uïïun  154, 

sinyur 2960

  (Février  2010)

Amezwaru

 (Page d'accueil) 

Tamazight

is "ddarija" tamrrukit d tantala d taorabt?

Tabrat tameggarut

Tabrat inu

Tadvuri n taguri

Tiq nigh war zir

Inkraf

Rcem s tguriwin

Adllis "sadu tira... tira"

Français

L'amazighité entre la loi divine et la loi humaine

Tanger: un toponyme amazigh

Réflexion sur la question amazighe

L'identité et les droits culturels amazighs

العربية

هل الدارجة المغربية لهجة عربية؟

سنة أمازيغية سعيدة ولو كره المغرضون

قضية الهوية في الديانة الإسلامية

رسالة بدون طابع

الجغرافية والهوية الوطنية الليبية

اتهام بالخيانة كل من ينادي بالوطنية

معتوب لوناس: المتمرد الظريف

ضربة المدفع التي مددت حدود مليلية المحتلة

تاريخ مقرصن

الأمازيغية ومفهوم التعدد والاختلاف

الثقافة الأمازيغية وتأثيرات العولمة

الشعر الأمازيغي بالجنوب الشرقي

تأسيس فرقة تنغريت لأحيدوس

كلمة الجمعيات الأمازيغية بالناظور بمناسبة السنة الأمازيغية الجديدة

جمعية سكان الجبال تعقد مؤتمرها الأول

رسالة مفتوحة لجمعية تيموزغا

بيان الحركة الأمازيغية بثيطاوين

أرضية جمعية أسيكل

تجديد مكتب الشبكة الأمازيغية بتزنيت

بيان الشبكة الأمازيغية

 

 

 

افتتاحية:

هل الدارجة المغربية لهجة عربية؟

بقلم: محمد بودهان

"بديهية كاذبة" أخرى:

اعتبار الدارجة المغربة ـ أو العامية المغربية ـ لهجة تابعة للغة العربية ومشتقة منها، يشكل إحدى "البديهيات الكاذبة" الأخرى التي تزخر بها الثقافة المغربية عندما يتعلق الأمر بموضوعات ذات علاقة بالأمازيغية والأمازيغيين. وهذه النظرة إلى الدارجة المغربية، ليست منتشرة في الأوساط الشعبية والحكومية فحسب، بل حتى في الأوساط "الأكاديمية" التي تؤكد أن عروبة وعربية الدارجة المغربية حقيقة "علمية".

فعلى المستوى الشعبي، الجميع مقتنع أن الدارجة المغربية لغة "عربية" جاء بها العرب "الفاتحون" الذين استوطنوا المغرب، حتى أن الناس يسمونها "العربية" وليس حتى الدارجة.

وعلى المستوى الحكومي، يرى الحكام والمسؤولون السياسيون أن الأمازيغيين بالمغرب يشكلون "أقلية"، لأن غالبية المغاربة يتكلمون الدارجة المغربية التي هي لغة "عربية"، مما يعني أن غالبية المغاربة "عرب". وهذا ما سبق للمندوبية السامية للتخطيط أن أعلنت عنه عندما نشرت (2007) إحصائيات تقول إن نسبة المتحدثين بالأمازيغية في المغرب لا تتجاوز الثلاثين في المائة (30%)، وهو ما يجعل منهم "أقلية" في مقابل أزيد من سبعين في المائة (70%) الذين يتحدثون بـ"العربية"، والذين يشكلون "الأغلبية" العربية".

أما في الأوساط "الأكاديمية" و"العلمية" ـ وهذا ما يهمنا أكثر ـ فهناك العديد من "العلماء" و"الباحثين" و"المختصين" الجامعيين، الذين يردون على من يقول بأن اللغة العربية الفصيحة لغة نصف ميتة لأنها لا تستعمل في التواصل الشفوي ولا في الشارع ولا في البيت وليست لغة أم لأحد، يردون بأن هذا الوضع ليس مقصورا على اللغة العربية وحدها، بل هو عام يميز جميع اللغات العالمية كالإنجليزية والإسبانية والفرنسية والألمانية. ويشرحون ذلك بالقول إن جميع اللغات تعرف مستوى عاميا وشعبيا خاصا بالتواصل الشفوي، ويمثل اللغة الدارجة المحكية، وهي التي تسمى في الفرنسية "لاركو" L'argot؛ ومستوى آخر فصيحا وراقيا يستعمل في الكتابة والنشر ولغة المدرسة. فاللغة العربية الفصحى تمثل إذن هذا المستوى الفصيح والراقي المستعمل في التدريس والكتابة، بجانب مستواها العامي الدارج، أو "لاركو" المستعمل في التواصل اليومي وفي البيت والشارع.

