|
|
بحث في الأصول المشتركة للحضارة الأمازيغية والحضارة المصرية القديمة: Horus والأمازيغية (الجزء الأول) بقلم: أهريشي محمد (أزرو) تقديم: بدأت مراكمة أفكاري الأولى حول Anzâr والموقع الحقيقي الذي يحتله داخل الثقافة الأمازيغية في تزامن مع قراءتي الأولى حول الحضارة الفرعونية؛ لم يخطر ببالي آنذاك أبدا أنني أسير في طريقين سأجد كلا من Anzâr و Osiris بالانتظار في نقطة التقائهما. منذ أن انتهيت من تحرير كتابتي الأولى في هذا الموضوع، لم ينته سيل الأفكار المرتبطة به عن التدفق إلى اليوم. ولا زلت أعثر من حين لآخر على أفكار جديدية لا تضع فحسب بعض ما ورد في هذه الكتابة الأولى موضع التمحيص من جديد، وإنما أصبحت تضع ككل موضع التعديل زاوية تناولي له، مما دفعني هذه السنة إلى إعادة تصميمه وإعادة بلورة الفكرة الموجهة له من مجرد البحث عن أثر لـHorus في الثقافة الأمازيغية إلى البحث في أسطورة يمكن البرهنة بالشكل الكافي على كونها الأسطورة المؤسسة لكل حضارات شمال إفريقيا (الأمازيغية، الفرعونية وما يتاخمهما جنوبا من حضارات سمراء كل باسمها). وتتكون هذه الكتابة الأولى من المباحث التالية: Yan ـ مدخل Asadef Sin ـ Horus Krâd ـ Issis Kûz ـ Anzâr Smmus ـ Horus Sdîs ـ من الأمس إلى اليوم خاتمة. Yan :مدخــل Asadef : هوروس Horus الإله "الصقر" حامل التاج المزدوج لمصر السفلى والعليا وصاحب معبد Edfou وحارس الفرعون(1) بامتياز، هو الابن الوحيد لإزيس وأوزيريس Osiris، Isis حسب ما تحكيه أسطورة ضاربة في القدم (تعود إلى ما قبل ظهور الفراعنة) انبثقت منها عقيدة قدماء المصريين ونظامهم السياسي، إذ توضح الأسطورة كيف ظهر أول فرعون في النيل(2) جاعلة من Osiris و Horus الجدين الأسطوريين لكل الفراعنة. وقد جمع المؤرخ اليوناني Plutarque بلوتارك (125 ـ 50م) تفاصيلها عندما زار مصر في القرن الأول الميلادي. تحكي الأسطورة أن إله الأرض جريب Greb وزوجته نوت Nout إلهة السماء، كان لهما أربعة أطفال، الإلهان Osiris، Seth والإلهتان Nephthys، Isis، تزوج أوزيريس (إلى النيل والإنبات والخصوبة) أخته إزيس (إلهة الحكمة والتشريع والسحر ورمز الأرض الخصبة) بينما تزوج سيت (إله الصحراء والقحط والشر) أخته نيفتيس (إلهة الأرض القاحلة)، وورث أوزيريس لقب أبيه وأصبح إله الأرض. كان وادي النيل آنذاك مجموعة من المستنقعات الشاسعة تكتسحها التماسيح وافراس النهر والجواميس… لم يستطع الإنسان الاستقرار حولها، بل سكن كهوف الأجراف المطلة على الوادي، وبدأ أوزيريس يعلمه الزراعة والري ويمنحه القوانين، عاملا بذلك على تكوين مملكة إلهية. لكن سيت حقد على أخيه أوزيريس ودفعه حقده إلى محاولة الغدر به والتخلص منه فنظم حفلة على شرفه قتله في آخرها ووضع جثته في تابوت ألقى به في النيل، واستطاعت إزيس زوجة أوزيريس الفرار والنجاة واختبأت في مستنقعات النيل حيث جاءها