحب-الحقد (amour-haine) درجة من الانتشار أصبح معه جنسا أدبيا قائما بذاته، يذكرنا بما عرف في تاريخ الأدب المكتوب بالعربية بالأدب الشعوبي. وهو يتسم في مجمله بنزعة عنصرية مفرطة في التطرف، تجعل أصحابه لا يذرون نعتا قبيحا ولا صفة مشينة إلا أسندوها إليهم. ولو أن أمازيغيا أتى بمعشار ما يأتون به في حق العرب لقامت القيامة وأنشئت – وقد كان! - جمعيات لمناهضة العنصرية الأمازيغية، و...

لكن الأمازيغيين لهم شأن يغنيهم عن الصيد في الماء العكر، هو الدفاع عما تبقى لهم من وجود. وهم إذ يفعلون لا يتقصدون في كتاباتهم وأقوالهم إلا أولئك الذين يعادون هذا الوجود بما هم كذلك، أي بما هم ينكرون حق الأمازيغيين في الوجود، لا من حيث إنهم عرب أو ناطقون بالعربية. رائدهم في ذلك نزعة انسانوية كونية ترى التعدد غنى والتنوع ثراء والاختلاف تكاملا.

وعلى كل حال، ليست هذه العنصرية العروبية-العربية بأولى مفارقات العروبيين المغاربة ولا آخرها. لكن ما يبعث على الاشمئزاز هو الموقف الانتهازي لهؤلاء من الهوية الأمازيغية؛ فهم حين يكون جو العلاقات العربية-العروبية صحوا يوجهون سهام ألسنتهم وأقلامهم إلى المدافعين عن أمازيغية المغرب، ويجتهدون في طمس كل شيء يذكر بهذه الهوية. لكن ما إن تمر سحابة عابرة في سماء تلك العلاقة حتى يصير هؤلاء أكثر أمازيغية من الأمازيغيين! وكأنهم يلوذون بالأمازيغية كآخر ملجأ لهم من «إخوتهم-الأعداء» الذين لا يبدو أنهم مستعدون لغض الطرف عن جريمة انتحال الغير لهويتهم، ولا متحمسون لقبول انتساب اللقطاء المغاربة إلى شجرة نسبهم (هم الذين جعلوا من النسابة علما قائما بذاته).

2. العرب و... المغاربة

 هذا العنوان الجانبي جزء من عنوان مقال كتبه «قلم» آخر من «أقلام المساء»، اسمه عبد الله الدامون (العنوان الكامل لمقالته هو : «العرب والمغاربة واللغة العربية»). قبل أن أناقش بعض ما جاء في هذا المقال من مغالطات، أرى آن نتوقف عند التركيبة النحوية لهذا العنوان. يستعمل كاتب المقال حرف العطف الواو للربط بين «العرب» و»المغاربة»؛ والوظيفة النحوية ل»واو العطف» كما هو معلوم هي الربط بين «شيئين» مختلفين في تعريفيهما، وليست رص المترادفات: فلا نقول مثلا: رجل ورجل، بل نقول: رجل وامرأة، ولا نقول: كلب وكلب، بل نقول: كلب وقط أو كلب وحمار... ما أريد أن أخلص إليه من خلال هذه الملاحظة الشكلية هو أننا نجد عند العروبيين المغاربة (وكاتب المقال كاريكاتير لهم) إحساسا غامضا، مبهما بأنهم ليسوا عربا كغيرهم من العرب، وأن عروبتهم فيها شيء ما يجعلها ليست عربية تماما: عروبة مختلفة، ناقصة أو زائدة، لا أعرف، لكن ليست عروبة وكفى. هذا الإحساس المبهم بالاختلاف – مع التعبير المكرور إلى حد الهوس عن الانتماء إلى العروبة – يدخل في نطاق التعبير الأعراضي symptomatique عن أزمة هوية عميقة وخطيرة. خطورتها تكمن في أنها أزمة مكبوتة، لا تعبر عن نفسها إلا من خلال أعراض خطابية تطفو إلى سطح أقوالهم وكتاباتهم على هيئة الأمراض النفسية-الجسدية les maladies psychosomatiques كلما سنحت لها الفرصة (وكثيرا ما تسنح!). والأسوأ أن هذه الأعراض لا تجعل الذين تظهر عندهم يبادرون إلى البحث عن تشخيص للعلة التي من ورائها، ليبحثوا عن العلاج المناسب لها بناء على التشخيص الموضوعي ذاك. بل هم – بدلا من ذلك – يعمدون إلى إعادة كبت العلة الناشئة عن أزمة الهوية عندهم عن طريق إرجاعها إلى أسباب هي نفسها أعراض (من قبيل الغيرة، الحسد، عقدة التفوق عند «الأشقاء»، الخ.). وبما أن المكبوت يمنع من التعبير عن نفسه بوسائل التعبير الملائمة، فإنه ينتهي دائما بأن يعود للتعبير عنها في شكل أعراض هي في تطرفها وقبحها أسوأ من العلة نفسها (من هنا تلك التصريحات والكتابات العنصرية المعادية للعرب، التي تطفح بها الصحف الورقية والالكترونية ومنتديات الانترنيت، والتي منها مقال الدامون الذي يشغلنا هنا).