هكذا نقرأ في جريدة "التجديد" ليوم 13 /10/ 2009، وهي ترد على مقال بيومية "الصباح" يقول فيه صاحبه بأن اللغة العربية ليست لغة وطنية لأن لا أحد يتواصل بها في المغرب، نقرأ ما يلي: »أما عن حكاية كون أول ما يحتك به الطفل أمازيغي الأصول أو عربيها هو اللغة العربية المحكية، فهذا هو الوضع في كل دول العالم، فأول ما يتعلمه الفرنسي والإنجليزي والأمريكي هي اللغة المحكية، وهي حسب الباحث اللساني سيركوسوم اللغة النازلة التي تهيئ الشروط للغة العالية، فالدارجة هي المستوى الأدنى من اللغة العربية، وهو نفس الحال بالنسبة إلى اللغة الفرنسية واللغة الإنجليزية، والفرق الوحيد الموجود هو أن الفرنسيين كلهم يجمعون على أن اللغة الفرنسية هي اللغة الوطنية، ولا أحد منهم يطالب بأن تستبدل الفصحى الفرنسية بما يعرف عندهم بـ''لارغو''«.

هكذا تتم "البرهنة "العلمية" إذن على أن:

ـ اللغة العربية الفصحى ليست لغة متعالية عن الواقع لأنها خاصة بالكتابة والمدرسة فقط، بل هي، مثل كل اللغات، تستعمل في التواصل والتخاطب اليومي من خلال مستواها العامي الذي هو الدارجة المغربية التي تمثل لغة الأم بالنسبة للغة العربية الفصحى، مثل ما هو عليه الأمر فيما يخص "لاركو" الذي يمثل لغة الأم بالنسبة للغة الفرنسية الفصحى.

ـ الدارجة المغربية هي إذن لغة عربية لأنها تمثل المستوى العامي والدارج لهذه اللغة تماما مثل "لاركو" بالنسبة للفرنسية.

 وما يهمنا في هذه "البرهنة" العملية" "الأكاديمية" هي نتائجها السياسية: فبما أن غالبية المغاربة يتكلمون الدارجة المغربية، وبما أن هذه الدارجة هي لغة عربية، فالنتيجة، بكل بساطة، هي أن المغاربة هم من أصول عربية لأنهم يتكلمون نفس اللغة التي حملها معهم أجدادهم "الفاتحون" من شبه الجزيرة العربية، ولا زال أحفادهم يحتفظون عليها ويستعملونها كما يحتفظ كل إنسان على اللغة التي اكتسبها من أسرته ويستمر في استعمالها كلغة أم. فما حصل للمغرب، بناء على هذا الاستدلال، يشبه إذن، على المستوى اللغوي والعرقي، ما حصل بأميريكا الشمالية حيث إن لغة الأميركيين هي اللغة الإنجليزية التي حملها معهم أجداد هؤلاء عندما استوطنوا أميريكا.  أن يكون المغرب إذن بلدا "عربيا" تحكمه دولة "عربية" ذات سلطة "عربية"، أمر طبيعي جدا ومنسجم مع قوانين الطبيعة والتاريخ.

نلاحظ إذن كيف أن اللغة هنا ـ كما هي دائما في الحقيقة ـ رهان سياسي بامتياز. فهي التي تبرر وتفسر، بالنسبة لحالة المغرب، انتماءه "العربي". لكن ماذا ستكون النتيجة، على المستوى السياسي، إذا ثبت علميا ـ بدون مزدوجتين هذه المرة ـ أن لغة غالبية المغاربة، أي الدارجة المغربية، ليست لغة عربية ولا تربطها بهذه الأخيرة لا علاقة اشتقاق ولا علاقة تبعية، بل هي نظام لغوي مستقل وقائم بذاته؟ ستكون النتيجة، استنادا إلى نفس المنطق اللغوي الذي جعل من المغرب بلدا "عربيا"، أن هذا الأخير ليس عربيا لا في هويته ولا في لغته.

