uïïun  101, 

Tzayur  2005

(Septembre  2005)

Amezwaru

 (Page d'accueil) 

Tamazight

oli ãidqi azayku, aggag izwarn i tallit nns

Agga iggiren zeg ungal Ugadir

Tamendvawt d tesga

Tamazight

Ur as samhagh

Ixfiw

Asfru n tawiza

Timurkas n tayri

Zund tudert

Amssiwel n usettva

Amcawar n ifggigen

Lalla tammurt inu

Français

4 ème Congrès Général du CMA  Nador

Régénération de l'humain à travers les symboles zoomorphes

Remarques critiques sur le livre scolaire de tamazight

Regard mystique sur la musique amazighe

Le parti démocratique amazigh marocain

العربية

علي صدقي أزايكو، المفكر الذي جاء قبل زمانه

معالم من حياة ونضال أزايكو

ماذا فعلتم بالمغاربة؟

الناظور عاصة لتامازغا وللأمازيغيين

تفكيك الصورة السياسية لعقبة بن نافع

قراءة في ديماميكية الحركة الأمازيغية

بئس نظرية بنسالم حميش

خالد الجامعي والأبارتايد اللغوي

نوسطالجيا المغرب النافع

أصل الألفاظ

أصل الألفاظ1

الإسلام والأمازيغية

الجنس كرمز للتحرر

حوار مع التشكيلي حستي

الفن الأمازيغي والأوروبي في ضيافة تملالت

شرق يشرق شريق

الريف بين الاستعمار الإسباني والاستعمار العربي

بلاغ للشبكة الأمازيغية

البيان الختامي للشبكة الأمازيغية

ألبوم جديد لمحمد ملال

بيان حقيقة

بيان إخباري

 

معالم من حياة وفكر ونضال علي صدقي أزايكو*
بقلم: رشيد نجيب سيفاو

«إذا أردتم أن تكرموا وتكرموا الرجل العظيم لتردوا له جميله وفضله، فلا تعطوه بل خذوا منه» (جبران خليل جبران)