رأينا أمثلة لهذه الأعراض في المقاطع التي اجتزأناها من مقال نيني أعلاه. ومن أمثلتها في مقال الدامون المذكور حديثه عن العرب بضمير الغائب، في سياقات تفيد التبعيد أو الاستبعاد mise à distance الذي يفيد بدوره ما عبر عنه هو نفسه في آخر مقاله ب«التنافر النفسي والعاطفي الذي نحس به في كثير من الأحيان مع عرب المشرق». هكذا تتكرر في المقال صيغ من قبيل: «العرب حدث لهم ما حدث...» و«العرب يعتقدون أنهم...» و«العرب ظلوا دائما يدورون حول أنفسهم فقط...»، الخ.

استطرادا نلاحظ أن كثيرا من العروبيين المغاربة لم تعد تسعهم العبارة المشؤومة التي كانت من وراء تعريب ضمائر أجيال كاملة من المغاربة: أعني جملة «نحن العرب» التي كانت ترد في درس «الشكل»، باب «التمييز» في إحدى مستويات التعليم الابتدائي، والتي خرجت من حصة «الشكل» وجدران المدرسة إلى الشوارع والأسواق مترجمة إلى «نشين/نكنين أعرابن» أو «حنا لعرب» على ألسنة ضحايا «الهدر المدرسي» (أي معظم المغاربة).

وعلى سبيل الاستطراد أيضا: ألا تذكركم العبارة العروبية «نحن العرب» التي كانت (؟) تنقش في الصفحة البيضاء لأدمغة الأطفال المغاربة بالعبارة الشهيرة « nos ancêtres les gaulois » التي ترد في مقرر وزارة التعليم الفرنسية الذي كان يدرس لأبناء المستعمرات؟

بعد أن رصدنا عرضا من أعراض أزمة الهوية عند واحد من ضحاياها من خلال بعض تجلياتها النحوية، ننتقل الآن إلى رصدها من خلال مضمون المقال. مناسبة المقال، على ما يروي صاحبه، «تظاهرة ثقافية أقيمت في المغرب، وشاركت فيها دولة خليجية، صعدت «شاعرة» شابة من هذه الدولة العربية إلى المنصة وبدأت في تلاوة شيء قالت إنه شعر، وكانت واثقة جدا من نفسها إلى درجة أنها كانت تتمايل قليلا مع القافية، وكانت قافية تشبه الضربة القاضية. كانت هذه الشاعرة تنصب المبتدأ وتكسر الخبر وترفع المفعول به وتنصب الفاعل، حتى بدا من في القاعة يترنحون من هول الضربات، ومن بينهم أطفال مغاربة أحسوا بوطأة وهول هذه اللغة العربية التي لم يعتادوها. كانت الشاعرة الخليجية تقترف خطأ لغويا بعد آخر في قصيدتها الجانحة، وكان الأطفال المغاربة في القاعة يهمهمون في ما بينهم ويصححون اللغة وهم يبتسمون بمكر من هذه الشويعرة العربية الفحلة. بعد ذلك تعاقبت على المنصة شاعرة أخرى ثم شاعر آخر من نفس الدولة العربية. وجماعهم ارتكبوا مذبحة حقيقية ضد اللغة وضد الشعر».

