Uttvun 75, 

Sayûr 2003

(Juillet 2003)

Amezwaru

 (Page d'accueil) 

Tamazight

Tameskant d tamughrabit s tidett, maca s umentil n usiwef!

Teggwdegh xafm

Abarreh mgal tawafat

Ma s tyid yema

Temmexs ayi tammurt inu

 Tudert inu

Tasurfut

Zi tfarnin ar tfarnin

Afrux inyer iberdan

Ifes n tudert

A Sifaw nnegh 

Rix

Français

Tifinagh et la bavure de Nador

Ce vendredi noir

 La 25ème heure pour l'amazigh

Les dangers de l'obscurantisme islamiste

La cause amazighe entre la culture et le politique

Au chevet des ighrem du Sud-est

Appel à communications

Yan wawal yebbey meyya

Le choix de tifinagh est un non choix 

L'enseignement de Tamazight

Crise identitaire et injustice social derrière l'horreur du 16 mai

Clavier amazigh

Quel avenir pour tamazight?

العربية

لأول مرة تظاهرة مغربية خالصة، لكن بفضل الإرهاب

 رسالة إلى ابن عاق

عندما تبرمج الدولة عقول أبنائها ليصبحوا إرهابيين

توضيح من مركز التهيئة اللغوية

الأمازيغية وسؤال التنسيق

الظلامية والعداء للأمازيغية وجهان لشيء واحد

رد موجه إلى "الأحداث المغربية" رفضت نشره

أانتصار اللغة الأمازيغية

 الحركة التلاميذية الأمازيغية في مواجة قوى التأسلم والتمركس

مزداي أنامور

بيان لجمعية أنزووم

 بيان للاتحاد الوطني لطلبة المغرب

بيان لجمعية بويا

 المؤتمر التأسيسي لمجلس التنسيق الجهوي

بيان لجمعية تانوكرا

تصريح حول أحداث الدار البيضاء

  جمع عام استثنائي لتاماينوت

بيان إلى الرأي العام  

 

على هامش تفجيرات الدار البيضاء الإرهابية:

عندما تبرمج الدولة عقول أبنائها ليصبحوا إرهابيين انتحاريين!

بقلم: محمد بودهان

في أن تفجيرات الدار البيضاء الإرهابية كانت شيئا »طبيعيا« جدا جدا!:

 إن الهجمات الانتحارية بالطائرات على أميريكا في 11 سبتمبر 2001 كانت شيئا غير عادي جدا جدا، لأنها لم تكن نتيجةً طبيعية ومنطقية تؤدي إليها حتما السياسةُ الداخلية لأمريكا واختياراتُها الإيديولوجيةُ وتوجههُا الإعلامي ونظامُها التعليمي والتربوي وتنظيماتُها الجمعوية والنقابية والحزبية. كانت إذن شيئا غير طبيعي، أي غير أمريكي. ولهذا فإن كل انتحاريي 11 سبتمبر هم عناصر

أجنبية جاءت من خارج أمريكا، وليسوا ثمرة تربية أو إيديولوجية داخلية أمريكية.

أما اعتداءات الدار البيضاء الإرهابية يوم 16 ماي 2003 فقد كانت "طبيعية" جدا جدا، مثلما يكون طبيعيا جدا أن تعطي الثمارِ المنتظرةَ منها شجرةٌ يتم غرسها وتعهدها بالرعاية والري والتشذيب إلى أن تصبح فاكهتها ناضجة وجاهزة للجني. لقد كانت إذن تفجيرات الدار البيضاء هي الفاكهة المرة للشجرة الخبيثة التي غُرست واستُنبتت بتربة المغرب. والسؤال الأول هو: من غرس بالمغرب النبتة الخبيثة للأصولية الإسلاموية التي تطورت إلى إرهاب قاتل ومدمر؟ ما هي أهم وسيلة تم بها استنبات هذه الشجرة الخبيثة والفاسدة للأصولية الإسلاموية؟

 المدرسة كقناة لغرس الأصولية الإسلاموية ونشرها:

كما يعرف كل ملاحظ ومحلل، فإن الاستعمال السياسي للدين بالمغرب ظاهرة بدأها وسبق إليها النظام المخزني مع بداية عقد السبعينات، وقبل أن تكون هناك حركات إسلامية، والتي ليست في الحقيقة إلا منتوجا للاستعمال السياسي للدين من طرف النظام المخزني. لقد لجأ هذا الأخير إلى استعمال الدين كأداة إيديولوجية فعالة لمحاربة خصومه وتصفيتهم إيديولوجيا. وإذا عرفنا أن هؤلاء الخصوم كانوا يتشكلون في تلك المرحلة من اليسار بمختلف تياراته الماركسية، سندرك أن السلاح الديني كان مناسبا جدا للهدف الذي هو الفكر الشيوعي الماركسي (الكافر والملحد). لكن ليس هذا هو المهم، وإنما المهم هو القناة التي تم من خلالها غرس الفكر الأصولي ألإقصائي بالمغرب، والتي تشبه عملية غسل للأدمغة وبرمجة لعقول المغاربة وإعدادهم لأن يصبحوا إسلامويين متشددين، ثم إرهابيين انتحاريين. 

