uïïun  173, 

tzayur 2961

  (Septembre  2011)

Amezwaru

 (Page d'accueil) 

Tamazight

is d talmmiççt i wanay vur zzat niv d asulf i wavul dffir?

Arrif di 122 n iseggusa

Nustaljya

Adfur n tmzvla, timdyazin n ben zrwal

Kartvaj

Akwttay

Français

A propos de la construction identitaire

La nouvelle constitution

De la guerre de Jugurtha

Adrar Neffussa libéré

Le VI ème congrès aura lieu en Tunisie

العربية

ترسيم الأمازيغية: فرصة للتقدم أم مناسبة للتراجع؟

سؤال الثقافة الأمازيغية

مقاطعة اللغة العربية

أصول المحاكمات الأمازيغية

في ذكرى رحيل سعيد سيفاو

تجسيد العروبة وأشياء أخرى

الاستعمال العبثي للأمازيغية بالقناة الثامنة

بوكوس يهدد عصيد بفصله من المعهد

تكريم المخرج عبد العزيز أوسايح

حروف تيفيناغ على علب الأدوية

أرضية العمل الأمازيغي

صدور المعجم الإسباني الأمازيغي

الدورة السادسة للمخيم الوطني للامريك

إعلان طنجة

تعزية في وفاة الدكتور لحسن لوداوي

 

 

 

أصول المحاكمات الأمازيغية: العدل فوق كل اعتبار

بقلم: ذ- الصافي مومن علي

 

تقسيم التنظيم القضائي الأمازيغي للمحاكم، إلى زجرية ومدنية، أدى إلى وجود اختلاف بين مسطرة الدعوى الجنحية ونظيرتها المدنية.

أولا: حول الدعوى الجنحية:

لم يكن القانون الأمازيغي يتوفر على مؤسسة سلطة الاتهام، شأنه في ذلك شأن القانونين اليوناني والروماني، وسائر القوانين الشعبية القديمة، ولذلك كان المشتكي على العموم هو الذي يقيم الدعوى العمومية ويتابعها.

وما من شك أن هذا الأمر قد فتح الباب أمام بعض الناس إما لتقديم اتهامات كاذبة وتعسفية، وإما للتهديد بهذه الاتهامات رغبة في الإثراء الغير المشروع، مما جعل سلطة العدالة تنحرف عن هدفها الطبيعي، ولعل هذا الانحراف هو الذي دفع النظام الأمازيغي إلى إحداث إجراء (لوتيقت) كوسيلة لإضفاء الجدية على الاتهام، وكشرط شكلي لقبول الدعوى العمومية.

ومفاد هذا الإجراء التزام المشتكي بإيداع (لوتيقت) لدى المحكمة الشعبية المختصة، قبل فتح المحاكمة، وغالبا ما تكون هذه (لوتيقت) إما خنجر المشتكي أو بندقيته، أو أي شيء آخر نفيس، ليكون بمثابة رهان يفقده، عندما يخسر الدعوى، ويعطى للمتهم البريء، كتعويض على الاتهام الكاذب.

وقد ورد في كتاب «دراسات في القانون الروماني» للدكتور عبد المجيد الحفناوي أن القانون الروماني كان يعتمد بدوره على إجراء الرهان في أصول محاكماته.

أما موضوع هذا الرهان فهو يختلف من تشريع إلى آخر، ففي الجزء الأول من كتاب (روح القوانين) لمونتيسكيو، ورد أن موضوعه في أثينا، كان الحكم على خاسر الدعوى بدفع غرامة قدرها: 1000 ألف درهم، وفي روما اكتسى نوعا من التشديد والقساوة، حيث كان يطبع حرف K على جبين خاسر الدعوى، كعلامة على الخزي، للحد من ظاهرة من تسول لهم نفوسهم، اتهام الناس بالباطل.

ولما كان أسلوب الرهان هذا، لا يعتبره الشرع الإسلامي شرطا شكليا لقبول الدعوى، فإنه لم يكن مطبقا في المناطق المغربية التابعة لنفوذ الدولة المركزية التي تعمل بأحكام الشريعة الإسلامية في الميدان القضائي.

