Uttvun 59, 

Krayûr 2002

(Mars 2002)

Amezwaru

 (Page d'accueil) 

Tamazight

Asmi tinoacin neqqent tmazight ujar azladv

Anebdu(8)

Anabay

Abrid aghuzzaf

Aghbala

Asidd n Meknass

Tighrmi n igran d igudar

Radas war yeggîjen

Melli d tergibet a yemma

Yan uzal ireghen

Français

L'Amazighe, la COSEF et Le Livre Blanc de Saaf

Droits de l'homme à l'épreuve

“L'histoire” dans les chansons MELLAL

Tamazight entre l’oral et l’écrit

Toponymie de Meknass

Un prénom amazigh Pour l'éternité

العربية

عندما يصبح المال أخطر على الأمازيغية من الخصاص

 

التعدد اللغوي والوحدة

 

السياسية والدينية

 

الاعتداء على المناضل الأمازيغي سعيد باجي

 

هوروس وتامازيغت

 

عودة إلى الماروك والمارويكوس

 

الاسم المركب والاسم المشتق في الأمازيغية

 

حانون  ابن تامازغا

 

ما الهدف من مسلسل تيغالين؟

"أورنيد، شيخ من بورغواطة

 

أنا الأمازيغي

 

التعدد اللغوي والوحدة السياسية والدينية 

هل اللغة الواحدة والدين الواحد يضمنان الوحدة السياسية والإنسجام الإجتماعي؟

 سعيد زنّو, أستاذ التاريخ (الدار البيضاء)

مقدمة:

عندما يُثار موضوع الأمازيغية والاعتراف الدستوري بها في المغرب لحمايتها القانونية، فإنه يُثار معه موضوع "الوحدة السياسية والقومية". ويستدل أصحاب هذه”  التحليلات" بأنّ اللغة الواحدة والدين الواحد هما الضامنان للوحدة الوطنية والسياسية والدينية, وذلك أنّ اللغة العربية "هي لغة القرآن و لغة الدولة بحكم الدستور و لغة الحضارة الإسلامية و لغة الوحدة الوطنية " (عبد الحق المريني: دوران منسجمان للعربية والأمازيغية في المغرب، يومية الشرق الأوسط, عدد 8402، يوم 29/11/2001)، حيث إن الاعتراف الدستوري بالأمازيغية كلغة وطنية و رسمية للمغرب سوف يشوش على الوحدة الوطنية و يرمي "بالشعب المغربي آنذاك في أتون التجزئة والتعادي والإنشقاق, و سيخلط  حابله  بنابله وفارسه براجله, ويكون القضاء المبرم - لا قدر الله - على وحدتنا اللغوية بأيدينا لأن اللغة الواحدة  والموحدة هي أساس الوحدة القومية والسياسية والإجتماعية والدينية للأمة وأقوى رابطة تشد أبناءها بعضهم  ببعض و مفتاح  كل خير وتقدم ونماء") عبدالحق المريني، نفس المرجع). هكذا إذن, يكون الأمر في غاية السهولة حيث إن اللغة الواحدة هي وحدها من الممكن أن تحقق الوحدة القومية والسياسية والدينية, ثم إنّ اللغة الواحدة هي مفتاح الخير والنماء والإزدهار والتقدم والرقي الاجتماعي  منه والإقتصادي!

و لكن هل بحوزة الكاتب ما يبرر به هذه "التحليلات السوسيو\سياسية" غير الأفكارالإديلوجية الجاهزة والرامية أساسا إلى الحفاظ على لغته وهويته في الدستور و فرضها على غيره من المواطنين المغاربة؟ هل لديه من وقائع ومن تجارب تاريخية تدل على أنّ الوحدة السياسية والدينية ناتجة أساسا عن الوحدة اللغوية في بلد ما من بلدان العالم؟ هل لديه تحليل سياسي واجتماعي موضوعي يمكّنه من البرهنة على أن اللغة الوحيدة تحقق الوحدة والإنسجام في مجتمع ما؟ هنا سنتطرق إلى هذا الموضوع وسنناقشه لعل "سراب الواحد" يبعد عن عقولنا وأفكارنا شيئا ما.