تقديم:
يبدو أنه من الصعوبة بمكان الحديث عن الأستاذ المناضل الفقيد علي صدقي أزايكو، باعتباره مثقفا ومفكرا ومناضلا أمازيغيا خارج المألوف والمعتاد، ولكن باعتباره واحدا من أبرز المؤسسين للفكر الأمازيغي وواحدا من اللذين قاموا بالتأسيس لنضالية الحركة الثقافية الأمازيغية بالمغرب والتقعيد لها على المستويين النظري والعملي الممارس بشكل يومي. وتبدو كذلك بكل جلاء ووضوح صعوبة الإلمام والإحاطة بكل الجوانب النضالية والفكرية لدى أزايكو نظرا لأنه لم يكن فقط مناضلا عاديا ولم يكن فقط على علم ومعرفة بالثقافة واللغة الأمازيغية اللتين ناضل وضحى من أجلهما لعقود عديدة، ولكن نظرا لإلمامه ومعرفته التامة والشاملة والعميقة بالعديد من اللغات والحضارات والثقافات العالمية باعتبار تعامله مع هذه الأخيرة طيلة مدة طويلة ووفق عناصر في المنهج والتحليل والتناول والدراسة واضحة من حيث الصرامة والدقة العلميتين، هذه العناصر اكتسبها من خلال تمرسه بالعديد من المعارف والعلوم الإنسانية كغيره من رواد ومؤسسي الفكر الأمازيغي ومنها: علوم التربية، علم التاريخ، علوم اللسانيات ولاسيما منها اللسانيات الأمازيغية لأنه تلقى دروسا معمقة في اللغة والثقافة الأمازيغيتين على يد الأستاذ ليونيل كالان الذي كان مشرفا على تدريس اللغة الأمازيغية بl’école pratique des hautes études، وكذلك لكونه مثقفا مختصا في التاريخ، له سابق معرفة بعلوم التربية والبيداغوجيا لممارسته التدريس في جميع الأسلاك التعليمية، ثم نظرا لكونه لم يكن في يوم ما ـ وبشهادة أقرانه وأصدقائه وزملائه العديدين ـ منغلقا، بل كان منفتحا، متفتحا، ذا ذاكرة مفتوحة mémoire ouverte ولبقا في تعامله مع الجميع، متعاملا مع الأشياء بنسبية أكبر، ضد الأحادية، مع التعدد والتنوع، إذ يقول بالحرف الواحد: «إن الذين يتصورون العالم وحدة لغوية وثقافية واحدة لا يعدو أن يكون تصورهم هذا تصورا استعماريا إجراميا».
إن غايتنا من تقديم هذه المعالم الكبرى أو الشذرات السريعة من حياة وفكر المرحوم علي صدقي أزايكو ـ فقيد الحركة الثقافية الأمازيغية وفقيد الفكر الأمازيغي والفكر المغربي عامة ـ تكمن في تحصين وصيانة الذاكرة الثقافية والفكرية الوطنية الخاصة بالحركة الثقافية الأمازيغية، من خلال تكريم واحد من أكثر المثقفين والمفكرين المغاربة إخلاصا للثقافة الأمازيغية وإبراز إسهاماته نضاليا وفكريا، ودليل أو مؤشر هذا الإخلاص والوفاء يتجسد في ركام من الأبحاث والدراسات والأعمال التاريخية والإبداعية الشعرية والترجمات والمشاركات في الندوات التي أنجزها أزايكو أو أشرف على إنجازها إسهاما منه في بعث اللغة والثقافة الأمازيغيتين وإيلائهما المكانة التي تستحقانها في إطار النسيج الهوياتي والثقافي المغربي. كما تتمثل غايتنا من ذلك في تعريف شباب إيمازيغن بالمرحوم علي صدقي أزايكو كواحد من رموز الحركة الثقافية الأمازيغية بالمغرب الذي كان من أوائل المناضلين الذين تجسد لديهم وعي عصري لا تقليدي أو تقليداني بالهوية وبالقضية الأمازيغيتين، من أجل أن يستحضر الشباب الأمازيغي اليوم، بكل ما ينتظره من تضحيات ومسؤوليات وواجبات، مجموع ومجمل القيم والمبادئ واستراتيجيات العمل التي وجهت وأطرت عمل هؤلاء الرموز أمثال أزايكو على مستوى السلوك ومستوى التفكير ومستوى المنهج ومستوى العمل والتطبيق.
1 ـ أزايكو والمسار النضالي الحافل والمتنوع:
يعتبر المرحوم علي صدقي أزايكو من الرواد الأوائل الذين كانوا وراء انبثاق الحركة الثقافية الأمازيغية بالمغرب، كرس حياته للنضال من أجل القضية الأمازيغية، وأدى ضريبة النضال بسبب التعبير عن رأيه بخصوص المسألة الثقافية بالمغرب لما نشر مقالا تحليليا بعنوان «في سبيل مفهوم حقيقي لثقافتنا الوطنية» في العدد الأول من مجلة أمازيغ باللغة العربية، والذي لم يكتب له أن يرى نور النشر والتوزيع، وكان ذلك سنة 1981، لتتم محاكمة الكاتب سنة بعد ذلك في أول محاكمة ثقافية يشهدها المغرب المستقل ويكون الأستاذ أزايكو بذلك أول معتقل رأي للقضية الأمازيغية.
بقرية إيكران ن تاوينخت، قيادة تافنكولت، إقليم تارودانت على قدم الأطلس الكبير الجنوبي، كانت ولادة المرحوم أزايكو في يوم من أيام سنة 1942، قضى طفولته بقريته وبين ظهران سكانها الأمازيغ الذين يتداولون أنماطا ثقافية وتراثية أمازيغية مختلفة ومتنوعة، وكان لهذا المحيط تأثير كبير في التكوين الثقافي لأزايكو، والذي عرف بكونه مناضلا حقيقيا وجمعويا نشيطا ورجل تعليم يشهد له الجميع بجديته وكفاءته وشاعرا حداثيا كبيرا يحظى باحترام وتقدير الجميع.
بمدينة مراكش، التحق المرحوم بالتعليم الابتدائي وهو في الثامنة من عمره، ثم بالتعليم الثانوي، ومن طالب معلم بالمدرسة الإقليمية للمعلمين بمراكش إلى طالب أستاذ بالمدرسة العليا للأساتذة بالرباط، وطالب بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس في نفس الوقت، وفي هذه الأثناء توج مسيرته التعليمية بالحصول على شهادة الإجازة في التاريخ. وقضى الفترة ما بين 1970 و1972 بجامعة السوربون حيث هيأ دكتوراه السلك الثالث في التاريخ بإشراف المرحوم جاك بيرك، وقد نال ديبلوم الدراسات العليا في التاريخ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط سنة 1988 بميزة حسن جدا.
تقلد المرحوم أزايكو مناصب عدة في مجال التعليم وذلك راجع لاجتهاده ونبوغه. وهكذا فقد كان أستاذا بإعدادية إيمي ن تانوت في الفترة ما بين 1962 و1964. وفور حيازته على الإجازة، تم تعيينه أستاذا للسلك الثاني في مادة التاريخ بمعهد المغرب الكبير بالرباط في الفترة ما بين 1968 و1970. وعمل أستاذا بشعبة التاريخ بجامعة محمد الخامس بالرباط. وأثناء إحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بمقتضى ظهير أجدير في أكتوبر 2001، عين أزايكو عضوا بمجلس إدارته، وفي نفس الوقت أستاذا باحثا في مركز الدراسات التاريخية والبيئية التابع للمعهد.
ويعتبر أزايكو شاعرا حداثيا متميزا ذا تجربة شعرية عميقة متأصلة في المبنى والمعنى، في الشكل والمضمون، أصدر ديوانه الشعري الأول بعنوان تيميتار سنة 1988، وهو ديوان يعود إبداع القصائد المتضمنة به إلى سنوات الستينيات والسبعينيات والثمانينيات، وترجع أقدم قصيدة به إلى غشت 1967، وهي قصيدة أمارك والتي جاء في مطلعها:
App aymmi man tinu
Mani mi giv ?
Atbir lli yyi tra tasa
Ur illi v vid
Ammas n mrrakc avenn illa
Yaggug.