وبعد تقديم المشتكي للرهان، تنعقد المحاكمة غالبا في موطن المتهم، حيث يوجد أقاربه المفروض فيهم أداء القسم في حالة إنكاره التهمة المنسوبة إليه، وذلك خلافا للجرائم المرتكبة في السوق أو أكادير (المخزن الجماعي)، حيث يعود الاختصاص المكاني لهذين المقرين بالنسبة للجرائم المقترفة فيهما.

وتتم المحاكمة بصورة علنية وشفوية، بقيام المشتكي بعرض وقائع الدعوى، وبتقديم الحجج المدعمة لاتهامه، بعدها يقع الاستماع إلى المتهم ليصرح بما إذا كان يعترف بكونه مذنبا أو غير مذنب.

وفي حالة إنكاره التهمة، فإن هيئة الحكم لا يجوز لها أن تتحول إلى سلطة تحقيق لتستنطقه، أو لتدفعه إلى الاعتراف بما نسب إليه استنادا للمنطق، أو للحجج المقدمة لها.

كما أن المتهم بدوره يعتبر نفسه حرا في مناقشة وسائل الاتهام، أو أن يكتفي بالتزام الصمت، لأنه لا شيء يفرض عليه الكلام أو المناقشة.

وأعتقد أن حق المتهم في التزام الصمت أثناء المحاكمة يعتبر عريقا في القدم، وأنه مرتبط غالبا بالمجتمعات الديمقراطية التي تعمل بالمحاكمات الشعبية، بدليل انفراد القانونين البريطاني والأمريكي بتطبيق هذا الحق في محاكماتهما لاعتمادهما على قضاء المحلفين الذي يدخل في طبيعته، ضمن القضاء الشعبي.

ونظرا لارتباط هذا الحق بحقوق الإنسان، وبقرينة البراءة، التي تعتبر لب المحاكمة العادلة، فقد جعلته الولايات المتحدة الأمريكية حقا دستوريا بمقتضى التعديل الخامس، الذي نص على حق المتهم جنائيا في أن يظل صامتا ولا يقدم أي دليل على براءته، أو يقوم بمناقشة خصمه طول فترة المحاكمة، بل منع هذا التعديل سلطة الاتهام حتى من مجرد التعليق على هذا الصمت، أو تفسيرها إياه بكونه عجزا عن تقديم الدليل، أو قرينة على الإدانة، معتبرا أن استناد الحكم على أي تعليق في هذا الشأن يجعله الحكم باطلا، وذلك حسب ما ورد في محاضرة (حقوق الإنسان في مرحلة المحاكمة في النظام الأمريكي للإجراءات الجنائية) التي ألقاها الأستاذ ليونارد ل.كافيس، في المؤتمر الثاني للجمعية المصرية للقانون الجنائي المنعقد بالأسكندرية، المنشورة في كتاب (حماية حقوق الإنسان في الإجراءات الجنائية في مصر وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية) الصادر عن المعهد الدولي للعلوم الجنائية طبعة 1989.

هذا ولم يعترف المشرع المغربي بحق المتهم في التزام الصمت، إلا أخيرا بموجب الدستور الجديد لسنة 2011 الذي نص في البند 23 الفقرة الثالثة على ما يلي:

(يجب إخبار كل شخص تم اعتقاله على الفور وبكيفية يفهمها، بدواعي اعتقاله وبحقوقه، ومن بينها حقه في التزام الصمت ...)

والتنصيص على هذا الحق في الدستور الجديد ينم في تقديري عن إرادة المشرع في تعميمه على سائر أطوار الدعوى العمومية، بعد أن كان يقتصر فقط على مرحلة الاستنطاق الأولي لدى قاضي التحقيق المنصوص عليه في الفصل 134 من قانون المسطرة الجنائية المغربي، وذلك بعدما رأى أن العمل القضائي بالمملكة استقر على تفسير سكوت المتهم أثناء المحاكمة تفسيرا سلبيا، معتبرا إياه بمثابة إقرار ضمني بالتهمة المنسوبة إليه.

