uïïun  96, 

kuçyur  2005

(Avril  2005)

Amezwaru

 (Page d'accueil) 

Tamazight

tamazivt d usgzi n wufuv zi lirkam s tiçëi taorabt n usmsi

Aoettvib n lhusima

Abrid

Taghyuli!

Rar leoqel

Tawarggit n idvgam

Français

Les "yeux secs" ou la reconnaissance impossible

Lorsque les langues se sacralisent

Une répudiation annonce

Communiqu du CMA

A quand tawada?

العربية

االأمازيغية وعاهة التفسير العروبي

البديل الفيديرالي بالمغرب

آخر فصل من مسرحية المعهد

ليركام أو نهاية الوهم

نظرية العجز عند الطفل الأمازيغي

جلاء الأمازيغ عبر جلاء اللغة والهوية

العقلية المخزنية في الإدارة المغربية

تدريس اللغة الأمازيغية

الأمازيغيون واليساريون

المرأة الأمازيغية ومظاهر الحيف والتمييز

الأمازيغية والاتحاد الاشتراكي

الاتحاد الاشتراكي والعودة إلى 1994

تيفاوين الأمازيغية تقدم بالعربية

الأمازيغية كما يراها برنامج تيفاوين

أن نكون أو لا نكون

المغرب والعربي والوهم

محمد خير الدين

المعهد الملكي في مفترق الطرق

المساجد بين الخطاب الرسمي وممارسة الأئمة

الأمازيغية تستغيث

دور القطاع النسائي في التنمية

حدث وطني في أقصى الجنوب الشرقي

حوار مع الفنان آيت بوها أوعلي

الأمثال الأمازيغية

ثماني  سنوات من ثاويزا

بيان جمعية تانوكرا

الذكرى 42 لوفاة مولاي موحند

بلاغ الجمعيات بالريف

بيان كنفيديرالية الجنوب

بلاغ لتامونت ن يفّوس

تهانئ

 

البديل الفيدرالي بالمغرب: نموذج الريف من الاحتلال المركزي إلى الاستقلال الذاتي
بقلم: محمد القجيري

