|
|
ثورة 2 أكتوبر 1955 باگزنّاية: ذكرى الوعود الكاذبة والأكباش المشوية بقلم: ميمون مصالي (ككيس ن گزنّاية) مقدمة: عرف المغرب، ككثير من بلدان العالم، منذ الربع الأول من هذا القرن احتلال أراضيه من طرف القوتين الإمبرياليتين: إسبانيا وفرنسا تحت ذريعة الحماية. فحمت فرنسا بالخصوص من كان يتواطأ معها، وضمنت لعملائها هؤلاء الموارد الاقتصادية والمناصب الإدارية حتى أصبح الخونة يملكون السلطة في مراكز القرار السياسي. وهذه الحالة لا زالت قائمة إلى يومنا هذا. في حين ذاق المقاومون أنواع البطش والعذاب من طرف العدو عقابا لهم على موقفهم الرافض للاحتلال. إلا أن سياسة القمع الاستعمارية وتخاذل الكثيرين من العملاء لم يثبطا من روح الوطنية والكفاح لدى المجاهدين، بل زادهم ذلك قوة ومناعة في مواجهة العدو الاستعماري. وهذا ما عرف به المغاربة عبر التاريخ، ورثوه عن بني أمازيغ، أجدادهم الأحرار. واليوم، نجد أن هذا الشعب العريق، الأمازيغي بامتياز، يعرف مفارقة عجيبة على مستوى التنمية اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وثقافيا. فتعطى القيمة والأولوية للوافد والدخيل، ويقصى ويهمش المحلي والوطني. تنمّى الحواضر والمدن وتنسى وتتجاهل القرى والبوادي في الوقت الذي يكثر فيه الحديث عن تنمية العالم القروي. هكذا أصبحنا نجازى جزاء "سنمار" على جميل آبائنا وأجدادنا المجاهدين الذين وهبوا حياتهم وأرواحهم دفاعا عن كرامة وعزة وطنهم، ونقصى من صفحات التاريخ و تزوّر حقائقنا. فيصبح اليوم من كان خائنا بالأمس الوطنيَّ والمجاهدَ تقام له حفلات تكريم وتشريف؛ والمقاوم بالبارحة يصير اليوم ذلك المتآمر والمتخاذل والعنصريَّ. وهذا ما نسمعه ونقرأه كلما أثير ظهير 1930 المشؤوم. نبذة موجزة عن اندلاع ثورة 2 أكتوبر 1955 بمثلث الموت: منذ استقلال المغرب وقبيلة "اگزناية" تحتفل كل سنة بذكرى اندلاع ثورة ثاني أكتوبر 1955 ضد الاستعمار الفرنسي الذي نهب خيرات البلاد وقتل وشرد العباد، لكن زرع في نفوس السكان روح المقاومة والجهاد. وثورة أكتوبر هذه لم تنفرد بها قبيلة گزنّاية فقط، بل قامت أيضا في مناطق أخرى مثل: إموزار مرموشة، مركز بوزينب بآيت عمارت بإقليم الحسيمة، وكذا مدينة الناظور التي كانت مركزا لإدارة جيش التحرير، والتي عن طريقها كانت تأتي الإعانات والإمدادات للمجاهدين في شتى المواقع ومراكز المقاومة. وقبيلة گزنّاية كانت إبان فترة الاستعمار تتوفر لوحدها على ثلاثة مراكز مهمة تعتبر من أكبر القواعد العسكرية لفرنسا بالمغرب. وهذا دليل قاطع على أهمية هذه المنطقة وما كانت تشكله من أخطار على العدو. وهذه المراكز الثلاثة هي: تيزي وسلي، إيشاوين(أكنول) وبورد. وتتوسط هذه المواقع بلدة أجدير التي توجد بها اكبر مقبرة للشهداء تشمل قبر الشهيد الكبير ورئيس جيش التحرير المرحوم عباس المسعدي. في هذه المواقع كبد مجاهدو گزنّاية العدو الفرنسي خسائر فادحة في العتاد والأرواح لم تتكبدها فرنسا في الأرجاء الأخرى حتى سمّيت المنطقة "بمثلث الموت". واشتهرت گزنّاية بهذا الاسم في تاريخ المقاومة وجيش التحرير. وما تجب معرفته هو أن المقاومة في هذه القبيلة لم تنطلق مع خريف 1955 ومع تأسيس جيش التحرير فحسب، بل كانت هناك بوادرها منذ 1920 أو قبل ذلك بالرغم من أن القبيلة لم تعرف التدخل الفرنسي منذ بداية نظام الحماية سنة 1912. والدليل على ذلك هو أن المنطقة الخليفية فيما بعد (أعني قبيلتي آيت ورياغل وآيت أوزين) عندما عرفت الاحتلال الإسباني كان العديد من أبناء اگزنّاية يتطوعون للانخراط في جيش بطل التحرير الكبير محمد بن عبد الكريم الخطابي لمواجهة العدو الإسباني. وهذه شهادة العديد من المجاهدين الذين ظلوا على قيد الحياة إلى حدود السنين الأخيرة. أما المقاومة المباشرة والمتواصلة فقد انطلقت شرارتها الأولى مع سنة 1955، وبالضبط في ثورة ثاني أكتوبر الخالدة عندما تأسس لأول مرة في تاريخ المغرب ما يسمى بـ"جيش التحرير" بزعامة المرحوم عباس المسعدي، فكان التنسيق جاريا على صعيد جميع المواقع والمناطق التي تتواجد فيها القوات العسكرية الفرنسية بأن ينفذ الهجوم على العدو الاستعماري في آن واحد، وفي شتى المواقع التي يتواجد بها لإرباك العدو والحيلولة دون قدرته على احتواء المعركة لانشغاله بأكثر من موقع، وبالتالي يعجز عن تطويق المجاهدين في كل المواقع. بيد أن الخطة لم تنجح إلا في مواقع محدودة وهي التي يحتفل فيها بذكرى ثورة ثاني أكتوبر 1955. لم تنجح بسبب تسرب المعلومات إلى العدو بصدد الخطة التي أعدها المجاهدون. ففي قبيلة اگزنّاية ـ مثلث الموت ـ فشل الهجوم على موقعي إيشاوين (أكنول) وتيزي وسلي، في حين كلل بالنجاح فيما يخص مركز بورد (الذي يبعد عن أجدير بـ 20 كيلومترا وعن إيشاوين بـ 40 كيلومترا وعن تيزي وسلي بـ 60 كيلومترا) للوصول إلى مركز بورد، وهي منطقة جبلية بين اگزنّاية ومرنسية وآيت عمارت. قطع المجاهدون مسافات طويلة على الأرجل، أتوا فرقا متفرقة من مختلف الدوائر والأرجاء المحيطة ببلدة أجدير، خاصة من جهتيها الشرقية والشمالية، مرددة شعارات: »لا إله إلا الله، محمد رسول الله ـ الله اكبر، اللهم صلّ عليك يا رسول الله«. هذه الشعارات هي التي كانت تقوي من إيمانهم وعزيمتهم على مواصلة مسيرتهم حتى تحقيق النصر. فكان أن التقت هذه الفرق وانضمت بعضها إلى بعض قرب بلدة أجدير، ومن هناك واصلوا الطريق إلى بورد. وعبر دوار "إنحناحن" كانوا يحطمون أعمدة الهاتف، وكان يتقدمهم شخصان أو ثلاثة ليتجسسوا ويطهروا الطريق من الجواسيس، خاصة وأن المنطقة كانت موالية وعميلة لفرنسا، شأنها شأن منطقتي "إهرشلين" و"ثارا ثازگّاغت" (عين الحمراء). وذلك حتى لا يفتضح أمر المجاهدين الذين يواصلون زحفهم في طمأنينة. وكان المتقدمون الثلاثة يقيدون الحراس المتواجدين في مواقع الحراسة على الطريق. هكذا تمكن أبناء اگزنّاية من الوصول إلى موقع يدعى "البلوطة" قبل "بورد" بحوالي 8 كيلومترات، وظلوا هناك يترقبون لحظة الهجوم المحددة. وفعلا نفذت العملية وانتصر المجاهدون على العدو