uïïun  162, 

mrayur 2960

  (Octobre  2010)

Amezwaru

 (Page d'accueil) 

Tamazight

tiçupäa n uwank d ntta d amntil n tkmmawt n waorabn i wlallu n imrrukiyn

Raxart n raxart

Français

L'amazighité est-elle en danger?

L'art de l'emprunt dans le poème amazigh

Hassan Banjari, une figure tazenzartienne

Le combat amazigh au niveau des nations unies

Le Maroc sommé de cesser ses discriminations anti-amazighes

Création d'un groupe Ahidous

Création de la section de l'APMM à Ifrane

Condoléances

العربية

الشذوذ الجنسي للدولة هو المسؤول عن تطاول العربان على كرامة المغرب

أزمة الهوية عند العروبيين المغاربة

الاستلاب العروبي والمجتمع المدني المغربي

المشرق العربي يحطم كرامة المرأة المغربية

البيان التأسيسي للشبكة المصرية من أجل الأمازيغ

القضية الأمازيغية من منظور القوميين والإسلاميين

جريدة الاتحاد الاشتراكي ىتهاجم الأمازيغية

الحركة الإبداعية النسوية بالريف

التشريع السياسي الأميريكي والأمازيغي

نماذج من المظاهر الفنية الأمازيغية

السلطات تمنع تسجيل الاسم الأمازيغي سيمان

نشاط لجمعية تامازغا

تأسيس جمعية أمازيغية بأوطاط الحاج

 

 

 

نما ذ ج من المظاهر الفنية الغنائية الأمازيغية

بقلم:عبد العزيز أومرزوك، طالب بمسلك الدراسات الأمازيغية،كلية الآداب والعلوم الإنسانية ـ أكادير

مقدمة:

جبل الإنسان الأمازيغي على حب الفن والجمال على مر العصور، يستوحي من الطبيعة الصامتة حكمتها، ومن صفاء مناخها الصدق والواقعية، في أسلوب شيق ممتع شفاف، وألحان شجية تغمر النفس بالحب والحنين، وتوقظ الوجدان إلى معانقة السمو والفضيلة والشجاعة... إلى عالم طافح بالمنى والآمال، يشرئب إليه الطموح إلى الحرية... في شعور بالروح الجماعية تسري في أنفاسه سريان النسيم العليل عبر الحقل والوادي.

ذلك هو الفنان الأمازيغي الذي يتعلم من مظاهر الحياة الاجتماعية التي ما تزال مصدر إلهامه منذ نعومة أظافرة من خلال ما يسمعه من أهازيج وألحان وأنغام وأوزان... ويتمثله من أناشيد وترانيم في شتى المناسبات، سواء في المجال الاقتصادي أو السياسي أو الديني أو الاجتماعي. وسعيا وراء المساهمة في التعريف ببعض المظاهر الفنية الأمازيغية يحاول هذا الموضوع تسليط الضوء على بعض الفنون الغنائية والموسيقية الأمازيغية.

-1فن أحواش:

1ـ 1ـ مفارقات:

أحواش له مفهوم الجمع والضم والاحتواء وهو تعاون فني على إخراج رقصة غنائية بأدائها الجماعي قصد التعبير عن مشاعر ومعان، والإمتاع كذلك والمؤانسة يشارك في أدائها مجموعة من الناس رجالا كانوا أم نساء في عدد غير محدود له.

"أحواش" كلمة تعني في إطلاقها جميع أنواع الغناء والرقص المصمودي، بسوس من غير استثناء ولا تخصيص، ولا يندرج في معنى "أحواش" أنواع الغناء المعرب الموجود في سهول سوس، مثلا: ( لوناسة – قصائد حمادة – حوران – الهرمة – الهيت – الملحون – الكريحة – العيطة – الفراجة الرودانية...) وغيرها.

فهذه الأنواع والأشكال التعبيرية الفنية، المعربة، لا ينسحب عليها مفهوم (أحواش)، وليس هنا موضوع الحديث عنها. فحينما نقول : (أحواش)، فإننا نعني عشرات من الرقصات التي تؤدى باللغة الأمازيغية في مختلف مناطق سوس، والتي تختلف من منطقة إلى أخرى في حركاتها، وإيقاعها، وألحانها، وأوزانها، وأسمائها ومصطلحاتها الفنية، وحتى في مراسيمها.

وهذه الأنواع المختلفة، قد يوجد بعضها في منطقة من سوس دون الأخرى، وبعضها تتشابه أسماؤه فقط، أما في الشكل والمضمون فيختلف من وجهة أخرى، فأنواع الرقص والغناء المعروف في الأطلس الكبير الغربي، يختلف عن الرقص والغناء في الأطلس الصغير بصفة عامة، سواء في الإيقاع وآلاته، أو في الأوزان المتداولة، أو في الألحان والأنغام والحركات، وهذا الاختلاف، ربما كان نتيجة اختلاف البيئة الطبيعية، والمؤثرات الاقتصادية والتاريخية المتفاعلة، والمؤثرات الإفريقية البارزة في مظاهر الحياة بالأطلس الصغير، أكثر منها من الأطلس الكبير، وهذا لا يستجليه إلا الوقوف على نماذج الحياة الاجتماعية والفنية في كل مكان من الأطلس الكبير والصغير.

غير أن ما تجدر الإشارة إليه، أن جميع أنواع الرقص الأمازيغي بسوس، بتعدده وتنوع أنماطه، يشكل مجموعا متكاملا، تراثا فنيا ثرّا فريدا، وبالتالي رصيدا حضاريا غنيا متميزا، يبرز بوضوح خصوصيات البلاد الفنية والحضارية.