هل اللغة الواحدة تحقق الوحدة السياسية؟

 “ الوحدة اللغوية" بالمفهوم المعاصر للكلمة مفهوم جديد نسبيا في حيانتا السياسية حيث وصل بوصول الاستعمار الفرنسي إلى شمال إفريقيا.  وهذا المفهوم الجديد الفرنسي الأصل للوحدة يربط بالضرورة  بين اللغة الواحدة والوحدة السياسية  من أجل فرز هوية موحِدة على أرض واقع  يتميز بالتنوع والاختلاف. فمن المعلوم أن ّ فرنسا فرضت لغة واحدة في القرون الوسطى على الشعب الفرنسي و ساهمت هذة الدولة التي هي دولة "الديمقراطية" و "حقوق الإنسان" في محو و إبادة هويات و لغات كثيرة على أراضيها. ولا زال كثير من المواطنين الفرنسيين اليوم يتألمون  من جراء هذه عمليات الإبادة هذه. ولكن كل ذلك وقع القرون الوسطى حيث خرجت فرنسا والدول الأوروبية الأخرى مما يسمى "بعصر الظلمات".

إذن فمفهوم "الوحدة اللغوية" مفهوم إفرنجي إمبريالي بامتياز إذ نشأت هذه الأفكار في أدمغة عملاء فرنسا من البرجوازية المغربية منذ فجر الاستقلال حيث أدخلوا مفهوم "اللغة الواحدة" في حياتنا السياسية بالرغم من أنّ التاريخ المغربي العريق كان دائما يتسم  بالتعدد اللغوي والثقافي, وبذلك تعتبر فرنسا الإمبريالية ممن ساهموا في حرمان اللغة الأمازيغية من حقوقها اللغوية والثقافية المشروعة خلافا لما يدعي البعض حين يقولون إنّ فرنسا  تقف بحانب الأمازيغيين من أجل الحصول على هذه الحقوق. فعلينا نحن المغاربة، أبناء القرن الواحد والعشرين، ألا نعود إلى سياسة أتت ثمارها في القرون الوسطى, علينا أن نخرج من "عصر ظلماتنا ” بالعلم  والإنفتاح الفكري واللغوي والثقافي على لغة هي منا وإلينا و لم نستوردها  قط.

فالواقع السياسي والاجتماعي في بلدان كثيرة في العالم اليوم يوحي أن الوحدة اللغوية، و إن تحققت على أرض الواقع، في بلد ما حيث يتم تهميش وإقصاء وإبادة اللغات والثقافات الأخرى بالقوة, فإنها ليست دائما عاملا  يضمن الوحدة السياسية. والمثل الحي والمعاصر هو لبنان. فاللغة العربية هي لغة الأغلبية الساحقة من سكان لبنان بالرغم من أنّ نسبة كبيرة من البرجوازية المترفة تستعمل اللغة الفرنسية, ورغم ذلك فإن الحرب إندلعت بين اللبنانيين و مزقت المجتمع اللبناني تمزيقا لمدة تطويلة. و يُبرهن ذلك على أنّ اللغة الواحدة  لم و لن تكون ركيزة أساسية، بشهادة التاريخ، من أجل تحقيق الوحدة السياسية والإنسجام الإجتماعي. كما أنّ معرفة المسيحيين اللبنانيين للغة العربية منذ الفتوحات الإسلامية في القرن السابع الملادي لم تؤدّ بهم  بعد إلى اعتناق الإسلام في مطلع القرن الواحد والعشرين كمايدعي الكاتب. في حين أنّ بعض الأتراك الذين لا يفقهون من العربية حرفا واحدا هم أكثر إسلاما من القوميين العرب في المشرق والمغرب على السواء حيث لا يخفي هؤلاء القوميون إلحادهم علانية على صفحات الجرائد والمجلات من بعد أن أسلموا, وهو ما يُسمى في الإسلام  بالرّدة.

فالوحدة السياسية، وإن تحققت في بلد من البلدان، فإن السبب الأساسي في ذلك هو الحكم الدكتاتوري الذي يكسر شوكة كل محتجّ،أو بالعكس العدالة الاجتماعية والاقتصادية واللغوية والثقافية والسياسية بين جميع المواطنين، والتي أساسها التعدد والإختلاف حيث يشعر كل مواطن أن كرامته وهويته ولغته وحقوقه المدنية والسياسية بصفة عامة موفورة ومصونة من طرف القانون والدستور،  وأنّ الحاكمين يلتزمون بهما في الواقع المُعاش. أما الوحدة اللغوية، إن تحققت في بلد ما، فإن ذلك واقع على تحساب اللغات الأخرى وعلى حساب مواطنين آخرين  حُرموا من حقوقهم اللغوية والثقافية في بلدهم ولا يمكن بالبتة أن نسمي حكما قام بإقصاء و بتصفية اللغات الأخرى بحكم دمقراطي بالمعنى المعاصر للكلمة.