ثم يعقب كاتب المقال بقوله : «الذين بعثوا بأولئك الشعراء العرب الفطاحل إلى المغرب ليلقوا شعرا كانوا بالتأكيد يعتقدون أن المغاربة يتكلمون لغة أخرى غير العربية (...) ما جرى في تلك الأمسية لا يدل فقط على جهل فظيع للدول العربية ببعضها البعض، بل أيضا على وجود ما يشبه الاحتقار، لأن هناك عربا يعتقدون أنفسهم أكثر عروبة من الآخرين ولغتهم أجمل وأفضل».

انتهى الشاهد. وأعتذر مرة أخرى عن الطول. فلقد قصدت من إيراده على طوله تقديم نموذج من الخطاب العروبي عن اللغة العربية وعلاقة المغاربة بها وبأصحابها الأصليين، ليتبين مقدار تهافت هذا الخطاب وما ينبني عليه من مغالطات. فالمغاربة، كل المغاربة، عرب، بل أكثر عروبة من العرب، ما دام بعض التلاميذ الذين حضروا التظاهرة الشعرية الخليجية قادرين على تصحيح الأخطاء اللغوية للشعراء العرب (العهدة على الراوي)! والكاتب، إذ يتلذذ بعروبة هؤلاء «المحظوظين» من التلاميذ، يتغاضى عن هذه الملايين من المغاربة الذين لفظتهم المدرسة العروبية شبه معوقين، بعد أن قضوا بين جدرانها سنين انقطعوا خلالها عن لغتهم وثقافتهم وهويتهم، ليتحولوا إلى فئران تجارب أو عضويات معدلة جينيا، لا هم أنفسهم ولا هم غيرهم، لا هم أبقوا على لغتهم الأصل ولا هم اكتسبوا اللغة البديل، لا هم حافظوا على المهارات العقلية والعملية لأسلافهم الذين اكتسبوها خلال آلاف السنين من التفاعل مع بيئتهم ولا هم حصلوا معارف ومهارات بديلة...

نعم، لقد غادر الملايين من المغاربة المدرسة – ولا يزالون – ولا زاد في جعبتهم غير القدرة على الفهم التقريبي لعربية الفضائيات الغوغائية والجرائد الشعبوية ومواقع الانترنيت الأصولية والإرهابية التي ينهلون منها دون أدنى حس نقدي ولا مناعة فكرية ولا حصانة ثقافية. حتى وجد المغرب نفسه ليس فقط أمام مآسٍ فردية وأسرية تتمثل في فشل أعداد منكرة من أفراد المجتمع من تحقيق أنفسهم في أي مشروع حياتي مهما كان، بل وأمام كارثة وطنية حقيقية بسبب الشحن الأيديولوجي الذي تخضع له هذه الملايين من الشباب والأقل شبابا من المحبطين الذين «يؤهلهم» تكوينهم لتلقي رسائل التطرف والتخلف والحقد والعنصرية بكل أصنافها من أفواه «الشيوخ» و»الدعاة» و»الأمراء» و»وخبراء» الفضائيات وساء أولئك رفيقا. لقد أصبح هؤلاء المساكين، من ضحايا المدرسة العروبية، خطرا يتهدد أمن البلاد واستقرارها بدلا من أن يكونوا مواطنين فاعلين مشاركين في تنميتها والسير بها في طريق التقدم والازدهار.

ولن أتحدث عن هذه المئات من الآلاف من «حملة الشهادات العليا» والأقل علوا الذين، بعد أن «أسعفهم الحظ» وأتقنوا «علوم العربية»: نحوها ومعجمها وفقهها وبلاغتها، وجدوا أنفسهم وبين أيديهم آلة عاطلة أو «مفتاح» بدون أبواب.