ومن حيث لباس الرقص في (أحواش)، فهو كذلك يختلف من منطقة إلى أخرى، فلكل منطقة لباسها العادي الذي يزاول به سكانها أفراحهم وعاداتهم وتقاليدهم الاجتماعية والفنية، فمنطقة "سكتانة" و"أقا" و"طاطا"، تختلف عن سهل "أزاغارتزنيت) وهذه تختلف عن القمم الأطلسية... وهكذا تجد اللباس في (أحواش) يختلف تبعا للمنطقة التي يوجد فيها.

وهذا التنوع في اللباس الزاهي والألوان والأشكال، يشكل لوحة حضارية عريقة، رسمتها عوامل التاريخ بالمنطقة، ومن حيث الإيقاع، فيبرز في (أحْوَاشْ) بجميع أنواع الرقص المندرجة تحته، نوعان من الإيقاع، النوع الأول: الأمازيغي القديم، وتؤدى عليه الألحان والأنغام الأمازيغية الأصلية، وتسمى "آشلْحِيْ"، أو "أبُودْرَارْ". النوع الثاني: الإيقاع الإفريقي، ويتغنى فيه بالألحان والأنغام الإفريقية المسماة "الكناوية".

فالإيقاع الأمازيغي يؤدى بالبندير، بنوعيه: (الهمز) و(النقر). وإما الإيقاع الإفريقي، فيؤدى ب (كَانْكَا) أساسا، مع الطَّارة. وهذا النوع الأخير موجود كثيرا في قبائل الأطلس الصغير، كلما اتجهنا نحو الجنوب والجنوب الشرقي.

ومن حيث الشكل الذي يؤدى فيه رقص (أحْوَاشْ) بجميع أنواعه، هناك خمسة أشكال، سواء كان الرقص رقص رجال أم رجال ونساء أم نساء، أم فتيان وفتيات، وهذه الأشكال هي:

مستقيم - قوس - قسمان متقابلان - مستقيمان متوازيان - دائرة مغلقة.

ومعنى ذلك أن هذه الأشكال تتوزعها الرقصات المتعددة، فمنها ما يؤدى في شكل الأول، ومنها ما يؤدى في الثاني... وهكذا، وهناك من الرقص – في أدائه – يبدأ بالشكل الأول وينتهي بالدائرة مرورا بأشكال أخرى، حسب تعليمات (أعْلاَمْ) حين يمعن بإتحاف الجمهور بمختلف الحركات الجماعية التي يقود فيها المجموعة، ويركز على توزيع الشكل خلال الرقص من دائرة إلى قوس على قوسين... وهكذا حسب ما يأمر به المجموعة الراقصة. غير أن هناك من أنواع الرقص ما يكتفي فيه على شكل واحد ثابت دونما محاولة التنويع في بعض جهات سوس. وهذه مفارقات موجودة يدركها بوضوح كل من قام بمسح لأشكال الرقص في جنوب الأطلس الكبير.

1ـ 2 ـ أنواع فن (أحْوَاشْ):

أنواع (أحْوَاشْ) في سوس كثيرة ومتعددة وتختلف من منطقة إلى أخرى سهلا وجبلا، في الإيقاع والحركات، والألحان وخصوصياتها النغمية.

1ـ 1ـ 1ـ تاسكيوين:

(تاسكيوين) صيغة أمازيغية، وهي جمع (تِيسْكْتْ)، بمعنى القَرْنَة وهي في شكلها عبارة عن خشبة مقوسة على شكل هلال سميكة من أحد طرفيها، ورقيقة من الطرف الآخر، وفي الطرف السميك تغرس أنبوبة نحاسية قصيرة، كانت في ما مضى جزءا من (تيسكت)، فأصبحت تتخذ للزينة فقط وتغلف (تيسكت) بغلاف معدني بحسب ذوق صاحبها، يضفي عليها رونقا ومنظرا جميلا.

ورقصة (تاسكيوين) رقصة حربية في الإيقاع القوي، وحركاتها الرياضية المتنوعة، تذكر بمعاني القوة والبطولة والشجاعة والانتصار، وتحكي في تتابعها وتناسقها معركة حربية وتصور عمليات الحذر والتوقع والاستعداد للمعركة في (اجغايم) وتعبر عن المباغتة والانقضاض على العدو في: ( أسكَّوْرْ – بوتْسْكَا – حرْكْ أُوشَّنْ)، وقفز الحواجز وركوب الخيل في: (أهْيَّاضْ – المِيزَانْ – بجْرَ آفُولُّوسْ)، واقتفاء أثر العدو وتعقبه في: (فْتْشْ أكَّالْ)، والمراوغة والمصارعة في : ( أمْكْلْبْ – هرْدْ)، ثم نشوة الانتصار، وانهزام العدو في: (أُوفُوغْ – آسُّوسْ).

وتؤدى الرقصة على شكل دائرة مغلقة، لأن الراقصين كانوا من قبل محاربين، يترقبون العدو، ووضع الدائرة معناه المراقبة الشاملة والدقيقة في كل الجهات، خوف مباغتة العدو، كما يحقق معنى الوحدة والتعاون الجماعي، بحيث يقوم كل فرد بواجبه في إطار جماعي، وبالتالي يتمكن من مشاهدة الرقصة في كل الجهات في (أسايس).

وتشمل هذه القبائل التالية: (إيرُوهَالْنْ – أيْتْ إدريس – إيدَاوِيزِيمْرْ – إيدَاوْمْحْمُودْ – إيمْنْتَاكْنْ – أيْتْ وْادْجَاسْ – أكُونْسَانْ – إيمْدْلاوْنْ – تِيكُوكَا – إيدَاوْمْسَاطُّوطْ – أغْبَارْ – أمْزْمِيزْ – أيْتْ شْعَايْبْ – أيْتْ حْدُّو بن يوسف – أيْتْ مْحْنْدْ – أيْتْ تِكْسِيتْ...)