فبلجيكا مثلا التي تعيش التعدد اللغوي والثقا في الواقع اليومي والدمقراطية السياسية والثقافية الحقة, لا تعرف الحرب والتمزق والتشرذم الإجتماعي كما كان الحال في لبنان  خلال العقود الأخيرة. هذا إن دل  على  شيء فإنما يدل على أن النسجام الاجتماعي والوحدة السياسية والدينية لا علاقة لهما مباشرة باللغة الواحدة والثقافة الواحدة أو بتعدد اللغات والثقافات, بل لها علاقة بالسياسة المتبعة من طرف الحاكمين و بتصورهم الخاص لمفهوم   "الدمقراطية" الذي عليه أن ينضبط بالواقع المُعاش وألا يجري وراء سراب  “الانسجام اللغوي والثقافي والديني" الذي لا يُترجم غير البحث عن تعميم أفكار  وهوية "الأقلية" على حساب  "الأغلبية" من المواطنين, و هو بذلك مناهض للدمقراطية الحقة التي تفرض التعدد سواء في اللغة والثقافة أو في الإتجاهات السياسية والفكرية. فلو أنّ سلطات الدولة في بلجيكا أو سويسرا أو كندا مثلا قررت على أنّ اللغة الوحيدة في الدستور هي اللغة الفرنسية أو غيرها، فإن ّ ذلك سوف يؤدي إلى عواقب  سياسية واجتماعية وخيمة تهدد الأمن في تلك الدول و سيقع هنالك احتجاج عارم من  طرف المواطنين الذين حرمتهم الدولة من حقوقهم اللغوية المشروعة بالرغم من أنّ الدين واحد. وهذا دليل آخر على أنّ اللغة الواحدة ليست ضامنة للوحدة السياسية كما يروج القوميون المعربون.

هل الدين الواحد يحقق الوحدة السياسية؟

 عندما تُحرم الأغلبية من حقوقها اللغوية والثقافية التي تعتبر في القرن الواحد والعشرين حقوقا بسيطة في جميع البلدان الدمقراطية، فإنّ الاحتجاجات السياسية ما تفتأ أن تظهر على أرض الواقع رغم أنّ الدين واحد في  نفس البلد. ونجد ذلك في إسبانيامثلا. فبالرغم من أن الدمقراطية السياسية في إسبانيا لها تاريخ لا بأس به، و أن الدين واحد, إلا أن العائق اللغوي وانعدام الدمقراطية الثقافية, الشييء الذي يحرم "الباسك" من استعمال لغتهم الأصلية في كثير من المجالات الإجتماعية والسياسية الوطنية, فإنه أدى إلى إحتجاج عارم لا زالت إسبانيا تعاني من عواقبه السياسية.

هذه العواقب السياسية يسميها الحاكمون في إسبانيا  "بالإرهاب". ومن الواضح أنها ليست إلا إحتجاجا و بحثا عن الكرامة الإنسانية والدمقراطية الحقة التي تستدعي الاحترام المتبادل بين المواطنين رغم اختلافهم اللغوي والثقافي. وهنا نستنتج بصفة واضحة أنّ الدين أيضا ليس دائما ضامنا أساسيا للوحدة السياسية كما يرّوج البعض على صفحات الجرائد والمجلات. فالدين في إسبانيا واحد ولكن "الوحدة" اللغوية والثقافية التي يفرضها الحكام على تحساب التعدد اللغوي الذي يترجمه الواقع أدى إلى الاختلاف السياسي و"الإرهاب" لأن مواطنين حُرموا من حقوقهم اللغوية والثقافية المشروعة وليست في حوزتهم  وسائل أخرى للتعبير عن آرائهم وإحتجاجهم غير ما يسميه الحكام الاسبانيون "بالإرهاب" و يطلق عليه الباسك "الدفاع العادل من أجل الحرية والدمقراطية" . ومن المعلوم أنّ العنف ليس وسيلة ناجعة لحل أي مشكل اجتماعي كيفما كان هذا المشكل, بل الحل السياسي هو الحل المنطقي والدمقراطي العادل والذي من شأنه أن يضمن الأمن السياسي في أي مجتمع, سواء كان هذا المجتمع مجتمعا ذا  لغة واحدة أو متعدد اللغات.