وبالفعل لم يكن القانون الجنائي، أو المسطرة الجنائية المغربيان، يتوفران على أي نص صريح يبيح للمتهم حق التزام الصمت أثناء المحاكمة، أو أي نص يمنع هيئة الحكم أو سلطة الاتهام من اعتبار هذا الصمت دليلا على عجز المتهم عن دفع الاتهام الموجه إليه، مما يدفع القضاء غالبا، إلى اعتبار ذلك السكوت، إقرارا ضمنيا بالإدانة، متأثرين في ذلك بالفصل 406 من قانون الالتزامات والعقود المغربي الذي يعتبر قاعدة عامة تنص على ما يلي:

(يمكن أن ينتج الإقرار القضائي عن سكوت الخصم، عندما يدعوه القاضي صراحة إلى الإجابة عن الدعوى الموجهة إليه فيلوذ بالصمت، ولا يطلب أجلا للإجابة عنها.)

ومن هنا أعتقد أنه ينبغي تحيين كل قوانين الموضوع وكذا الشكل لتتلاءم مع الدستور الجديد الذي أقر بحق المتهم في التزام الصمت.

وعلى كل حال فإن تطبيق النظام القانوني الأمازيغي، في أصول محاكماته، لحق التزام المتهم الصمت أثناء المحاكمة، يؤكد مراعاة هذا النظام لحق دقيق من حقوق الإنسان، مرتبط بقرينة البراءة، وبالمحاكمة العادلة.

ومن مبادئ هذا النظام أيضا، أنه في غير حالة التلبس المشهود، التي لا سبيل إلى إنكارها، فإن التهمة لا تثبت في حق المتهم، مهما قدم المشتكي من شهود وحجج، بل لا بد أن تدعم هذه الوسائل، بإقرار المتهم بالفعل المنسوب عليه.

أما إن واجه المتهم، كل تلك الوسائل بالإنكار، فإن عبء الإثبات ينتقل حينئذ من المشتكي إلى المتهم.

وفي هذه الحالة يكون المتهم مطالبا بأداء القسم، على عدم ارتكابه الفعل.

وبعد أدائه هذا القسم، يطالب أيضا بتقديم النصاب القانوني لعدد الشهود من أقاربه، ليقوموا بتزكية قسمه، عن طريق حلفهم هم أيضا، بعدم ارتكابه الجريمة، وهذا النصاب يكون منصوصا عليه في البند المتعلق بالعقوبة موضوع المتابعة، وهو يتراوح بين 50 و 5 شهود، وذلك حسب خطورة الفعل.

فإن قام الجميع بأداء الشهادة وفق الشكل المنصوص عليه في القانون، فإن المحكمة تصدر حكما بالبراءة، إما إن نكل المتهم أو أحد شهوده عن أداء القسم، فيحكم عليه بالإدانة.

وهذه القاعدة في الإثبات التي يطلق عليها عادة بينة النفي، كانت مطبقة في قوانين جميع أمم العالم تقريبا، كما جاء في الجزء الثاني من كتاب (روح القوانين).

فقد ورد في هذا الكتاب أن قانون الفرنج والريباويين كان يعمل بهذه القاعدة، فكان يمكن لمن يقدم عليه ادعاء أو اتهاما، أن يبرئ نفسه بأن يحلف على أنه غير مذنب مطلقا، وبتحليف أقربائه الذين يبلغون 72 شاهدا في بعض الأحيان، على أنه قال الصدق، وقد وضعت قوانين الألمان والبافاريين والتورينجيين والفريزون والسكسون واللنبار والبورغون على غرار قوانين الريباويين.

ومما يدل على انتشار قاعدة بينة النفي هذه، لدى الكثير من الشعوب، هو تطبيقها أيضا من طرف العرب قبل الإسلام، حيث كانوا يطلقون عليها القسامة، الأمر الذي أدى إلى اختلاف العلماء المسلمين بشأنها، كما ورد في كتاب (بداية المجتهد ونهاية المقتصد) لابن رشد .

أما سبب انتشار هذه القاعدة، لدى غالبية الشعوب، فقد أرجعه مونتسكيو إلى بساطة المجتمعات القديمة، والى سلامة نيتها الطبيعية، غير أنني أرى سببا آخر لا يقل أهمية عما ذكره هذا الفيلسوف، هو عمق تدين تلك الشعوب، الذي لولاه لما وقع الاعتماد على القسم، الذي يعتبر الحجر الأساس الذي يقوم عليه ثبوت التهمة أو نفيها.