المخاض، ووضعت في سرية ابنها الوحيد هوروس. وبينما هوروس في مخبئه بالمستنقعات، تجوب أمه الأرض بحثا عن جثة زوجها أوزيريس يرافقها ويحرسها أنوبيس Anoubis الإله برأس بن آوى أو الكلب الوحشي، وفي النهاية عثرت إزيس على التابوت وبكت طويلا على جثة زوجها وخبأت التابوت في القصب، وعادت إلى طفلها الصغير هوروس. لكن سيت الإله برأس السلوقي والذي يصيد في الليالي المقمرة عثر على تابوت أوزيريس فمزق هذه المرة الجثة إلى عدة قطع وألقى بها في النيل، ولم تيأس إزيس فانطلقت مرة أخرى تجوب المستنقعات باحثة عن اشلاء زوجها، ووجدتها واحدة تلو الأخرى باستثناء عضوه التناسلي الذي أكلته سمكة ما، وقام الإله أنوبيس بوضع الأشلاء في أماكنها وأعاد تشكيل جسد أوزيريس وحنطه وكفنه فكان بذلك أول مومياء في تاريخ وادي النيل. وحاولت إزيس إحياء زوجها فاستعملت كل قوة سحرها وضربت الهواء بأجنحتها وعاد أوزيريس إلى الحياة لكنها حياة قصيرة جدا لأنه وسم بميسم الموت فلا يستطيع أن يحكم كما كان من قبل مملكة الإنسان فعاد مرة أخرى إلى العالم الآخر حيث كلفته الآلهة بحساب وميزان الأموات يساعده في ذلك الإله أنوبيس. وعندما كبر هوروس قرر الانتقام لأبيه، فأعلن ابن النهر (أوزيريس) والأرض الخصبة (إزيس) الحرب على إله الصحراء (سيت)، خرج منها غالبا منتصرا، فاجتمع مجلس الآلهة فأعطى لهوروس اللقب الذي كان يحمله أبوه من قبل وهو ملك الانس Roi des Hommes، لكن هوروس فوض هذه السلطة.للإنسان كممثل له على الأرض، وهكذا ظهر أول فرعون في مملكة الإنسان التي عمل أوزيريس من قبل على تكوينها وكان هوروس آخر إله يحكمها مباشرة( p37، M.Brislance). أما سيت المنهزم فقد ظل بسبب قتله أوزيريس ملعونا يرفس الكهنة برجلهم اليسرى صوره ويبزقون عليها (S.V,p ) ويعملون للقضاء عليه ويضعون كتبا طقوسية خاصة بذلك Le Livre d'abattre Seth (S.V, p130) وفي عهد الدولة الجديدة Nouvel Empire (1550-1069 ق.م) تمت تنحيته نهائيا من معبد الآلهة (H.S,p 46). أما الإلهة إزيس فقد ظلت معبودة لدهائها ولسحرها خاصة، فقد كان الفلاحون يدعونها لتتحكم لهم بسحرها في قوى الطبيعة، ففي شهر يوليوز حيث ترتفع درجة الحرارة ويظهر النيل وكأنه خائر القوى ينتظر المصريون حدوث المعجزة عندما تظهر Sothis (Sirius، الشعرى اليمانية) نجمة إزيس في السماء، وتذرف إزيس دموعها، نفس الدموع التي درفتها من قبل على جثة زوجها لتحييها فتعطي بذلك بعثا جديدا لوادي النيل، إذ فجأة يبدأ النهر الإله في أخذ صبغة ضاربة للحمرة متجاوزا ضفافه المعتادة كرجل عاشق. هكذا تصفه النصوص القديمة حاملا معه الطمي ليخصب بها الأرض، وعلى الفلاحين انتظار عودة النهر إلى مجراه في شهر نونبر ليبدأوا عملية البذر التي يعتبرونها طقوسا جنائزية لأوزيريس القتيل، يتم التوسط بإيزيس لتبعث الحياة في البذور الميتة المدفونة في التربة الرطبة بكميائها السحرية