1ـ 1 ـ 2 ـ أهْيَّاضْ:

رقصة أهياض في الواقع، ليست رقصة واحدة، بل هي رقصات متعددة، فهناك رقصة ( أهياض حاحا) و(أهياض أوْلُوزْ) و( أهياض أزَاغَارْ تيزنيت) و(أهياض تَاسْكِيوينْ)، وهناك فرقة غنائية ورقصة فكاهية ورياضية، تسمى ( إيهيَّاضْنْ) نسبة إلى (أهياض) وهي المجموعة المشهودة بـ ( أولاد سيدي أحمد أوموسى). ومصطلح ( أهياض) عند إطلاقه يراد به مفاهيم مختلفة، يحددها الموضوع والسياق، ويتبادر إلى الذهن وعند استعمال أهياض، أحد الأمور التالية:

1ـ نوع من الرقص، مستقل في إيقاعه ومتميز في حركاته وألحانه، ويوجد في ( أوْلُوزْ – حَاحَا – تِزْنِيتْ – إيدَاوْكْنْسُوسْ) وقد يكون في أماكن أخرى من سوس.

2ـ واما نوع معين من الإيقاع في رقصة ( تاسكيوين) التي سبق الحديث عنها.له حركات محددة معروفة بـ : (أهياض).

3ـ واما مجموعة فنية متجولة، اتخذت الرقص والغناء والفكاهة مع الرياضة وسيلة للاسترزاق والتكسب وجمع المال، تضيف نفسها إلى (أهياض). وهكذا يتضح أن استعمال المصطلح يراد منه مفاهيم متعددة، تتحدد حسب سياق الكلام وموضوعه.

وحين نجد مصطلح (أهياض) يطلق أيضا على أنواع أخرى من الرقص، وفي أماكن متعددة من سوس، فمن الممكن أن يكون رقص ( أهياض) بجميع مفاهيمه وحركاته، من أصل قديم واحد، عبرت عنه لفظة ( هياض) وبقيت منطوية عليه في معناها الحقيقي اللغوي والاصطلاحي، ولا يعرف ما إذا كان هذا اللفظ مستعملا في أصله ليدل على معنى أو حركة أو شيء، أو حدث وهل هو مركب أو بسيط...

وأما وجود رقصة (أهياض) في سهل (أزاغار تيزنيت)، فمن المحتمل أن تكون من الرقصات القديمة بتلك المنطقة بشكل من الأشكال، وإلا فالأمر لا يعدو أن تكون رقصة (حاحا) قد انتقلت إلى أحواز تزنيت خلال أوائل القرن الرابع عشر الهجري – وأواخر التاسع عشر الميلادي – حين امتد نفوذ القائد الكيلولي الحاحي، الذي كان مغرما بأحواش وسهراته، ما بين سنة : (1314 هـ - 1896 م) و(1318 هـ - 1900م) إذ كان يقيم سهرة (أحواش) حتى في أثناء الحرب، يحضرها الحاكمون وسكان القبائل المحيطة بتزنيت. كما يحق أن نتساءل عن العلاقة والمناسبة بين (أهياض حاحا) و(أهياض أولوز). ويطرح هذا التساؤل إشكالية تاريخية ما تزال غامضة تتعلق بالعلاقة التي تربط بينهما، بسبب سكوت مصادر التاريخ عن الفن بهذه البلاد، ونود الإشارة إليها من خلال ما سمحت به بعض المصادر التاريخية عن تاريخ سوس من معلومات. وعلى كل فـ (أهياض) رقصة معروفة في مختلف مناطق سوس، مع اختلافات بسيطة في حركاتها، يؤديها الرجال أساسا، على إيقاع البنادير مع الغناء أو الرقص الصامت، على إيقاع البنادير، وأنغام العواويد والناقوس.

1ـ 1ـ 3ـ الدَّرْسْتْ:

(الدرست) في المعنى اللغوي يطلق على: جماعة فريق.. سرب.. شرذمة.. كوكبة.. من الرجال أو النساء أو الفتيات أو الحمام أو الطيور...ويقال (آضرَّاسْ) لجدار قصير مبني بالحجارة فقط، أو لكومة من الأحجار المتناثرة بعضها فوق بعض، في شكل متاريس وحواجز تتخذ مواقع للرماة في أثناء المعارك الحربية في القديم. وفي الاصطلاح يطلق على نوع متعدد الأشكال من الرقص مختلف الإيقاع والحركات، والأوزان والغناء... حسب المناطق.

أ- في الأطلس الكبير: يوجد نوعان من الدرست مختلفان في الشكل والحركة والإيقاع. النوع الأول يوجد في (إيمي نتانوت – ايمنتاكن – إيدا ومحمود) ويؤديه الرجال والفتيات العازيات، في صفين متقابلين يتحاوران ويتراقصان في نظام وانتظام، والنوع الثاني يوجد في قبائل (ايد أوزداغ) في السفوح الجنوبية لجبل درن شمال النابهة وراس الوادي، ويختلف وزن هذا النوع وإيقاعه من إيقاع وزن النوع الأول ويسمى (الدرست) فقط، يؤديه الرجال في صف واحد، في حين تتراقص الفتيات أمام صف الرجال في غير ما اصطفاف، وإنما ترقص كل فتاة في الجهة التي تحلو لها وبالشكل والحركات التي تريد أن تعبر بها عن قدرتها على الرقص، وبالتالي تبرز بها كفتاة مقبولة في شكلها وحركاتها وجمالها أمام من تحب أن يتعشقها من الفتيان. وهي تمسك بيدها منديلا ناصع البياض أمام وجهها رمزا للطهر والبراءة والعفة، وحين تنتهي الرقصة ترجع كل فتاة إلى مكانها وسط الجمهور.