هل الدارجة المغربية هي "لاركو" العربية الفصحى؟

هؤلاء "العلماء" و"الباحثون" و"المختصون" الذين يقولون بأن علاقة الدارجة المغربية بالعربية الفصحى هي كعلاقة "لاركو" باللغة الفرنسية، لا يقدمون أية أمثلة توضيحية من "لاركو" الفرنسية، ولا من "لاركو" العربية ـ الدارجة المغربية ـ حتى تمكن المقارنة بين النوعين من "لاركو" في علاقتهما باللغتين الفصيحتين اللتين ينتميان إليهما، وذلك بهدف إقناعنا بالحجة والدليل على أن الدارجة المغربية هي فلا نوع من "لاركو" بالنسبة للعربية الفصحى. إن هؤلاء "العلماء" يتهربون في الحقيقة من مثل هذه الأمثلة التوضيحية لتبقى أحكامهم واستنتاجاتهم  عامة ومجردة بعيدا عن الوقائع التجريبية التي قد تنفيها وتكذبها. لكن نحن سنلجأ إلى مثل هذه الأمثلة لنوضح بها ما إذا كانت الدارجة المغربية هي "لاركو" العربية الفصحى.

لنأخذ كلمات من "لاركو" الفرنسية: flic, trouille, dingue, cinglé, con, fric, mec, trimer, gonzesse, foutre…

لنستخدمها ضمن جمل وتعابير كما هي مستعملة في الفرنسية:

"Les flics arrivent", "il a la touille", "il est dingue", "il est cinglé", "c'est un con", "il a beaucoup de fric", "tu as vu le mec dont je t'ai parlé?", "il trime toute la journée", "il a rencontré une gonzesse", "va te faire foutre".

ماذا نلاحظ وماذا نستنتج؟ نلاحظ أن هذه التعابير هي لغة فرنسية مائة في المائة (100%) في تراكيبها وقواعدها النحوية والصرفية والإملائية. كل ما هنالك أن كلمات "لاركو" التي تتضمنها هذه التعابير غير مستعملة في لغة المدرسة والكتابة الأدبية الراقية. المهم أن هذه التعابير، التي تستعمل مفردات معجمية من "لاركو"، هي لغة فرنسية وليست شيئا آخر غريبا وأجنبيا عن هذه اللغة. وهو ما يستنتج منه "الباحثون" و"المختصون" الذين أشرنا إليهم، أن "لاركو" هو المستوى التواصلي العامي لنفس اللغة التي تملك دائما مستوى آخر أدبيا وراقيا خاصا بالكتابة والمدرسة. هناك إذن لغة واحدة بمستويين اثنين من الاستعمال حسب الحاجة والسياق. وهذا صحيح ـ وصحيح جدا ـ بالنسبة للغة الفرنسية كما نلاحظ من خلال الأمثلة التي ذكرناها. فهل يصدق نفس الشيء كذلك على اللغة العربية بالمغرب كما يؤكد ويريد مجموعة من "العلماء" و"الباحثين" و"المختصين"؟

1 ـ لنأخذ أمثلة من "لاركو" اللغة العربية الفصحى بالمغرب، أي من الدارجة المغربية:

ـ "حل الباب"،

ـ "هذا العسل جاري"،

ـ "طار ليه النعاس"،

ـ "لحم خضر"،

ـ "شبع لحوت على راسو".

  ـ "ضربو لحم ما بقى كاع ياكلو"