بودي هنا أن أبدي ملاحظة عرضية على ما ادعاه صاحب المقال من أن التلاميذ المغاربة أعلم بالعربية من بعض أهلها من مثقفي الخليج العربي. إن ما يظنه الدامون جهلا من هؤلاء بلغتهم ليس في واقع الأمر سوى مظهر من مظاهر العفوية التي تسم علاقة المتكلم بلغته، خلافا للصبغة البروتوكولية التي تطبع العلاقة بين متكلم لغة أجنبية وبين هذه اللغة. حيث يكون عند المتكلم وعي حاد بقواعد الصرف والتركيب. ولأمر ما كانت أولى التصانيف في نحو العربية من صنع غير العرب (الفرس خاصة). إذ إن العرب لم يكونوا في حاجة إلى الاحتكام، في التواصل فيما بينهم، إلى قواعد نحوية صريحة؛ ما دام المقام التداولي والدلالة كافيين لتأمين نجاعة التواصل اللفظي. وليس ما توهمه الدامون جهلا من العرب بقواعد لغتهم سوى ضرب من الترخص من قبيل ما نجد في الملحون والزجل، لكن معمما على سائر الملفوظات. وليس معنى وجود «أخطاء نحوية» في هذه الملفوظات أن أصحابها لا يعرفون ما يقولون، أو أن متلقيها لا يفهمون ما يقال لهم؛ وإلا كان ذلك ضربا من العبث.

وعلى سبيل الملحة يجوز القول في شأن العربية والعرب والمغاربة: إن العرب يملكون العربية، والمغاربة يملكون نحوها.

رجوعا إلى إشكالية الهوية عند العروبيين المغاربة من خلال كاتب المقال موضوع التعليق، نجده يضع مقارنة بين علاقة الإسبان بالناطقين بالأسبانية من شعوب أمريكا الجنوبية وبين علاقة العرب بالأفارقة الشماليين، فيقول: «هناك حالة لغوية تشبه العربية في الظاهر وتناقضها في الباطن. فأسبانيا صدرت لغتها نحو أمريكا اللاتينية (...) واليوم أصبحت أمريكا اللاتينية مبهرة للعالم كله بأدبها وشعرها، بينما أسبانيا، أم هذه اللغة، لا تتوفر حتى على ربع ما تتوفر عليه أمريكا اللاتينية من أدباء وشعراء ومفكرين. هنالك شيء آخر وهو أن أسبانيا رغم أنها هي التي حملت لغتها إلى هذه القارة، لا تتعامل أبدا على أنها الأفضل لغويا وثقافيا (...) العرب لم يفرضوا لغتهم على الآخرين بالحديد والنار كما فعلت أسبانيا (؟!) لكنهم يتصرفون بعجرفة غير مفهومة. ولو كانت البلدان العربية في المشرق تفكر مثل أسبانيا لما بعثت إلينا بشويعرين وشويعرات يتهجون الحروف ويزحزحون سيبويه في قبره. فالعربية لغة مغربية مثلما الأسبانية لغة أرجنتينية أو مكسيكية آو بنامية». انتهى الشاهد. على عادة العروبيين المغاربة في اتخاذ موقف الضحية victimaire posture، يلقي صاحب المقال باللائمة على العرب الذين يتصرفون بعجرفة غير مفهومة مع الشمال-إفرقيين خلافا للإسبان الذين لا يستعلون على شعوب أمريكا الجنوبية. لكن من سمع أن المكسيكيين أو الأرجنتينيين أو الشيليين أو الكولومبيين أو الفنزوليين أو الكواتماليين أو الهند وراسيين أو الكوبيين أو غيرهم من شعوب أمريكا الجنوبية ينافسون الأسبان في أسبانيتهم كما ينافس العروبيون المغاربة عرب المشرق في عروبتهم؟! من سمع مكسيكيا أو أرجنتينيا يقول إنه أسباني كما يفعل أصحابنا العروبيون وهم يرددون على آذاننا صباح مساء أنهم عرب أقحاح؟! لقد كنت مبالغا في الكرم عندما تحدثت عن «منافسة» العروبيين المغاربة للعرب في عروبتهم. فالواقع أن المنافسة هي موقف القليلين منهم، ومعظمهم يقنعون بأن يكونوا «عربا» ولو من الدرجة الثالثة. فهذه الدرجة في ذاتها شرف لهم: وهل من شرف أكبر من الانتماء – ولو من بعيد – إلى العروبة؟!