فالدين الواحد نفسه يمكن أن يكون موضع خلاف وتناحر  واقتتال كما  وقع ذلك خلال القرن الأول الهجري بين المسلمين بالرغم من أنّ اللغة واحدة و وقع ذلك أيضا بين المسيحيين إذ كان هنالك من يدعو إلى  ربوبية عيسى و كان من ينفي عنه تلك الصفة. فبالرغم من أنّ اللغة واحدة  وأنّ العرق في غالب الأحيان واحد، فإن ذلك لم يمنع من الاقتتال فيما بينهم. والدليل الآخر على ذلك هو الاقتتال بين مسلمي أفغانستان خلال السنوات الماضية حيث لم  يكف الوازع الديني في إبعاد إراقة الدماء في البلد الواحد.

مزايا التعدد والاختلاف في مجال التطور الاجتماعي:

 التعدد والإختلا ف في نطاق الحرية والإحترام المتبادل هو أساس الحياة والعامل الأساسي للتقدم والتطور  والإزدهار في كل المجالات بصفة عامة, سواء كانت هذه الحياة بيولوجية أو ثقافية أو لغوية أو فكرية أو سياسية أوغيرها, إذ لا ينتج التقدم والتطور والنماء إلا بالاحتكاك والمقابلة والمنافسة. إنّ الانزواء والتقوقع على النفس دينيا أو لغويا أو ثقاقيا أو فكريا أو حضاريا أو سياسيا بدعوى تحقيق الوحدة والإنسجام المطلوب, لا يمكن أن يكون إلا سببا في التدهور  والانحلال والتخلف الإجتماعي والاقتصادي  والفكري.، ثم الحضاري بصفة عامة, إذ يحرم ذلك جزءا هاما من المواطنين من المساهمة المباشرة في التقدم الإجتماعي والاقتصادي نظرا أنّ الوقت الكافي لإستيعاب كثير من المعطيات اللغوية  والثقافية لا يمكن أن يتأتى لجميع أفراد المجتمع تحقيقه على أرض الواقع. فبدلا من تضييع الوقت في تبديل هوية لغوية و ثقافية بأخرى يتم العمل والإنتاج الفكري والإقتصادي بلغة الأم التي هي اللغة الوحيدة الضامنة للإنسجام النفسي والسيكلوجي والهوياتي للفرد داخل المجتمع, ذون أن يؤدي به ذلك إلى حرمانه من تعلم اللغات والثقافات الأخرى إذا تأتى له ذلك و لديه الوقت والقدرات الفكرية الكافية لتحقيقه.

غير أنّ مزايا التعدد لا يمكن أن يفهمها من لم يعرف التعدد في الواقع، في حياته الشخصية أوالاجتماعية وفي  بلده, الشيء الذ ي يدفعه بصفة عامة إلى البحث عن كل ما من شأنه أن يوقف سير المجتمع في الإتجاه الذي لا ينسجم مع تصوره الشخصي لهذا المجتمع. فالقوميون المعرّبون في المغرب مثلا لا يمكنهم أن يتقبلوا بسهولة التعدد اللغوي والثقافي الذي يفرضه الواقع الإجتماعي واللغوي بالمغرب لإن ذلك يشوّش على واحديتهم وتقوقعهم على نفوسهم, وهذا التقوقع على النفس يعتبرونه الضامن الواحد لمصالح المجتمع والعامل الأساسي  لتحقيق الوحدة اللغوية والثقافية الرامية إلى تحقيق الوحدة السياسية حسب تصورهم   "الوحدوي" للسياسة و للمجتمع. فالأمازيغية تشوش على  "الإنسجام" الذي يعملون من أجل تحقيقه سواء كانتهذا "الإنسجام "لغويا أو ثقافيا أو سياسيا على أرض واقع يفرض التعدد والإختلاف بشكل لا يقبل النقاش والمجادلة, الشيء الذي هو أساس الترقي والتطور السليم للمجتمع في كل المجالات الحيوية. ومن الواضح أن مصدر هذا الإنزواء والتقوقع على النفس و رفض التعدد والإختلاف اللغوي والثقافي في الدستور آت من أنهم يعتبرون الأمازيغية، لغة و ثقافة، شيئا خارجا عن نطاق تعريفهم و تصورهم للهوية المغربية كهوية متعددة الأطراف واللغات والثقافات. إنهم يعتبرون الأمازيغية لهجات كغيرها من اللهجات العربية بالمغرب، و بالتالي لا يرون أي داع  لإدخالها في دستور البلاد لأنها لهجات أجنبية عنهم, و بذلك فهي أجنبية عن المغرب حسب تصورهم للهوية اللغوية والثقافية في بلادنا.