alchimie التي تنفرد بمعرفة أسرارها، لذلك كان الفلاحون المصريون يرفعون إلى السماء أولى السنابل المحصودة وينادون هذه الساحرة الكبيرة لكي تبارك محصولهم (H.S, p26.27.28). لقد عرف عن قدماء المصريين تعدد آلهتهم، أحصي منها الإجيبتولوجيون أكثر من 2000 إله وإلهة وأنصاف آلهة، تنافست فيما بينها بشدة وعرفت عبادتها فترات ازدهار وفترات الخطاط (H.S, p46)). وقد شكل إزيس أوزيريس وسط هذا الزحام الإلهي المتعارك ثلاثيا بارزا ذا شعبية كبيرة نافست كل الآلهة الأخرى، بل كان آخرها صمودا أمام الأقانيم الثلاثة للديانة المسيحية الجديدة الوافدة على وادي النيل، فمعبد إزيس في جزيرة فيلا Philae كان آخر المعابد التي ظلت مفتوحة (H.S, p134) عندما منع الامبراطور الروماني المسيحي تيودوس Théodore I (347-395م) سنة 392م عبادة الآلهة الفرعونية وأغلق كل المعابد القديمة أو حولها إلى كنائس (M. Brilance, p75). ومن مظاهر شعبية هذا الثلاثي كذلك أن أيام ميلادهم إلى جانب أيام ميلاد باقي أفراد العائلة المتألهة: سيت ونيفتيس، المجموع خمسة أيام (14-15-16-17-18 يوليوز) كانت أيام نسيئة Des jours épagoménes تضاف لتتمم ال 360 التي هي مجموع أيام السنة في التقويم الفرعوني(3)، وتوضع هذه الأيام الخمسة بين السنة الجارية والسنة الجديدة التي تبتدئ بظهور Sothis (19 يوليوز) نجمة إزيس (S.V, p140). هذا مبحث تمهيدي كان ولابد منه لتوضيح موقع هوروس داخل الحضارة الفرعونية، ولعرض ما يرتبط به من معطيات سنحتاجها في المباحث الموالية، ولقد تساءل الأستاذ محمد شفيق (Tifinagh 11,12,. p93) حول إمكانية وجود علاقة ما بين هوروس حامي الملكية الفرعونية و"إصيوان" أمازيغيي واحة سيوا في الشمال الغربي من مصر منطلقا في ذلك من معطيات لغوية اعتمدت على معنى كل من هوروس وإصيوان، فإذا كان المكرس داخل الإجيتولوجيا l'égyptologie هو اعتبار هوروس صقرا، فقد لاحظ بأن كلمة هوروس الفرعونية تعني جنس الجوارح عامة وليس نوع الصقر بالذات من جهة، ومن جهة أخرى أشار إلى أن الحدأة asîwan أكثر تحليقا ودورانا في السماء l'oiseau planant من الصقر، وهذا يجعلها مؤهلة أكثر من غيرها لأداء مهمة حماية الملكية الفرعونية. صقر أم حدأة؟ ماذا يمكن لتماثيل هوروس الطائر الجارح أن تقدمه للحسم في هذه النقطة؟ هل يمكن إثبات أن بين هوروس وإصيوان علاقة ما واضحة المعالم؟ هل يمكن أن نثبت أن الحضارة الفرعونية تجد جذورها الأولى بعيدا عن ضفاف النيل؟ إن البحث في هذه الأسئلة يجعلنا في مواجهة مجموعة من ثوابت ومسلمات الإجيبتولوجيا، هذا العلم الذي قام بخطوات عملاقة لنفض غبار العصور عن الحضارة الفرعونية، ورغم أنه سيطوي هذه السنة (1998) قرنه الثاني فإنه ما زال لم يفك بعد كل ألغاز هذه الحضارة الإفريقية التليدة. إن علاقة هوروس وإصيوان علاقة يمكن المرور إلى مناقشتها من خلال النبش في العلاقة الممكنة بين هوروس والأمازيغية بصفة عامة، فهي علاقة يمكن الاقتراب من ملامستها حتى لا أقول إثباتها من منطلقات أنتروبولوجية ثقافية تتكامل وتتداخل مع المعطيات اللغوية. Sin هوروس Horus : يقدم هوروس في الميثولوجيا الفرعونية في صورتين مختلفتين تمثل كل واحدة منهما مرحلة من حياته: مرحلة الطفولة ومرحلة الرجولة، فهوروس يقدم صغيرا في صورة طفل عار حامل لأصبعه إلى فمه، حليق الشعر إلا من ظفيرة تتدلى من قرن الرأس على أذنه (S.V, p137-H.S, p46)، وبهذه الصورة تقدم طفولة مجموعة من الشخصيات الفرعونية كذلك، إن الطفل هوروس تحت هذه الصورة قد يلتقي في نقط ما مع الطفل الأمازيغي خاصة في ما يتعلق بطريقة حلق شعر الرأس التي تعتبر من طقوس الاجتياز Les rites de passages العديدة التي يمر منها الطفل الأمازيغي كمظهر من مظاهر الاعتناء الذي يولى له، ويختلف مضمون طقس الحلاقة في الثقافة الأمازيغية من قبيلة لأخرى وحتى من أسرة لأخرى داخل نفس القبيلة. فعلى مستوى التوقيت هناك من يحلق شعر المولود بعد مرور أربعين يوما على مولده، وهناك من لا يحلقه إلا بعد مرور ستة اشهر أو سنة كاملة. وهناك من يتركه إلى رأس السنة الأمازيغية. وعلى مستوى الطريقة فكل أسرة أو قبيلة تترك رقعة الشعر في موقع من الرأس حسب عادتها المتوارثة والتي قد تميز بين الذكر والأنثى، ويعتني برقعة الشعر هذه: تظفر وتعلق عليها خرزات وعقيق tighwlalin, aqqayen (وهذا الاعتناء الأخير يولي خاصة لرقعة قرن الرأس)، وقد توارثت أسرتي داخل قبيلة ايت إزدك Ayt izdeg عادة ترك رقعتين في رأس المولود الذكر: رقعة على شكل قرص في قرن الرأس الأيمن ورقعة أخرى على شكل خط بعرض الأصبع يمتد من مقدمة الرأس إلى مؤخرته، وقد ظل العمل بهذه العادة متواصلا عبر الأجيال zeg tsuta ar tsuta إلى حدود رأس أبي. وباختلاف موقع رقعة الشعر من الرأس تختلف كذلك اسماؤها الدالة عليها في اللغة الأمازيغية، فالرقعة التي تترك كعرف دقيق يمتد من مقدمة الرأس إلى مؤخرته تسمى azag أما الرقعة التي تترك فوق الأذن بقليل فتسمى ihîcew، أما الرقعة التي تترك في مقدمة الرأس فتسمى tawenza، والرقعة التي تترك على شكل قرص كبير فوق الرأس فتسمى adwwâh، والرقعة التي تترك على قرن الرأس فتسمى taqrrut, taqrruyt والرقعة التي تترك أعلى مؤخرة الرأس وتكون بمساحة البصمة فتسمى tacttûyt tajentûyt... وانطلاقا من هذا القاموس فظيفرة هوروس يكون اسمها الأمازيغي إذن هو taqrruyt. وتعتبر رقعة الشعر علامة فارقة بين ما قبل البلوغ وما بعده، فبمجرد ما يصل الطفل إلى سن البلوغ atrag يحلقها (وقد يحلقها بعد نهاية الطفولة الأولى) ليودع بذلك مرحلة الطفولة ويستقبل مرحلة الرجولة (ssegmanas azzar). وإذا كان الطفل هوروس يصور على جدران المعابد وفي التماثيل حاملا لأصبعه إلى فمه ليرضعها ككل الأطفال، فقد نجد للطفل الأمازيغي تصويرا ما على جدران