بما أن الأصولية الإسلاموية هي فكر وتفكير، ورؤية إلى العالم والواقع، وتصور للحياة والمجتمع والحكم والسياسة، فليس هناك من أنجع وسيلة لنشرها وفرضها من استعمال المدرسة التي ترسخها في الأذهان وتغرسها في العقول، التي ستعمل بدورها على غرسها ونشرها وترسيخها بحكم الخاصية المعيدة للإنتاج Reproductif المميزة لكل نظام تعليمي.

وهكذا تم، مع بداية الجزء الثاني من السبعينات، "إصلاح" البرامج التعليمية بالشكل الذي يجعل مضمونها يرسخ الفكر الأصولي الإقصائي وينشره عبر الزيادة في الدروس ذات المضمون الديني الإسلاموي التي تحرض على الإقصاء والعداء لكل ما هو مختلف مذهبا وعقيدة وعرقا ولغة وثقافة. فأدخلت المواد الإسلامية ـ الأصولية ـ إلى التعليم بشكل مكثف، وأصبحت موادَّ رئيسية في امتحانات الانتقال من مستوى إلى آخر ومن سلك إلى الذي يليه ـ من الابتدائي إلى الإعدادي، ومنه إلى الثانوي، ومنه إلى الجامعي ـ بعد أن لم تكن كذلك في ما سبق. وأنشئت بجميع الكليات شعب جديدة لنشر الفكر الأصولي الإسلاموي، مثل شعبة "الدراسات الإسلامية" التي كانت مصنعا حقيقيا للفكر الأصولي الإقصائي، دون الكلام عن المعاهد الدينية التقليدية الكثيرة التي كانت موجودة من قبل. كما فتحت كذلك بمركز تكوين المفتشين شعبة "التربية الإسلامية" لتخريج مفتشين يسهرون على تطبيق مقررات المواد الأصولية الظلامية بالمؤسسات الإعدادية والثانوية. يضاف إلى كل هذا حذف مادة الفلسفة من جميع الكليات الجديدة وتعويضها في الثانوي بالفكر الإسلامي الذي كان هو الوحيد المدرّس عمليا، لأن مواد الفلسفة وضعت عمدا في الجزء الأخير من المقرر الذي لا يشرع الأستاذ في تدريسه إلا عندما يكون التلاميذ قد غادروا المؤسسة مع اقتراب موعد الامتحان.

واضح أن هذا "الإصلاح الأصولي" للتعليم اتخذ طابع حملة مقصودة وممنهجة ومنظمة ودولتية Etatique ضد كل ما هو عقل وعقلانية، ولصالح كل ما هو واحدي ودوغمائي وغيبي ومطلق وإقصائي وظلامي. إنه "اغتيال للعقل"، كما عنون محمد عابد الجابري أحد مقالاته لتلك الفترة حول حذف شعبة الفلسفة من الجامعة.

 التعريب، العمود الفقري للسياسة التعليمية الأصولية الجديدة للدولة: إلا أن العمود الفقري لهذا الاتجاه نحو مزيد من الأصولية والظلامية هو سياسة التعريب الأعمى والشامل الذي نهجته الدولة ابتداء من أواسط السبعينات، مع تعيين وزير خاص بهذه المهمة، مهمة تعريب التعليم، وهو الاستقلالي عز الدين العراقي. هذا التعريب الأعمى يمثل الشرط الواقف لنجاح هذا النوع الجديد من التعليم الإصولي والتربية الظلامية التي بدأها النظام المخزني ابتداء من أواسط السبعينات كسياسة واختيار، لأن إدخال مواد تدريسية إسلامية أصولية لم يكن سوى نتيجة لسياسة التعريب المتطرفة. ذلك أن التعريب، كما مورس في المغرب، ليس ـ ولم يكن أبدا في يوم ما ـ مسألة لغة، بل هو إيديولوجية عنصرية، تقوم أساسا على الدوغمائية واللاعقلانية والانتماء العرقي، وتمجيد الماضي وإدانة الحاضر، ورفض الحداثة ومعاداة العقل وقيم التسامح والاختلاف، وتلقين مبادئ التطرف وكراهية الآخر باعتباره عدوا متآمرا على العروبة والإسلام. لهذا فإن كل مظاهر التغلغل الأصولي الإسلاموي التي أصبح يعرفها المغرب ابتداء من الثمانينات لم تكن إلا عوامل مصاحبة استلزمتها وفرضتها إيديولوجية التعريب كجزء منها ونتيجة لها.

 دور »المجالس العلمية« في ترسيخ الأصولية الدينية وحمايتها: وفي إطار سياسة التعريب الماضوية واللاعقلانية هذه، وكنتيجة وتبرير لها في نفس الوقت، أنشأ النظام المخزني "المجالس العلمية" الجهوية لإعطاء نفس جديد "للقومة" الإسلاموية التي أصبحت تشرف عليها الدولة وترعاها وتنفق عليها من الخزينة العامة. وقد خلقت هذه المجالس سوقا رائجة للشغل نظرا لما أصبحت تتطلبه من موظفين وخطباء ووعاظ ومرشدين خاصين بالجالية المغربية بالخارج، وغير ذلك. الشيء الذي فرض على التعليم أن يكيف مضامينه وبرامجه أكثر مع هذه السوق "الدينية" الجديدة لتلبية حاجياتها إلى متخرجين ذوي تكوين ديني. وهو ما كان وراء خلق مواد وشعب جديدة، كما سبقت الإشارة، ذات محتوى ديني بحت، مثل التربية الإسلامية والدراسات الإسلامية.