وبالنظر لقوة ومتانة الدلالات الرمزية لإبداعه الشعري، تمكنت قصائده من ولوج فضاء العالمية ولاسيما مع ترجمة الكثير منها إلى اللغة الفرنسية من طرف الكاتب الأمازيغي باللغة الفرنسية محمد خير الدين والباحث الفرنسي Claude Lefébure كل على حدة، كما أن جل إبداعاته الشعرية مغناة من قبل مجموعة أوسمان الغنائية والفنان الأمازيغي المتميز بدوره مبارك عموري. وأصدر سنة 1995 ديوانه الثاني الذي حمل كعنوان إيزمولن وهو الذي نال جائزة المغرب للكتاب سنة 1996 بتصويت كل القراء البالغ عددهم أربعين قارئا، والذين قرأوا الديوان، غير أن مسؤولي وزارة الثقافة المشرفة على جائزة المغرب للكتاب كان لهم رأي آخر فارتأوا تفويت الجائزة التي نالها أزايكو جدارة واستحقاقا لشخص و»مبدع» آخر غير علي صدقي أزايكو، لتتعمق بذلك جراحات الأسئلة وتزداد حدة طرحها: لماذا إقصاء أزايكو؟ ألأن إبداعه باللغة الأمازيغية؟ أم لأن صاحبه مبدع أمازيغي ذو باع طويل في النضال الأمازيغي لم تنل منه حتى ظروف الاعتقال والسجن في معتقلات رهيبة وفظيعة كسجن لعلو؟ وتضيع بذلك التأويلات وسط لحظة المنع والإقصاء التي تزامنت وانعقاد الدورة الخامسة للجامعة الصيفية بأكادير، لتشكل بذلك الاعتقال الثاني والمنع الثاني لعلي صدقي أزايكو بعد حادثة الثمانينات. واليوم، ونحن نعيش الزمن المغربي للمصالحات، آن الأوان لفتح ملف جائزة المغرب للكتاب لسنة 1996 إنصافا لأزايكو، إنصافا للفكر الذي حمله أزايكو طيلة حياته وإنصافا للقضية الكبرى التي ناضل من أجلها أزايكو سنين عديدة، على ضوء سؤال واحد ووحيد: لماذا أقصي أزايكو من نيل جائزة المغرب للكتاب سنة 1996 عن ديوانه أيزمولن؟
وطيلة مسيرته العلمية، اشتغل أزايكو بالتأريخ للبادية المغربية، والعمل على تاريخ المغرب الوسيط والحديث في جانبه الاجتماعي، وكانت أطروحته الجامعية في موضوع «تاريخ وادي نفيس» بإشراف جاك بيرك، وقام بتحقيق كتاب «رحلة الوافد: لحظات من تاريخ أدرار ن درن أطلس مراكش وسوس في القرن 18» للتاسافتي، وساهم بفعالية وإنتاجية في إنجاز الموسوعة المغربية «معلمة المغرب» التي تصدرها الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر وكان يشرف عليها المرحوم محمد حجي والأستاذ أحمد توفيق ـ صديق الطفولة لأزايكو ـ وكعادته لم تخرج مشاركات أزايكو في مواد المعلمة عن نطاق الدفاع عن اللغة والثقافة الأمازيغيتين وإبراز عبقريتهما، إذ كانت المواد التي ساهم بها كلها تنصب في دراسة الطوبونيميا الأمازيغية ودراسة المؤسسات الاجتماعية والإدارية والقانونية التي ابتكرها الأمازيغ عبر التاريخ. وأصدر أزايكو بحثا قيما بعنوان «الإسلام والأمازيغ، عن البدايات الأولى لدخول الأمازيغ في المجال الإسلامي» عن منشورات مجلة تاماكيت الصادرة بأكادير. وعن منشورات مركز طارق بن زياد للدراسات والنشر لسنة 2002 أصدر مؤلفا موسوما بعنوان «التاريخ المغربي والتأويلات الممكنة» ضمنه رؤيته للعديد من القضايا المهملة في تاريخ المغرب. وعن منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية لسنة 2004 صدر له كتاب بعنوان «نماذج من أسماء الأعلام الجغرافية والبشرية المغربية» وهو عبارة عن تجميع لمختلف المواد التي سبق له أن نشرها ضمن الأجزاء العشرة لموسوعة «معلمة المغرب». ومن المنتظر أن يصدر له نفس المعهد تحقيق مخطوط «السري للسعادة بالحسنى وزيادة» وهو عبارة عن معجم أمازيغي عربي من تأليف الفقيه عبد الله بن إبراهيم بن أحمد المرتيني في القرن 12 هجري 18 الميلادي.