عرفت المجتمعات الأمازيغية قبل سنة 1956 أشكالا من الأنظمة السياسية تعتمد على تسيير نفسها بنفسها مثل نظام إنفلاس وحلف آيت عطا وفيدرالية يافلمان وكونفدرالية إقلعين وتكتلات أمازيغية أخرى مستقلة عن بلاد المخزن التي عرفت في القاموس المخزني بـ"بلاد السيبة" أو "بلاد البربر" أو بلاد الفوضى والتمرد والعصيان وغيرها من أسماء المخزن القدحية. لكن كل هذا غير صحيح، وحقيقة أسطورة السيبة هي بلاد يقطنها الأمازيغ ذات تنظيم محلي وعسكري خاص بها مبدأها حكم نفسها بنفسها ترفض الهيمنة من بلاد المخزن سياسيا واقتصاديا لأن من عادة الإنسان الأمازيغي أنه لا يؤمن إلا بالحرية، وكانت بلاد الأمازيغ تثور على ثقل الضرائب المخزنية وترفض دفع الضرائب الكثيرة والكبيرة ماديا وخاصة في أيام الجفاف، وبها أججت الكثير من الحروب بين بلاد الأمازيغ وبلاد المخزن، وإذا كانت بلاد السيبة هي رفض إخضاع السكان والتنظيمات الأمازيغية لعبودية المركز المخزني ورفض سيطرته على ثروات الأمازيغ، فإن بلاد المخزن كانت بلاد القمع والفساد والاستبداد والقهر.
ومع بزوغ سنة 1956، السنة المشؤومة عند إيمازيغن بسبب الاستعمار الجديد المتمثل في سلطة بلاد المخزن ذات التوجه العروبي المشرقي الذي يتناقض قطعا مع خصوصيات المجتمع الأمازيغي، قامت السلطات المخزنية بمساعدة الاستعمار الفرنسي بإلغاء التنظيم الأمازيغي السائد آنذاك، وعوضته بالنظام التقليدي لبلاد المخزن، وتأسيس الدولة الوطنية ذات النموذج اليعقوبي الفرنسي، التي خلقتها فرنسا حامية المخزن منذ سنة 1912 إلى يومنا هذا، ثم قامت هذه السلطات المخزنية بحصار المناطق الأمازيغية وتدمير جميع أنظمتها السياسية والثقافية والاقتصادية وتدمير القيم الاجتماعية التي شكلت عبر التاريخ عناصر القوة والمناعة للمجتمع الأمازيغي، حتى يتسنى بسهولة للمخزن فرض ديكتاتورية البعقوبية ذات التوجه العروبي ويسهل عليه انتزاع الأراضي الخصبة والغابات والشواطئ وتفويتها لفائدة أعوان المخزن بمقتضى قوانين استعمارية.
وعلاوة على ذلك، قامت هذه السلطات المخزنية باستيراد إيديولوجيات عروبيه من المشرق، وتكريس العنصر الوحيد في الهوية واللغة والثقافة وإقصاء الأمازيغية من خلال إغلاق المحاكم ذات الأعراف الأمازيغية بعدما حنطت بأسطورة اللطيف من طرف الكائنات اللاوطنية لسنة 1930 يوم ولادة هذه الكائنات الأسطورية، وتعريب القضاء والمرافق الإدارية وإغلاق "المعهد العالي للدراسات البربرية" وإزالة الأمازيغية من التدريس وألغي "الديبلوم البربري" وتوقيف تدريس الأمازيغية في كل الثانويات، وإغلاق كوليج أزرو وإحراق جميع الكتب الأمازيغية الموجودة فيها من طرف الحركة العروبية التخريبية، وإغلاق المدرسة العليا بالرباط "مدرسة اللهجات البربرية" التي تأسست في سنة 1913 وإغلاق "لجنة الأبحاث البربرية" التي تأسست في سنة 1914.
وبهذا الشكل أصبح المغرب غير النافع بعد السنة المشؤومة مهمشا سياسيا واقتصاديا وثقافيا ويعيش الحكرة الدائمة من طرف دولة المغرب النافع التي تحولت إلى دولة احتلالية جديدة ذات حكم أحادي استبدادي، وأصبحت المناطق الأمازيغية تخضع لمصادر القرارات في المراكز البعيدة.
التقسيم الأمني والبديل الفيدرالي:
عقب حصول المخزن على الاستقلال الشكلي، قام بإلغاء التنظيم الأمازيغي السائد في فترة الاستعمار، وعوضه بالتقسيم الإقليمي ذي البعد الأمني، من أجل فرض سلطته المركزية سياسيا وإداريا على المناطق الأمازيغية وبقي هذا التقسيم ساري المفعول به حتى جاء التقسيم الجهوي "الأمني" الموصوف بظهير 16 يونيو 1971 الذي قسم المغرب إلى سبع جهات اقتصادية حسب زعم الظهير، وأعطى منفذا بحريا لكل جهة. ووصل هذا التقسيم إلى حد التبجح بالتجربة الألمانية بنظامها الفيدرالي المعروف باسم اللوندر (landRS )، لكن حقيقة هذا التقسيم يمثل الوجه الآخر في تهميش المناطق الأمازيغية، وخاصة مناطق الريف الساحلية، حيث أعطى الأولوية في اتخاذ القرارات لمناطق محور المركز، وبقي تمركز القرار السياسي والاقتصادي بها، وجاء تقسيم مناطق الريف المتوسطية على ثلاث جهات توجد مراكزها بعيدة عنها، وكانت على الشكل التالي: الوسط الشمالي يضم الحسيمة مركزها فاس، والجهة الشرقية مركزها وجدة، والشمال الغربي يضم طنجة – تطوان – العرائش مركزها الرباط، وهذا التقسيم اللوندري المغربي!! لم يعرف سوى مزيد من التهميش للمناطق الأمازيغية، واستفادت فقط العواصم المركزية، ليتم تغييره بالتقسيم الأخير في سنة 1996 الذي قسم المغرب إلى 16 جهة بمنطق التحكم والسيطرة رافقته التعزيزات الأمنية بإصدار القانون الجهوي المنظم لها يوم 2 أبريل 1997 الذي صوت عليه بالإجماع داخل قبة البرلمان من طرف نواب الشعب! وبقي القرار السياسي للجهة داخل المركز وفي منأى عن أي تنافس للسلطة المركزية، وجاء تقسيم الريف مجددا إلى ثلاث جهات معتمدا "سياسة فرق تسد" وكانت على ما يلي: جهة طنجة – تطوان وجهة الشرق بوجدة وجهة الحسيمة – تازة – تونات وهذه الأخيرة تمثل مثلث العزلة والفقر والتهميش، وهذا التقسيم الجديد لم يراع الخصوصيات المحلية، فمثلا منطقة الحسيمة تميل إلى الناظور وتطوان أكثر منه إلى مناطق أخرى، ويبدو أن الغرض من هذا التقسيم هو تفرقة الريفيين، وكان من الأجدر أن تجمع كل هذه الجهات في جهة واحدة تتمتع بالاستقلال الذاتي حتى تكون قاطرة للتنمية الجهوية عوض الارتكاز على هواجس أمنية.
أما فيما يخص القانون الجهوي للجهة والذي يعطيها صفة الجماعات المحلية فقد صيغ وفق مواصفات أمنية معززة باحتياطات قانونية صارمة تمنع الانفلات من رقابة المركز من خلال السلطة المتجسدة في العمال والولاة وأجهزة مخزنية أخرى تنفيذية تحمل تأشيرة وزارة الداخلية التي تخول لهم "تنفيذ قرارات مجالس العمالات والأقاليم والجهات" طبقا للفصل 101 من الدستور. وعلاوة ذلك، فقد جاء في الفصل 102 من دستور 1996 على ما يلي : "يمثل العمال والولاة في العمالات والأقاليم والجهات ويسهرون على تنفيذ القوانين وهم مسؤولون عن تطبيق قرارات الحكومة كما أنهم مسؤولون لهذه الغاية عن تدبير المصالح المحلية التابعة للإدارة المركزية". ومن خلال هذه الإحالة الدستورية أصبحت الجماعات مجرد امتداد للسلطة المركزية ومقيدة بقرارات أجهزة الدولة وسجينة تحت وصاية السلطة المركزية المفرطة، بينما بقي رئيس المجلس الجهوي مجرد ديكور أمام السلطات الكبيرة التي تتوفر عليها مؤسسة الوالي أو العامل التي تعتبر الممثلة للملك في الجهة مما لا تفرض عليهم عقوبات تأدبيية، وخول الدستور لهذه المؤسسة صلاحيات واسعة جدا ومتطرفة تصل إلى حد التحكم في ميزانية الجهة وعزل رؤساء المجالس الجهوية ونواب الرؤساء وحل المجلس الجهوي، ومن هذا المنطلق يتضح أن دسترة مؤسسة العمال والولاة والصلاحيات الواسعة والمفرطة التي يحظون بها تعكس السياسة الأمنية للتقسيم الجهوي، وهذا ما يستوجب تغييرا دستوريا وإعادة النظر في التقسيم الجهوي الحالي، وتغيير قانون الجهة إلى جهات حقيقية ذات صلاحيات دستورية واسعة ورفع كافة أشكال الوصاية المركزية على الجهة، والاعتراف لها بالاستقلال الإداري والسياسي والاقتصادي وتمتيعها بأقصى درجات الاستقلال الذاتي وإعطائها ضمانات دستورية في التقرير والتدبير والتنفيذ والتسيير لمواردها البشرية وإمكانياتها الطبيعية والاقتصادية من خلال إحداث أنظمة فيدرالية ومؤسسات جهوية ذات صلاحيات واسعة، وإعطائها قاعدة ترابية تتوفر على كل الإمكانيات الكفيلة لتنمية مواردها البشرية والاقتصادية حتى تحقق حاجيات ساكنتها في إطار مغرب فيدرالي ديمقراطي متعدد ومتكامل.