كما أن ألإعلام بدوره أصبح يحتل فيه جانب التأطير الديني الأصولي مكانة متقدمة مقارنة مع السابق.  فظهرت مجلات وملاحق متخصصة في الشؤون الدينية، وبرامج تلفزية وإذاعية في التوجيه والوعظ الديني. 

وهكذا أدت سوق الشغل "الدينية" ـ التي كان وراء رواجها إنشاء "المجالس العلمية" كما ذكرنا ـ بما فرضته من برامج تعليمية إسلامية خاصة، إلى تعزيز التوجه الديني في الدولة والمجتمع، خصوصا مع بداية الثمانينات وانتصار الثورة الإسلامية بإيران واحتلال الاتحاد السوفياتي لأفغانستان. هذا التوجه سيتحول بالتدريج إلى توجه أصولي ظلامي متشدد، يؤطره ويدافع عنه وزير في الحكومة (وزير الأوقاف السابق). 

 استقلال بنية الفكر الأصولي عن أمه المخزن: أما مع بداية عقد التسعينات، فقد أصبحت بنية الفكر الأصولي الظلامي المتشدد صلبة وراسخة وقائمة بذاتها Autonome تعيد إنتاج نفسها بنفسها دون حاجة حتى إلى دعم المخزن ورعايته. بل إن هذا المخزن نفسه، الذي غرس الأصولية الدينية ورعاها حتى نمت وتقوت، أصبح يستشعر مخاطرها عليه عندما أصبحت تنازع علانية شرعية النظام والدولة. لقد تجاوزت مخاطر الأصولية كل توقعات ومخططات النظام المخزني الذي سهر على ترسيخها وانتشارها للاستفادة منها في ضبط المجتمع وتحييد المعارضين والخصوم. لكن أصبح صعبا عليه فيما بعد القضاء عليها، ولا حتى الحد من مخاطرها بعد أن أصبحت تنتج نفسها بنفسها بفضل النظام التعليمي الذي كان ـ برغبة وتخطيط من السلطات المخزنية ـ وراء نشأتها وانتشارها.

 المهام الجديدة للأصولية: محاربة الأمازيغية: ورغم المخاطر التي لم تعد خافية على أحد، والتي أصبحت تشكلها هذه الأصولية على الدولة والمجتمع، فإن السلطات استمرت في الاستفادة منها في مواجهة خصم جديد بعد اختفاء الخصم القديم الذي كانت تمثله المعارضة اليسارية التي بسببها غرس النظام المخزني الأصولية لمواجهتها وإضعافها. أما الخصم الجديد فهو الأمازيغية والحركة الأمازيغية التي أصبح ينعتها الأصوليون بالحركة الصهيونية والعميلة للاستعمار وعدوة الإسلام ولغة القرآن! والأخطر في الأمر أن التهجم على الأمازيغية كان ينطلق من بعض المساجد مستعملا منابر خطبة الجمعة لسب الأمازيغيين والافتراء عليهم دون أن تحرك السلطات ساكنا أمام هذا التحريض على الفتنة والبغضاء والعداء. بل إن بعض الأئمة المعروفين بخطب القذف والسب في حق الأمازيغية والمهتمين بها تمت ترقيتهم إلى رؤساء مجالس علمية جهوية، كأن المخزن كافأهم على مجهوداتهم في "التصدي" للأمازيغية.

وجاءت "معركة الحرف" فأبلت فيها الحركة الأصولية الظلامية بلاء حسنا، مهددة بالنزول إلى الشوارع والمطالبة باستفتاء الشعب المغربي حول حرف كتابة الأمازيغية، هذا الشعب الذي أطرته ليختار حرفها العربي الأصولي حسب اعتقادها. وأثناء هذه المعركة ـ معركة الحرف الأنسب لكتابة الأمازيغية ـ تأكد بالملموس أن الجميع ـ باستثناء الحركة الأمازيغية طبعا ـ يغازل ويناصر الظلاميين، بما فيهم المخزن والأحزاب التي تدعي الحداثة والتقدمية، في موقفهم المعادي للأمازيغية. وهو ما يعني أن الساحة أصبحت خالية من أية معارضة حقيقية للفكر الأصولي الظلامي، باستثناء الحركة الأمازيغية التي تواجه وحدها إلى الآن التيارات الأصولية الإسلاموية، وتطالب جهرا بفصل الدين عن الدولة حتى لا يبقى الإسلام موضوعا لأي استغلال، سواء من طرف الدولة أو من طرف الأصوليين.

على ذكر موقف الحركة الأمازيغية ومعاناتها مع الأصولية الدينية، نفتح القوس لنقول بأن السلطات، بدل أن تراقب الأصولية وتستخبر عن مخططاتها الإجرامية والتخريبية ـ كالتي عرفتها الدار البيضاء ـ قبل تنفيذها، فإنها تركز مجهوداتها الأمنية على مراقبة الجمعيات الأمازيغية السلمية المسالمة، فتمنع أنشطتها، وتحظر الأسماء الأمازيغية كأن اسم "نوميديا" و"ماسينيسا" قنابل بشرية موقوتة كالقنابل الأصولية التي فجّرت الدار البيضاء، والتي كان أصحابها يحملون جميعا أسماء عربية وألقابا قرشية من قبيل: أبو أنس، أبو حفص، صهيب، أنو حمزة...