واستولوا على الموقع، وبعد ذلك تفرقوا، فمنهم من شن الهجوم على مركز بوزينب بآيت عمارت الذي يبعد بحوالي 20 كيلومترا في اتجاه الشمال الشرقي، ونجحوا في العملية كذلك بمساعدة سكان المنطقة، ومنهم من عاد صوب "البلوطة" حيث اصطدموا بالطائرات الفرنسية التي علمت بالخبر وجاءت لنجدة الموقع. فكانت تقصفهم بكل عنف. وانضافت بعد ذلك الجيوش والدبابات، الشيء الذي أرغم المجاهدين على التشتت، وتغلغل معظمهم في غابة جبل "شوين". هذه صورة مقتضبة جدا حول أول هجوم شنه المجاهدون على العدو في مركز "بورد"، وهو أول شرارة لانطلاق عمليات جيش التحرير في منطقة اگزنّاية. غير أن العمليات الكثيرة والشديدة القساوة هي التي سوف تتزامن وفصل الشتاء حيث سيذوق فيها المجاهدون العذاب والجوع وقسوة الظروف الطبيعية. لن أواصل في سرد تلك المعارك البطولية التي كانت أشد وطأة على كلا الطرفين: فبالنسبة لفرنسا فقد تكبدت فيها خسائر جسيمة في العتاد والأرواح لم تعرف مثلها من قبل، مما سيضطرها إلى التراجع ومنحها للمغرب استقلاله. أما بالنسبة للمجاهدين فقد قاسوا العذاب وندرة الطعام وتخريب منازلهم ومزارعهم ومواشيهم وتشريدهم حيث كان السكان يهاجرون لدى أنصارهم بالمنطقة الخليفية آيت وارياغل وأيت أوزين، هذا فضلا عن شدة القر والبرد. لكن إيمان المجاهدين بقيمة الحرية التي فطروا عليها جعلهم يتجرعون الألم ويتحملون عبء العذاب ويصبرون على الشدائد. كانت هذه نبذة سريعة ومقتضبة جدا عن ملحمة ثاني أكتوبر 1955 بمثلث الموت، قبيلة اگزنّاية، ولهذا الدور الطلائعي الذي لعبه أبناء هذه القبيلة في إجلاء الاستعمار وبزوغ فجر الاستقلال. الاحتفال بذكرى الثورة: ما الهدف من تخليد ذكرى هذه الثورة كل سنة؟ وهل توحي ذكرى هذه الملحمة التاريخية بدرس وعبرة لدى الخاصة والعامة بالمغرب؟ إذا كان الأمر كذلك، فما المغزى الذي ينبغي ان يستخلص من الذكرى؟ وما جزاء المقاومين وأبنائهم على دورهم البطولي بالأمس؟ وهل فكرت المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير يوما في تحسين ظروف المجاهدين وأبنائهم وتنمية مناطقهم والدفاع عن حقوقهم وتسوية أوضاعهم؟ وأخيرا، هل فكر المسؤولون في فك العزلة ورفع التهميش عن العالم القروي معقل المقاومة المسلحة، وعن التخلي عن فكرة بلاد السيبة، و"المغرب النافع وغير النافع"؟. أسئلة كثيرة من هذا القبيل تتبادر إلى ذهن كل من تأخذه الغيرة على وطنه، والذي تسري في عروقه دماء الأنفة والبطولة. والإنسان الأمازيغي طبعه كذلك لأنه فطر على الحرية والدفاع عنها مهما كلف الأمر من تضحيات، ولأنه لم يعتد على تحمل الذل والهوان. الاحتفال الرسمي لهذه السنة: إن تخليد الذكرى، موضوع الحديث، كان من الأولى أن يحتفل به أهالي اگزنّاية بطريقتهم الخاصة، وفق إمكاناتهم المادية ووفق شروطهم الاجتماعية والاقتصادية، وكان عليهم أن يعتزوا بها ويستخلصوا منها العبرة والدرس ويتذكروا جيدا أن أجدادهم ضحوا بكل غال ونفيس من أجل الحرية والاستقلال لهذه