أما بخصوص مداولة هيئة المحكمة، فيمكن القول إن المحاكمات، لما كانت تقع غالبا في فضاء عام، حيث يمكن لكل الناس حضورها ومشاهدتها، فلم تكن هذه الهيئة تتوفر آنذاك، على قاعة خاصة تختلي فيها للمداولة، كما هو عليه الحال اليوم، ولعل هذا الوضع هو الذي أورث عادة عدم تشاور أعضاء المحكمة، أو تبادلهم الرأي لإقناع بعضهم الآخر بوجهة نظره، بل كانوا يقومون مباشرة بالتصويت، الذي يفرز إما براءة المتهم أو إدانته، من غير اضطرارهم إلى تقديم أي تعليل، وذلك حسب ما ورد في الجزء الأول من (روح القوانين)، من كون القضاء الجماعي في جمهوريات المدن اليونانية، وفي روما، كانوا لا يتشاورون، ولا يتبادلون أفكارهم قبل النطق بالحكم، بل يعطون رأيهم في الإدانة أو البراءة من غير نقاش فيما بينهم.

وبخصوص التصويت فإنه يختلف من تشريع إلى آخر، ومما يلاحظ أن جل التشريعات الأمازيغية تقرر التصويت بنسبة الثلثين، ونادرا ما يوجد تشريع يقرر ضرورة توفر الإجماع، وذلك خلافا للقانون الأمريكي، الذي يفرض إجماع المحلفين في القضايا الجنائية، حسب ما ذكر الأستاذ ليونارد ل. كافيس المتقدم ذكره الذي أكد وجود عدة انتقادات موجهة إلى قاعدة الإجماع، من بينها كونها من جهة، تؤدي إلى بطلان المحاكمة، وإلى إعادتها من جديد، عند عدم توفر الإجماع، ومن جهة أخرى أنها ترهق المحلفين الذين لا يصلون إلى قرار الإجماع، فيحدث أن يضطروا إلى الاستمرار في المداولة مدة أربعة أيام أو خمسة، قبل الوصول إلى الإجماع أو عدم الوصول إليه.

وهذه العيوب وغيرها هي التي أدت ببريطانيا في سنة 1967 إلى إلغاء إجماع المحلفين، واستبداله بأغلبية عشرة إلى اثنين، كما ورد ذلك في كتاب (آفاق القانون في المستقبل) لمؤلفه اللورد ديننح.

إذن من هنا يبدو أن التشريعات الأمازيغية كانت حكيمة لعدم تنصيصها على إجماع هيئة المحكمة لما يخلفه ذلك من عبء ومشــقــة.

ومثلما يحق للمحامين ولممثلي سلطة الاتهام في الولايات المتحدة الأمريكية، أن يطلبوا استطلاع رأي كل محلف على حدة لضمان أن القرار المتخذ كان في الحقيقة هو صوت كل من المحلفين، فإن التشريعات الأمازيغية تخول كذلك لأطراف الدعوى وللغير، حق الاستطلاع على القانون لمعرفة تنصيصه فعلا على جريمة ما، أو معرفة قيمة الغرامة المتعلقة بها، أو النصاب القانون للشهود المطلوب لنفيها.

غير أنه يكون في هذه الحالة مطالبا بأداء الغرامة المحددة لممارسة هذا الحق، كما هي منصوص عليها في التشريع .

ثانيا: حول الدعوى المدنية

أساس هذه الدعوى ينبني كما أشرنا آنفا على خصومة ناشئة من العقود والاتفاقات، بسبب تخلف أحد أطرافها عن تنفيذ التزاماته.

لكن ما يلفت الانتباه في النظام القانوني الأمازيغي هو أنه لم يطبق مبدأ سلطان الإرادة في إبرام العقود فحسب،كما هو معهود لدى غالبية النظم القانونية في العالم، بل بسط هذا المبدأ وطبقه أيضا حتى على الدعوى المدنية، أي أنه لم يترك للمواطنين الحرية في إنشاء الاتفاقات بمحض إرادتهم الكاملة فقط، بل ترك لهم أيضا نفس هذه الحرية حتى في اختيار أي فقيه يرتضونه للفصل في خصوماتهم المدنية.