 

لا شك أنه في تلك الليلة من 29 أبريل التي كان فيها المسؤولون الأمنيون في الداخلية مشغولين بمطاردة حرف تيفيناغ الأمازيغي في شوارع مدينة الناظور، مع تعبئة أمنية غير عادية لمواجهة أي رد فعل من طرف الحركة الأمازيغية، لا شك أنه في ذلك الوقت نفسه كانت عناصر الخلية الانتحارية، الذين فجروا أنفسهم بالدار البيضاء يوم 16 ماي، يتدربون ويتهيأون لزرع الموت والفزع بالدار البيضاء، في اطمئنان وراحة بال، بعيدا عن أية مراقبة من طرف الأمنيين الذين كانوا مشغولين بملف الأمازيغية وإزالة حرف تيفيناغ الأمازيغي من علامات المرور بشوارع الناظور، كأنها قنابل موقوتة يجب إبطالها قبل أن تنفجر! 

 الهيمنة الشاملة للأصولية: مع تراجع الحكومة عن خطة إدماج المرأة في التنمية، أمام ضغط الحركات الأصولية، وعزل الوزير الذي كان صاحب المبادرة إرضاء لخاطر الإسلامويين، أضحى انتصار الأصولية الإسلاموية ساحقا، وتغلغلها داخل كل المؤسسات ـ بما فيها مؤسسة الجيش (حادث سرقة السلاح من ثكنة كرسيف) ـ أمرا واقعا، وهيمنتها شاملة على المجتمع والدولة التي أصبحت تساهلاتها وتنازلاتها لصالح الأصولية تتوالى بوتيرة تصاعدية هندسية، مثل سحب وزير الثقافة كتبا كانت تباع بأحد المعارض استجابة لطلب ـ بل لأمر ـ الظلاميين، ومنع وزير الاتصال لإبداع سينيمائي تطبيقا لتعليمات الظلاميين كذلك، ومحاكمة محبي الموسيقى الغربية الذين سموا "بعبدة الشيطان" محاباة ومجاملة للأصوليين، وسرعة إصدار عفو ملكي على بعض من حوكموا من عناصر السلفية الجهادية بفاس. وقد ذهبت جرأة الظلاميين ووقاحتهم إلى حد إصدار أحد شيوخهم كتيبا قال فيه عن االراحل الحسن الثاني ما لم يقله مالك في الخمر، موجها له من السب والقذف ما يستحي الإنسان من قراءته. ومع ذلك لم تتحرك النيابة العامة ولا أية جهة لاعتقال "الشيخ" وتقديمه للعدالة حسب ما ينص عليه القانون. في حين أدين الصحفي علي المرابط بأربع سنوات سجنا نافذة بعد تأويل ـ نعم تأويل فقط ـ رسوماته بأن فيها إخلالا بالاحترام الواجب للملك!

وحتى طريقة تقديم الأخبار بالإذاعة والتلفزة عن فلسطين والعراق أصبحت تستجيب لرغبات الأصوليين وإيديولوجيتهم عندما تنعت العمليات الانتحارية التي ينفذها الفلسطينيون ضد الإسرائليين بـ"العمليات الاستشهادية". ولا شك أن في وصفها بـ"الاستشهادية" تشجيعا على القيام بمثلها متى كانت موجهة ضد محتلين أو كفار. فإذا كانت العمليات الانتخارية بفلسطين "عمليات استشهادية"، فلماذا لا تكون تفجيرات الدار البيضاء "عمليات استشهادية" كذلك؟ فليس هناك فرق بينهما في الجوهر ما دام أن التفجيرات الانتحارية ضد الإسرائليين هي "استشهاد" و"جهاد" ضد المحتل، الذي ليس محتلا إلا لأنه كافر أولا، ولذلك فهو يحتل أرض الغير. فكذلك العمليات الانتحارية بالدار البيضاء هي "استشهاد" و"جهاد" ضد الكفار، حسب اعتقاد منفذيها.

هكذا أصبح المجتمع كله، بسبب سكوت السلطة والأحزاب وانسحابهما أمام زحف الظلامية، رهينة لهذه الأخيرة تمارس عليه استفزازها وابتزازها في المؤسسات والجامعات والشارع، فتحلل وتحرم كما تشاء، وتكفر وتمنح صفة المؤمن كما تريد، خصوصا بعد أن أصبح لها فريق برماني يدافع عنها ويتكلم باسمها، يحظى باحترام الدولة والأحزاب التي لا تألو جهدا من أجل التزلف إليه ونيل رضاه، بل والتنسيق والتحالف معه.

 الدولة تؤدي ثمن سياستها التعليمية الأصولية: وجاءت تفجيرات 16 ماي لتنبه السلطات المخزنية أن سياستها ـ التعليمية على الخصوص ـ هي التي هيأت الشروط والظروف لنشأة ونمو التطرف الإسلاموي منذ أزيد من ربع قرن، وهي المدة التي يتطلبها نظام تعليمي ما ليعطي نتائجه وثماره، أي ليخرج من كان تلميذا منذ عشرين سنة إلى ميدان العمل والإنتاج. وقد رأينا نوع العمل والإنتاج اللذين أعطاهما نظامنا التعليمي الأصولي يوم 16 ماي: الموت والرعب والدمار. هكذا تكون الدولة، من خلال التعليم الأصولي الذي عممته منذ ربع قرن لتحمي نفسها من اليسار والأمازيغية، تصبح هي نفسها ضحية لسياستها التعليمية. فتكون السلطة قد تصرفت مثل فرانكشتاين Frankenstein الذي يخلق في مختبراته كائنات جديدة وغريبة، لكنها بمجرد ما تكبر وتنمو تبدأ بقتله والتهامه.