الأجيال. غير أن إحياء هذه الذكرى اتخذ منحى رسميا حيث إن السلطة والإدارة المخزنية هي التي تنظم هذه الذكرى وفق إيديولوجيتها الخاصة التي ترمي إلى تنويم الضمائر واستغلال سذاجتهم حتى أصبح أهالي المنطقة لا يعرفون حقوقهم التاريخية، وأصبحوا عبارة عن سلعة غير مرغوب فيها، أو بضاعة تتعرض للمساومة نظرا لتدهور قيمتها. وهذا ما تحدث عنه شاعرنا الكبير أحمد الزياني في ديوانه الأول "Ad arigh deg wzvru" في قصيدة "علال"، صفحة 18: Nedwer am lleccin di reswaq yetwasawem Ijjen yeqqar d amarzag, ijjen yeqqar d asemmam. Ijjen yeqqar ysi dt war ghar s da bu wemcan, War ghar s bu mani, yegga x af negh rhesvran. وما مشاركة أبناء المنطقة في الاحتفال وحضورهم إلا من أجل التصفيق والتلذذ بالخطابات الرنانة التي تحمل بعض العبارات المدحية. وأكثر هذه العبارات تداولا في هذا "المهرجان الخطابي السنوي" هي عبارة: "أبناء اگزنّاية الأشاوس". هذه الكلمة ـ الأشاوس ـ وإن كانت تعني الأقوياء والشجعان، فهي في نظري تكاد تعني "البرابر"، خاصة وأن المسؤولين تشبعوا بخطابات القومية والعروبة ويكنّون الحقد والبغضاء لأبناء هذه الأرض المباركة. لقد اعتدنا كل سنة زيارة عامل صاحب الجلالة على إقليم تازة والوفد المرافق له من شخصيات بمختلف المرافق الإدارية وصحافيين، إلى جانب المندوب السامي لقدماء المحاربين وأعضاء جيش التحرير لمنطقتي تيزي وسلي وأجدير تخليدا واحتفالا بذكرى ثورة ثاني أكتوبر 1955. وفي مقبرة أجدير تجرى مراسيم هذا الاحتفال. كيف يتم ذلك؟ بالنسبة لأعضاء الوفد الزائر، يستظلون في منصة أقيمت خصيصا لهم، يتربعون على الكراسي كل حسب طريقته وشعوره تجاه هذا الاحتفال وموقفه من هذه المنطقة وأبنائها الأبرياء، وانتمائه الحزبي.. يشربون ماء "سيدي حرازم" أو "سيدي علي"؛ يلقي منهم من شاء كلمته الخاصة بالمناسبة، تلك الكلمة التي حفظها سكان المنطقة عن ظهر قلب لروتينيتها وعدم تغير ألفاظها وتعابيرها وأفكارها. فهي تتضمن كل سنة نفس الأفكار ونفس المعاني، ولا فائدة منها بالنسبة لأبناء المجاهدين الذين يحجون من كل حدب وصوب إلى مقبرة الشهداء بأجدير، بل في ذلك مضيعة لوقتهم لا غير. حبذا لو يتركنا المسؤولون وشأننا لأننا سئمنا من الخطابات الجوفاء والكلمات الفارغة. فنحن في حاجة إلى الاستفادة من برامج التنمية. وهنا أتساءل: ما محل هذه المنطقة من تنمية أقاليم الشمال؟ هل نحن في حاجة ماسة إلى محطة للهاتف الثابت، وكذا المتنقل، الذي سيتم فتحه في المستقبل القريب؟ لا أرى في هذا إلا استنزافا لخيرات الإنسان المحلي الساذج، إنسان عاطل عن العمل يتوفر على هاتف في منزله! هذا فضلا عن عدد الطلبة المجازين الذين يزدادا عددهم كل سنة. كما أن التلاميذ الذين حصلوا على الباكالوريا يحرمون من المنحة التي كانت بالأمس القريب تحفز الطلبة على مواصلة دراساتهم العليا. أقول وأكرر أننا سئمنا من الوعود الكاذبة ومسألة التسويف التي نواجه بها دائما وفي كل مكان. فنحن في