نعم، إن «الحالة اللغوية الأسبانية تشبه العربية في الظاهر وتناقضها في الباطن»، كما يقول كاتب المقال. لكن لا تناقضها للسبب الذي يظنه: أي«أن أسبانيا لا تتعامل أبدا على أنها الأفضل لغويا وثقافيا»، بل لسبب آخر لا علاقة لأسبانيا به؛ وهو أن الناطقين بالأسبانية في أمريكا الجنوبية لهم هويتهم الخاصة التي يعتزون بها، ولا ينافسون الأسبان في هويتهم، ولا يقضون وقتهم في استدرار الاعتراف والعطف من «شقيق أكبر» مفترض كما يفعل عروبيونا المغاربة، ولا في تقديم فروض الطاعة والولاء له أو، على العكس، التعبير عن الخيبة والإحباط جراء مواقف الاستعلاء والاحتقار أو التنكر أو حتى اللامبالاة الواقعية أو المفترضة التي يتخذها العرب في حقهم.

إن الفضل، إذن، في كون العلاقة بين أسبانيا والناطقين بالأسبانية من شعوب أمريكا الجنوبية علاقة سوية وليست مرضية كعلاقة العروبيين المغاربة بالعرب، لا يرجع (الفضل) إلى أسبانيا ولا إلى الأسبان، بل يرجع إلى الأمريكيين الجنوبيين أنفسهم الذين، رغم عنف التاريخ، ظلوا محافظين على هويتهم، معتزين بشخصيتهم الحضارية المميزة، متمسكين بها، لا يبتغون عنها بديلا، ولا يترامون على هوية أحد، ولا يريدون من أسبانيا جزاء ولا شكورا، ولا عرفانا ولا نكرانا.

فهل سيحذو عروبيونا حذو هذه الشعوب لنقيم – كمغاربة – علاقة سوية مع العرب: علاقة شعب بشعب، أساسها المصالح المشتركة والاحترام المتبادل الواجب بين الدول وبين الشعوب؛ علاقة خالصة من آهات العاشق المخدوع وشكاوى الابن المصدود وتظلمات الولي المتنكر له... يومئذ سيحترمنا العرب ونحترمهم. باختصار، على العروبيين المغاربة أن يعالجوا أنفسهم من آفة إدمان العروبة التي ابتلي بها معظمهم في غفلة منه من خلال تناول جرعات قوية منها في المدارس، حيث توزع على التلاميذ بدون حسيب ولا رقيب. آنئذ، وآنئذ فقط، سيصيرون قادرين على أن يبنوا علاقة سليمة مع العرب: علاقة راشد براشد، يتخلصون فيها من هذه الحاجة الطفولية إلى أب أو شقيق أكبر(أو شقيقة: ألا يسمون مصر «الشقيقة الكبرى»؟!) يمنحهم شهادة حسن السيرة، ويربت على أكتافهم، ويظهر لهم علامات الاستحسان، وإن لم يفعل سهوا أو تجاهلا أو عقابا حزنوا وبكوا وأرسلوا الآهات والزفرات الحرى يبتغون بها لفت نظر الوصي عليهم ويرجون عطفه من جديد...

ختاما، ليعذرني القارئ إذ عاودت التطرق إلى موضوع أزمة الهوية عند عروبيينا؛ فإني لا أزال أعتقد أن هؤلاء، رغم عنجهيتهم وصلفهم الظاهرين، يعانون أزمة هوية حقيقية، بكل مضاعفاتها النفسية والعقلية التي تبعث على القلق؛ وأن علينا، نحن مواطنيهم الأمازيغيين الذين لم نصب بهذه العلة، أن نمد لهم يد العون ما استطعنا إلى ذلك سبيلا. وذلك بأن نمد لهم المرآة ليروا فيها أنفسهم على حقيقتها، لعلهم يرجعون.

ثم إنه واجب وطني: إذ إن هؤلاء خطر على الوطن، لأنهم خطر على هويته.

 

 

 

 

 

Copyright 2002 Tawiza. All rights reserved.

Free Web Hosting