 »المغرب ليس هو الجزائر« مجرد كلام فارغ:  كانت السلطات "تتبجح بأن المغرب ليس مثل الجزائر، ولن يعرف ما تعرفه هذه الأخيرة من عنف أصولي. وهذا خطأ كبير ناتج عن سوء تقدير المدة الكافية التي يتطلبها نظام تعليمي ليعطي أكله وثماره. فإذا كانت الجزائر قد سبقتنا إلى العنف الأصولي، فذلك لأنها مباشرة بعد استقلالها استقدمت عناصر من الإخوان المسلمين من مصر والأردن كمدرسين بدأوا منذ أواسط الستينات في برمجة عقول التلاميذ الجزائريين ليصبحوا أصوليين ومستعدين فكريا لقبول وممارسة العنف والإرهاب الديني. ولم يحل عقد التسعينات حتى كانت تلك البرمجة قد خرّجت أول أفواجها من المتطرفين الإسلامويين. أما المغرب فلم يشرع في برمجة عقول أبنائه، بواسطة تعليم ديني ذي مضمون أصولي، ليصبحوا متطرفين متعصبين إلا مع حركة التعريب الأصولية ابتداء من أواسط السبعينات، أي بفارق عشر سنوات مع الجزائر. ولهذا فإن الإرهاب الديني لم يظهر عندنا كتوجه عام، وليس كأفعال معزولة، إلا مع نهاية القرن الماضي، أي بفارق عشر سنوات بين تاريخ ظهوره بالجزائر وتاريخ ظهوره بالمغرب بسبب العشر سنوات التي فصلت كذلك بين تاريخ بدء شخن دماغ التلميذ الجزائري بأفكار التعصب والتطرف وتاريخ بدء شحن دماغ التلميذ المغربي بنفس الأفكار لإعدادهما لتقبل التطرف الديني الأصولي وممارسته.

ومع ذلك فإن ما حدث يوم 16 ماي يجعلنا متقدمين عن الجزائر بكثير بعد أن كنا متأخرين عنها في مجال العنف الإسلاموي. ذلك أن الجزائر لم تعرف بعدُ العمليات الإرهابية الانتحارية، بل فقط أعمال القتل والذبح. وقد يرجع السبب إلى أن مرجعية المدرسين المؤطرين للفكر الأصولي الظلامي بالجزائر لا تتجاوز حسن البناء أو الخميني. أما مدرسونا، المكلفون ببرمجة عقول أبنائنا ليصبحوا قنابل بشرية، فإن نموذجهم المرجعي الجديد هو بن لادن وأيمن الظواهري وأبو قتادة وغيرهم من شيوخ الدم البارزين الكبار.

 المسؤولية الجنائية للدولة: من المسؤول ـ جنائيا ـ عن الأعمال الإرهابية ليوم 16 ماي بالدار البيضاء؟  السلطات القضائية تحقق في أحداث 16 ماي لتقديم كل الفاعلين والمشاركين والمحرضين إلى العدالة ليعاقبوا طبقا للقانون. والتحريض على ارتكاب جريمة، كما ينص على ذلك الفصلان 129 و130من القانون الجنائي المغربي، لا يختلف من حيث العقوبة والمسؤولية الجنائية عن ارتكاب الجريمة المحرّض عليها. وإذا حللنا مفهوم "التحريض"، فسنجد أنه لا يقتصر فقط على القيام بأفعال مادية آنية، بل يشمل كذلك الإعداد النفسي والعقلي والإيديولوجي للقيام بأفعال أو سلوكات بعد مدة قد تكون طويلة. وهذا ما ينطبق على "التحريض التربوي" ـ أو "التربية التحريضية" ـ الذي مارسته الدولة على أبنائها من خلال برامج تعليمية تدعو إلى جهاد الكفار الذين يندرج ضمنهم من لا يصلي، كل امرأة لا تلبس الحجاب، كل النصارى واليهود ومن يتعامل معهم من المسلمين، كل من لا يؤيد بن لادن في "جهاده"... أليست الدعوة إلى الجهاد بهذا المفهوم تحريضا ـ بالمعنى الجنائي ـ واضحا لا لبس فيه؟ بل إن الدولة تصبح مشاركة في جريمة 16 ماي إعمالا للفقرة الرابعة من الفصل 129 الذي يعتبر مشاركا في الجناية Complice من »تعود على تقديم مسكن أو ملجأ أو مكان للاجتماع لواحد أو أكثر من الأشرار...«. ومعروف أن الدولة ظلت تقدم منذ عشرات السنين المساجد للظلامين للاجتماع بها واستعمالها للدعوة إلى "الجهاد"، أي إلى ارتكاب جرائم باسم الدين. كل هذه الحقائق تجعل من السلطات مشاركِة ـ بالتحريض وتقديم مكان للاجتماع ـ في أحداث 16 ماي طبقا للفصل 129 من القانون الجنائي المغربي.

أردنا بهذا الاستطراد الضروري حول مفهوم "التحريض" أن نبين أن السلطات المغربية مسؤولة بطريقة غير مباشرة عن جرائم 16 ماي.