ويمكن أن يكون التقسيم الفيدرالي المنشود بالمغرب على الشكل الآتي: فيدرالية الريف بحدودها الجغرافية والتاريخية كما هي متعارف عليها في حدود جمهورية الريف المفقودة، وفيدرالية الأطلس المتوسط وفيدرالية تامسنا بالعاصمة وفيدرالية سوس وفيدرالية الصحراء، وتبقى منطقة الصحراء الأمازيغية من أكثر هذه المناطق المرشحة بالخصوص للاستقلال الذاتي، سيما وأن السلطات المغربية وافقت على "مخطط التسوية" أو "الحل الثالث" الذي تبناه مجلس الأمن بخصوص إشكالية الصحراء الأمازيغية، لكن مع هذا يبقى مشروع الاستقلال الذاتي للصحراء بشكل نسبي نظرا لتحفظ السلطات المغربية على بعض البنود التي لها علاقة بالصلاحيات الواسعة للصحراويين إضافة إلى خوفها من مطالبة المناطق الأمازيغية الأخرى بوضع مماثل كما هو الحال عندما "رفض الحسن الثاني تمتيع الصحراء بالاستقلال الذاتي أو لنقل بالجهوية على الشاكلة الأوربية، خوفا من مطالبة الجهات ذات الأغلبية البربرية بوضع مماثل"(1). وأما فيما يخص “الحل الثالث” أو ما يعرف “بمشروع بيكر” فقد نص على حكم ذاتي واسع للصحراويين لمدة أربع أو خمس سنوات ثم يليه استفتاء حول تقرير المصير الذي وافق عليه مجلس الأمن بالإجماع يوم 30 نوفمبر 2002 تحت قرار 1429، وفي بند الفقرة الأولى من القرار أعطى السلطتين التشريعية والتنفيذية لسكان منطقة الصحراء من خلال انتخاب رئيس تنفيذي له صلاحيات واسعة وكاملة في الإشراف على الحكم المحلي، في كل ما يتعلق بميزانية الصحراء والضرائب والتنمية الاقتصادية والأمن الداخلي وشؤون الثقافة والتجارة والنقل والزراعة والصيد البحري والسكن وبناء البنيات التحتية... في حين حظيت السلطات المغربية بالسلطة المتمثلة في العلاقات الخارجية بما فيها إبرام الاتفاقيات الدولية والأمن القومي والدفاع الخارجي وترسيخ الحدود البرية والبحرية والجوية وبعض القضايا الأخرى المتعلقة بالإنتاج والبيع، وكل هذا نجده في كثير من الدول الأكثر دمقرطة في العالم ذات أنظمة الحكم الذاتي مثل سويسرا وألمانيا واسبانيا وإيطاليا، وحتى نكون أكثر موازاة في هذا المجال سنقف عند بعض التجارب الأوربية بكل من اسبانيا وإيطاليا. ففي إسبانيا بعد سقوط نظام فرانكو سنة 1975 انتقلت من دولة مركزية ديكتاتورية إلى دولة لامركزية ديمقراطية عقب قيام دستور جديد سنة 1978 الذي حرر الدستور الاسباني من ديكتاتورية فرانكو والقضاء عليها نهائيا، وسمح باستقلال الشأن المحلي عن تحكم الحكم المركزي، وتم إرساء نظام الحكم الذاتي في كافة مقاطعات اسبانيا، وإنشاء مؤسسات الجهوية كالحكومات المحلية والبرلمان الخاص ومستشاريات تعد بمثابة وزارات، وتم الفصل بين اختصاصات الحكومة المركزية والحكومة الجهوية، وتنازلت الحكومة المركزية عن صلاحيات واسعة في جميع الميادين لفائدة الحكومات الجهوية، وعلاوة على ذلك، تم الاعتراف باللغات المحلية من خلال دسترتها كلغات رسمية، وتم إحداث منصب محامي الشعب يدافع عن رغبات شرائح المجتمع الاسباني، وهو منصب فريد من نوعه في العالم، وبهذا الشكل تأسست في اسبانيا أنظمة الحكم الذاتي وحكومات جهوية (حكومة الأندلس وكاتالونيا وكاليسيا والباسك) شبه مستقلة عن الحكومة المركزية بمنطقة كاستيانو، لكن في المقابل بقيت المناطق الأمازيغية (مليلية وسبتة وجزر الكناري) شبه مهمشة سياسيا وثقافيا من طرف السلطات الاسبانية التي تحاول أسبنة هذه المناطق الأمازيغية، كما تفعل السلطات المغربية في تعريب المناطق الأمازيغية الأخرى، ومن هذا المنطلق يبدو أن البديل لهذه المناطق الأمازيغية هي أن تكون لها كيانات مستقلة عن كل من اسبانيا والمغرب ما دامت الدولتان لا تعترفان بالهوية الأمازيغية بالمعنى الكامل للكلمة. وهذا ما أفرز الحزب القومي الريفي (pnr ) بمدينة مليلية سنة 2003. وظهور في جزر الكناري أحزاب ومنظمات أمازيغية تطالب بالاستقلال عن الاحتلال الاسباني.
هذا كل ما يخص التجربة الاسبانية بنظامها في الحكم الذاتي، أما في إيطاليا فهي تتوفر أيضا على حكومات جهوية برلمانية تتمتع كلها بتسيير الحكم الذاتي ومعظمها تتوفر على دساتير خاصة بها مثل جزيرة صقلية وساردينيا.
لماذا نناهض النظام المركزي؟
إن أسلوب النظام المركزي نجده منتشرا كثيرا في بلدان العالم الثالث المتخلفة اللاديمقراطية وهو أسلوب تنهجه الدولة لبسط نفوذها على كافة ربوع البلاد من مركز القرار بالعاصمة الذي ينفرد باتخاذ القرارات بدون استحضار رأي الشعب. وعادة ما تعهد الدولة المركزية بتنفيذها لممثيلها الخاضعين لرقابتها الضيقة، حيث تستأثر الإدارة المركزية بالعاصمة وممثيلها بكل السلطات لوحدهم. ومثل هذه المركزية المتطرفة نجدها منتشرة كثيرا في الإدارات المغربية التي تعيق الانتقال الديمقراطي بالمغرب، وتؤخر تقدم هذه الدولة وقد صدق الحكيم الريفي حين قال عن الدولة المغربية "ddula am ta ad t ggegh ula d nnec”. فالانتقال الديمقراطي الحقيقي بالمغرب يكون عبر إقرار نظام فيدرالي أو حكم ذاتي يوفر صلاحيات واسعة للمؤسسات المحلية، ويحترم خصوصيات الأمازيغية لكل منطقة، وهذا ما يستدعي تغيير الدستور وتنصيصه على مفهوم الفيدرالية وإرساء نظام اللامركزية الإدارية والسياسية التي تعد بحق مدرسة للديمقراطية. وللإشارة في هذا الجانب، فمفهوم اللامركزية ليست مسألة غريبة عند إيمازغن بل هي أمر متأصل منذ عهود، حيث اعتاد الأمازيغ أن يديروا شؤونهم المحلية بأنفسهم، وهذا النظام اللامركزي سيسمح للشعب الأمازيغي بالمغرب بتسيير أموره بنفسه عبر إقامة مؤسسات منتخبة تعبر عن إرادته الحقيقية بعيدة عن التمخزن بواسطة حكومات جهوية منبثقة عنه، والتي هي أعرف بمشاكله الحقيقية إضافة إلى الحس بالانتماء الجهوي، فهذه اللامركزية هي التي تمكن من تحقيق العدالة الاجتماعية في توزيع الثروات والموارد الاقتصادية وتسمح للسكان المحليين بأن يستفيدوا من خيرات منطقتهم وتسييرها بطريقة مستقلة عبر توفرها على الاستقلال المالي والإداري، وهذا النظام اللامركزي يعد بحق أنجع وسيلة لرفع التهميش التاريخي عن المناطق الأمازيغية التي عانت منذ ما يقارب عن خمسة عقود من حالة الحصار والإقصاء والعنصرية الاقتصادية بمختلف أشكالها التي لحقت بالساكنة الأمازيغية، وحتى نكون أكثر واقعية وموضوعية في هذا الاتجاه سنتطرق إلى منطقة الريف المنسية التي أدخلت قسرا إلى خارطة التهميش والعزلة، القاسم المشترك بين المناطق الأمازيغية الأخرى. ومؤخرا اعترفت لأول مرة أعلى سلطة في البلاد بتهميش منطقة الريف من خلال الخطاب الرسمي للملك محمد السادس بالحسيمة يوم 5 مارس 2004 الذي جاء فيه “إن منطقة الريف غير مؤهلة وتعيش في عزلة” وهذا ما سنحاول أن نتطرق إليه بعد أن نستعرض كرنولوجيات الأحداث الدامية التي وقعت بالريف منذ أواخر القرن 19م التي بسببها فرض التهميش على المنطقة، وكل هذا كي ندرك جيدا لماذا نطالب بالاستقلال الذاتي للريف
