|
|
قراءة أولية لكتاب "الأمازيغية والسلطة" بقلم: رشيد نجيب
عن منشورات دفاتر وجهة نظر التي يديرها الدكتور عبد اللطيف حسني، صدر للأستاذ الباحث رشيد الحاحي كتاب بعنوان: "الأمازيغية والسلطة" مخصصا إياه لنقد استراتيجية الهيمنة الثقافية للدولة المغربية على موضوع الأمازيغية من خلال تناول مجموعة من الأسئلة المتعلقة بالهوية واللغة والثقافة والهامش والتنمية. سأحاول في هذه القراءة الأولية التوقف عند بعض هذه القضايا المثارة فيما يخص الهيمنة الثقافية من قبل الكاتب في انتظار القيام قريبا بقراءة أعمق لمضامين هذا الكتاب القيم الذي تجدر الإشارة إلى كونه يقع في 224 صفحة من الحجم الصغير. توقف المؤلف بكثير من التحليل عند استراتيجية الهيمنة التي نهجتها السلطة السياسية في عملية إقصائها ثم احتوائها للأمازيغية فيما بعد. وتساءل المؤلف في هذا الصدد: كيف تتعاطى السلطة السياسية مع الأمازيغية كلغة وكثقافة وكمكون اجتماعي وهوياتي؟ كيف تشتغل السلطة بمختلف مكوناتها إزاء الأمازيغية كخطاب ثقافي مرتبط بوعي فكري وتاريخي؟ بناء على الأسئلة المطروحة أعلاه والتي تشكل الأطروحة المركزية لهذا الكتاب، يتضح إذن أنه في جوهره محاولة جريئة في تحليل ونقد استراتيجية السلطة في علاقتها بموضوع من قبيل الأمازيغية من خلال التوقف بالدراسة والتحليل عند الاختيارات السياسية والثقافية التي وجهت عملية ومنظومة إقصاء الأمازيغية كما مارستها السلطة في شكل وعي إيديولوجي تحريفي بحت. وهي الاختيارات التي انبنت على أدوات ومسارات الإنتاج الاجتماعي (المؤسسة التربوية- المنظومة الإعلامية- مختلف البرامج المجتمعية...). بدأ لمؤلف بتحديد مجموعة من المفاهيم المؤطرة لدراسته هاته. فانطلق من علم الأنتروبولوجيا لتحديد مفهوم "الثقافة" الذي يوظفه كثيرا في طيات كتابه وذلك كغيره من الكتاب الحداثيين، وهو المفهوم الذي يمتد ليشمل كل ما يتعلق بالإنسان وبمحيطه المتعدد ليدل على مختلف الممارسات والتعابير المادية والرمزية التي يعبر بواسطتها مجتمع أو مجموعة بشرية عن وجودهما ثقافيا واجتماعيا. ويحدد مفهوم "السلطة الثقافية" باعتبارها مجموع أشكال التنظيم والممارسة التي تحكم وتوجه المجال العام لإنتاج ودوران وتلقي الأعمال الثقافية: الإنتاج المعرفي، التربية والتعليم، الممارسات والمعتقدات... في حين يحدد مفهوم "الأمازيغية" في ارتباطه بلغة وثقافة تتمتع بوجود وامتداد تاريخي يتجاوز مدة 33 قرنا في رقعة جغرافية تتسم بالشساعة. كما أنه ربط مفهوم "السلطة" في علاقته بنظام الهيمنة الذي تمارسه جماعة داخل المجتمع باستعمال عدد من الأدوات الإيديولوجية والرقابية والقمعية (المادية والرمزية) لحماية وتعزيز مواقعها مع إعادة إنتاج نفس الفروق ونفس أشكال التفاوت وعلائق القوى والهيمنة القائمة. ومعلوم أن استراتيجية الهيمنة المشار إليها أعلاه تجد منفذا لها للتصريف نحو عموم الناس عبر مختلف الوسائط المحددة في إطار