استعمال الدين لمواجهة التطرف الديني هو دعم لهذا الأخير: كيف يمكن القضاء على هذا التطرف الديني الذي أصبح إرهابا دمويا؟

نسمع منذ أحداث 16 ماي ـ وحتى قبل ذلك ـ شعارات مثل: "إننا مع الإسلام الحنيف وليس مع الإسلام العنيف"، "إسلام التسامح وليس إسلام العنف". وهذا وقوع في حبال التطرف باستخدام أسلحته واعتماد منطقه، أي الرجوع دائما إلى الدين والاستشهاد به كما يفعل الظلاميون كذلك. وقد دلت التجربة على أن التطرف الديني هو المستفيد الأخير والوحيد من هذا السلاح وهذا المنطق. فالقول بأن الإسلام يدعو إلى التسامح ويرفض العنف، ليس بديهية فقط، بل هو بديهية كاذبة تخدم الأصولية والتطرف. والذي يهمنا في هذا المقام ليس السؤال: هل الإسلام دين تسامح أم لا، بل: متى كان المسلمون متسامحين يقبلون من لا يدين بدينهم ويحترمون من لا يؤمن بمعتقداتهم؟ متى بنت دولة إسلامية كنائس لمن اعتنق من مسلميها المسيحية، كتجسيد للتسامح الحق، مثلما نلاحظ ذلك لدى الدول المسيحية التي تبني المساجد من المال العام لمواطنيها الذي تخلوا عن مسيحيتهم واعتنقوا الإسلام؟

فمحاربة التطرف الديني بالدين ليس إلا خدمة إضافية تقدم للمتطرفين. فقد حضرت ندوة حول التربية على حقوق الإنسان في التعليم نظمتها إحدى الأكاديميات الجهوية بحضور ممثل عن وزارة حقوق الإنسان. ولما ناقشنا التسامح في الإسلام، اعترض مفتش للتعليم الثانوي قائلا بأنه لا يجب الكذب على الإسلام الذي هو ضد التسامح بمفهومه في حقوق الإنسان، لأن الإسلام لا يمكنه أن يتسامح مع الكافر والعاصي. ولقد كان الأستاذ المفتش منطقيا في رده واعتراضه لأن الإسلام جاء ليحارب الكفار وليس ليتسامح معهم.

ومثال آخر هو إصلاح مدونة الأحوال الشخصية التي أصبحت رهينة الإسلامويين المتشددين، لأننا ندعي أننا نريد إخراج مدونة تصون حقوق المرأة طبقا لشريعتنا السمحاء. وهذا منطق يخدم طبعا الإسلامويين الرافضين لتحرر المرأة والمساواة بينها وبين الرجل لأن الحقوق التي أقرتها الشريعة للمرأة هي حقوق كانت "تتمتع" بها دائما المرأة المسلمة: الرجل قوام عليها، لها نصف ما له من الإرث، يجوز له أن يطلقها ويتزوح عليها بثلاث أخريات، لا يحوز لها أن تتزوج بغير ولي عليها... وغير ذلك من "الحقوق". فعندما تطالب المنظمات النسائية والحقوقية بإصدار مدونة حداثية في إطار الشريعة الإسلامية، فكأنها تطالب بأن يكون المربع مثلثا بأربعة أضلاع! وهذه التناقضات والنفاقات ـ وحتى الجبن ـ لا يستفيد منها إلا الخصم الذي تكون كل الحجج الدينية بجانبه ولصالحه.

مثال آخر هو المذكرة التي بعث بها وزير التربية الوطنية إلى المؤسسات التعليمية يدعو فيها إلى تخصيص حصة للتنديد بالإرهاب وتبيان أن المغرب ظل "عبر القرون حصنا حصينا للدين الإسلامي الحنيف، دين الاعتدال والتسامح، ودين الوسطية وتكريم الإنسان". لكن هل يعلم السيد وزير التربية أن الحصة التي أريد لها أن تكون تنديدا بالإرهاب الإسلاموي تحولت لدى بعض المدرسين الإسلامويين ـ وما أكثرهم ـ إلى دعوة إلى مزيد من "الجهاد" عندما شرحوا لتلاميذهم أن ما حدث بالدار البيضاء هو من تدبير العدو الصهيوني الأميريكي لتبرير حربه على الإسلام والمسلمين؟ وهو ما يعني مزيدا من التحريض ضد "أعداء الإسلام" وكل من يتعامل معهم أو يقف بجانبهم؟

وهكذا، ففي كل مرة يتم فيها التذكير بأن الإسلام هو دين التسامح والاعتدال والوسطية، يكون ذلك في الحقيقة عبارة عن مجاملة للمتطرفين وخدمة للأصولية وتأييد غير مباشر للمتشددين ما دام أن هناك اعترافا بمنطلقاتهم الإيديولوجية واشتراكا معهم في نفس المنطق الذي يصدرون عنه للحكم عليهم كمخطئين فقط في الفهم والتأويل.

إن التطرف الديني قد نجح وهيمن إلى درجة أننا لا نستطيع أن نواجه المتطرفين بكل صراحة وشجاعة وصدق فنقول لهم بأن الدين، كما هو مستعمل ومفهوم سياسيا عندنا، هو السبب الأول عن تخلفنا وضعفنا والكثير من مآسينا، وأن ما حدث يوم 16 ماي ليس إلا واحدة من هذه المآسي الناتجة عن ثقافة دينية ماضوية ومتخلفة تتعارض مع كل حداثة وتقدم.