وفي منطقة (إداوزداغ) تغني قصيدة (تازرارت)، وهي قصيدة طويلة. وأما في ( أولوز) فتسمى الدرست (آجوكر) وهو التدرج في سرعة الإيقاع من البطء إلى السرعة المتناهية في الرقص، ويؤديه الرجال والنساء. وأما في تاليوين) فتسمى (الدرست) فقط، خاصة بالرجال، شبيهة بالتي تعرف في أولوز، نظرا لتشابه المنطقتين وتجاور القبيلتين.

ب- في الأطلس الصغير: كذلك في هذه المناطق يوجد نوعان من (الدرست) نوع في مناطق ( أقا) و(طاطا) وجبال الأطلس الصغير، متشابه الإيقاع والحركات يؤديه الرجال فقط، ونوع ثان في تزنيت يسمى (أحواش) خاص بالنساء. ويختلف في إيقاعه عما هو معروف في قمم الجبال.

وواضح أن كلمة (الدرست) تطلق لتفيد مجموعة من الراقصين في (أحواش). تختلف إيقاعاتهم وألحانهم وحركاتهم وأشكال رقصهم باختلاف القبائل والمناطق سهلا وجبلا.

1ـ 1ـ 4ـ أحْوَاشْ نِ – إيسْمْكَانْ

كانت علاقة المغرب بأقطار إفريقيا الغربية علاقات تاريخية قديمة قدم وجود الإنسان بهذه الجهة من القارة الإفريقية، استدام تواصلها من خلال منافذ وطرق برية وبحرية تمتنت به الصلات التاريخية والحضارية بين شمال القارة وجنوبها. ورغم الظروف الطبيعية الصعبة والقائمة باستمرار في وجه هذا التواصل كان الاتصال حقيقة قائمة بين شعوب المنطقة تتمثل في قوافل التجارة والمهاجرين الذين كان لهم أثر مذكور في الحياة الاجتماعية والسلالية والاقتصادية...

ونظرا لقرب سوس من إفريقيا الغربية وعلى الطريق إلى هذه الممالك كانت أكبر المناطق المغربية تعرضا للمؤثرات الزنجية الإفريقية، لاسيما في مجال الفنون الشعبية، التي تتجلى فيها هذه المؤثرات بوضوح، سواء في الصيغ الفنية الأمازيغية أو العربية، تبرز في (أحواش)، إيقاعا ولحنا ونغمة وآلة.

ففي سوس رقصات متعددة، تؤدى على إيقاع (كناوي) ونغمة (كناوية) وآلة (كانكا) و(تيقرقاوين)، وتسمى (أحواش ن إيسمكان) أو (كانكا) أو (العبيد). وتوجد بكثافة ووضوح اللحن والإيقاع كما تختلف في الحركات، في السفوح الشمالية والجنوبية للأطلس الصغير ومناطقه الشرقية نحو سكتانة وتاليوين، وطاطا وأقا، ورأس الوادي، وفي بعض مناطق من السفوح الجنوبية للأطلس الكبير.

كما يتجلى التأثير الإفريقي في مظهر النغمة (الكناوية) التي دخلت موسيقى (الرْوَاوِيسْ)، باعتبار أن التأثير الغاني هو الغالب، وهي عبارة عن ألحان وأنغام خماسية المقام، مثلها مثل الأنغام الأمازيغية الأصلية (آشلحي)، مما يؤكد وحدة الأصل والتاريخ الحضاري لهذه الجهة.

و(أحْوَاشْ نْ إيسمكان) يوجد في مختلف سهول سوس وجبالها، يقام في مناسبات عاشوراء، أو في مراسيم خاصة بالعبيد، أو لداع من الدواعي، ويؤدى بالأمازيغية في إيقاع واحد وأشكال وحركات مختلفة، تطبع هذا الرقص بطابع الخصوصية.

1ـ 1 ـ 5ـ تاحواشت:

هي رقصة في السفوح الجنوبية للأطلس الكبير الغربي، خاصة بالرجال، وفيها يتناظر الشعراء ويتحاورون. وتؤدى بحركات معينة وأوزان متعددة، تسمى: (تاروزي). وتوجد في كل من (أولوز – تيزنيت). ففي أولوز خاصة بالرجال قريبة التشابه برقص سفوح جبال (درن) الجنوبية. أما في (تزنيت) وأحوازها خاصة بالنساء، وتغنى بالأمازيغية والعربية الدارجة، على صفين متقابلين يرقصان ويتبادلان الترديد والإنشاد. وفي مناطق طاطا وأقا والفيجة، وفم الحصن، وإيوزيون، وأولوز، وإيندوزال، وأيت سمك، وسكتانة وإنْتَاوْنْ... يطلقون على الرقص والغناء – كيفما كان نوعه – (أكوال)، خاصة رقص النساء. ومن الرقصات المشهورة في هذه المناطق خاصة (تاليوين) و(أيت واوزكيت) و(إيكْلُوَا) أي كلاوة، رقصة تسمى: (تابلويديت)، وهي خاصة بالرجال، ولا تقام إلا في المناسبات المهمة، وتكون دائما في بداية الرقص، ورقصة أخرى تسمى: (بُوتْسْكَا)، يشارك فيها الرجال والنساء في صفين متقابلين في حوار ورقص.