التاريخ الدموي للمعسكر المخزني بالريف:
شهدت منطقة الريف منذ أواخر القرن التاسع عشر سلسلة من الأحداث الدموية ذهب ضحيتها مئات آلاف من سكان المنطقة، ففي سنة 1893 خلال معركة سيدي ورياش بين قبائل إقلعين والاحتلال الاسباني حول استرجاع مدينة مليلية، تحالف المخزن مع الاستعمار الاسباني، وهجمت منطقة إقلعين من أرضها بمليلية الذي كان يتواجد فيها المخزني المدعو مولاي عرفة الذي قام بإبادة و"تأديب" هذه المنطقة وأرغمها عن التخلي عن جزء من أرضها، ثم بعدها أبرمت اتفاقية بين المخزن والحكومة الاسبانية سنة 1894 التي جاءت بعض بنوده على ما يلي:
- التزام المخزن بتأديب قبيلة إقلعين
- تجريد المنطقة المحايدة للمليلية وحمايتها من طرف المخزن
- غرامة حربية تقدر ب 20 مليون بسيطة تدفعها قبيلة إقلعين لاسبانيا
وبعد أربع سنوات على ذلك، عاد المخزن الفاسي إلى الريف، وهذه المرة بقيادة السفاح بوشتى البغدادي الذي أباد قبيلة إيبقيون وفرض حصارا اقتصاديا على قبائل الريف الأوسط، لا لشيء سوى أنهم دافعوا عن شواطئهم وأراضهم ضد الأطماع الأوربية. وبعد مجازر بوشتى البغدادي بدأ التوغل الاسباني في الريف بموجب اتفاقية أبرمت سنة 1900 بين المخزن واسبانيا، التي أدت إلى اندلاع الحرب التحريرية الأولى بالريف بقيادة محمد أمزيان الذي استشهد في سنة 1912، وهي السنة التي اكتملت فيها الاتفاقية الأولى وظهور ما يعرف بالحماية الفرنسية الاسبانية للكيان المخزني، وبعدها وبالضبط سنة 1921 قاد الثائر الريفي مولاي محند، أبرز قائد لحركات التحرر في العالم، الحرب التحريرية الثانية على الاستعمار الثلاثي الاسباني والفرنسي والمخزني.
وقام بتنظيم شؤون الريف سياسيا واقتصاديا جاعلا من خصوصيات المنطقة أساسا لدولة الريف، مما أثار مخاوف المخزن وتحالفه بشكل فعلي وقوي مع المستعمرين الاسباني والفرنسي، لتشهد المنطقة حربا قذرة ومسرحا للجريمة الدولية النكراء بمباركة وموافقة المخزن المتمثلة في ضربها بالغازات السامة المحظورة دوليا، والتي تعرف محليا باسم "arpac". وبقيت هذه الغازات السامة تقذف في الريف إلى غاية مجازر سنة 1926 عقب الهجوم الثلاثي العدواني على الريف وسقوط جمهورية الريف، وبعد نهاية حرب الريف جاء دور "الحركة اللاوطنية" بقيادة عبد الخالق الطريس الذي قام بتدجين وتوريط أبناء الريف وجنوب المغرب في المشاركة في الحرب الأهلية الاسبانية سنة 1936 مع الديكتاتور فرانكو، حيث قام عبد الخالق الطريس بإرسال الآلاف من الريفيين للقتال في صفوف الجيوش الفرنكاوية (Regulares ). وبعد نهاية فترة الاستعمار تعرضت منطقة الريف مرة أخرى لموجة قمع شرس رافقتها الحملة الإرهابية لسنوات 1958 و 1959 «Asegwas Iqabberen " عقب حصول المخزن وميلشيات حزب الاستقلال على الضوء الأخضر من فرنسا للقيام بالأفعال الشنيعة جدا المتجلية في القتل الجماعي الذي لم يستثن منها الأطفال والشيوخ والنساء، والاغتصاب الجماعي لنساء وفتيات المنطقة بشكل وحشي وهمجي. والاعتقالات العشوائية والتعسفية لأبناء المنطقة إضافة إلى الاختطافات، والاغتراب الاضطراري، وسرقة الممتلكات من أصحابها.. وكل هذا كان تحت ولي العهد آنذاك (الحسن الثاني) وطغاة حزب الاستقلال، وعلاوة على ذلك، عرفت هذه الحملة الإرهابية مشاركة الطيران الفرنسي والامريكي (كانت لهم قواعد عسكرية آنذاك بالمغرب) في القصف العشوائي لقرى ومداشر الريف في خريف 1959. ومازال سكان الريف الذين ضحوا بالغالي والنفيس دفاعا عن مطالب الريف التاريخية والعادلة التي من بينها «تسيير الريف من طرف الريفيين» يتذكرون جيدا تلك المجازر الوحشية الراسخة في ذاكرتهم بالصوت والصورة والصعبة النسيان لمن عايشها، إذ كيف سينسى سكان الريف بشاعة الاغتصاب العنفي والقسري وقنابل النابلم التي كانت تقصف بها قرى الريف بقيادة الحسن الثاني والجينرال أوفقير. وكل هذا شكل لدى سكان الريف إحساسا سكيولوجيا يتمثل في عدم الثقة في الدولة المركزية ورفض لجميع مؤسساتها التي تقوم أصلا على سياسة الريفوبيا. وهو ما بدا واضحا في الاحتجاج الشعبي على إقصاء الريف في أحداث الخميس الأسود (19 يناير 1984) بالناظور، الذي كان من بين ما رفعه وهتفه المحتجون في انتفاضة الخبز والحرية «الاختيار الجهوي الديمقراطي»، لكن رد المخزن جاء مغايرا ودمويا، حيث ذهب ضحيته أزيد من 400 شهيد إضافة إلى وصف رئيس الدولة آنذاك سكان الناظور بالأوباش وأخرج هؤلاء المواطنين من «دستور الرعايا» وبعدها جاءت محطة 1987. ليعود المخزن الرباطي مرة أخرى إلى الريف. وهذه المرة كان تعامل المعسكر المخزني أقل حدة من مجازر شتاء 58 وخريف 59 ويناير 84. بحيث ذهب ضحية انتفاضة87 التلميذان سعيد وأكروح فريد اللذان استشهدا بإعدادية إمزورن (إقليم الحسيمة). وبها توقفت الحملات العسكرية المخزنية الدموية بالريف، الذي أصبح منطقة تمرد ومأوى للأوباش في القاموس السياسي للمخزن.
وهذا الأخير يبدو أنه أصيب بمرض الحساسية اتجاه الريف، ويعيش عقدة نفسية مزمنة اتجاه أبنائها، فالراحل الحسن الثاني لم يتجرأ على زيارة الريف الأوسط إلا مرة واحدة سنة 1959 لقمع الانتفاضة الشعبية، كما أنه لم يسبق له أن زار هولندا، لما تشكله من ثاني أكبر تجمع ريفي بعد الموطن الأصلي بالريف، ويبدو سبب ذلك، هو خشيته وهروبه من احتمال وقوع احتجاجات ومظاهرات للجالية الريفية المقيمة بهولندا، وتجنبا للإحراج أمامها.
أما في العهد الجديد، فمازالت عقلية المخزن التقليدي لم تتغير، بحيث أن عقب كل زيارة رسمية للريف، إلا وتشهد المنطقة حالة طوارئ غير معلنة من خلال ما نشاهده من جيوش كثيرة ومختلف الآليات العسكرية الثقيلة من دبابات ومدافع وأساطيل حربية وكأن المنطقة في حالة حرب وغزو، والتي تذكر سكان الريف بعام إقبارن.
بهذا الشكل أصبح الريف خاضعا لحالة استثناء غير معلنة، محكوما بالقبضة الحديدية لأعوان السلطات المركزية، والتي أكدها مؤخرا «الصحاف» المغربي عندما قال إبان غضب الطبيعة والمنكوبين بزلزال الحسيمة إن الوضع تحت السيطرة «بهذه العقلية الأمنية الاحتقارية المقصودة من قبل السلطات المركزية لاعتبارات وحساسيات خاصة بالريف تركت الدولة المركزية منطقة الريف خارج أجندتها الاقتصادية وفرضت عليها التهميش المتعدد الأوجه والأشكال ذات أبعاد أمنية منذ عقود طويلة، وضمن هذا السياق يقول إلياس العماري القريب من الدولة إن «الحسن الثاني كان يكره الريف الذي انتفض ضده، ولم يفعل أي شيء للمنطقة منذ سنة 1956»(2)
الريف والموروث الاسباني:
منذ حصول المغرب النافع على الاستقلال الشكلي وسيطرته على منطقة الحماية الاسبانية بالريف، والمنطقة تعيش حالة الإقصاء والحرمان من كل ماله علاقة بالتنمية والاستثمار، بحيث لم تنجز الدولة المركزية أي مشروع تنموي حقيقي بالمنطقة، وظلت مظاهر الحياة بالريف تعيش على تركة الموروث الاسباني، بل أصبحت المنطقة في كثير من المجالات أقل بكثير مما كانت محتفظة عليه أيام الاستعمار الاسباني، وإذا أخذنا بالنموذج الحسيمي مثلا، سنجد هذه المدينة إبان التواجد الاسباني بالريف، تعرف رواجا اقتصاديا نشيطا حيث كانت تتوفر على العديد من المعامل والمصانع، ففي مجال الصيد البحري كان ميناء الحسيمة الذي شيده الأسبان وليس المغرب يتوفر على تسعة معامل لتصبير وتمليح السمك الذي كان يشغل المئات من نساء المنطقة مثل معمل بنسلا ومعمل كونتابوري ومعمل اليمني ومعمل سلامنكا.. ومعمل صالاديرو لتعليب الأسماك الذي اختفى منذ ما يقارب ثلاثين سنة لأسباب مجهولة، ونفس الشيء حصل لجل هذه المعامل التي أغلقت لأسباب معروفة عند السلطات المركزية، مما أدى إلى تشريد الآلاف من العمال والعاملات بالمنطقة، وبقي منها معمل وحيد ويتيم بالمنطقة (Salamanca) الذي يعمل بفعالية جد محدودة ومهمشة، بحيث لا يوظف إلا نسبة 40% من قدراته الإنتاجية، وعلاوة على هذا كانت بالمنطقة 12 شركة ومعملا لإنتاجات أخرى مثل معامل الحلفاء والدوم الذي كان يشغل عددا كبيرا من سكان إبقيون، ومعمل النجارة لصناعة الخشب ومعمل الجبص.. وجل هذه المعامل رحلت مع كواليس سنة 956 1وبقي منها معمل وحيد لصنع الأجور، أما فيما يتعلق بمجال السياحة فقد شيد الأسبان عدة فنادق وأخص بالذكر منها:
فندق فلوريدو، وفندق كتامة وفندق محمد الخامس... كما شيد الأسبان في ميادين أخرى عدة مبان تحتية ذات أشكال هندسية معمارية في غاية الجمال والروعة بالمنطقة، ومؤخرا قامت المافيا المخزنية الموجودة بالحسيمة بتدمير أفضل ما تركه الأسبان بهذه المدينة من تدمير معالم ثقافية وأثرية نادرة بالريف مثل «السينما الكبير» الذي كان يتوفر على قاعة للمسرح وتنعدم حاليا بالإقليم وبنيات المركز النسوي للخياطة» الذي دمر في سنة 2003، و»بنيات البريد».. وغيرها.
وبهذا الشكل التخريبي يغتال تراث وتاريخ الريف، عكس جيراننا الأسبان الذين حفظوا على تراث المعمار الإسلامي بالأندلس، بل أنفقوا عليه الملايين في ترميم هذه المنشآت الإسلامية، التي بفضلها أصبحت الأندلس قبلة لملايين من السياح.
أما في مجال الرياضة فقد كانت الحسيمة تتوفر على مختلف الملاعب الرياضية مثل الملعب البلدي لكرة القدم الذي افتتحه الأسبان سنة 1942، وملعب إنخنيروس وملعب مرموشة، وملاعب أخرى لكرة السلة والطائرة وقاعة للملاكمة والجمباز وحلبة لألعاب القوى.. وكل هذه الملاعب لم يبق منها اليوم سوى الملعب البلدي الوحيد بالمدينة. أما فيما يخص الشبكة الطرقية بالريف، فمازالت المنطقة تعيش في ظل الطرق التي خلفها الاستعمار الاسباني، وكثافة هذه الطرق جد ضعيفة مع المعدل الوطني حسب الإحصائيات الرسمية، وأكثرها لا تتوفر على سلامة السفر كما هو حال الطريق الذي يربط الحسيمة بتازة عبر كاسيطا ونفس الشيء بالنسبة للطريق الوطنية رقم 2 (الطريق الرئيسية رقم 39 سابقا) الرابطة بين الناظور وطنجة، وعلاوة على هذه الطرق، فقد شق الأسبان الطريق بين مليلية وتطوان وطريق وزان.. والقائمة طويلة بحيث أن جل الطرق الموجودة بالريف يعود أصلها إلى العهد الاسباني باستثناء طريق الوحدة بين كتامة وفاس التي توخت منه الدولة المركزية بسط هيمنتها على الريف أكثر منه مشروعا في سنة 1957. وأما فيما يتعلق بالنقل السككي فقد كان الأسبان قد شرعوا في بناء السكة الحديدية التي كانت ستربط بين الناظور وطنجة، لكن مع حلول السنة المشؤومة أجهز على المشروع لأسباب انتقامية ليدخل بذلك في اللائحة الطويلة جدا المؤسسة لتهميش الريف، وكل هذا ينطبق أيضا على المناطق الأمازيغية الأخرى التي عانت هي بدورها من ضعف البنيات التحتية والشبكة الطرقية الموروثة أصلا عن الاستعمار ففي منطقة آيت ملول مثلا تتوفر على قنطرة واحدة ترجع أصلها إلى العهد الفرنسي تربط المنطقة بشمالها، والأخطر في كل هذا أن هذه التجهيزات الموروثة عن الاستعمار أصبحت اليوم تتآكل وتتلاشى.
الريف أمام سياسة الإقصاء والتهميش:
إن الجزء الكبير من التهميش والإقصاء الذي عرفته منطقة الريف، يعود إلى قرابة نصف قرن من الزمن، عقب إخضاع الريف لمركز القرار السياسي بالرباط، ومنذ هذه الفترة والعاصمة المركزية تنتهج سياسة خاصة اتجاه المنطقة، تتمثل في إبعادها عن كل سياسة تنموية، حيث لم تشهد المنطقة أية مشاريع تنموية من الدولة المركزية، وحتى التجهيزات والمؤسسات الاقتصادية على رداءتها التي هي من مخلفات الاستعمار الاسباني لم تقم الدولة المركزية بترميم تلك المنشآت، وتركت المنطقة غارقة في أزمة اقتصادية خانقة، وتعيش أوضاعا مزرية ومأسوية من ضعف البنيات التحتية والشبكة الطرقية الموروثة أصلا عن الحكم الاسباني، والتي تعد الأساسية لفك العزلة عن منطقة الريف، وأكثر من هذا، المنطقة تعرف نقصا مهول افي عدة ميادين أساسية للحياة، كما هي حال التجهيزات الطبية التي تعرف ندرة الأطر الطبية وافتقارها لمراكز العلاج بالأشعة وتصفية الدم ومراكز للسرطان.. مع العلم أن منطقة الريف تعد الأكثر إصابة بمرض السرطان على الصعيد المغربي، بسبب السلاح الكيماوي الاسباني (1921-1926) والنابلمي المغربي (1958-1959) الذي ضرب بالمنطقة، وفي هذا السياق، كيف يعقل للمريض أن يتحمل مشقة السفر ماديا ومعنويا وصحيا للذهاب إلى الرباط البعيدة عنها بمئات الكلمترات للعلاج، وإضافة إلى هذا تعرف المنطقة قلة المركبات والمؤسسات الثقافية والتعليمية، وتنعدم فيها المعاهد والجامعات التعليمية، مما يثقل من عبء النفقات الباهظة لطلاب وطالبات المنطقة الذين يدرسون في مناطق بعيدة عنهم، وهذا التهميش الثقافي مقصود من قبل السلطات المخزنية التي تعمل عن جهد في نشر الخرافات العربية والجهل والأمية في صفوف ساكنة الريف، لما يشكله هذا التعليم من عامل أساسي في يقظة الريفيين، إضافة إلى تخوف السلطات المركزية من بروز نخب جديدة بالمنطقة، التي تعد بحق مدرسة للثورة.
وإن سياسة الإقصاء والتهميش المفروضة على الريف، طويلة جدا ويصعب استيعابها كليا، التي بسببها أصبح الريف يعيش أوضاعا صعبة للغاية، وبالخصوص في بوادي وجماعات الريف المنسية التي أكثرها تعيش حياة بدائية وقرونا وسطى، حيث تنعدم فيها أبسط الشروط الدنيا لاحترام الكرامة الإنسانية (الماء الصالح للشرب، الكهرباء، الوادي الحار، التطبيب..) وإذا أخذنا مثال جماعة إصوفيان التي تبعد ببضعة كلمترات تحسب على اليد عن آيت بوعياش (الحسيمة)، سنجد هذه الجماعة المنسية جدا تعيش ظروفا قاسية جدا، حيث تنعدم فيها جميع المواد الأولية الأساسية للحياة إضافية إلى عزلة جغرافية مؤلمة وقاتلة في كثير من الأحيان، حيث يعد الوصول إليها أقرب إلى المستحيل، خاصة في أيام الشتاء عندما يفيض وادي إسفتولن، الذي يعتبر المسلك الوحيد للعبور إليها، الشيء الذي يبقى هذه الجماعة الريفية محاصرة كليا عن العالم الخارجي بدون طعام ولا تطبيب... وعلى ذلك الوادي تتواجد قنطرة وحيدة بآيت بوعياش الآيلة للسقوط تعود إلى العهد الاسباني، ويعد السير فوقها أشبه بالمغامرة، وهذا المثال الحي ينطبق على معظم جماعات وبوادي الريف التي ما تزال تعيش عصرها البدائي، في القرن 21 وفي عالم الانترنيت والمواصلات بمختلف أشكاله وأنواعه.