لغته، إذ نجد اسم الأصبع في الأمازيغية يشير إلى هذه العادة الطفولية العزيزة، ف adâd ليس بعيدا اشتقاقيا من فعل ttêd (رضع) الذي تنحدر منه هذه الكلمات : (adâd =) addâd , attâd , udûd، كما أن أصبع الخنصر لأصبع الطفل ينحدر اسمها اشتقاقيا من فعل lettêd (رضع) : tilêt, tallât, taldât, talidât, talilât. هذا عن الصورة التي يقدم بها هوروس في مرحلة الطفولة وعن نقط تشابهها مع صورة الطفل الأمازيغي، أما كبيرا فإن هوروس يقدم في صورة طائر جارح برأس طائر جارح (H.S, p46)، فهل له بهذه الصورة ما يشبهه في الأمازيغية لغة وثقافة؟ سنبحث على إجابة لهذا السؤال من خلال طرح أسـئلة أخرى: ماهي دلالات ومستلزمات تحول الطفل الإله إلى طائر جارح؟ ولماذا ابن إزيس وأوزيريس بالذات هو من سيكون حارس الملكية الفرعونية؟ لنترك هذه الأسئلة معلقة إلى المبحث الخامس. إن كل ما تقدم لا يبرهن بقوة على وجود علاقة ما بين هوروس والأمازيغية، فالحلاقة بالطرقة التي سبق الحديث عنها معروفة في ثقافات أخرى (آسيا)، وadâd كمستحثة لغوية لا تفي بالغرض. غير أن القيمة البرهانية لما سبق تظهر حينما نضيف إليها مجموعة براهين أخرى. فعلاقة هوروس بالأمازيغية تتوطد أكثر وتتأكد من جهة أبويه (إزيس وأوزيريس) ومن شابه أبوية فما ظلم. فانطلاقا من عدة قرائن مختلفة المصادر، سنأتي إلى تفصيلها، نجد لإزيس وأوزيريس صدى وظلالا في الأمازيغية إلى يومنا هذا، رغم ما قد يتراءى للبعض من فاصل زمني ومكاني بين الحضارتين الأمازيغية والفرعونية. فإذا كانت الحضارة المصرية القديمة قد حافظت بالكتابة (وساعدها في ذلك التدوين الإغريقي كذلك) على التفاصيل الميثولوجية لحياة إزيس وأوزيريس وابنهما هوروس، وبها (الكتابة) استطاع الأجيبتولوجيون إعادة اكتشافها (التفاصيل)، فالأمازيغية، ورغم أنه ليس لديها تراث كتابي ضخم كالذي للحضارة الفرعونية في حدود ما هو مكتشف، ورغم أن كتاباتها القديمة تعرضت للإتلاف، ورغم أن ماهو باق منها على الصخور لم يكن محط دراسات علمية كثيرة تكشف مضمونه، فإنها حافظت شفويا على بقايا من تلك التفاصيل، وللشفوي سلطته كذلك أمام لا شمولية ولا إحاطية الكتابي، وهنا تكمن عملاقية الأمازيغية لغة وثقافة، فالحضارات التي خلدت اسمها في وبالحجارة والتي عاصرتها الأمازيغية لم تخلد لغتها وتبقى أبدا ميتة وإن أحياها بشكل ما الدارسون، لذلك فعبور اللغة الأمازيغية للعصور هو ما يجعلها أكبر معلمة حضارية في تاريخ هذه الأرض tamqwrant n umezruy negh. وإذا كانت لغة كل شعب حوصلة تجاربه على مر العصور، فاللغة الأمازيغية لازالت تتداول داخلها مجموعة من الكلمات التي تمثل بقايا "أشياء" قديمة لم تعد اليوم معروفة الأصول بشكل واضح وكامل، مثل: taserdunt n isendâl, asâd, ssidân, tunant, tislit n unzâr و issis … وسأفصل الحديث هنا عن الكلمتين الأخيرتين، فهما من بقايا ما أراه من ارتباط