في المجال التربوي، أنجز المرحوم أزايكو بتعاون مع زميله وصديقه الأستاذ عبد الغني أبو العزم «المعجم المدرسي الأمازيغي المصور» وهو موجه لتعليم اللغة الأمازيغية للأطفال. وعرفت له العديد من الجرائد والمجلات نشر مجموعة هامة من القصائد والمقالات والأبحاث العلمية، ومنها: أمازيغ- الكلمة (لسان حال جمعية علماء سوس)- أراتن- تايدرين- تيفاوت- البلاغ المغربي- صوت الجنوب- تاسافوت- أوال... وقد أدى نشره لمقالة بعنوان «في سبيل مفهوم حقيقي لثقافتنا الوطنية» بالعدد الأول من مجلة أمازيغ، أدى ذلك إلى اعتقاله ومحاكمته والزج به في سجن لعلو بالرباط، ونجده يختصر هذه المرحلة العصيبة بتفاؤل فيقول: «طيلة المدة التي قضيتها في السجن بالرباط، ازدادت أحلامي وكبر إيماني بالقضية الأمازيغية، فكتبت شعرا كثيرا باللغة الأمازيغية كما كتبت مقالات عدة حول الأمازيغية في جريدة البلاغ المغربي ومجلة أوال بباريس. أيضا فكرت في إنشاء مشاريع ثقافية كبرى كإنشاء دار للنشر متخصصة في نشر كل ما هو أمازيغي أسميتها آنذاك تيويزي».
جمعويا، أسهم المرحوم أزايكو في تأسيس أول جمعية أمازيغية وهي الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي سنة 1967 وتحمل مسؤولية الكاتب العام بمكتبها الأول، وفي سنة 1974 أسس جمعية ثقافة ومعارف. وأسس سنة 1981 الجمعية الثقافية أمازيغ رفقة كل من عبد الحميد الزموري ومحمد شفيق. وفي سنة 1990 أسهم في تأسيس جمعية «أكراو» رفقة كل من عبد الحميد الزموري، محمد شفيق، عبد المالك أوسادن، علي أمهان، محمد أودادس، محمد كابري، يوسف عكوري، ميمون إغراز، محمد أجعجاع. غير أن هذه الجمعية حرمت من وصل الإيداع القانوني ورفضت سلطات الداخلية الاعتراف بها.
وكان المرحوم أزايكو حريصا على دعم مختلف جمعيات الحركة الثقافية الأمازيغية، ولا أدل من ذلك حضوره في أنشطتها ومؤتمراتها، ومن ذلك مواكبته لأنشطة الدورات العلمية للجامعة الصيفية التي تستضيف هذا اللقاء التكريمي مشكورة.
2 ـ أضواء على المشروع الفكري والثقافي لأزايكو:
ينطلق المشروع الفكري والثقافي لعملاق الفكر الأمازيغي علي صدقي أزايكو- وكأي فكر إنساني نبيل- من طرح تساؤلات، ويالها من تساؤلات! تساؤلات جوهرية طرحها أزايكو طيلة مساره الفكري، وهي من قبيل: ما هي المعطيات التاريخية التي تميزنا كشعب؟ ما هي المكونات الحاضرة التي تربطنا بماضينا؟ ما قيمة ما يربطنا بماضينا في إطار مشروعنا لبناء حاضرنا ومستقبلنا؟ ما هو المجال الجغرافي والحضاري الأقرب إلينا؟ كيف ينبغي التعامل معه دون أن يلتهمنا؟...
ويبقى أهم سؤال طرحه أزايكو هو سؤال الكينونة: من نكون؟ وهو سؤال حاول الإجابة عليه في إحدى مقالاته المنشورة بجريدة البلاغ المغربي.
وتجدر الإشارة هنا أن المشروع الفكري لأزايكو، فضلا على كونه يرتكز على مقاربة موضوعية لكل من المسألة الثقافية والمسألة التاريخية، هو مشروع للمستقبل يعتمد على تحديد الانتماء.
2-1 مقاربة أزايكو للمسألة الثقافية (قضية اللغة والثقافة الأمازيغيتين تحديدا):
يعود اهتمام علي صدقي أزايكو بالمسألة الثقافية وبقضية اللغة والثقافة الأمازيغيتين على وجه التحديد إلى تجاوزه للتعريف التقليدي والسائد للثقافة وانطلاقه من التعريف الأنتروبولوجي والعصري لها، هذا التعريف لا يقتصر فقط على خندقتها وتأطيرها فيما هو مكتوب لا غير، بل إنه يتجاوز ذلك ليشمل التقاليد الاجتماعية والاختيارات والأفكار والنزعات السياسية والفنون بمختلف تنوعاتها معمارا ورقصا وغناء والأدب الشفوي المحكي من قصص وأمثال إضافة إلى اللغة نفسها بمضامينها المعجمية والصرفية والنحوية والاشتقاقية والمشيدات التاريخية والنقوش ووسائل العمل والأدوات المعيشية وأسماء الأعلام وأشكال توزيع المجالين الزراعي والحضري وتقنيات السقي والمؤسسات والتنظيمات الاجتماعية.