1ـ 1ـ 6ـ أهْنَاقَارْ:

اسم يطلق على رقصة معروفة في كل من (طاطا – الفايجة – وكافة تخوم درعة والصحراء – وفي قبائل إيداوكنسوس – تافراوت – إيدَاوْنِضِيفْ - إيسَافْنْ – أوْلُوزْ – إيسْنْدَالْنْ...) . ولا يعرف بالتحديد معنى كلمة (أهناقار) في حين يطلق في الاستعمال الشعبي العادي، على الدابة الكثيرة الركل والضرب بالرجلين الخلفيتين، وتوصف به الدواب كعيب فيها. وهذا لا يستبعد معه أن يكون مفهوم (أهناقار) يدل على الحركة القوية والإيقاع الحاد الذي تتميز به هذه الرقصة، ليس على وجه التحقير والعيب، وإنما على وجه التمييز والوصف الرياضي. وهي تختلف في حركاتها من منطقة إلى أخرى.

1ـ 1ـ 7ـ العْوَّادْ:

العواد آلة لعزف الألحان والأنغام الأمازيغية وغيرها، وهنا يأتي الحديث عن إيقاع ورقص صامت، يشارك فيه كل من الموقعين على البنادير، والعواد العازف أو العازفون المتعددون، يرقص الراقصون على إيقاع وعزف سريع في حركات جماعية أو ثنائية أو فردية. الرقص يكون في البداية كوصلة موسيقية للاستعداد، وأما في وسط السهرة عند الانتقال من رقص إلى رقص مختلف الإيقاع والحركات، وكذا في الشكل وعدد المشاركين، يؤدي (الروايس ن تيلُّلونا) وصلات إيقاعية على عزف العواد مع الرقص الجماعي الصامت، كفترة استعداد وانتقال من رقصة الى أخرى، وكاستراحة للراقصين كذلك.

1ـ 1ـ 8ـ أجْمَاكْ

رقصة مشهورة في: (أشْتُوكْنْ – إمِي مْقُّورْنْ – أيْتْ أمْزَالْ – هْلالَة – أيْتْ وَادْرِيمْ – سِيدِي عبد الله البوشْوَاري – تِيزي نْ تَاكُوشْتْ – تَارْﯕا نْ تُوشْكَا – خْمِيسْ أيْتْ موسى – إوْسِيمْنْ – تَنَالْتْ – أيْتْ وَالْيَاضْ – أيْتْ بَاهَا نْ أودْرَارْ – أيْتْ بَاهَا نْ أومْلالْ – سهل أزاغَارْ تزنيت...) يؤديها الرجال في صف واحد، والنساء في صفين متقابلين، في رقص وتبادل وترداد.

1ـ 1ـ 9ـ بَّاعْرُّوجْ:

رقصة في (أولوز) خاصة بالنساء، في شكل دائرة مغلقة تستعمل فيها آلة (أكوال – التعريجة) وتسمى (باعروج).

شاعر أسايس:

لقد استطاع الغزو الفكري والحضاري أن يمحو سمات الكثير من الشعوب بحوض البحر الأبيض المتوسط بيد أن الأمازيغيين ورغم أشكال الغزو التي كانت أرضهم مسرحا لها استطاعوا أن يحافظوا على هويتهم وثقافتهم بل إن المغاربة كلهم وبشتى انتماءاتهم الحضارية موصوفون بهذا التميز(...).

في مدرسة أسايس تنعدم النخبوية والتمايز الطبقي ويتواعد المجتمع بكل شرائحه ليقضي لحضات كلها أخذ وعطاء، ويفتح الشاعر نافذة عريضة على جمهور لا حدود له وفي الوقت الذي ظل فيه شعراء القصائد "الوطنية" لا يخاطبون إلا فئة معينة لتبقى إنتاجاتهم مكومة على الرفوف نجد خطاب أسايس يصل بسرعة البرق إلى الجميع، من هنا نعرف أن الشاعر "أمَاريرْ" أو "أمْدْيَازْ" أو "أنْضَّامْ" أو "أنْشَّادْ" لا بد له من شروط ومواصفات لكي يكون دخوله إلى أسايس دخولا شرعيا.

إن قيمة الزمن لدى شاعر أسايس باهظة، فهو ليس كالشاعر الذي يعطي لنفسه مجالا زمنيا لا سياج له ليبدع بكل تؤدة وهدوء بل يكون عليه أن يغتنم فرصتين:

1ـ فقبل ولوجه إلى الميدان يتحتم عليه:

أ- أن يتأكد من قدرته على صياغة الشعر واحترام ضوابطه الفنية.

ب- أن يتضلع في لغته لفظا ومعنى وصياغة.

ج- أن يكون ذا معرفة واسعة بقضايا مجتمعه.

2ـ أما بعد دخوله إلى الميدان فيجب عليه:

أ- أن يتصف بالرزانة بعيدا عن الاندفاع والتسرع.

ب- أن ينوع أساليبه.

ج- أن يتسم بأقصى حدود الالتزام.

د- أن يكونا جريئا في نقد الأوضاع وإثارة العواطف.

2ـ فن أحيدوس:

ينتشر هذا النوع من الموسيقى في منطقة وسط المغرب انطلاقا من المحيط الأطلسي غربا إلى الراشدية شرقا ومن سهول الغرب شمالا إلى سهول الرحامنة وهضاب الشياضمة وعبدة جنوبا.

ويبدو أن هذه الرقصة قد ابتدعت لغرض الاستمتاع بجودة الأشعار من جهة وجمال الرقص من جهة أخرى، خلافا لرقصة الشمال والشمال الشرقي.

وتعتمد في الأصل على نوع واحد من الآلات الموسيقية وهو (ألّون) أي البندير، وتمارس من طرف الرجال والنساء مصطفين في صف واحد يسند فيها كتف الرجل على كتف المرأة. ويلاحظ أنها إن كانت قد احتفظت بأصالتها في جبال الأطلس فإنه وقع فيها تغيير في السهول الغربية نظرا للتمازج الواقع في ساكنتها بحكم موقع السهول كممر للسكان والجيوش بين المدن الكبرى وبين الشمال والجنوب...