والعالم شهد في القرن الماضي صعود الكلبة ليكا ثم الكائنات البشرية إلى الفضاء والقمر وأخذوا معهم الماء إليه، في حين بوادي وقرى الريف لا تتوفر على الماء الصالح للشرب و... و... و... إن هذا الشيء مخز وعار على الدولة المغربية وعلى وجودها.
وبالإضافة إلى ذلك، كثيرا من الجماعات الريفية تعاني أيضا من التقسيم (الأمني) الغير العادل لسنة 1992 الذي زاد من محنها. فمنطقة آيت توزين مثلا حدودها مع أقرب مركز إداري في آيت بوعياش (الحسيمة) لا يساوي حتى كلمترين، لكنها تابعة إداريا لمدينة الناظور البعيدة عنها بأكثر من مائة كلمترات، وهذا حقيقة ينافي ما يدعيه المخزنيون الجدد عندما يرفعون شعار «تقريب الإدارة من المواطنين» واللائحة طويلة في هذا المجال وبالمغرب بصفة عامة.
وإن ما سبق، ما هو إلا بعضا من السياسة التمييزية الانتقامية للإدارة المركزية التي تنتهجها في بلاد الريف، رغما عن مرور عقود كثيرة على نهاية حربها العسكرية بالمنطقة، فالحقد الأعمى والظلم التاريخي لازال لم ينته بعد في السياسة المخزنية المقيتة التي لم تتغير رغم الشعارات الكثيرة التي نسمعها من قبيل «المصالحة مع الريف» و «العهد الجديد» (عهد قديم بقناع جديد) و «سياسة القرب» (الأمنية) و «دولة الحق والقانون» و «تقريب الإدارة من المواطنين» و «التنمية الشمولية» وغيرها من الشعارات الديماغوجية الفارغة من محتواها التي لا تصمد أمام قوة الواقع والحقيقة، وأمام واقعنا الريفي من غياب مشاريع تنموية بالمنطقة، وانعدام أية محاولة جادة لإدماج المنطقة في النسيج الاقتصادي، وفك الحصار الاقتصادي والسياسي والثقافي المضروب عليها. هذا بالإضافة إلى الميزانية الهزيلة جدا مقارنة مع المناطق الأخرى، والتي تخصصا الدولة المركزية لجهات الريف، التي تعرف تهميشا استثنائيا وانتقاميا على جميع المستويات. فالدولة المركزية لم تقم بأية محاولة لإنقاذ المنطقة وإنقاذ شبابها من جحيم البطالة ومن الانتحار الجماعي في زوارق وقوارب الموت بالبحر الأبيض المتوسط الذي يعرف أكبر مأساة إنسانية في العالم، التي لا تختلف عن جرائم الحروب حيث بات مصير كثير من المهاجرين إما لقمة سهلة لحيتان قادس أو في مقابر جماعية بإسبانيا، مكتوب عليها «مهاجر مجهول». فأمام انعدام الآفاق وهزالة الدخل الاجتماعي أصبح شباب الريف همه الوحيد هو الوصول إلى الفردوس الأوربي مهما كلفه من الثمن أو الحياة، وللدولة المركزية يد مباشرة في هذه الآفة، وتاريخها مكشوف ومفضوح في هذا الجانب، من خلال ما تقوم به من تشجيع الهجرة، وتهجير أبناء الريف لغرض إحداث اختلالات عميقة في البنية الديمغرافية لأمازيغ الريف بالمنطقة، التي تخيف المخزن، ففي الحسيمة مثلا هجر منها حوالي 70.000 مهاجر رسمي أي بنسبة 15% من سكان الحسيمة، وفي الناظور %20» من سكانها، والأرقام لازالت مفتوحة وبشكل صاروخي ومخيف، هكذا إذن يشرد أبناء الريف في الشتات بتواطؤ مكشوف من السلطات المخزنية التي همها الوحيد هي العملة الصعبة واصطياد أولئك الذين يدفعون لها الملايين، أولئك الذين ينقلون المهاجرين أو ما يصطلح عليهم «بالحراكة» إلى الفردوس الاسباني. فالوضعية السوسيواقتصادية الضعيفة جدا بالمنطقة، أدت أيضا لدى سكان الريف إلى استعمال أنشطة شبه محظورة في المغرب مثل «زراعة وتجارة الكيف» و «تهريب السلع» من مليلية وسبتة، ويعد الاتجار في السلع الآتية من مليلية وسبتة المورد الرئيسي والأساسي لكل من الناظور وتطوان على الخصوص. وبغض النظر عن ذلك، يبقى المستفيد الأكثر من تلك الأنشطة الممنوعة عند فقراء المغرب هي المافيا المخزنية بمختلف أشكالها وأنواعها (الجمارك، الديوانة...) التي راكمت ثروات كبيرة بالمنطقة من خلال ما تقوم به من سرقة البضائع من السكان، أو من خلال تلقي الرشاوي.. حتى أصبحت منطقة الريف يتسابق إليها مختلف أجهزة المخزن للتوظيف فيها، الذين يتهمون سكان الريف بتدمير الاقتصاد الوطني، ونسوا أنهم دمروا اقتصاد الريف وسرقوا ثرواته وخيراته التي تعرضت لاستنزاف واستغلال فظيعين منذ سيطرة الرباط على الريف.
أسطورة «تنمية أقاليم الشمال»:
بعد مرور حوالي عشر سنوات على إنشاء وكالة «تنمية أقاليم الشمال»، مازالت أقاليم الريف تئن تحت وطأة التهميش والحصار الاقتصادي، وبعيدة عن أية تنمية حقيقية من الدولة المركزية ومن وكالتها، حيث أن الطريقة التي تعتمدها الدولة المركزية في تسيير وكالة «تنمية أقاليم الشمال» لا تنبئ بوجود إرادة حقيقية وصادقة في تنمية أقاليم الريف، وزلزال الحسيمة كشف عن حقيقة ما يسمى بتنمية أقاليم الشمال، فالدولة المركزية لازالت تنتهج سياسة أمنية مطلقة على كل الواجهات اتجاه الريف، لما يشكله هذا الأخير من موضوع حساس جدا اتجاه السلطات المركزية التي تحاول التحكم فيه ومراقبته بأية وسيلة كما هو الحال في تعيين على رأس وكالة «تنمية أقاليم الشمال» رجل دولة له علاقة وطيدة وقوية مع وزارة الداخلية في شخص إدريس بنهيمة القادم من محور المركز، وفي هذا الاتجاه كيف يمكن لهذا الموظف أن يعرف المشاكل الحقيقية للريف وهو القادم من منطقة بعيدة عنها إضافة إلى أنه لا يعرف لغة المنطقة، فكان من الأجدر أن يكون شخص من المنطقة وله دراية واسعة في مجال التنمية الاقتصادية عوض الارتكاز على هواجس أمنية غير مبررة. وبناء على هذا، يبدو أن الغرض من إنشاء وكالة «تنمية أقاليم الشمال» ليس سوى تجميل صورة الدولة المغربية أمام الريف خاصة وأوربا عامة، حيث أن تمويل وكالة «تنمية أقاليم الشمال» أصبح مرهونا بمساهمة الاتحاد الأوربي التي تستغل منها الدولة المغربية مأساة سكان الريف وتتلقى مساعدات كثيرة من المنظمات والبنوك الأوربية التي تسولت وتبضعت منها الدولة المركزية لسنوات عديدة في «تنمية جيوب وبطون المخزن»، وهؤلاء ينطبق عليهم هذا الشعار «armexzen aceffar aoaddis ufighar» الذي هتفه سكان الحسيمة خلال غضب المنكوبين بزلزال الحسيمة. ويمكن القول إن أسطوانة «تنمية أقاليم الشمال» ما هي إلا ديماغوجية مخزنية للاستهلاك الإعلامي، ومجرد بقرة حلوب للمركز الذي يستفيد من ثروات الريف والمساعدات الأوربية المخصصة لتنمية أقاليم الريف التي تعرف تهميشا انتقاميا من جميع الجوانب، وهذا ما سنحاول أن نبينه من خلال عدة دلائل ومعطيات تؤكد أكذوبة «تنمية أقاليم الشمال» والتي من بينها:
ـ انتهاج الدولة المركزية لسياسة قساوة الإجراءات اتجاه المستثمرين الأجانب بالريف، بوضع عراقيل ودسائس إدارية وقانونية مفتعلة لأجل إفشال المشاريع بالمنطقة، ونذكر على سبيل المثال لا للحصر المشروع السياحي الضخم الذي كان سيقام على ساحل سواني بالحسيمة من طرف الرئيس السابق لفريق أتلتكو مدريد الإسباني.
ـ إغلاق العديد من الفنادق والمركبات السياحية بالريف، نموذج «نادي البحر الأبيض المتوسط» و»كيمادو» بالحسيمة ذات الصيت الدولي، مما أدى إلى تشرد المئات من العمال.