على ضوء هذا التحديد الدقيق والعلمي لكلمة ثقافة بصفة عامة، يصر أزايكو ـ وكما ورد في العديد من دراساته ـ على ضرورة تحديد مفهوم حقيقي وواقعي للثقافة الوطنية بالمغرب، وفق استفسارين أساسيين: ما هي الثقافة الوطنية بالمغرب؟ ماذا تغطي أو ماذا تشمل الثقافة الوطنية بالمغرب؟ ليتجه أزايكو بعد ذلك نحو محاولة تشخيص الوضعية الثقافية بالبلاد، حيث استخلص واستنتج وجود مشكل ثقافي قائم بذاته، موجود ومعاش، مؤسس على إقصاء وتهميش اللغة والثقافة الأمازيغيتين، وأن السبيل لتجاوز ذلك إنما يكمن في قيام ثورة ثقافية ناشرة لوعي ثقافي حقيقي بين جميع أفراد المجتمع وباللغات التي يتقنها هؤلاء.
إن ربط المفكر أزايكو تعريف الثقافة باللغة، هو الأمر الموضوعي الذي حدا به أن يكون، ومنذ الستينيات، من أوائل المناضلين السباقين إلى طرح فكرة النضال من أجل الحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية بالمغرب، والتأسيس بالتالي لحركة ثقافية أمازيغية مناضلة ومكافحة من أجل إحقاق هذه الحقوق المشروعة بكل المعايير. في هذه المرحلة دافع أزايكو عن الأمازيغية بقوله: «كم من لغة بدائية احتضنت قيما إنسانية عميقة وحملت معارف ما كان التطور البشري ليكون لولا مساهمتها فيه، وكم من لغة يعتبرها الناس اليوم غير متطورة، وهي تعبر عن أعمق ما يشعر به متكلمها من بهجة وألم وحب وكراهية... وبإمكانها أن تبز اللغات المتطورة في ميادين كثيرة».
لقد أطر علي صدقي أزايكو انشغاله واشتغاله بشؤون اللغة والثقافة الأمازيغيتين في إطار المبادئ التالية:
ـ اللغة الأمازيغية لغة للشعب الأمازيغي بكل لهجاتها.
ـ انتماء اللهجات الأمازيغية إلى أصل واحد من ناحية البنية والمعجم.
ـ وجود تكامل فيما بين اللهجات الأمازيغية مع بعض الاختلافات الطفيفة على مستوى النطق.
ـ الأمازيغية لغة وليست لهجة وذلك بكل المقاييس والمعايير العلمية.
- إمكانية توحيد ومعيرة اللغة الأمازيغية.
2-2 مقاربة أزايكو للمسألة التاريخية (تاريخ إيمازيغن تحديدا):
من خلال الرجوع إلى مجموعة من الكتابات التاريخية لأزايكو، نلاحظ أنه لا يولي أي اعتبار لمفهوم التاريخ كما هو سائد، بل يعتمد على التعريف الأنتروبولوجي للتاريخ متجاوزا ما درج عليه الكثير من المؤرخين في تعريفهم للتاريخ الذي يحصرونه في مجرد رواية أحداث وحكاية وقائع مجردة، مصرا أن التاريخ وسيلة لفهم الحاضر وتوجيهه اعتمادا على فهم وإدراك واعيين للماضي، مع إدراكه للدور العميق للتاريخ في توجيه التنمية الفكرية والثقافية والإنسانية للمجتمعات.
وتتمحور الانشغالات التاريخية لأزايكو فيما يرجع لتصحيح المغالطات التي تلف بتاريخ إيمازيغن على الإشكاليات المركزية المحورية الثلاثة التالية:
أ- إشكالية الأصل: استخلص أزايكو أن للأمازيغيين علائق ووشائج قوية مع الإنسان الذي سكن إفريقيا واستقر بها منذ ما قبل التاريخ، وذلك بناء على تحليل مجموعة من المعطيات المرتبطة بما هو حضاري و أركيولوجي وانتروبولوجي ولسني...
ب- إشكالية التسمية: تساءل أزايكو غير ما مرة: أبربر أم أمازيغ؟ فوجد أنه وعلى مر التاريخ ولفترة تزيد عن أكثر من 3000 سنة، أطلق الأمازيغيون على أنفسهم لقب إيمازيغن، أي الناس الأحرار بدل لفظة «بربر» القدحية والعنصرية. ونجده أيضا يقترح كاسم لشمال إفريقيا: تينومازيغ...
ج- إشكالية المصادر: يتلخص منهج أزايكو في التعامل مع المصادر على تنويعها مع قراءتها قراءة جيدة ودقيقة وطرح فرضيات جديدة غير مسبوقة على مستوى الطرح وجعل الكتابة التاريخية كقراءة متجددة للمصادر المعروفة.