وبسبب هذا التمازج فقد تأثرت الرقصة كثيرا بفن أحواش شكلا ومضمونا، إذ استعارت منها آلة الناقوس معوضة إياها بمقص كبير الحجم، كما استعارت منها أيضا خفة الإيقاع والقفز والركز الخفيف. لكن ما يلاحظ عليها هو أنها فقدت نظاميتها وهيبتها الشيء الذي جعل المرأة لا تشارك فيها على غرار شقيقتها في الأطلس، ولا ننسى أنه بسبب التمازج دخلت أيضا آلة النفخ الغيطة إلى هذه المنطقة آتية لها من قبائل الشمال. أما الفن الغنائي المستمد من رقصة أحيدوس فهو فن الشيوخ والشيخات أو العيطة بصفة عامة.

وقبل أن يعرف هذا الفن استعمال الآلات المستوردة كالكمان والعود والدربوكة وغيرها من الآلات، فإنه كان يعتمد في الأصل على آلة الكنبري ذات الصندوق البيضاوي الطويل أو آلة نفخ خشبية ثم على (ألون) أي البندير.

وما قيل عن التغيير الذي حدث في رقصة أحيدوس في السهول الغربية يقال أيضا عن فن الشيوخ والشيخات. إذ في الوقت الذي ما زال هذا الفن يحتفظ نسبيا على أصالته ونظامه في جبال الأطلس فإنه دبت إليه بعض الفوضى في السهول وفقد وقاره وجماله.

وما تجدر الإشارة إليه هنا هو أن سكان منطقة وسط المغرب بجباله وسهوله وبنطاقيه بالأمازيغية أو الدارجة يوحدهم كذلك ذوق موسيقي واحد مغروس في أغوار جوارحهم يطربون له وتستجيب حاستهم الفنية إليه بتلقائية.

والدليل على هذه الوحدة في الذوق والتراث هو أن الفنان رويشة أو نعينيعة أو غيرهما عندما يلبسون أغانيهم بالدارجة فإنهم لا يشعرون أنهم انتقلوا من فن متميز إلى فن آخر بل يحسون أنهم ما زالوا في نفس الفن بأنغامه وإيقاعاته وأن الذي تغير فقط هو اللغة، وهذا ما يؤكد أن سكان هذه المنطقة أيضا متحدون في العمق وفي الروح الفنية وأنهم لا يختلفون إلا في الظاهر اللغوي الطارئ.

3ـ فن تِيروبَّا (نموذج تازنزارت):

إذا كان فن المجموعات الأصلي قد ساد مع فن "الروايس" (وقبله الفنون المرتبطة بأسايس كتانظامت وأحواش...) فالمجموعات الأمازيغية حققت نقلة هامة واستفادت منهم كثيرا، يكفي أن نذكر أن ذلك الفن الأصيل ينبع من فضاء البادية أو القرية، حيث يفترض أن يترعرع الرايس ويتلقى تعليمه الأولي داخل فناء المسجد، يحفظ القرآن الكريم والمنظومات الدينية الشعرية والأدبية، فيمر إلى مرحلة قرض الشعر بلسانه المحلي ليعبر عن مدى تأثره وارتباطه بمحيطه الاجتماعي والطبيعي، ويشكل فضاء أسايس المحك الأساسي له حين يجادل الشعراء ويناوشهم قصد الاعتراف به وبموهبته، وخلال ذلك يكون قد تدرج في تعلم العزف على جميع الآلات الموسيقية خاصة الوترية منها كـ " لُوطَارْ " و" الرِّبَابْ " داخل إحدى مجموعات "الروايس" التي يرافقها أينما حلت وارتحلت، بقصد التشبع بطقوسها الخاصة، طقوس اللباس الأنيق المزين ببعض الحلي والخناجر، طقوس الأغراض الغنائية المتداولة المختلفة: التسليم، التهليل ومدح الرسول، القصص والنصائح، الغزل والمدح... بعدها تأتي مرحلة استقلاله وتكوين مجموعته التي ترتبط باسمه بل ويستقر بإحدى المدن الكبرى، هذا الفن الأصيل على حرصه المحافظ سيعرف خطوة جريئة تجلت في تألق العنصر النسوي فيه بعد زمن متأخر.

وبخلاف ذلك، جاء أفراد المجموعات الأمازيغية متقاربي الأعمار من الجيل المزداد في الخمسينيات بالمناطق الحضرية أي جيل مرحلة الاستقلال، بعد أن تمدرس جلهم بالمدارس العصرية، شباب ثوار على كل ما هو تقليدي، فلباسهم أو زيهم مستورد ذو صبغة شبابية عالمية، شعرهم كثيف مدلى على الأكتاف أو حتى أشعث، يستعملون آلات وترية غريبة الصنع رناتها أكثر جهرا، جانب آلات إيقاعية تقليدية مختلفة، ويعتمدون اسما موحدا أمازيغيا يحيل غالبا على إحدى الظواهر الطبيعية، وقد تجاوز بعضهم الحاجز اللسني فلم يقتصر على الغناء بلغته فحسب، بل تعداه إلى العربية والفرنسية وغيرهما، وفي حين غيبت مجموعات " تزنزارت " بالتحديد بعض الأغراض التي يتناولها " الروايس " كالمدح والغزل والأغاني الدينية... نجدها تعود كثيرا إلى التراث لتنهل منه لكنها تفضل التعامل مع الأشعار الحديثة المنظومة المتميزة بوحدة النص أو الموضوع، بحيث نجد كل بيت من " تامديازت " أو القصيدة يرتبط من ناحية المعنى بسابقه ثم بتاليه، ولهذا يكون من العبث محاولة تجزيء النص ولا حتى التوقف عن قراءته، قبل الوصول إلى آخر البيت.