حاجة ماسة إلى برامج اقتصادية واجتماعية وثقافية تبلوَر على أرض الواقع. وخير ما أستدل به قول حافظ إبراهيم: فنحن في حاجة إلى الأعمال* لا إلى زخرف الأقوإل نهضة تعيد لنا المجد * وسعي إلى بلوغ المعاني قلت سابقا إن أبناء المنطقة يحجون إلى مكان الاحتفال من كل حدب وصوب، فيصطفون حول "منصة الشرف" واقفين تحت أشعة الشمس الحارقة ينتظرون البشرى: فمنهم من ينتظر منحه رخصة سيارة أجرة، ومن يترقب استفادته من تعويضات أو مساعدات وإعانات… إلخ. لكن، انتظرْ أنت ما تريد! وما أن تنتهي المداخلات وإلقاء الكلمات الجافة والوعود الكاذبة، يتسابق الموكب "العرائسي" نحو مقر الجماعة القروية حيث الأكباش المشوية وحصون العسل المحلي المعطر برحيق الزعتر وغيرها من الأطباق الشهية والمشروبات المتنوعة والفواكه المختلفة. ميزانية كبيرة تصرف وتبذر من صندوق الجماعة القروية في هذا الحفل، في حين لا تصرف الجماعة ولو درهما واحدا يعود بالنفع على المواطن. ولا داعي للخوض في هذا الموضوع الطويل والشائك. تكفي الآية الكريمة: "ولا تبذروا تبذيرا، إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين، وكان الشيطان بربه كفورا". وما ان يغادر الوفد الزائر قاعة الأكل بمقر الجماعة ويعود إلى تازة حتى يندفع ممثلو الدواوير وبعض الناس الذين لا يستحيون من خالقهم ولا من عباده، ليتسابقوا ويتصارعوا على الفضلات وما تبقى في الصحون والأواني. وغالبا ما ينشب هناك تبادل الشتائم والقذف. وهذه هي الطامة الكبرى والفضيحة التي يندى لها الجبين. الدكتور الخطيب يغير مجرى الاحتفال: هكذا يمر الاحتفال بذكرى ثاني أكتوبر 1955 بقيادة أجدير من كل سنة. لكن احتفال هذه السنة كان فريدا من نوعه، إذ إلى جانب الوفد المعتاد حضوره إلى مقبرة الشهداء بأجدير، حضر الدكتور الخطيب الذي سبق له أن اعتقل مع أحرضان في هذه البلدة إبان أحداث 1958؛ وإلى جانبه حضر خليل المسعدي، نجل الشهيد عباس زعيم ومؤسس جيش التحرير بالمغرب وبعض الشخصيات من أتباع الخطيب وخليل المسعدي. هؤلاء، منذ وصولهم إلى أجدير، كانوا يحثون الناس على الاحتجاج عن أوضاعهم وإعلان موقفهم الرافض لسياسة التجاهل والسكوت عن أوضاع أسرة المقاومة المتردية. وقاموا بنشر بعض المناشير التي تشجب سلوكات المسؤولين في المندوبية الشامية للمقاومين، وعلى رأسهم محمد بن جلون المندوب السامي. وفي مقبرة الشهداء، وبعد مداخلات أربعة أشخاص وإلقاء كلمتهم بالمناسبة، قام الدكتور الخطيب، الذي كان جالسا مع عامة الجماهير داخل الخيمة، إلى منصة الخطابات وتدخل مباشرة بكلمته التي غيرت مجرى الاحتفال المعتاد وأفاقت ضمائر الجماهير الحاضرة وأيقظت من كان في سبات عميق من أصحاب المنصة بعدما تعودوا على الخطاب المدحي، وساعدت أبناء المنطقة على إعلان غضبهم المتراكم والمكبوت منذ الاستقلال. وفي تدخله، ركز الخطيب على أحداث 1958 وما كان لها من انعكاسات، وما آلت إليه أوضاع المقاومين والتهميش الذي تعرضوا له ومسألة التسويف والوعود الكاذبة التي