|
|
تملالت... وجهتي الأخيرة بقلم: أحمد زرير (أيت سدرات، بومالن دادس)
بعد أن ضاقت بي الأرض بما رحبت، وأمطرت المعاناة علي من السماء بما اتسعت، وأساءت الأقدار لي من الحياة بما مرت، وقدمت الإنسانية لي الإهمال بما شاءت، ونسي التاريخ حقائقي بما حرفت، وغيرت الجغرافيا أسمائي بما اغتصبت، وودعت الألسن أبجديتي بما قهرت، ومنعت إخوتي من أسمائها بما لحدت، وأقصيت كتبي من المدرسة بما خجلت، وعانت قناتي الفضائية من البث بما سرقت، وتركت عائلتي في العراء للثلج بما همشت، وردع إخوتي في السجون بالباطل بما حكمت، واختلفت الآراء في الكونكريس كل بما نظر... هذه هي حالتي، حالة كل من يعاني مثلي وينادي، أنا الإنسان الضعيف يحمل في ذاته كما من أحلام لم أخلق هكذا بل خلقت للعطاء والتغيير في عالمي، رغم الضعف والمعاناة فإني أملك ناصية التاريخ والثقافة. ولدت حرا وتكلمت بالواضح، ورسمت الخطوط والتعابير. صنعت الأمجاد والعباقرة في بقاع مختلفة، عرفني الجميع بالصمود والمقاومة. من حضارتي ملأت جيراني دلوها فنونا وابتكارات، رغم الضعف والمعاناة أنا الإنسان الذي ورث حالة ليست حالتي من وطني الكبير إلى قريتي الصغيرة. بعد الضيق والمعاناة والأقدار، بعد الإهمال والنسيان والاغتصاب، بعد القهر والمنع والإقصاء، بعد السرقة والتهميش والسجن، بعد الباطل والخلاف بعد... سأسافر بعيدا على أقدامي متجولا بين الصحاري والغابات، وبين الجبال والوديان وبين البحور والهضاب سأسافر بعيدا جدا عن كل أسباب الهجرة. سفري هو بحث واستكشاف وهروب. البحث عن مكان يغيب فيه كل ما يتناقض مع مبادئي. إنه البحث عن الحرية والاستقلال من أجل عيش الحقائق، والاقتيات على الفضائل. هدفي هو نزع غطاء الضعف وتحقيق الأحلام. إلا أن الإشكال هو في أي موقع سأجد ذاتي وكل مسلماتها؟ هذه حالة كل من جمع أوتاد خيمته لينصبها من جديد في القرية الصغيرة. بعد الوجود والوعي بالذات ،والاعتراف الشخصي نسبيا. بعد الرحلة الطويلة والاستكشافات الثمينة، رأيت المستقبل يخبرني بالأحسن وما سيجعلني دائما في حالة من الاستيقاظ بالنضال والتضحية. هذه كلها أفكار ومشاعر سحرية ومنتظرة كانت نهايتها هو السفر عبر الطريق المستقيم الذي لم يخل من العقبات والتموجات هي أصلا نعمة ونقمة، في طبق الحياة المر بأذواقه المختلفة والواقعية طريقي طويل تاريخيا وقريب وجدانيا آخر نقطة فيه هي تملالت. كم اشتقت إليها وأنا أناضل بين الأعداء، رافعا صوتي لعلني أجد رفيقا. محطتي الأخيرة قبلها كانت قمة جبل شامخ عبره تظهر صورة العالم جلية، عالم شوهه الاستعمار وتغيرت ملامحه الأصلية بسبب مخالب الأوباش، تغيرت فيه اتجاهات الرياح كراهية منها تقديم نسيم الربيع. جبل وشم في الذاكرة آثارا وتراثا، من المقاومة إلى الانتصار، ذاكرة الجبل هي مفتاح الطريق إلى تملالت. هذه هي قريتي الصغيرة. انتابني شعور الغيرة وأذرفت عيني دمعة المحبة وأشرت بيدي إلى المبادئ الثلاثة. إنها حالة تنسي كل الماضي المؤلم. أيقنت نفسي أن من خلالها سأتغلب على كل الصعاب. وسأجد ذاتي فقط ببساطتها وتقليدها النادر. هي تملالت شريان الحياة ومنبع التجديد والتغيير، هكذا رأيتها تأوي كل الأرواح النبيلة. إنها قرية مقدسة تنتمي إلى وحدة ثقافية متجانسة إلى حد كبير. إنها مجال خصب تراكمت فيه الحضارة وسجنت فيه المصارف قريتي الصغيرة. إليك ذاتي المجهولة