2-3 أزايكو والمثقف الأمازيغي والحوار كمنهج:
يمكن هنا أن أعقد مقارنة بسيطة بين علي صدقي أزايكو وبين عملاق آخر من عمالقة الفكر الأمازيغي والذي له بدوره مكانته المتميزة لدى الحركة الثقافية الأمازيغية، وهو الأستاذ العميد محمد شفيق، وهو بالمناسبة أحد أصدقاء أزايكو. فإذا كان الأستاذ شفيق قد اتجه في نهاية الستينيات إلى محاورة المثقفين المحسوبين على التيار القومي العربي وأساسا منهم الممثلين في دار الفكر التي ستصبح لاحقا اتحاد كتاب المغرب، ولما تبين له عدم الجدوى والفائدة من النقاش مع هؤلاء بالنظر لموقفهم الخجول بل الغائب من المضمون الأمازيغي للدراسات التي نشرها شفيق في مجلة آفاق، اتجه نحو محاورة المفكرين المحسوبين على التيار الإسلامي وتجسد هذا الحوار أكثر من خلال كتابيه أفكار متخلفة pensées sous-développées وما يقوله المؤذن Ce que dit le muezzin ولاحقا من خلال الرسالة الشهيرة التي وجهها للأستاذ عبد السلام ياسين شيخ جماعة العدل والإحسان والمعنونة ب «رسالة إلى أخ لي في الإسلام».
ولذلك، ومن خلال المقارنة بين أزايكو وشفيق نجدهما يلتقيان موضوعيا وأساسيا في هذا المنهج الحواري، ونستخلص بالتالي أن الحوار منهج رئيسي لدى المثقف الأمازيغي العصري. فطيلة مسيرته النضالية، لم يستعمل أزايكو سوى الأساليب الحضارية في النضال ومن بينها اتخاذه الحوار كمنهج ووسيلة للتواصل مع أعداء الأمازيغية للعمل على إقناعهم بمشروعية القضية الأمازيغية. ويتجسد هذا المنهج الحواري أكثر لديه على مستوى واجهتين:
ـ الواجهة الأولى: قيامه بإدارة معركة فكرية حول التاريخ المغربي مع أحد المؤرخين المحسوبين على التيار القومي العربي، هذه المعركة استمرت على صفحات مجلة الكلمة على امتداد أربعة أعداد متكاملة ومتتالية.
ـ الواجهة الثانية: نهجه أسلوب الحوار مع مثقفي التيار الإسلامي بالمغرب، وذلك على غرار مثقفي الحركة الثقافية الأمازيغية، فإذا كان الأستاذ شفيق قد صحح مغالطات التيار الإسلامي داعيا إياه نبذ العنف بجميع أشكاله والتخلص مما يسميه «ديكتاتورية الفقيه»، فإن أزايكو، فضلا عن تضمينه مقالاته آيات وأحاديث واجتهادات تحث على المساواة اللغوية والتعدد اللغوي وتعلم الألسن باختلافها، يقول: «إن ديننا الحنيف دين إنساني شامل ومحيط يعتبر الإنسان منذ خلق خليفة الله في الأرض وليس ابتداء من فترة معينة من حياته الطويلة جدا».
ختام:
إن ما تقدم أعلاه، عبارة عن شهادة من جيل تابع المسيرة النضالية والعلمية للفقيد علي صدقي أزايكو من خلال أنشطته وكتاباته، وهي محاولة متواضعة لتقريب المشروع الفكري لأزايكو. وحتى تبقى ذكرى أزايكو حية وخالدة في الذاكرة، يتوجب من بين ما يتوجب فعله:
ـ إحداث جائزة علي صدقي أزايكو للبحث الأمازيغي في جميع المجالات، تمنح سنويا.
ـ إطلاق اسم علي صدقي أزايكو على إحدى الجامعات المغربية وعلى المؤسسات العمومية ومدرجات شعبة التاريخ والمدارس والثانويات ومراكز التكوين.
ـ إنشاء مؤسسة علي صدقي أزايكو للدراسات الأمازيغية.
ـ تضمين البرامج والمناهج الدراسية المغربية نماذج من النصوص الإبداعية الشعرية لأزايكو.
ـ إعادة إصدار مؤلفات علي صدقي ازايكو وإماطة اللثام عن تراثه الفكري والثقافي والإبداعي الذي لم ير النور بعد وذلك بتنسيق مع عائلته الكريمة.