نلاحظ أن هذه التعابير تتكون كلها من كلمات عربية (تعمدت اختيار أمثلة تتضمن كلها مفردات عربية مع أنه كان يمكن أن تكون التعابير متكونة من مفردات غير عربية أصلا ـ مثل: نوض، دير، تنهلا، سكّد إلخ ـ والتي يتكون منها جزء من معجم الدارجة المغربية). لكن هل هي تعابير عربية أيضا مثل مفرداتها المعجمية؟ فـ"حل الباب" لا تعني "فتحه" في اللغة العربية بل تعني "فكه"، "أوجد له حلا". وهو ما يجعل هذه العبارة الدارجة غير مفهومة وغير ذات معنى في اللغة العربية. "هذا لعسل جاري" لا تعني أنه سائل ومائع كما يفهم ذلك من هذا التعبير الدارج، بل تعني "أنه يجري" وهو ما لا معنى له في اللغة العربية لأن العسل لا "يجري". "طار ليه نعاس" لا يعني في العربية "أصابه الأرق" كما يفهم ذلك من التعبير الدارج، بل يعني "طار له النعاس، النوم"، وهو ما لا معنى له في اللغة العربية لأن النوم لا "يطير". "عبارة "لحم خضر" التي تعني في الدارجة "اللحم النيء" لا معنى لها في اللغة العربية لأن اللحم لا يكون "أخضر". كذلك "شبع لحوت على راسو" التي تعني في الدارجة "أكل كثيرا من الحوت حتى شبع حد التخمة" لا معنى لها في العربية لأن الشبع لا يكون "على الرأس ". نفس الشيء بالنسبة للجملة: "ضربو لحم..."، والتي تعني أنه "مل" اللحم لكثرة ما أكل منه، فهذا تعبير لا معنى له في العربية الفصحى لأن اللحم لا "يضرب".

واضح إذن أن هذه التعابير للدارجة المغربية لا معنى لها في اللغة العربية رغم أن مفرداتها المعجمية عربية. لا معنى لها لأنها ترجمة حرفية لمفردات أمازيغية لها مدلولها ضمن القواعد النحوية والتركيبة الخاصة باللغة الأمازيغية. فلا يكفي أن تكون الكلمات المعجمية من أصل عربي لتكون اللغة التي تستعمل تلك الكلمات عربية، وإلا لكانت اللغة الفرنسية لغة لاتينية ـ وليست فرنسية ـ لأن معجمها ذو أصل لاتيني، ولكانت اللغة الفارسية لغة عربية لأن أكثر من 60% من معجمها اللغوي يرجع إلى اللغة العربية، بل لكانت اللغة العربية نفسها ليست عربية لأن جزءا من معجمها من أصول سريانية وعبرية وكلدانية بعضها مذكور في القرآن نفسه مثل: الشيطان، إبليس، آمين، جهنم، سلسبيلا، الفردوس، التابوت... فما يصنع اللغة ـ وهذا ما يعرفه جيدا "العلماء" و"المختصون" الذين "برهنوا" على أن الدارجة المغربية لغة عربية ـ  ليست كلماتها المعجمية، بل استعمال هذه الكلمات في تعابير وتراكيب بطريقة خاصة تعطي لتلك اللغة تفردها وخصوصيتها.

2 ـ في "لاركو" اللغة الفرنسية، لا نجد أداة واحدة من أدوات الربط أو الاستفهام أو النفي أو الدالة على المكان والزمان، لا تنتمي إلى اللغة الفرنسية الفصيحة، مما يجعل "لاركو" في الفرنسية مقصورا على كلمات معجمية ولا يمس إطلاقا جوهر اللغة التي هي تلك الأدوات التي تركب بها تلك الكلمات.

أما في الدارجة المغربية، فكل حروف المعاني وأدوات الاستفهام والنفي والدالة على الزمان والمكان والضمائر، هي حروف وأدوات لا وجود لها في العربية الفصحى. مما يجعل من الدارجة لغة لا تربطها أية علاقة نحوية وتركيبية بالعربية الفصحى. لنتأمل الأمثلة التالية:

ـ "إلا جاء قل لو يدخل" (إذا جاء قل له يدخل).

ـ ما ضبرتوش" (لم أضربه).

ـ "غادي نجي في لعشيا" (سأجيء في المساء، العشية).

ـ "باش ضربتو" (بماذا ضربته).

"علاش ضربتو" (لماذا ضرته)

ـ "شكون دخل"؟ (من دخل؟".

"رّجل لّي دخل" (الرجل الذي دخل).

ـ "واش جا؟" (هل جاء)؟

ـ "مشحال عندو فلوس"؟ (كم عنده من نقود؟).

نلاحظ إذن أن هذه الأدوات النحوية وحروف المعاني المستعملة في الدارجة المغربية غير معروفة ولا مستعملة في العربية الفصحى. وهو ما يجعل هذه الدارجة لغة مختلفة جذريا عن اللغة العربية ومستقلة عنها وقائمة بذاتها لها قواعدها النحوية الخاصة بها، عكس "لاركو" الفرنسية الذي هو فعلا جزء من اللغة الفرنسية لأنه يخضع لنفس قواعد الفرنسية الفصيحة ويستعمل نفس الأدوات وحروف المعاني التي تستعملها هذه اللغة في مستواها الفصيح.