بين هوروس والأمازيغية من جهة الأبوين، ونبدأ بإسيس. Krâd إسيس Issis : إسيس كلمة لا زالت معروفة على الأقل في منطقة Fazaz (الأطلس المتوسط) وهي لا تقترب فقط لفظا من إزيس الفرعونية، بل تتطابق معها حتى على مستوى المعنى، فعلى المستوى الأول واضح أن إزيس تساوي "إسيس"، فالبنسبة لحرفي الزاي والسين فتحولهما المتبادل شيء لا زال معروفا إلى اليوم في اللغة الأمازيغية، كما ان التميز بين الحرفين في اللغة الفرعونية ليس دقيقا (H.S, p12)، ويعود ذلك إلى موقع مخرجي الحرفين في الجهاز الصوتي للإنسان. أما على مستوى المعنى فإزيس الفرعونية هي اسم زوجة أوزيريس، وهي كذلك اسم كانت تحمله بعض النساء الفرعونيات كأم توتموسيس III Thoutmosis من الأسرة الثامنة عشر (S.V p48)، فإزيس إذن عند الفراعنة اسم علم مرتبط بالمرأة، أما "إسيس" الأمازيغية، فتعني مجموع النساء المرتبط برجل أو بأسرة أو بقبيلة ما فنقول مثلا issis n imazighen أو n Faska issis أي مجموع زوجاته وبناته وكل ما يرتبط به من إناث، وإسيس الأمازيغية من الناحية النحوية اسم على صيغة المفرد لكنه يدل على الجمع، ورغم أن إسيس يمكن جمعه نحويا على صيغة الجمع issisen، إلا ان هذا الجمع الممكن نحويا غير ممكن استعمالا، ومن جهة نحوية أخرى فإسيس اسم على صيغة المذكر لكنه يدل على المؤنث، ونجد في اللغة الأمازيغية أن الأسماء المؤنثة التي تذكر وتبقى دالة على المؤنث هي الأسماء الملتصقة بخصوصية في الأنثى فtamettût مثلا يبقى مذكرها دالا على المؤنث amettût amettûd (4) لأن هذا الاسم ينحدر من فعل خاص بالأنثى هو فعل الارضاع assutêd، إن كل هذه الاستعمالات النحوية تدل على أن "إسيس" عند إيمازيغن كإزيس عند الفراعنة كلمة في اصلها مرتبطة بالمرأة أو بشيء يرمز إليها. إن العلاقة بين اللغة الأمازيغية واللغة المصرية القديمة أمر محقق له عدة تجليات M.chafik; p 94) ) رغم أن لفظ اللغة المصرية القديمة بأسرها لم يصل إلينا ولم يتم التوصل إلى إعادة بنائه إلا بصورة تقريبية وعلى أساس المنهج المقارن (أ.دوبلهوفر، ص122)، ورغم ان اللغة الأمازيغية لم ينتبه إليها الاجيبتولوجيون في استنطاقهم للكتابات المصرية القديمة، وقد نجد هذه العلاقة حتى مع الدارجة المصرية الحالية التي تربطها علاقات تركيبية ومعجمية مع اللغة القبطية التي يعتبرها الدارسون من بقايا اللغة المصرية القديمة (تاماكيت، ص.3)، إن علاقة اللغة الأمازيغية مع هذه اللغات (الفرعونية، القبطية، الدارجة المصرية الحالية) المشتركة الأصول والمتباينة من حيث التأثيرات التي تعرضت لها كل واحدة منهن، باب بحث لم يطرق بعد بما فيه الكفاية. وإذا كان لإزيس الفرعونية نوع من التواجد في الأمازيغية على المستوى اللغوي المحض، أفلا يمكن لتواجدها أن يتجاوز هذا المستوى؟ وإذا كانت إزيس الفرعونية هي أسيس الأمازيغية لغويا- فماذا عن زوجها أوزريس؟ (يتبع)
|
|