ولما كانت الحرية تعتبر جوهر الإرادة الحرة، وكانت الإرادة الحرة هي مبدأ القانون، والغاية التي ينتهي إليها، كما جاء في كتاب الوسيط في شرح القانون المدني الجزء الأول للدكتور عبد الرزاق أحمد السنهوري، فيمكن القول إن المجتمعات الأمازيغية قد ذهبت في تطبيق مبدأ سلطان الإرادة إلى أقصى مداه، إذ لم تكتف بالعمل به في ميدان إنشاء العقود، كما هو معروف لدى جميع الشعوب، بل جعلت منه المرتكز الأساسي في تأسيس كياناتها المدنية والسياسية لما استندت في هذا التأسيس على عقد اجتماعي رضائي مكتوب، ثم اعتمدت عليه أيضا حتى في قانونها الجنائي، حينما سنت لنفسها تشريعات زجرية خاصة بها، لكي لا تلتزم ولا تخضع إلا لعقوبات اختارتها برضاها وبإرادتها الحرة، هذا فضلا عن تطبيقها هذا المبدأ في المحاكمة المدنية كما سبق الذكر،

وباعتماد هذه المجتمعات على مبدأ سلطان الإرادة تكون قد جعلت من الحرية روح قوانينها ككل، وهذا ما يجعلها تصنف موضوعيا في خانة الكيانات الديموقراطية الحقيقية، من منطلق إدراك أن ما تتميز به الديموقراطيات عن غيرها من النظم هو استناد قوانينها على فضيلتي الحرية والمساواة، كما لاحظ ذلك الفيلسوف مونيسكيو في كتابه روح القوانين.

ولما كانت الدعوى المدنية الأمازيغية تقوم أصلا على اتفاق المتخاصمين على رفعها أمام فقيه مختار، فقد اعتاد الباحثون ومن ضمنهم الأستاذ العثماني امحمد السوسي، إدخالها ضمن قضاء التحكيم، وهو ما لاحظت أنه إدخال غير دقيق، ووصف غير سليم، لأننا نعلم أن مصطلح التحكيم يكون عادة في المجتمعات التي تتوفر على قضاء رسمي عادي ثم على قضاء تحكيم استثنائي.

القضاء الرسمي يتكون إما من قضاة موظفين معينين من طرف السلطة التنفيذية كما هو الحال في فرنسا أو من قضاة مختلطين يتكونون من قضاة موظفين، ومن قضاة محلفين مختارين، كما هو جار به العمل في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية.

أما قضاء التحكيم الذي يتكون من هيئة تحكيمية تتألف إما من محكم واحد أو من عدة محكمين، بحسب اختيار الأطراف، فان طبيعته الاستثنائية تتجلى في عدم شموليته، وفي محدوديه النزاعات المسموح له بالنظر فيها من جهة، ثم في إشراف القضاء العادي عليه من جهة أخرى .

لكن لما كان القضاء المدني الأمازيغي لا يتوفر على قضاء رسمي عادي، وقضاء تحكيم استثنائي، فإنه والحالة هذه لا يمكن أن نطلق على هذا القضاء الاتفاقي إلا قضاء رسميا عاديا، لانعدام قضاء تحكيم استثنائي إلى جانبه.

ومن جهة أخرى هناك عامل آخر ينفي عن هذا القضاء صفة التحكيم، وهو اتسام اتفاق المتخاصمين على الفقيه المختار لحل النزاع، بالطابع الجبري، وليس بالطابع الاختياري، لأنه في الالتجاء إما إلى القضاء العادي، أو إلى التحكيم، فإنهما في التشريع الأمازيغي يجبران على سلوك التحكيم، لانعدام أي طريق آخر غيره، للفصل في الخصومات المدنية.

وهذه الطبيعة الجبرية التي يتميز بها القضاء الاتفاقي المدني الأمازيغي هي التي تضفي عليه صفة القضاء العادي الرسمي من جهة وتنزع عنه صفة قضاء التحكيم من جهة أخرى، إذ السمة الجوهرية التي تميز التحكيم عن القضاء العادي، هي الإباحة والاختيار، وليس الإذعان والإجبار.