3 ـ على غرار الأمازيغية، وعكس العربية الفصحى، لا يوجد في الدارجة المثنى، فقط المفرد والجمع.

الاختلاف إذن بين الدارجة المغربية والعربية الفصحى اختلاف جوهري يمس التراكيب وحروف المعاني وكل النظام النحوي، ولا يقتصر على مجرد المفردات المعجمية كما في علاقة "لاركو" الفرنسي بالمستوى المدرسي والأكاديمي لاستعمال اللغة الفرنسية. وهذا يبيّن أن الدارجة المغربة لغة قائمة بذاتها ومستقلة عن العربية الفصحى وليست نوعا من "لاركو" التابع لها كما يتبع "لاركو" الفرنسي اللغة الفرنسية الفصيحة.  

وهذه الخلاصة لها نتائجها الهامة على مستوى العلاقة بين لغة الأم ولغة المدرسة. فإذا كان الطفل الفرنسي، الذي يستعمل كلمات من "لاركو" الفرنسي التي تعلمها في البيت، لا يكتشف، عند التحاقه بالمدرسة لأول مرة، لغة فرنسية جديدة ومختلفة جذريا عن لغة البيت، بل فقط كلمات معجمية جديدة، لكن تستعمل بنفس التراكيب ووفقا لنفس القواعد النحوية التي كان يستعمل بها "لاركو" في البيت والشارع، فإن الطفل المغربي الذي تتحدث أسرته الدارجة المغربية، يجد نفسه، عن دخوله المدرسة للمرة الأولى، أمام لغة جديدة لا علاقة لها إطلاقا باللغة التي تعلمها واكتسبها داخل البيت كلغة أم، مثله في ذلك مثل الطفل الأمازيغي تماما. الامتياز الوحيد لهذا الطفل "العربي" على الطفل الأمازيغي، هو عندما يستعمل المعلم الدارجة المغربية هو نفسه للشرح أو للتواصل مع التلاميذ.

بالنسبة للطفل الفرنسي، هناك إذن اتصال واستمرارية بين لغة البيت ولغة المدرسة، لأنهما لغة واحدة هي اللغة الفرنسية. أما بالنسبة للطفل المغربي "العربي"، فهناك انفصال كامل وقطيعة تامة بين لغة البيت ولغة المدرسة لأن كليهما يشكلان لغتين مستقلتين إحداهما عن الأخرى كما شرحنا. وهذا الانفصال بين لغة البيت ولغة المدرسة هو أحد الأسباب الرئيسية ـ إن لم يكن السبب الوحيد ـ لفشل النظام التعليمي بالمغرب، هذا الفشل الذي يعترف به الجميع اليوم.

وإذا لم يقتنع "العلماء" و"الباحثون" و"المختصون" الذين سبق لهم أن "برهنوا" على أن الدارجة المغربية لغة عربة، بهذه الأدلة التي تثبت أن الدارجة المغربية ليست لهجة عربية، وأصروا على اعتبارها بمثابة "لاركو" بالنسبة للعربية الفصحى على غرار "لاركو" الفرنسي بالنسبة للفرنسية الفصيحة، ندعوهم إلى تأمل هذه المثال الافتراضي:

لنأخذ فرنسيا أو مهاجرا مغربيا لم يدخل قط المدرسة، ذهب إلى فرنسا عندما كان في سن العشرين. واليوم أصبح عمره خمسين سنة قضى منها ثلاثين سنة بفرنسا حيث تعلم اللغة الفرنسية في المعمل والشارع والمقهى في مستواها الدارج، أي "لاركو". فهذا الأمي (لأنه لم يتلق تعليما بالمدرسة ولا دروسا في محو الأمية)، عندما يستمع إلى خطاب الرئيس ساركوزي يفهم منه أكثر من تسعين في المائة (90%). والعشر في المائة غير المفهومة تخص فقط المصطلحات والمفاهيم التقنية التي تتطلب مستوى تعليميا عاليا. في حين أن الأمي المغربي ـ وما أكثر الأميين المغاربة ـ  لا يمكنه أن يفهم خطاب محمد السادس إلا بنسبة تقل عن عشرة في المائة (10%) في أحسن الأحوال. لماذا؟ لأن خطاب الملك مصاغ بلغة أخرى لا علاقة لها بلغة البيت والشارع التي وحدها يعرفها ويتقنها ذلك الأمي المغربي، مما يعني أن هناك انفصالا بين اللغتين لأنهما نظامان لغويان مستقلان أحدهما عن الآخر.