إن مواجهة ثقافة التكفير والظلامية والتخلف تقتضي من الدولة الصراحة والشجاعة مثل إعادة النظر في خطبة الجمعة، بل لمَ لا التفكير في إلغائها في هذه الظروف المتميزة بهيمنة الفكر الأصولي الظلامي؟ أليست الكثير من خطب الجمعة هي دعوة صريحة إلى الفتنة والبغضاء، وتحريض على العداء والكراهية، وتشجيع على الإجرام والقتل؟ فأين هو الدين وأين هو تسامح الإسلام الذي نتبجح به عندما نسمع إماما خطيبا يقول: "اللهم شتت شملهم ورمل نساءهم ويتم أولادهم وخرب بيوتهم..."، "إنهم قردة وخنازير..."؟

كما ينبغي حذف مادة التربية الإسلامية وتعويضها بـ"تاريخ الأديان" الذي يقدم للتلميذ نظرة عن نشأة الأديان وتطورها واختلافاتها، ويُفهمه بأنه لا يوجد دين أفضل من الآخر في ذاته وبشكل موضوعي، بل يوجد ذلك فقط في وعي المؤمن بهذه العقيدة أو تلك نتيجة جهله بالأديان الأخرى. 

 العودة إلى دين أجدادنا: حتى لا نطالب بالعلمانية وفصل الدين عن الدولة، لأن هذه الألفاظ لا زالت تفهم على أنها مرادفة للإلحاد والكفر نتيجة لهيمنة الثقافة الدينية الأصولية، نكتفي بالمطالبة بإسلام أجدادنا، الإسلام كما كان يمارسه أجدادنا قبل دخول فرنسا إلى المغرب. إن ما كان يميز إسلام أجدادنا هو أن "الفقيه" أو"الإمام" كانت له وظائف دينية محدودة ومحددة تتمثل في الإعلان بالآذان عن مواقيت الصلاة وتعليم القرآن للأطفال، وتجهيز الميت وتأبينه في المقبرة. أما ما عدا ذلك مما يتصل بحياة الجماعة أو القبيلة من شؤون سياسية واجتماعية واقتصادية، فلم يكن ذلك من اختصاص رجال الدين الذين لم يكونوا يستشارون في ذلك إطلاقا، بل كانت تتولى ذلك هيئة منتخبة يرأسها رئيس (أمغار) هي التي تقرر فيما يتعلق بالحرب والسلم والسياسة، وكل ما يرتبط بالحياة اليومية وبالعلاقات الاقتصادية والاجتماعية والتنظيم السياسي للجماعة أو القبيلة. وبما أن لا أحد من المؤرخين ولا من الكتاب ولا من رجال الدين لاحظ أن أجدادنا، بفصلهم لمهام رجال الدين عن شؤونهم الدنيوية، لم يكونوا مسلمين ولا أقل إسلاما من مسلمي القرن الواحد والعشرين، فإن العودة إلى طريقة ممارستهم للدين هي ما يجب أن تكون عليه الأصولية الحقة ـ إذا كانت الأصولية هي العودة إلى الأصول ـ والسلفية ـ العودة إلى تدين السلف الصالح ـ الشرعية الصحيحة.

هذا هو الإسلام الحقيقي الذي نريده لأنه هو إسلام آبائنا وأجدادنا المغاربة، وليس إسلام الوهابيين ولا الأفغانيين ولا الإيرانيين، ولا أقوام أخرى بعيدين عنا بعشرات الآلاف من الكيلومترات.

ولا حاجة للإشارة أن هذه الطريقة لممارسة الإسلام هي ما يسمى اليوم في الغرب بالعلمانية أو فصل الدين عن الدولة. وهذا موضوع آخر سنناقشه في حينه.

 على الدولة أن تبدأ من نفسها: إذا كانت الدولة عازمة وصادقة في محاربة التطرف الإسلاموي فعليها أن تبدأ بمحاربة الاستعمال السياسوي للدين. لكن عليها أن تبدأ من نفسها هي، فتكفّ عن استعمال الدين لأغراض سياسية. وهو ما يعني فصل الدين عن الدولة حتى لا تستغله وتستعمله لأهداف سياسية. إن استغلال الدين من طرف الدولة وفرض عقيدة واحدة على المواطنين وعدم السماح لهم باختيار غير العقيدة التي "تدين" بها الدولة، هو ما يبرر استعمال الدين لأهداف سياسية من طرف مختلف الجماعات الإسلامية على غرار ما تفعله الدولة. فكما أعطت الدولة القدوة السيئة في احتكار الدين واستعماله، فكذلك عليها أن تعطي اليوم، إذا أرادت أن تقضي على التطرف الديني، القدوة الحسنة في عدم استغلال الدين وفي تحريره من احتكار الدولة له.

 ما قبل وما بعد 16 ماي: لقد سمعنا منذ أحداث 16 ماي ترديد عبارة "أن مغرب ما بعد 16 ماي لن يكون هو مغرب ما قبل ذلك". لكن يجب أن نعطي لهذه العبارة/الشعار كامل معناها الذي يجعل بالفعل من مغرب ما بعد 16 ماي غير مغرب ما قبل 16 ماي 2003.