وما من شك أن التسليم بالطبيعة الجبرية لهذا القضاء يثير تساؤلا محيرا، عما هو الحل فيما إذا امتنع المدعى عليه عن الاتفاق مع المدعي في اختيار الفقيه الذي يتولى الفصل في نزاعهما.

وبالفعل إنه تساؤل في محله، غير أن الأستاذ العثماني أجاب عنه في كتابه (ألواح جزولة) بتأكيده أن أصول المحاكمات الأمازيغية تقضي عند الفشل في هذا الاتفاق بأن يصبح المدعي محقا في اختيار فقيه مستقل للفصل في نازلته، وإذا ما قضى هذا الفقيه بحكم ضد المدعى عليه، فلهذا الأخير الحق في الطعن ضده بالاستئناف أمام فقيه آخر، وبعد صدور الحكم الاستئنافي، يحق لمن تضرر منه الطعن ضده بالنقض أمام فقيه ثالث.

أما عن الشكلية العادية لرفع الدعوى المدنية فتتخلص في اتفاق طرفي النزاع على اختيار الفقيه الذي يرتضيانه لحل النزاع، ثم قيامهما بتحرير وثيقة هذا الاتفاق كتابة، بحضور أعضاء محكمة ءنفلاس الشعبية، لغاية إضفاء طابع المخاصمة الجدية المسؤولة على الدعوى من جهة، ثم لإعطاء هذه المحكمة الشعبية حق التدخل لتنفيذ الحكم الجائز لقوة الشيء المقضي به على المحكوم عليه من جهة أخرى، وذلك من منطلق أن هذه المحكمة هي المختصة في التنفيذ الجبري لجميع الأحكام المدنية والزجرية.

بعد تحرير وثيقة الاتفاق، تسلم إلى المدعي الذي يسلمها بدوره إلى الفقيه المختار، الذي يطلق عليه في هذه المرحلة الابتدائية اسم «المحكم» أو «القاضي» وتعتبر هذه الوثيقة هي الورقة الأولى التي يفتتح بها ملف الدعوى، وحينذاك يقدم كل طرف للفقيه ما لديه من حجج ووسائل دفاع، فيصدر بناء عليها الحكم الابتدائي، فيكون لخاسر الدعوى الحق في الطعن ضده بالاستيناف داخل أجل معين، وذلك أمام فقيه ثان يسمى (المفتي) تكون مهمته إما تأييد الحكم الابتدائي أو إلغاؤه والتصدي للقضية، ويكون أيضا لمن صدر ضده الحكم الاستينافي الحق في الطعن فيه بالنقض أمام فقيه ثالث يدعى(المبرز) الذي يصدر حكما لا تعقيب فيه.

والمدهش أيضا في هذا القضاء المدني الأمازيغي هو تركه الحرية الكاملة لأطراف الدعوى في اختيار قاضيهما الذي يرتضيانه، ولو كان يوجد خارج الدائرة الترابية لقريتهما أو لمقاطعتهما أو حتى للمجتمع السياسي الذي ينتميان إليه ككل، وبسبب هذه الدهشة هو أن هذه المجتمعات وضعت العدل فوق كل شيء أي فوق التقطيع الإداري لترابها من جهة بل وفوق الاعتبارات السياسية والسيادية من جهة أخرى، وذلك بأن سمحت للأطراف بالبحث عن القاضي العادل أينما كان، الأمر الذي لم يكن مسموحا به في العديد من الدول المركزية التي يجبر فيها الأطراف بالتقاضي أمام القاضي التابع إليه موطنهم أو مدينتهم أو دائرتهم الترابية، ولو كان هذا القاضي معروفا بخروجه عن طريق العدل.

وهذه الظاهرة الفريدة أوردها الدكتور احمد التوفيق في كتابه (المجتمع المغربي في القرن التاسع عشر) في معرض حديثه عن الحياة القانونية لجماعة اينولتان، وعن تقسيمات أنواع عدلها المتمثلة في الشرع الإسلامي، والعرف الجماعي، والحكم المخزني، مؤكدا ما يلــــــــــي: (... أن حكم القاضي الرسمي خاص بولتانة وفطواكة وغجرامة، بينما فتوى الفقهاء شاملة للإيالة المذكورة وغيرها من العرب والبرابر مثل هنتيفة والسراغنة وأيت عتاب وزمران.....)