وهذا المثال للفرنسي الأمي الذي يفهم الخطاب ذا اللغة الراقية لرئيس الدولة، نشاهد منه كل مرة نماذج كثيرة تقدمها القنوات المتحدثة بالفرنسية عندما يسأل الصحفي، الذي يستعمل لغة أكاديمية، مسنا أو مسنة من أصول مغاربية لم يسبق لهما أن تلقيا تعليما مدرسيا، حول أحداث جرت بالعمارة التي يسكنان بها، فيفهمان جيدا ماذا قال الصحفي ويجيبانه بلغة فرنسية واضحة لا تختلف كثيرا عن لغة الصحفي إلا في بعض الكلمات التي تنتمي إلى معجم "لاركو". في حين لا يمكن أن نشاهد أميا مغربيا يسأله صحفي مغربي بلغة الصحافة، أي العربية الفصحى، فيفهم ما يقوله ويجيبه بنفس اللغة مع اختلاف في بعض المفردات كما هو شأن الأمي الفرنسي.

النتيجة أن العربية الفصحى لا وجود لها في البيت ولا في الشارع ولا في السوق، أي لا وجود لها في الحياة، عكس اللغات الحية مثل الفرنسية والإسبانية والإنجليزية والألمانية. وكيف نعرف أن لغة ما حاضرة أو غائبة، في مستواها المدرسي، في التخاطب داخل البيت والشارع؟ إذا كانت لغة المدرسة هي نفسها لغة البيت والشارع.

لنتأمل الحالة الواقعية التالية التي توضح أن اللغات الفرنسية والإنجليزية والإسبانية والألمانية، على سبيل المثال، هي نفسها المستعملة في الشارع وفي المدرسة عكس اللغة العربية الفصحى التي تستعمل في المدرسة ولا وجود لها في الشارع:

نعرف أننا ندرّس بالمغرب اللغات الفرنسية والإنجليزية والإسبانية والألمانية في مستواها الأكاديمي الفصيح الذي تمثله لغة المدرسة. وهو ما يعني أننا عندما ندرس ونتعلم في المدرسة هذه اللغات، فإننا لا نتعلم شيئا عن "لاركو" التابع لها، لأن هذا "لاركو" هو لغة الشارع ببلدان هذه اللغات وليس بالشارع المغربي. نتقن إذن المستوى الفصيح لهذه اللغات لكن نجهل التخاطب بمستواها العامي الذي يمثله "لاركو" المستعمل في الشارع، مثل الدارجة المغربية في المغرب. لكن عندما نذهب إلى فرنسا أو إسبانيا أو انجلترا أو ألمانيا ونستعمل هذه اللغات المدرسية في الشارع والسوق والمطعم، يفهم مواطنو هذه البلدان ما نقول ويتواصلون معنا بنفس اللغة الأجنبية (بالنسبة لنا) الفصيحة، أي اللغة المدرسية الفصحى التي تعلمناها في المدرسة. وهذا يدل على أن هذه اللغات المستعملة في المدرسة هي نفسها المستعملة في الشارع وفي التواصل الشفوي. في حين لا يمكن لمن لا يتقن سوى العربية الفصحى، أي العربية التي تعلمها في المدرسة، أن يتواصل مع المواطنين المغاربة الذين يستعملون الدارجة المغربية التي هي بعيدة، كما سبق أن شرحنا، عن العربية التي تعلم في المدرسة.

كل هذا يبيّن أن الفرق بين الدارجة المغربية والعربية الفصحى لا علاقة له بالفرق الموجود، في كل اللغات التي تعرف الكتابة، بين الاستعمال الشفوي والاستعمال الكتابي داخل نفس اللغة، حيث تمثل الكتابة مستوى أعلى وأرقى لممارسة اللغة من حيث اختيار الكلمات وصياغة الأسلوب، كما نجد ذلك حتى في اللغة العربية نفسها إذ يظهر الفرق واضحا بين خطاب شفوي مرتجل لكن بلغة عربية فصحى، وبين نص مكتوب روعيت فيه جمالية الأسلوب وانتقاء الألفاظ. وإنما يتعلق الأمر، في العلاقة بين الدارجة والعربية الفصحى، ليس بمجرد فرق في الألفاظ والأسلوب، بل بلغتين مختلفتين تماما ومستقلتين إحداهما عن الأخرى.