ـ فتح ملف جائزة المغرب للكتاب لسنة 1996 والوقوف عند ملابسات حرمان أزايكو من جائزته التي حصل عليها عن جدارة واستحقاق إنصافا له ولقضيته.
ـ العمل على تحقيق أحلام أزايكو التي بلورها أثناء فترة اعتقاله بسجن لعلو ولاسيما منها إنشاء دار تيويزي الأمازيغية للنشر.
*(هذا العرض شارك به كاتبه في الندوة الدولية التي خصصتها جمعية الجامعة الصيفية في دورتها الثامنة أيام 28، 29، 30 لأزايكو)
المراجع المعتمدة:
1ـ إبراهيم أخياط، رجالات العمل الثقافي الأمازيغي، منشورات أمريك، ط:1، 2004.
2 ـمركز طارق بن زياد، معارك فكرية حول الأمازيغية، مطبعة النجاح الجديدة، شتنبر 2002.
3ـ علي صدقي أزايكو، تاريخ المغرب أو التأويلات الممكنة، منشورات مركز طارق بن زياد، مطبعة أمبريال، أكتوبر 2002.
4ـ علي صدقي أزايكو، تيميتار: مجموعة شعرية أمازيغية، منشورات عكاظ، 1988.
5ـ رشيد نجيب سيفاو، علي صدقيأزايكو... وداعا، جريدة العالم الأمازيغي عدد: 50، أكتوبر 2004.
6ـ رشيد نجيب سيفاو، محمد شفيق: لحظة انعطاف في الفكر المغربي، جريدة تاويزا، عدد: 95، مارس 2005.
7ـ رشيد نجيب سيفاو، علي صدقي أزايكو: الشاعر والمناضل، جريدة أكراو أمازيغ، عدد: 5، 10 مارس 1997.
8ـ رشيد نجيب سيفاو، محمد شفيق: رمز أمازيغي كبير، جريدة أكراو أمازيغ، عدد:148، 24 يونيو 2005.
9- MARIA DAIF، Hommage : Azayku l’Amazigh، revue Telquel، n° 147 du 23 octobre 2004.
الملحق1: الموجز عن حياة وإنتاج ونضال الفقيد أزايكو ،إعداد: رشيد نجيب سيفاو
1942: الولادة بقرية إكران ن تاوينخت، قيادة تافنكولت، إقليم تارودانت، بالأطلس الكبير الجنوبي.
1952: الالتحاق بالمدرسة الرسمية.
1962: التدريس بالتعليم الابتدائي في مدرسة بإيمي ن تانوت.
1967: تأسيس الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي وتحمل مسؤولية الكاتب العام بمكتبها الوطني.
1968: تدريس مادة التاريخ بمعهد المغرب الكبير بالرباط.
1969: القيام بزيارات لمجموعة من الدول الأروبية للاطلاع على أحوال الجالية المغربية وتحسيسه بأهمية النضال من أجل اللغة والثقافة الأمازيغيتين.
1970: متابعة الدراسة بجامعة السوربون بهييئ دكتوراه في التاريخ تحت إشراف بيرك.
1972: التدريس بكلية الأداب والعلوم الإنسانية، شعبة التاريخ، بجامعة محمد الخامس بالرباط.
1974: تأسيس جمعية « معارف وثقافة» وتحمل المسؤولية في مكتبها.
1979: المساهمة في تأسيس الجمعية الثقافية أمازيغ، وتحمل المسؤولية بمكتبها الوطني.
1981: نشرمقال بمجلة أمازيغ بعنوان « في سبيل مفهوم حقيقي لثقافتنا الوطنية»، اعتبر أن فيه مسا بأمن الدولة.
تأسيس جمعية أمازيغ: ثقافة ومعارف، وتحمل المسؤولية بمكتبها.
1982: محاكمة أزايكو في أول محاكمة ثقافية عرفها المغرب المستقل.
1988: إصدار الديوان الشعري الأول « تيميتار».
1990: تأسيس جمعية أكراو وتحمل المسؤولية بمكتبها المسير.
1995: إصدار الديوان الشعري الثاني « إيزمولن».
1996: إقصاء أزايكو من الفوز بجائزة المغرب للكتاب عن ديوانه الثاني.
2001: الإعلان عن إنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وتعيين أزايكو عضوا بمجلس إدارته.
2002: إصدار كتاب « تاريخ المغرب والتأويلات الممكنة».
2004: إصدار كتاب « نماذج من أسماء الأعلام الجغرافية والبشرية المغربية».
10 شتنبر 2004: التحاق أزايكو بالرفيق الأعلى.
 

Copyright 2002 Tawiza. All rights reserved.

Free Web Hosting