وإذا كان القوميون المعربون مستعدين بعد نضال طويل للاعتراف بالأمازيغية "كلهجات" مغربية حيث "نعتبر هذه اللهجات الأمازيغية  بأصنافها - دون تمييز واحدة عن الأخرى والتي تمتد جدورها في أعماق تاريخ الشعب المغربي - هي ثراث تاريخي وثقافي زاخر"( عبدالحق المريني، نفس المرجع)، إلا أنهم لم ينضجوا ديمقراطيا بعد للاعتراف بها كلغة قائمة بذاتها  والتي من الممكن أن ترقى إلى مستوى اللغات الحية المعاصرة و ذلك "أنّ اللهجات في جميع أصقاع الدنيا لا يمكنها أن تحل محل اللغة الرسمية للبلاد  نظرا لقصورها في التبليغ و لعدم قدرتها على التعبير في المجالات العلمية والتقنية والإدارية المتقدمة." ( عبدالحق المريني،تنفس المرجع). هذا صحيح إذا كانت هذه اللهجات قد تفرعت عن اللغة الرسمية كالحسانية والعامية المغربية مثلا, ولكن يكون ذلك من باب المناورات السياسية والإديلوجية التي لا طائل من ورائها غير السفسطة إذا علمنا  بأنّ الأمازيغة لغة قائمة بذاتها تختلف عن العربية الفصحى ولهجاتها المتعددة  والمختلفة بشهادة المؤرخين وعلماء اللغة, وأنّ هذه اللغة الأمازيغية تفرعت عنها لهجات كثيرة كسائر اللغات في العالم، وأن الأمازيغية والعربية هما اللغتان الوحيدتان اللتان من الممكن أن يُعترف بهما رسميا في المغرب.  فالقوميون المعرّبون لا يرفضون للأمازيغية حقها في أن تكون "لهجات" لفلكلور شعبي يتم به الترويح على النفوس بإعطائها الرصيد الكافي من التعبير عن التراث الشعبي والفلكلوري, وإعداد الكراسي الجامعية لها قصد تحنيطها حتى تتعرب ألسن الأمازيغ باللغة الرسمية التي ستبقى توحدها لغة الإدارة و لغة الترقي الإجتماعي. فمن لا يُتقن اللغة الرسمية عليه أن يستأجر مترجما لقضاء حاجته في إدارة بلده الديمقراطي المغرب، أو عليه أن يعود إلى المدرسة لتعلم اللغة الرسمية التي لن يتمكن بدونها من فعل أي شيء. 

خاتمة:

 لقد رأينا من خلال هذه النماذج الحية أنّ اللغة الواحدة ليست عاملا أساسيا لضمان الوحدة, سواء كانت هذه الوحدة سياسية أو قومية أو دينية, وأنّ الدين الواحد لا يضمن بالضرورة الوحدة السياسية والإنسجام الإجتماعي التام إذا تم تهميش مسائل ومشاكل اجتماعية واقتصادية أخرى من طرف السلطة السياسية القائمة و ترفض الحلول الناجعة لها في الوقت المناسب. لقد رفضت الحكومات المتتالية في الجزائر منذ الاستقلال الاعتراف الرسمي باللغة الأمازيغية كلغة  وطنية و رسمية في الدستور, و كان القتل والتشريد قد طال كل من يدعو إلى  ذلك لمدة عقود, و لكن الواقع لا يرتفع ولا يمكن أن نغيره بمجرد ربح الوقت وتعريب الألسن. وها هي الجزائر اليوم تعود إلى ما رفضته لمدةتطويلة و سوف تعترف رسميا باللغة الأمازيغية كلغة وطنية و رسمية في الدستور. و بذلك تكون الحكومات السابقة قد ضيعت وقتا كبيرا و فرصا متعددة للنهوض بالمجتمع و بالاقتصاد الوطني الجزائريين, كما فعلت دول أخرى كسويسرا و بلجيكا و كندا وغيرها. فهل حققت سياسة "التعريب والتوحيد اللغوي والثقافي" التي دامت أربعين  سنة في الجزائر, هل حققت الوحدة السياسية والقومية والدينية حيث ساهمت في إبعاد  شرور الموت والقتل والتشريد رغم أنّ الدين واحد؟ و من المعلوم أنّ سياسة التعريب لم تُعرّب إلا جزءا قليلا جدا من المواطنين لإن المسألة لاتتنحصر في تبديل لغة بأخرى، بل تبديل هوية بأخرى، وهذا لن يتم أبدا بسياسة لغوية  بدائية.