كيف نصنف الدارجة المغربية؟

الدارجة المغربية ليست إذن لهجة عربية. ومن الخطأ الكبير اعتبارها تابعة للغة العربية أو متفرعة عنها. فجزء من معجمها عربي الأصل، وجزء آخر أمازيغي، لكن تراكيبها النحوية أمازيغية في غالبيتها. فهي إذن، من هذه الناحية أقرب إلى الأمازيغية منها إلى العربية. لكن عندما نقارنها بالأمازيغية نجد أن بينهما كذلك انفصالا وليس اتصالا على مستوى التفاهم، مما يجعل منهما كذلك لغتين مستقلتين إحداهما عن الأخرى. فأين نصنف إذن الدارجة المغربية؟ أو ما هي هويتها اللغوية؟ ولماذا؟

ما الذي يحدد هوية لغة ما؟ لماذا تسمى اللغة الصينية واليابانية والهندية والفرنسية والعربية والإنجليزية والفارسية بهذه الأسماء التي تعرف بها؟ لسبب بسيط وهو أن موطن النشأة التاريخية لهذه اللغات هو الصين واليابان والهند وفرنسا وبلاد العرب وانجلترا وفارس... إذن الموطن التاريخي الأصلي للغة ما هو الذي يحدد هويتها وانتماءها، ولو أنها أصبحت تستعمل في أوطان أخرى غير وطنها الأصلي، مثل الإنجليزية والعربية والإسبانية والبرتغالية.

وما هو الموطن الأصلي التاريخي الأول للدارجة المغربية؟ إنه شمال إفريقيا، أي "تامازغا" أو بلاد الأمازيغ. فهي إذن لغة أمازيغية لأنها نشأت تاريخيا بالبلاد الأمازيغية، ولم تأت إليها من خارجها مثل العربية الفصحى التي جاء بها العرب "الفاتحون" الأوائل. ولا يمكن القول بأن هذه الدارجة المغربية جاء بها هؤلاء "الفاتحون". لماذا. لأن:

ـ البلاد العربية بشبه الجزيرة العربية لم يسبق لها أن عرفت لغة مثل الدارجة المغربية. ففاقد الشيء لا يمكن أن ينقله إلى غيره.

ـ العربية الفصحى، في مرحلة "فتح" المغرب، كانت لا تزال هي اللغة الأم لدى العرب، إذ كانت هي لغة التخاطب الشفوي والتواصل اليومي، وهي التي جاء بها هؤلاء العرب إلى بلاد الأمازيغ بشمال إفريقيا.

إذن الدارجة المغربية هي لغة أمازيغية بحكم نشأتها التاريخية الأولى بالبلاد الأمازيغية. ينبغي إذن التعامل معها كلغة أمازيغية كاملة الأمازيغية، والكف عن نسبتها إلى العرب واللغة العربية. وتمييزا لها عن الأمازيغية المعروفة، تفضل تسميتها "الأمازيغية الدارجة" أو "الأمازيغية العامية"، وهي تسمية مناسبة للمسمى لأن غالبية المغاربة يتقنون هذه الأمازيغية الدارجة ويتواصلون بها. اللغة الوطنية إذن للمغاربة هي الأمازيغية، سواء في صيغتها المعروفة أو في صيغتها الدارجة.

أما ما يهمنا في "اكتشاف" أن الدارجة المغربية هي لغة أمازيغية لأنها نشأت بالبلاد الأمازيغية، فهو النتائج السياسية لهذا "الاكتشاف".