فما هو مغرب ما قبل 16 ماي؟ وماذا ينبغي أن يكون عليه مغرب ما بعد 16 ماي؟

مغرب ما قبل 16 ماي هو مغرب عربي، موالٍ وتابع للمشرق في لغته وثقافته وهويته وأحزابه ونقاباته وإسلامه. هذه التبعية هي التي أعطت القنابل البشرية التي انفجرت يوم 16 ماي. فالإرهاب الديني والتطرف الأصولي بضاعة مشرقية كما يعرف الجميع، ولا علاقة لها بالمغرب والتربة المغربية. أما مغرب ما بعد 16 ماي فينبغي، إذا أردنا حقا القضاء على منابع التطرف الديني والإرهاب الأصولي، أن يكون مغربا أمازيغيا، أي مغربا حقيقيا، مطابقا لذاته، وليس مغربا زائفا بانتمائه العربي المزعوم. وآنذاك يحق لنا أن نتكلم عن مغرب التسامح والتعدد والاختلاف كما أثبت ذلك تاريخه الأمازيغي العريق. كما سيكون للشعار المرفوع منذ 16 ماي: "م تقسش فبلادي" (لا تمس بلادي)معناه الكامل كذلك: لا تمس بلادي بإرهابك المشرقي وتطرفك العروبي. أما إذا استمر المغرب "عربيا" فلن يكون لهذا الشعار أي معنى، لأنه لا يمكن أن نطالب الأصولية المشرقية بعدم المس بمغربـ"نا" الذي هو ملك لها لأنه "مغرب عربي". إذن القطع مع الإرهاب الأصولي يتوقف أولا وقبل كل شيء على القطع مع العروبة والمشرق، اللذين لم يأتنا منهما منذ عقبة بن نافع إلى اليوم سوى المصائب والبلايا، سوى التخلف والموت كما شاهدنا ذلك يوم 16 ماي.

فما حدث يوم 16 ماي هو فرصة لإعادة اكتشاف الذات واستعادة هويتنا الأمازيغية التي هي السد المنيع ضد التطرف والإرهاب والأصولية الدينية. وينبغي أن يتجسد ذلك بالتنصيص في الدستور على أن المغرب مملكة أمازيغية رفعا لكل التباس أو تأويل فيما يتعلق بالانتماء الهوياتي للمغرب. وقد سرني كثيرا أن أول تظاهرة شعبية ضد الإرهاب بالدار البيضاء ليوم الأحد 25 ماي كانت تظاهرة مغربية خالصة لم تردد خلالها شعارات عروبية ولا رفعت أثناءها أعلام مشرقية، كما كانت العادة دائما. إنها بداية للوعي بالذات وبمخاطر الارتباط بالمشرق والعروبة.

 إعادة برمجة العقل المغربي:   إلا أن استعادة الهوية الأمازيغية والقطع مع العروبة والمشرق لن يغيرا شيئا من عقول المغاربة التي برمجها التعليم الأصولي والتحريض التربوي لتكون دائما عربية في تفكيرها ومشرقية في ذهنيتها. لهذا، وحتى يكون هناك قطع حقيقي لا رجعة فيه مع العروبة والمشرق، على الدولة أن تقوم بإعادة برمجة عقول أبنائها حتى يصبحوا ما هم عليه، أي شعبا أمازيغيا، وفي مملكة امازيغية، لغة وثقافة وهوية وحضارة وتاريخا. وهذا يعني غسل دماغهم من كل ما هو عربي ومشرقي. وهو ما يتطلب وقتا قد يستغرق طبعا جيلا أو أكثر، لأن عملية استعادة الهوية الأمازيغية واستدخالها ومحو آثار النزعة الشرقانية تتم بنفس الوسيلة والطريقة التي تمت بها برمجة عقول المغاربة في السابق ليكونوا عربا وأصوليين، ثم إرهابيين كالذين فجروا أنفسهم يوم 16 ماي. وهذه الوسيلة والطريقة هي طبعا المدرسة، لكن بمحتويات وبرامج جديدة تدور كلها حول الأمازيغية بكل مضامينها وحمولاتها ومظاهرها التاريخية والحضارية والثقافية واللغوية والسياسية. وفي النهاية يكون خرّيج هذا النظام التعليمي الجديد مغربيا خالصا، أي أمازيغيا فخورا بأمازيغيته دون عداء لا للعرب ولا لغيرهم من الأقوام الأخرى.

فهل سيستغل حكامنا أحداث 16 ماي لبناء مغرب جديد، مغرب ما بعد 16 ماي، مغرب الأمازيغية، مغرب الحداثة والنسبية والعقلانية والتسامح والتعدد والاختلاف؟

إن تفجيرات 16 ماي فرصة للجميع لبناء مغرب حقيقي جديد: فرصة للحركة الأمازيغية التي لا ينبغي أن تكتفي بالمطالبة بالنص في الدستور على أن اللغة الأمازيغية لغة وطنية ورسمية، بل بالنص كذلك في نفس الدستور على أن هوية المغرب أمازيغية. فرصة كذلك للأحزاب التي عليها أن تتحول إلى أحزاب مغربية وتكفّ على أن تكون وكالات للتيارات البعثية والناصرية والوهابية المشرقية. فرصة للسلطات المخزنية للتكفير عن خمسين سنة من السياسة العروبية والأصولية التي أوصلتنا إلى الموت والدمار اللذين عشناهما يوم 16 ماي. فرصة للأحزاب وللدولة اللذين كانا يناصران الأصولية، ضمنا أو صراحة، في معاداتها للأمازيغية، فرصة لهما للانضمام إلى جبهة الأمازيغية والتحالف معها لتكوين جبهة قوية وموحدة ضد الإرهاب الأصولي والتطرف الظلامي.

Copyright 2002 Tawiza. All rights reserved.

Free Web Hosting