توقف الكثير من المشاريع مؤخرا بالريف، بسبب الدسائس والعراقيل الإدارية، كما هو حال المركب السياحي كلايريس والمركب السياحي القمر الوردي (luna Rosa) بالحسيمة وغيرها من المشاريع الأخرى بالريف.
ـ كثير من المشاريع التي كانت مقررة أن تنجز بالريف لم تر النور، وبقيت على الأوراق منذ عدة سنوات، وحول العديد منها إلى المثلث النافع وأجهز على ما تبقي منها.
ـ إفلاس 90% من المقاولات التي مولها الاتحاد الأوربي بسبب الدسائس والعراقيل الإدارية والضرائبية، والتحقيق جار من طرف الإتحاد الأوربي، وعن مصير التمويل الأوربي
ـ كثير من الهبات والمساعدات الأوربية المخصصة لتنمية أقاليم الريف مجهولة المصير، وفي كثير من الأحيان تهرب إلى أماكن أخرى، وتصل إلى حد السرقة في عدة مرات.
ـ إقصاء ثروة الريف، وتفليس شركة سيفريف (شركة استغلال مناجم الريف) وليس هناك بوادر لاكتشاف والتنقيب عن معادن أخرى بالريف.
ـ إغلاق مطار الشريف الإدريسي بالحسيمة بسبب التهميش المفروض عليه من طرف الشركة المحتكرة، شركة الخطوط الملكية الجوية.
وبهذا القدر من المعطيات نكتفي في هذا الجانب، أما بخصوص الجانب الآخر من أكذوبة «تنمية أقاليم الشمال» والتي تخص هذه المرة الموارد المالية بالريف، في هذا الجانب نجد على سبيل المثال مدينة الناظور تتوفر على ثاني مركز مالي بالمغرب بعد الدار البيضاء رغم الحصار المضروب عليها، وهذه الموارد المالية بالناظور تتشكل نسبتها الكبيرة من تحويلات الجالية الريفية المقيمة بالخارج التي تضخها سنويا بالبنوك، لكنها تبقى مجمدة في أرصدة البنوك دون أن تستثمر وتستفيد منها المنطقة بسبب تحكم مركز القرار السياسي والاقتصادي بالعاصمة في دواليب اقتصاد المنطقة، الذي ينتهج أسلوبا استنزافيا وسياسة البقرة الحلوب. بحيث جعل من المهاجرين الريفيين مصدرا للعملة الصعبة يتم ضخها واستثمارها في مناطق أخرى، وفي هذا السياق يشير طارق يحيى البرلماني السابق بالناظور، إلى أن البنك الشعبي بالناظور يوظف نسبة 5% من الأرباح السنوية خارج الناظور، وبهذا الشكل يخرق نص القانون المنظم لهذه المؤسسة البنكية التي أصبحت وكرا لنهب أموال الريف، وفي السنين الأخيرة عمدت نفس المؤسسة البنكية إلى انتهاج سياسة البقرة الحلوب بالحسيمة وسرقة أموالها عندما حاولت أن تدمج بنك الحسيمة مع بنك فاس، حتى تستفيد فاس من أموال الحسيمة، لكن حين يتعلق الأمر باستثمارها في المنطقة، فإن الاستثمار ينعدم.
فبهذا الشكل، أصبح الرأسمال المالي بالريف يهرب ويستثمر في مثلث النافع، معقل «الحركة اللاوطنية» وفي ذات السياق يؤكد مارزوق الورياشي(3)، رئيس مركز سيكوديل للتنمية بالريف بأن الثروة المالية بالريف التي مصدرها العملة الأجنبية لا تستفيد منها المنطقة إلا بنسبة 1 على 10. وإذا أضفنا إليها ما تجلبه المنطقة من ثروات مالية ضخمة وهائلة من عائدات الحشيش أو العشبة المباركة كما يحلو للبعض أن يسميها، إذا علمنا أن منطقة الريف تعد حاليا من أكبر أوكار إنتاج الحشيش على الصعيد العالمي حيث تغطي حوالي 70% من السوق الأوربية حسب منظمة الإتحاد الأوربي والتي قدرت عائدات الحشيش بحوالي 2.8 مليار أورو، وهو يمثل رقما ماليا خياليا بالنسبة للريف، لكن هذه الأموال الضخمة والطائلة لا تستفيد منها المنطقة، وكتامة والنواحي شاهدة على ذلك، حيث يتم تهريبها واستثمارها في أماكن أخرى التي تقوم عليها سياسة اللوبيات المخزنية بالمنطقة التي يقض مضجعها رؤية هذا الريف يتقدم ويزدهر.
وإذا انتقلنا إلى جانب آخر، سنجد منطقة الريف في يومنا هذا من أكثر المناطق المستفيدة من الدعم الخارجي التي تمنحها كل من الحكومة الاسبانية وحكومة الأندلس وكاطالونيا إضافة إلى منظمة الإتحاد الأوربي التي تخصص لتنمية أقاليم الريف عبر وكالة «تنمية أقاليم الشمال» أو مباشرة عبر العاصمة المركزية الشيء الذي يحول دون تنمية حقيقية للريف، كما حصل لعدة مشاريع أوربية بالريف التي منيت بالفشل ولم تعط أكلها بالمنطقة، ونذكر منها: paidar و crédits du nord و interreg و projet derro لتنمية الريف الغربي من طرف هولندا في السبعينيات وبرنامج ميدا (meda1 et meda2) من مساعدات الاتحاد الأوربي، وتجدر الإشارة هنا إلى أن الريف يعد حاليا من أكثر المستفيدين من برنامج ميدا في المغرب وكذلك على صعيد الشمال الإفريقي والمتوسطي، وفي ذات السياق يقول السفير شين دويل، رئيس مندوبية اللجنة الأوربية بالمغرب، إن المغرب «يتقدم بدون منازع على جميع بلدان المنطقة كمستفيد من المساعدات المقدمة في إطار برنامج ميدا»(4) لكن رغم كل هذه المساعدات الأوربية الكثيرة، لم تستفد منطقة الريف من أي شيء بحيث لم نر منها أي شيء يذكر على الواقع، وأكثر هذه المساعدات الخارجية لا نعلم مصيرها كما هي حال المساعدات الأوربية الأخيرة ونخص بالذكر منها : 42 مليون أورو المخصصة لتنمية أقاليم الريف عبر وكالة «تنمية أقاليم الشمال» و 71.79 مليون أورو لفائدة إعمار الحسيمة بعد زلزلها، وحوالي 24 مليون أورو التي تنازلت عنها إيطاليا عن ديونها على الحكومة المغربية لفائدة الحسيمة...
هكذا يتضح أنه في ظل النظام المركزي السائد حاليا بالمغرب، أصبحت تنمية الريف مرهونة بمصير أموال المساعدات الأوبية، ومصير علاقة المغرب باسبانيا. فخلال الأزمات بين البلدين تتوقف تدفق المساعدات والمنح المالية المخصصة للجمعيات المحلية التي تنجز بها المشاريع بالمنطقة، لكن في مقابل ذلك، لا بد لنا أن نتساءل ما موقع الدولة المغربية وحكومتها المركزية من تنمية أقاليم الريف؟ وماذا عن وكالة «تنمية أقاليم الشمال» وما الغرض من إنشائها إذن؟ وأين هو مشروع «سبو» في الستينات الذي كان يتبجح به المغرب لتنمية الريف وخلق فرص شغل في العالم القروي؟ وماذا عن مشروع «ديرو» لتنمية الريف الغربي في الستينات؟ وأين هو البرنامج الاستعجالي!! في السنة الماضية لإعادة إعمار الحسيمة من أموال المساعدات الدولية؟..
فمن خلال كل هذا، بات واضحا وبانت حقيقة ما يسمى بتنمية أقاليم الشمال في ظل هذا النظام المركزي الذي يتعمد على تهميش منطقة الريف، وهكذا فإن التنمية الحقيقية والشاملة للريف لن تكون إلا في إطار نظام فيدرالي مكرس لسيادة سكان المنطقة في تسيير وتنمية منطقتهم عوض أشخاص من المراكز.
البديل الفيدرالي بالريف:
بعد مرور قرابة نصف قرن على مغربة منطقة الريف وتوحيدها مع التراب المغربي، مازالت هذه المنطقة تعيش عوائق سوسيولوجيا وسيكولوجيا في الاندماج داخل المجال المغربي، تستمد أصولها من تاريخ وخصوصية هذه المنطقة وعلاقتها المتوترة مع السلطات المركزية وموروثها الماضي الأليم معها، إضافة إلى فوارق الهوة التي كانت تفصل بين منطقتي الحمايتين الاسبانية والفرنسية سابقا، حيث أن منطقة الريف تدير وجهها نحو إسبانيا إذ ما تزال اللغة والثقافة الاسبانيتان حاضرتين بشكل قوي داخل الريف كما هو حال اللغة والثقافة الفرنسيتين في وسط المغرب، وإضافة إلى هذا تم إقصاء النخب الريفية من دوائر المسؤوليات وميادين النفوذ السياسي بالدولة، بل أكثر من كل هذا تم إقصاء اللغة والثقافة الأمازيغيتين بالبلاد.