يسمعونها دائما. كما تحدث كذلك عن الخروقات والتزوير والارتشاء والاختلاسات التي كانت تطال ملفات المقاومين ليصب جام غضبه على محمد بن جلون المندوب السامي حيث نعته أمام الملأ بالخائن والسارق والمجرم وطالب بإحالته على العدالة وإقالته من منصبه. كما نوه في تدخله بدور أبناء اگزنّاية في مواجهة الاستعمار الغاشم والدفاع عن استقلال البلاد، ودور هؤلاء في المطالبة بالإفراج عنه وصديقه أحرضان عندما اعتقلا بأجدير سنة 1958، فتوجه بالشكر إلى أبناء المجاهدين وحثهم على التشبث بحقوقهم والمطالبة بتسوية أوضاعهم والخروج عن دائرة الصمت. والجدير بالذكر أن الخطيب هو الوحيد الذي ذكر في تدخله الزعيم التاريخي عباس المسعدي وأشاد بنضاله. في حين أن الآخرين كانوا يخجلون من ذكر هذا الشخص أو الترحم عليه، خاصة وأنه دفين تلك المقبرة التي يقفون أمامها. كما يخجلون من ذكر البطل الكبير محمد بن عبد الكريم الخطابي أمير الريف. وما أن فرغ الخطيب من كلمته حتى غادر المكان مباشرة؛ فتبعه الجمهور الحاضر هناك هاتفين: "الله أكبر". فعمت البلبلة والضجة مقبرة الشهداء وأوساط الحاضرين من أبناء المجاهدين والوفد الزائر. فاختلط الحابل بالنابل، لكن دون أن تحدث هناك أعمال شغب. فكان هذا اليوم 2 أكتوبر 2000 شبيها بيوم 2 أكتوبر 1955. الفرق بينهما هو أن الأول سلمي والثاني كان مسلحا. وبعد أن غادر الناس مقبرة الشهداء تاركين الزائرين من الوفد بوحدهم احتجاجا على تجاهل أوضاعهم المتردية ماديا ومعنويا من طرف المسؤولين في الدولة بصفة عامة والمندوبية السامية بصفة خاصة، ومؤازرتهم لموقف الخطيب الذي ندد بسلوكات بن جلون. بعد ذلك استؤنفت التدخلات الباقية وعاد البعض من المغادرين إلى المنصة للاستماع إلى التعقيب. إلا أن بعض الأرامل اللائي استدعين بهدف استفادتهن من منح لترميم المنازل، ونظرا لما حدث، لم يمنح لهن أي شيء بالرغم من أن هناك من جاءت من تيزي وسلي قاطعة مسافة 40 كيلومترا، ومن إشاوين (أكنول) مسافة 20 كيلومترا. وقيل لهن بأن يذهبن إلى المندوبية بتازة قصد استلامهن لمستحقاتهن من تلك المنحة التي لا تتجاوز أقصاها مليونا من السنتيمات. أليس هذا تلاعبا بأبناء المقاومين واستخفافا بأوضاعهم واستفزازا لمشاعرهم؟ خلاصة: إننا نناشد جميع المسؤولين بأن يكفوا عن سياسة الكيل بمكيالين وأن يعيدوا لنا الاعتبار في مجال التنمية. فإذا كانت منطقة اگزنّاية في عهد الاستعمار "مثلثا للموت"، فإنها يجب ان تصبح اليوم "مثلثا للحياة"، بمعنى الاهتمام بها من حيث التنمية الاقتصادية اعترافا لما قدمه أبناؤها من تضحيات بالمال والنفس في سبيل الحرية والانعتاق. ونطالب المسؤولين كذلك بإعادة كتابة تاريخ المغرب العريق، خصوصا وأننا ودعنا القرن ودخلنا آخر، وبذلك تكون الرؤية حول الأحداث قد اكتملت. كما نطالب بحقنا في الإعلام وفي تعلم وتعليم لغتنا الأصلية والأصيلة والتشبث بثقافتنا وهويتنا الأمازيغية وتخلصنا من الاستلاب والتبعية ميمون مصالي، أجدير في 10/10/2000
|
|