وإنسانيتي القديمة الجديدة. عبر خطوات كلها دعاء وخير وبركة حييتك بكلمة الإخلاص "azul" افتحي أبوابك لا تطرديني عن أسرارك... مرحبا يا "تاملالت" يا سر ايت سدرات-ن- اغيل، يا تتريت السفح الجنوبي للأطلس الكبير الأوسط، يا معجزة اسيف -ن- دادس، يا رمز كل المنسيات، يا حل كل المعاناة. أنت الجذر إن لم اقل الروح، لك وحدك أنحني تحية الإجلال والشرف، وتقديسا لعشق الأصالة وإحياء لروح تيموزغا... إنها تملالت ولا اقصد "الغزالة"، جمالها يفوق كل تشبيه واستعارة، هي كلها بثقافتها وعمرانها، بتقاليدها ومعاصرتها، بسكونها ورموزها، بشيوخها ونسائها بكل محتواها الخارجي والباطني. هي وجهتي ومستقبلي لراحة البال وإعادة الضمير، إنها لوحة الفنانة المتشبعة بروع الأمازيغية منها وإليها تعكس وتجسد واقعا حيا، بريشة بين أنامل برئة تختار من الألوان تناسقا لراية تسافر بالأنظار والأماني إلى عالم توحده الذات الأمازيغية. لها نسج الشاعر كلمات وألحانا عذبة بسيمفونية الحياة من قيثارة جالت وراء الأسوار بأصواتها، ورحبت بصدور اعتقدت أنها في طي النسيان. حقا إنها جسر التغيير بالإرادة واللاشعور بين حس الطبيعة ووعي موحا وفاطمة. الصباح في تملالت، صباح العمل في الحقل بالمحراث، صباح قطف تمرة التين، صباح الطفل وهو يلعب لعبة النسيان، صباح فيه تجعلك زقزقة العصافير وخرير المياه في حالة حمامة بيضاء عانقت للمرة الثانية نسيم السماء الصافية، وأنت جالس فوق صخور ضخمة وعجيبة تنسل وراءها أشعة الشمس لتضيء ممر القصبات، وجداول الماء إلى البساتين. من الجهة الأخرى تظهر لك عادة وتقليد قديم، إنه العمل الجماعي في حقل لونه ذهب ولمعان، ادخاره أمر ضروري حسب قوانين الزمن. حيث أشجار الصفصاف العتيقة تتمايل، ظلها استراحة بكوب من الشاي. تملالت قدر وتاريخ صباحا ومساء، تملالت جغرافية ومدرسة لأسلاف ارتبطت بالأرض ارتباط الروح بالجسد. تملالت حرية واستقلال. تملالت صورة طبيعية لقريتي وموطن أجدادي. تملالت عقدة في نفوس ترغب عثرة المبادئ وسجن الحرية. مساء تودعك شمس الأثير، وتهديك القرية الصغيرة هدوء الليل بصوت البوم، وأنت في حوار يتحدث فيه الجميع بديمقراطية ومسؤولية، يضيئه نور القمر استعدادا لوجبة مذاقها كله جذور لنباتات أنجبتها الأرض المقدسة بركتها وشفائها لجدات لا تنتهي حكاياتها إلا مع بزوغ الفجر، حيث يستعد Ayur مع أغنامه للانتجاع والبحث عن الكلأ، دائما نغمات نايه ترسم خطوط السعادة الدائمة بين فجاج الجبال، ومن أعالي المراعي إلى جنبات الواديان. أنغام تخشع لها قلوب منكسرة امتلأت محبة وعشقا تباركها أرواح أسلافنا الدائمة، بجلال وعظمة فوق ربوع تملالت الجميلة. فربما صلاة الفجر نابعة من ضمائر حية وعلمانية ترتل أحلى الكلام باللسان الفصيح، داعية بالنصر والاستقلال على كل ثرثار وغاصب لأرض تامازغا العظيمة. لقد وصلت وجهتي الأخيرة ووجدتها كما تمنيت وتصورت، تنتظر بشغف وفرح كل الأرواح والذوات الإنسانية، التي تجري في عروقها مسؤولية وهم التغيير والتجديد. من أجل الوحدة والتضامن والثورة ضد كل معيقات قافلة الحرية، و إثبات الذات وضد كل أعداء القضية الأمازيغية. فمرحبا بكل مسافر باحث عن الحرية في تملالت، كوجهة أخيرة للاستكشاف ولمعانقة ثقافة أمازيغية أصيلة من أجل بناء قاعدة لـ... "مغرم بالقرية السدراتية تملالت" Le 21/06/2009/2959Ait Amr
|
|