وكل هذه العوامل وغيرها خلقت لدى سكان الريف أو معظمهم على الأرجح إحساسا بالتهميش وشعورا سيكولوجيا يتمثل في عدم الثقة في الدولة المركزية وعدم الاندماج في مجالها السياسي، وهو ما نلاحظه من خلال الانتخابات التي أجريت بالمغرب منذ سنة 1963، حيث عرفت منطقة الريف مشاركة جد ضعيفة وسجل بها أضعف النسب بالمغرب، والمهزلة الأخيرة واضحة جدا هنا، رغم ما يحاك من تزوير داخل أروقة وزارة الداخلية.
وأمام هذا الواقع المر الذي يعيشه الريف من عزلة جغرافية وتهميش سياسي وثقافي واجتماعي واقتصادي، يقتضي البديل لهذا الوضع، تغيرا دستوريا من أجل فصل واستقلال السلطتين التشريعية والتنفيذية عن الحكم الفردي بالعاصمة، بإعادة هذه السلط إلى سيادة الشعب الأمازيغي، بدل الأقلية الحاكمة ذات التوجه العروبي، وبموازة مع ذلك يستوجب إقرار، في الدستور، صلاحيات واسعة لمنطقة الريف وتمتيعها بأقصى درجات الاستقلال الذاتي في التقرير والتدبير والتنفيذ والتسيير لمواردها وإمكانياتها البشرية والطبيعية والاقتصادية ينسجم مع طموح ساكنة الريف في إطار نظام فيدرالي ديمقراطي مكرس لسيادة سكان الريف، مستدلا بالنموذج الأوربي ويأخذ بعين الاعتبار خصوصية منطقة الريف، حيث أضحى من المؤكد أن مستقبل الريف أصبح مرهونا بيد أبنائه لأنهم هم الذين يستطيعون الدفاع عن منطقتهم عوض مسيري الدولة المركزية من أحزاب «الحركة اللاوطنية» الذين ظلوا غارقين في أوهام الشوفينية وأوهام العروبة العنصرية والذين يدافعون عن مصالح وقضايا لمناطق بعيدة عنهم ببلاد العربان على غرار ما حصل على سبيل المثال في السنة ما قبل الماضية عندما خرجت هذه الحركة العروبية وحكومتها الحاكمة إلى الشارع للتظاهر دفاعا عن السفاح صدام وبغداده، في حين كانت منطقة إملشيل الأمازيغية في تلك الفترة تشهد هجمة شرسة من المخزن على سكانها لا لشيء سوى أنهم دافعوا عن منطقتهم وطلبوا برغيف خبز والإنارة والتطبيب وفك العزلة عن المنطقة.
فمن خلال هذا المثال، بات مؤكدا أن مستقبل المناطق الأمازيغية بالمغرب، أصبح بيد أبنائها في إطار نظام فيدرالي متعدد البرلمان والحكومات الفيدرالية التي تؤدي إلى ترسيخ المواطنة الأمازيغية الحقيقية، وقد أثبت هذا النظام نجاعته في العديد من مناطق دول العالم الديمقراطية، فمنطقة الأندلس بإسبانيا على سبيل المثال كانت إلى عهد قريب تعرف ظروفا مماثلة لما هي عليه اليوم المناطق الأمازيغية بتامزغا، لكن بتبنيها للنظام الفيدرالي أو الحكم الذاتي، أصبحت اليوم يتحذي بها العالم، مستفيدة من إمكانياتها ومواردها الذاتية، ونفس الشيء يمكن أن يحصل لمنطقة الريف إذا تبنت النظام الفيدرالي، حيث أن المنطقة قادرة على الاكتفاء الذاتي لما تزخر به من مؤهلات طبيعية وغنية وهائلة ورصيد بشري هام بأكثر من 5 ملايين نسمة على مساحة ترابية تقدر بـ 000 50 كلمتر مربع وساحل بحري يبلغ طوله 530 كلمتر بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي على موقع جغرافي استراتيجي جدا.
فقليل من العناية يمكن أن توصل منطقة الريف إلى مستوى عال جدا، إذا علمنا أن مدينة الناظور بوحدها تشكل ثاني مركز مالي بالمغرب بحوالي 16 مليار درهم، واليوم في ظل النظام المركزي السائد تأتي في الدرجة الدنيا من حيث التنمية الاقتصادية. وعلاوة على ذلك، تجلب منطقة الريف سنويا عملة صعبة وثروة مالية ضخمة وهائلة إذا أدركنا هنا جيدا أن اقتصاد الحسيمة مثلا في ظل التهميش المركزي السائد يعتمد على 80 % من عائدات أموال الجالية الريفية بالحسيمة المقيمة بأوربا، وبالإضافة إلى هذا، تجلب منطقة الريف سنويا عدة مليارات من عائدات الحشيش والتجارة مع مليلية وسبتة.
ومن جهة أخرى، تزخر منطقة الريف على مؤهلات وثروات طبيعية هائلة وجمالية لاسيما الجبال والغابات والشواطئ ومواقع أثرية عريقة، يمكن استثمارها في السياحة الدولية، وفيما يخص هذه المواقع الأثرية نذكر بعضها: إثري نعمار، ثغيث حدوش، حسي وانزكا، إفري البارود، مولاي لحسن.. هذه المواقع بعضها عبارة عن أراض مكشوفة والبعض الآخر عبارة عن ملاجئ ومغاور، نادرة جدا في العالم تعود إلى مرحلة ما قبل التاريخ وبالضبط إلى الحقبة الانتقالية بين الحضارة الايبيروموريزية والحضارة العترية، وفي الإطار نفسه تتوفر المنطقة أيضا على مواقع أثرية تاريخية مثل أنكور، بادس، إمزمن، أغرم، يكش، إمسطاسن، إغساسن، بوسكور، تازوضا، تامسا، يليش، كلابريس، سيدي صالح... وكل هذه المواقع الأثرية التي تنتمي إلى حقب مختلفة تستطيع منطقة الريف أن تكون منها قبلة للسياحة الدولية وتساهم في الإقلاع الاقتصادي للمنطقة إذا استغلت بشكل صحيح من خلال نفض الغبار عليها وتشييد متاحف أركيولوجية تعنى بتاريخ وأثر هذه المنطقة.
وبالإضافة إلى ما سبق، تزخر منطقة الريف أيضا، بكنوز باطنية وثروات بحرية وفلاحية ومعدنية متنوعة وهائلة، ففي الشمال الشرقي للريف مثلا نجد معادن الرصاص والحديد والزنك والبتونهيت.. واليوم في ظل تحكم المركز في معادن الريف لا تستفيد منها المنطقة حتى بالثلث، ونفس الشيء ينطبق على الثروات السمكية وخاصة أسماك الحسيمة التي تهرب إلى أماكن أخرى بنسبة كبيرة جدا إلى درجة أنها تنعدم في أسواق الحسيمة في عدة مرات.
وكل هذه الخيرات والإمكانيات الطبيعية والاقتصادية وغيرها التي تمتاز بها منطقة الريف تستطيع أن تستفيد منها المنطقة بشكل قوي وفعلي في إطار النظام الفيدرالي الذي ننشده لجهة الريف، والذي سيشكل مناعة ومقاومة قوية لسياسة الحصار والتهميش التي تنتهجها الدولة المركزية بالمنطقة.
ووعيا منا بأهمية هذا النظام الفيدرالي الذي سيضمن تقدم المنطقة وبروزها كقطب اقتصادي حداثي قوي على الصعيد المغربي والمتوسطي كما هو الشأن بالنسبة لمنطقة الأندلس، فإننا نطالب مجددا بإعادة النظر في التقسيم الجهوي الحالي القائم على نظرة أمنية وتهميشية، وإعطاء جهة حقيقية وتاريخية للريف ذات صلاحيات واسعة تصل إلى حد الإقرار الدستوري ضمن دستور ديمقراطي حداثي وعلماني وفيدرالي متعدد بسيادة أنظمة الحكم الذاتي للمناطق الأمازيغية، وبموازة مع ذلك وجب الاعتراف باللغة الأمازيغية كلغة وطنية ورسمية وإقرارها في الدستور كلغة رسمية واحدة في المناطق الأمازيغية بدل لهجة قريش المفروضة علينا بالقوة، والذين يقدرون على النطق بها لا يتعدون في الغالب نسبة 15% من مجموع السكان. وكل هذا لتثبيت مغرب الغد، مغرب أمازيغي فيدرالي متعدد، وولادة الريف الجديد، ريف فيدرالي أمازيغي.
الهوامش:
1 ـ البشير مصطفى السيد (المسؤول السابق في جبهة البوليساريو) خلال حديثه في برنامج «زيارة خاصة» عن لقائه مع الحسن الثاني على قناة «الجزيرة» في يوليوز 2004.
2 ـ إلياس العماري في تصريحه لجريدة «الباييس» الاسبانية في فاتح مارس 2004 نقلا عن جريدة «الأيام» العدد : 124، مارس 2004.
3 ـ جريدة «بادس»، العدد 16 – 17 نونبر 2002.
4 ـ أنظر جريدة «الأحداث المغربية»، 11 دجنبر 2004.

 

Copyright 2002 Tawiza. All rights reserved.

Free Web Hosting