لقد رأينا كيف يعتبر المغرب بلدا "عربيا" لأن لغة غالبية سكانه هي الدارجة المغربية، وبما أن هذه الدارجة تعتبر لغة "عربية"، فالنتيجة أن المغاربة "عرب" يتكلمون لغتهم "العربية" التي هي الدارجة المغربية. لكن بعد أن أثبتنا أن الدارجة المغربية لغة مستقلة عن اللغة العربية، وليست مجرد "أركو" لها، وبينا أنها لغة أمازيغية لأن موطنها الأصلي هو البلاد الأمازيغية وليس البلاد العربية، سيكون المغرب إذن، كل المغرب، بلدا أمازيغيا وبهوية أمازيغية لأن لغتي سكانه (الأمازيغية والأمازيغية الدارجة) لغتان أمازيغيان، فضلا أن الأرض المغربية هي دائما أرض أمازيغية، وهي مصدر اللغة الأمازيغية، سواء الأصلية منها أو الدارجة.

إن هذا التعامل الجديد مع الدارجة المغربية كلغة أمازيغية، سيربك الحسابات والمعادلات التي يعتمد عليها العروبيون المدافعون عن عروبة المغرب، إذ ستصبح هذه الحسابات والمعادلات تصب كلها في الهوية الأمازيغية للمغرب أرضا ولغة.

في الحقيقة لقد سرقت منا الإيديولوجيا العروبية كل الإبداعات والخصوصيات المشكلة للعبقرية الأمازيغية، ونسبوها إلى العروبة، مثل الفرس الأمازيغي الذي أصبح فرسا "عربيا"، والقفطان الأمازيغي الذي أصبح قفطانا "عربيا"، والكسكس الأمازيغي الذي أصبح طبقا "عربيا"، وشجرة الأركان الأمازيغية التي أصبحت شجرة "عربية"... لكن أخطر ما سرقته هذه الإيديولوجيا العربية "الشفارة" من الأمازيغيين هو لغتهم الأمازيغية الدارجة التي جعل منها العروبيون لغة "عربية" لاختصار طريق التعريب الذي يحتاج إلى مدرسة قد تستغرق وقتا طويلا لتؤتى أكلها، في حين أن الدارجة موجودة في الشارع والمقهى والسوق وبالتالي يسهل استعمالها لتعريب الأمازيغيين إذا حولت إلى لغة "عربية". وقد ذهب ضحية هذه السرقة حتى النشطاء الأمازيغيون الذين يعتقدون أن غالبية الأمازيغيين تم تعريبهم بعد أن فقدوا لغتهم الأمازيغية وأصبحوا لا يتحدثون إلا الدارجة المغربية التي هي لغة "عربية". وهذا ليس صحيحا إطلاقا. لماذا؟ لأن لو نجح التعريب اللغوي لكان المغاربة المعربون يتحدثون اللغة العربية الحقيقية، أي الفصحى، التي جاءتهم من بلاد العرب، وليس الدارجة المغربية التي هي لغة صنعوها بأنفسهم وداخل بلادهم الأمازيغية ولم تأتهم من بلاد العرب مثل الفصحى كما قلت. ينبغي إذن استرداد هذا المسروق اللغوي النفيس الذي هو الأمازيغية الدارجة، وإرجاعه إلى مالكيه الحقيقيين أصحاب الحق فيه، الذين أبدعوه وخلقوه كإنتاج أمازيغي أصيل نشأ بالأرض الأمازيغية. فمع استرداده يختصر الطريق كذلك لاسترداد الهوية الأمازيغية، لأن كل الذين يعتبرون أنفسهم "عربا" يفعلون ذلك اعتقادا منهم أن الدارجة التي يتحدثون بها هي لغة عربية، لكن عندما يعون أنها لغة أمازيغية سيعون بسهولة أنهم أمازيغيون كذلك في انتمائهم وهويتهم، وأن لغتهم الوطنية هي الأمازيغية سواء في شكلها الأصلي أو في شكلها الدارج.

وهذا الاسترجاع للدارجة المغربية إلى حظيرة الأمازيغية يتطلب من الحركة الأمازيغية التوقف عن معاداة الدارجة المغربية كلغة منافسة ومهددة للأمازيغية، والبدء في التعامل معها كلغة أمازيغية دارجة تساهم في إعادة تمزيغ المغرب باسترداد هويته ولغته الأمازيغية الدارجة التي هي ملك أمازيغي، والعمل على نشر الوعي بأن المتحدثين بالدارجة المغربية هم أمازيغيون يتحدثون لغتهم الأمازيغية الدارجة.

 

 

 

 

Copyright 2002 Tawiza. All rights reserved.

Free Web Hosting