نفهم الآن بشكل واضح أنّ دعاة التعريب المطلق لا يتنكرون لحقوق الأمازيغة بوحي من الدين ولا دفاعا عن الوحدة الوطنية, بل بإيمان منهم أنّ دخول الأمازيغية إلى الدستور المغربي من الممكن أن يعرقل حلمهم "الوحدوي" اللذيذ الرامي أساسا إلى القضاء على الهوية الأمازيغية، لغة و ثقافة, و ذلك بالتعريب التدريجي للمواطنين المغاربة, الشيء الذي يتطلب منهم إقصاء اللغة الأمازيغية من التداول اليومي في المدارس والإدارات  في بلادنا وتعميم اللغة الرسمية وحدها في جميع المجالات الحيوية "مع انفتاح هذه اللغة الواحدة الأساسية على اللغات الأجنبية: لغات التكنلوجيا والعلوم المتقدمة, ومع إنفتاحها أيضا على اللهجات الأمازيغية"( عبدالحق المريني، نفس المرجع)،. فالدين الإسلامي و"الوحدة السياسية " ليسا إلا محض ذريعتين  لقضاء  مآربهم السياسية, إذ يعلم الجميع في المغرب أنّ المتمزغين من المواطنين المغاربة هم أكثر حرصا على مبادئ الإسلام من دعاة التعريب أنفسهم بالرغم من أنّ الأغلبية من الأمازيغ لا يفهمون العربية, الفصحى منها والعامية.

هنا يبرز دور "اللهجات الأمازيغية" في سياسة المخزن, فهي لم تتغير بعد, رغم الخطاب السامي وقرار إنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية. فسياسة المخزن وحدها هي التي من الممكن أن تمنع الأمازيغية من التطور  واكتساب التكنلوجيا والعلوم المتطورة، وليس قدراتها اللسنية. وهذا دليل قاطع على أن السياسة المتبعة تُعتبر من العوامل الأساسية التي من شأنها أن تعرقل النمو الاقتصادي والفكري والاجتماعي في أي بلد من بلدان العالم, مما يؤكد على أن التخلف الاقتصادي والاجتماعي الذي لا زال ينخر عظام الأمة الاسلامية ناتج عن قصر همة أغلبية المسؤولين وتخلفهم الفكري و سياستهم الديماغوجية الرامية إلى الحفاظ على مصالحهم, الشيء الذي لا علاقة له بالاسلام ولا بالوحدة الوطنية. فما الضير إذا توفقت اللغة المغربية الأمازيغية بقدراتها اللسنية وعقلية متكلميها أن توطن العلوم المتطورة في بلادنا خلافا للعربية التي لم تتوصل إلى ذلك بعد خلال القرون الماضية بالرغم مما أنفقت عليها الدولة من أموال الشعب المغربي؟ ثم إنّ التكنلوجيا ليست مسألة اللغة وحدها, إنها قبل كل شيء مسألة عقلية علمية ترفض أن تغلق الأبواب مسبقا بأفكار إديلوجية عن كل ما من شأنه أن يسير  بالمجتمع إلى الأمام ، وذلك بإستعمال حجج دينية وإديلوجية صرفة.

سعيد زنّو, أستاذ التاريخ (الدار البيضاء)

 

Copyright 2002 Tawiza. All rights reserved.

Free Web Hosting