وقد تمسكت مجموعات " تازنزارت " دائما بموقفها المبدئي وخالفت القاعدة باعتمادها على تلك النصوص الشعرية الملتزمة، التي تتميز بطابعها النقدي للأوضاع، فهي إما احتجاجية أو توجيهية إصلاحية، تتطرق في مجمل مواضعها إلى المشاكل الحقيقية التي يواجهها الناس في معاشهم اليومي، مما جعلها دائما قريبة إلى شريحة الشباب بل أكثر من ذلك وجدت فيها جميع الأجيال المتعاقبة مرآة تعكس حياتها وطموحاتها وآمالها. أشير أن طبيعة وتطور هذه النصوص كان له تأثير حقيقي على حسن اختيار وتوظيف الآلات الوترية من قبل مجموعات " تازنزارت " التي تختلف بشكل طفيف من واحدة لأخرى، علما أن الجميع يعتمد في الغالب على السلم الموسيقي الخماسي الذي تستعمله جميع شعوب الحضارات العريقة الممتدة على الساحل الغربي للقارة الإفريقية مثلا أو عمق آسيا كالصين وبلدان مجاورة... فطبيعة النص المتناول هي ما يتدخل أكثر في فرض الآلة، فإذا كانت مثلا آلة "البانجو" الغير مشرطة تعطي نغما يعبر عن الحزن والشجن يلمس عن قرب كل الأحاسيس والعواطف العميقة الجياشة عند المتلقي فيحركها، فقد تم الاعتماد عليه كثيرا لمعالجة النصوص الحنينية المتميزة أيضا برومانسيتها خصوصا في السبعينات، في حين أن الآلة المشرطة التي توفرت بعد الأولى، هي الأقدر على تحريك الجانب الفيزيائي البشري، لذلك نجدها أصلح للنصوص التحريضية الاحتجاجية الإصلاحية. نشير إلى أنه يتم اللجوء إليهما أحيانا في التعامل مع النص الواحد كما هو الحال عند "إيزنزارن عبد الهادي" في قطعة "ألاطيف" التي بدؤوها بالغير مشرطة وختموها بالأخرى، كما استدعت بعض النصوص اللجوء إلى "الكمان"، أما آلة "الهجوج" أو "السنتير" التي أركنت آلة "الدعدوع"، فقد غدت دائمة الحضور بعد أن منحتها "إيكَيدار" الشرعية ولكن لم تجد لها قط قبولا عند "إزنزارن الشامخ" الذين دأبوا على استعمال آلتي "بانجو" متزامنتين.

يمكن اعتبار غالب المجموعات الأمازيغية التي تأسست خلال حقبة السبعينات ملتزمة، جادة وهادفة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار حكم الرسالة الثقافية التي حملتها على كاهلها، فقد كان هدفها الأسمى تطوير أغنيتها والسير قدما بها نحو آفاق بعيدة، معتمدة على لغتها الأم التي نهلت من معينها كثيرا، ينسجون منها مواضيع تعكس الواقع الاجتماعي والسياسي المعيش، ساعين إلى التأثير فيه وتغييره نحو الأفضل، منها من سار قدما في تطعيم موسيقاه بالألحان والمقامات العربية، الغربية، الإفريقية، الآسيوية وغيرها، لكن مع بداية الثمانينات سنصبح أمام ثلاث توجهات رئيسية عامة، فالأولان منها حافظا على خط الالتزام والجدية وهما نمط أو "مدرسة تازنزارت"، والثانية "مدرسة أرشاش" المستقلة القائمة الذات، ينافسهما التيار الثالث الجديد الذي فرض نفسه على الساحة الفنية الأمازيغية بكل ثقل متجليا في العدد الغفير من المجموعات العصرية التي تميزت موسيقاها بالإيقاع السريع الراقص، معتمدة على الألحان والأوزان الموسيقية الخفية المكررة، أغانيها أصلح للأعراس والحفلات منها للتأمل ومخاطبة الروح والعقل، لأن مواضيع قطعها لا تخرج عن نطاق الحب والغزل والشكوى من لوعة الفراق... ومع ذلك لا يمكن إلغاؤها من الحسبان الثقافي لأنها قد أعطت بدورها عدة توجهات من قبيل مدرسة "إينرزاف"، و"أيت العاتي".....

4ـ التعابير الفنية الأمازيغية، فولكلور أم ثقافة؟

ما الذي يمكن أن تولده في ذهن المشاهد المغربي ليلة أحواش أو أحيدوس في إحدى القرى الممتدة بين أحضان الأطلس، أو في إحدى الحواضر المغربية؟ هل يمكن الوثوق بأن ما لديه من زاد معرفي وحس جمالي يكفيانه لكي "يعيش" ما يشاهده. أو على الأقل لكي يتمثله بوضوح وتميز كافيين؟ بماذا أمده الوسط التعليمي ووسائل الإعلام ونظرة الشارع وممارسة السلطة حول هذه المشاهد الفنية؟

إن أشكال التعبير الشعبية تحتضن روح الإنسان المبدع الذي ينشد ترانيم عشقه للأشياء واكتشافه المستمر لذاته، بينما توجد شروط أخرى خارجة عن إرادته تحكم عملية إبداعه تلك، وتكيّفها مع قنواتها وأجهزتها الخاصة، وتجعل منها صورة لما تريده أن يكون، لا صورة لما ينبغي أن تكون عليه. ولطالما دخلت هذه التعابير الفنية ضمن ما يعرف بالثقافة الشعبية، والتي اعتبرت منتوجا فولكلوريا يمكن تسويقه سياحيا.

