|
إلى صاحب عمود : "مع الشعب" بقلم: أعزيزو ادريس (الخميسات) من الملاحظات التي يمكن أن تسترعي انتباه المتأمل لتاريخ المغرب المعاصر، الذي يجب أن نرجع إليه ونتأمل أحداثه ووقائعه باستمرار وبدون كلل، أن الأمازيغية كانت وراء التعجيل بالتفاوض مع المستعمر، والمطالبة بالاستقلال مهما كان ناقصا، ولو كلف ذلك تقديم التنازلات. وكانت الإشارة الدالة والفاضحة هي الإقصاء الذي مورس تجاه ممثلي المقاومة بالجبال من مائدة المفاوضات حول استقلال المغرب كما كانت السبب الرئيسي الذي جعل الثقافي مرهونا بالسياسي، منذ حصول هذا الاستقلال، حيث طرحت احتراسا وتحفظا بارزا سببه التخوف من تداعياتها على المستوى السياسي بالخصوص. وهذا التخوف هو الذي يفسر ويبرز معاداتها والدعوة الصريحة لإماتتها والقضاء عليها. ولذلك، وأثناء الشروع في التخطيط للمنطلقات والأسس الثقافية والحضارية التي سينبني عليها مستقبل المغرب، ستتفق الأطراف المتحكمة في المشهد السياسي على توجيه المغرب، ثقافيا ولغويا، وفق التوجه الذي سيخدم مصالحهم وخلفياتهم الأيديولوجية. ونتيجة لهذا الاتفاق / التواطؤ، كانت الأمازيغية هي كبش الفداء الذي ستتم التضحية به، حيث ستنصهر ضمن إطار الحضارة العربية، ويبدأ التأسيس لتعريب المغرب على أرض الواقع، بواسطة إنشاء المدارس والمؤسسات الثقافية والإعلامية والمكتبات... لكن، للتاريخ مكره وسخريته!
وتبعا لهذا التأسيس تحددت الهوية المغربية، أساسا، في العروبة، فاتخذت القضايا العربية صبغة القضايا الوطنية، وانشغل "المثقف المغربي" بسؤال النهضة العربية، لأنها في اعتقاده المدخل الأساسي للنهضة المغربية. بينما تحولت الأمازيغية مؤشرا على التخلف، ومهددا بالتفرقة، تفرض "الوطنية" والغيرة على "وحدة" الوطن التنكر لها حتى من طرف الأمازيغ أنفسهم، وإعلانهم عن انتمائهم إلى العروبة ثقافيا ولغويا وعرقيا، لينالوا الرضى والقبول . لكن، ومن داخل المشهد الثقافي المغربي، خلال أوائل الثمانينات، سيظهر صوت ثقافي وازن، نموذج المثقف المغربي، لينبه إلى ضرورة تدارك العواقب الوخيمة التي من الممكن أن تترتب عن عدم التعاطي المسؤول، والاهتمام الجاد بالمشكل الثقافي كمشكل حقيقي، فلم يكن هذا التنبيه صادرا عن تعصب أو ذاتية أنانية، بل كان مبنيا على وعي تاريخي ونظرة متفحصة إلى المستقبل. ولعل الوضع الراهن، يستلزم إعادة طرح السؤال الثقافي بالمغرب، وتجاوز ذلك الربط الثقافي واللغوي والسلالي للمغرب بالمشرق العربي، وتشديب قاموسنا السياسي والإعلامي من مصطلحات مثل "المغرب العربي" و"الأمة العربية" و"المصير العربي"... والانتقال إلى تقديم تعريف للمغرب مستقل، يرتكز بالأساس على حقائق الأرض والإنسان واللغة والتاريخ، وكل هذه الحقائق ستثبت، علميا، أن الإطار الحضاري العام للمغرب هو الأمازيغية وداخل هذا الإطار، يتم تفاعل الثقافات واللغات الوافدة من الخارج. إن الحقيقة التي ترعب أصحاب المصالح الشخصية الضيقة، والنوايا السيئة المبيتة، هي أن سياسة المسخ التي طالت الأمازيغ في هويتهم وفي وجودهم، سيحين وقت انقضائها. فآجلا أم عاجلا، سيعي هذا الشعب ذاته وحقيقته، فيسخر من جهله الذي طالما جعله يحتقر هويته، والذي لم يكن قدرا مقدورا، بل نتيجة لسياسة مدروسة سلفا. وعندما يعي الشعب هذه الحقيقة المرة، آنذاك سيعيد النظر في كل الخطابات والإيديولوجيات التي كانت تؤثث فكره ونظرته إلى نفسه وإلى العالم من حوله، فيحدد مصيره بيده. |
|