مؤسسات التنشئة الاجتماعية: المدرسة- وسائل الإعلام... ففي التعليم، أي مجال الهيمنة الشرعية على حد تعبير ماكس فيبر، تعتبر جميع مكوناته سواء المرجعية منها أو العملية محكومة بإطار إيديولوجي من المقولات والتصورات والتمثلات الرافضة للأمازيغية والمقصية لها وهذا ما يتجسد في كل من: الوثائق المرجعية المؤطرة للسياسة التعليمية، التوجيهات الرسمية، المنهاج الدراسي، مضامين الكتب والحوامل البيداغوجية... في هذا الإطار مثلا، نجد أن من بين المبادئ الأربعة (التوحيد- المغربة- التعريب- التعميم) التي أطرت السياسة التعليمية بالمغرب منذ فترة ما يطلق عليه رسميا "الاستقلال"، نجد أن مبدأ التعريب باعتباره سياسة إقصائية موجهة ضد الأمازيغية هو الذي تحقق فعليا على أرض الواقع في حين أن الحديث عن تنفيذ بقية المبادئ يعتبر حديثا موجها للاستهلاك الإعلامي ليس إلا. وعلى ضوء ذلك نتساءل، على سبيل المثال لا الحصر: عن أي تعميم يتحدثون في الوقت الذي يوجد فيه ملايين المتعلمين محرومين من حق التمدرس الأساسي؟ عن أي تعميم يتحدثون في وجود الملايين من التلاميذ المغاربة الذين يغادرون مقاعد الدراسة في سن مبكرة في إطار ما يسمى بالهدر المدرسي؟ وعن أي مغربة للأطر يتحدثون في ظل وجود عدد كبير من أجناس المدرسين الأجانب الذين يدرسون في المعاهد العليا وفي المدارس الخاصة؟ عن أي مغربة يتحدثون في الوقت الذي تسند فيه جميع عمليات إعداد البرامج الاستراتيجية لإصلاح منظومة التربية والتكوين للمؤسسات والمكاتب الأجنبية للدراسات الأجنبية ومنها آخرا وليس أخيرا البرنامج الاستعجالي 2009/2012؟ عن أي توحيد يتحدثون في ظل هذا الكوكتيل المتنوع من المؤسسات؟... وفي المجال الثقافي العمومي، تسود كذلك ممارسات إقصائية تجاه كل شيء تشتم منه رائحة الأمازيغية، ممارسات يتم تصريفها من خلال الكثير من الأشكال والآليات التنظيمية والإنتاجات الفكرية والأدبية المختلفة في كثير من الفضاءات: الجامعات- دور النشر- الملتقيات- الجوائز... علما أن هذه الممارسات الإيديولوجية الإقصائية تستند بدورها إلى ما يطلق عليه الكاتب "السلطة الثقافية". في ظل هذا المسار، يجد المنتوج الثقافي والفني الخاص بالأمازيغية نفسه كاليتيم في مأدبة اللئام على حد تعبير المثل المشهور. ولتجاوز هذه الوضعية الإقصائية للأمازيغية على المستوى الثقافي، يقترح الكاتب مجموعة من المقترحات الرامية إلى إنصاف الأمازيغية: - بلورة مشروع ثقافي نقدي واختلافي في الخطاب والإنتاج قادر على تحرير الإنسان المغربي من مختلف المعيقات الإيديولوجية. - العمل على دعم الإنتاج الثقافي الأمازيغي في البحث والفكر والإبداع بما يرافق ذلك من تأسيس لدور النشر والتوزيع والجوائز والملتقيات الأدبية والفكرية. - الإدماج الفعلي والحقيقي للأمازيغية في التعليم والإعلام. ليس كلغة وسيطة مساعدة على تعلم لغة أخرى ولكن كلغة تواصلية بامتداداتها الثقافية والمعرفية والإنسانية.
|
|