ولا شك أن وليام جون تومز، الكاتب الإنجليزي الذي ابتكر مفهوم الفولكلور منذ منتصف القرن 19، لم يكن يتوقع أن مصطلحه الجديد ستصبح له كل هذه الحمولة الإيديولوجية السيئة التي أصبحت له في زوايا مختلفة من العالم، والحقيقة أن المفهوم قد انحرف منذ البداية في أوروبا ذاتها وفي أمريكا عن المسار الذي اختطه له مؤسسوه، أي كعلم يدرس العادات والتقاليد والممارسات الفنية الشعبية والخرافات والملاحم... حيث سرعان ما اقترن بنزعة تحقيرية صوب كل ما يخص الطبقات الدنيا في المجتمع، ذلك أن "الأشراف" من المتعلمين وأبناء الطبقات العليا قد وجدوا فيه ترفا ذهنيا يسمح لهم بالاطلاع من أعلى شرفاتهم الغنَّاء على هذا التراث الشعبي وكأنه مشهد منفلت من دهاليز التاريخ القديم، يقدم صورة "مدهشة" لبدائية الإنسان مليئة بالإثارة وعناصر الغرابة.

ويمكن رصد خصائص هذه النظرة الفولكلورية إلى التراث الشعبي فيما يلي:

- الفصل بين أشكال التراث الشعبي ومضامينه الاجتماعية والإنسانية مما ينتج عنه لوحات فاقدة للحياة تختزل في احتفالية اللون والحركة الباهتة والفارغة من أية دلالة.

- اعتباره تراثا ينتمي إلى مجتمع ذي ثقافة دونية لا ترقى في مضامينها ولا في أشكالها إلى مستوى الثقافة "العالمة" والنظرية، مما يجعله يثير "حنين" الإنسان المتحضر إلى سحر البدايات والبراءة الطبيعية التي يسقطها من مُتَخَيَّلِهِ الذاتي على الموضوع.

- اعتباره مادة للمتعة والترفيه على أناس منفصلين عنه ينظرون إليه من خارجه.

هذه الخصائص امتدت بحذافيرها إلى مرحلة ما بعد الاستقلال وتم تأكيدها خلال ممارسات عديدة.

ولعل أخطر ما في هذه الوضعية هو أن هذه النظرة الفولكلورية يتم ترويجها عبر المؤسسات والهيئات المختلفة ووسائل الإعلام وبرامج التربية والتعليم، مما جعل أغلب الناس لا يلتفتون إلى ما فيها من تَجَنٍّ وهضم حقوق، وإساءة إلى التراث الثقافي المغربي، وطمس لمعالم الهوية الوطنية، وتبعا لما بدل من "جهود" في هذا الاتجاه فقد تم تدجين الذوق العام وصقله على مقاس النظرة الفولكلورية، فتجد التلاميذ والطلبة ينظرون بسخرية ظاهرة إلى عناصر تراثهم الشعبي، وتجد الطبقة الموسرة تلعب في حفلاتها الخاصة دور "القبطان" الفرنسي ورجل السلطة المغربي أمام مشهد عجائبي يثير لديهم مزيجا من غبطة الأطفال واشمئزاز العجزة.

إن العمق الثقافي الحقيقي للمغرب، إنما يتمثل في التنوع الغني لروافده الثقافية والتي يشكل التراث الشعبي فيها جزءا ذا منزلة خاصة. ولقد بدا واضحا أن من بين مظاهر رقي مجتمع من المجتمعات، احترامه لتراثه بمختلف مكوناته وسعيه إلى الحفاظ عليه، ولقد كان هاجس توحيد الوعي العام أمرا سيكون ذا أهمية قصوى لو اهتم بالتوحيد في إطار هذا التنوع والتعدد الثقافي.

لهذه الأسباب كلها لم يستطع مفهوم الفولكلور أن يكسب ثقة أحد في وسطنا الثقافي، وظل بمثابة ذلك المفهوم الذي تلاحقه الشبهة، ويجد خلفه تبعات مراحل سابقة، ولن يكون من المتيسر نقل الفولكلور من الايدولوجيا إلى العلم إلا عبر منح الاعتبار اللازم للكرامة الانسانية التي تعتبر مرتكز وموضوع كل إبداع فني.

خاتمة:

هذه بعض الفنون الغنائية والموسيقية الأمازيغية، أشرنا إلى ما كان مشهورا منها، لما يتميز به من خصوصيات، وما بينها من مفارقات ومواصفات، في الإيقاع والشكل والحركة، ومن مناطق مختلفة، كنماذج زاهية، نستدل بها على ثراء وتنوع الفن الأمازيغي.

ولو أننا تتبعنا جميع الأنواع المشهورة وغير المشهورة للمظاهر الفنية الأمازيغية لاستفاض الحديث، وهذا عمل ليس من مقدور الأفراد، وإنما ما تضطلع به الدراسات والجماعات، وتتضافر عليه الجهود والطاقات، وليس بعزيز على الأجيال الطالعة الطموحة أن تحقق هذا الرجاء وتستجيب النداء.

بيبليوغرافيا:

ـ أحمد بوزيد الكنساني، أحواش: الرقص والغناء الجماعي بسوس، عادات وتقاليد، منشورات عكاظ، الرباط، 1996.

ـ أحمد عصيد، بيان ضد الفولكلور، مجلة تاوسنا، العدد 1، يناير 1995، ص 3.

ـ سعيد كيكش، تازنزارت في الأغنية الأمازيغية، مركز الطباعة أيت ملول، 2009.

ـ الموسيقى الأمازيغية وإرادة التجديد: مجموعة أوسمان، منشورات AMREC، 2002، مطبعة فيديبرانت. الرباط.

ـ محمد أقوضاض، شعرية السرد الأمازيغي، منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، مطبعة المعارف الجديدة الرباط، 2008.

 

 

 

 

 

Copyright 2002 Tawiza. All rights reserved.

Free Web Hosting