أما فرادة هذه الظاهرة فتكمن في أن هذه الحرية المطلقة في اختيار القاضي العادل، لا نجدها في الدول التي تعمل بقضاء المحلفين مثل بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، حيث يكون المتقاضون أحرارا فقط في اختيار قضاتهم من بين عدد محدود من المحلفين الذين يعرضون عليهم،مما يجعل هذا الاختيار مقيدا ومحددا، كما لا نجدها أيضا في الدولة الرومانية التي كانت إجراءات محاكماتها المدنية تشبه إجراءات نظيرتها الأمازيغية، كما سأبين ذلك فيما بعد، لأن المتنازعين الرومانيين لم يكونوا يملكون الحق في اختيار قاضيهم خارج قائمة المحلفين المعينين من طرف حاكم المدينة كل سنة، حسبما ورد في كتاب قصة الحضارة الجزء 9-10.

تشابه إجراءات الدعوى المدنية الأمازيغية والرومانية:

إن المقارنة بين إجراءات هاتين الدعويين تثبت وجود شبه كبير بينهما، وهذا التشابه ليس مصدره تقليد أعمى أحدهما للآخر، كما يعتقد البعض بل مصدره عمل الرومان والأمازيغ بنظام سياسي واحد، هو النظام الديموقراطي، الذي يطبع قوانين كل مجتمع ينهجه بروح واحدة، وبشكليات متشابهة، من منطلق قاعدة تأثر قوانين الشعوب بروح أنظمتها السياسية التي لا حظها الفيلسوف مونتيسكبو في كتابه (روح القوانين) .

لذلك فبعدما تحرر الرومان من القانون الديني ومن حكم الكهنة، كما ورد تفصيل ذلك في مقالتي السابقة(الهوية الدنيوية المدنية للتنظيم القضائي الأمازيغي) اكتفوا بتنظيم القانون الزجري بموجب تشريعات مكتوبة وبمهام شعبية مختلفة، وأهملوا تنظيم القانون المدني، لعدم بلوغ مجتمعهم آنذاك مرحلة تقسيم العمل التي تفرض تدخل الدولة لتنظيم هذا التقسيم بموجب تشريعات مدنية مكتوبة، فأدى هذا الوضع إلى التجاء المتنازعين إلى المحكمين لحل نزاعاتهم المدنية.

والشيء الوحيد الذي قام به الرومان والأمازيغ أمام هذا الوضع هو تنظيمهما لإجراءات الدعوى المدنية، عن طريق حضور السلطة في تحرير وثيقة اتفاق المدعي والمدعى عليه على المحكم المختار لحل نزاعهما،التي يفتتح بها ملف النازلة.

وهذه السلطة تتمثل عند الرومان في الحاكم المدني PRETOR وعند المجتمعات الأمازيغية في ئنفلاس

وقد سبق ذكر أن سبب حضور السلطة في تحرير وثيقة الاتفاق على رفع الدعوى المدنية، هو إضفاء طابع الرسمية والجدية على الدعوى من جهة، وإعطاء حق التنفيذ الجبري للحكم لهذه السلطة، عند امتناع المحكوم عليه من التنفيذ.

أما عن تشابه إجراءات الدعوى المدنية الأمازيغية والرومانية فإنني سأترك للقارئ أن يلاحظه بنفسه من خلال ما ورد في كتاب (التطور التاريخي للقانون) للدكتور عبد المنعم ابراهيم البدراوي، عن مراحل الدعوى الموثقة المفصلة كما يلي:

(- يستعرض الخصمان دعواهما أمام الوالي

- يوثق الوالي هذه الدعوى في بطاقة صغيرة، تحتوي على أسماء المتخاصمين، وعرض مختصر لدعواهما، وتعيين القاضي الذي يتولى الفصل في القضية.

- تعتبر القضية قائمة منذ صدور تلك البطاقة المكتوبة من الوالي.

- بعد كتابة الوالي للوثيقة يقدمها للمدعي فإذا وافق عليها، يقدمها للمدعى عليه، فإذا وافق عليها ينقل الخلاف إلى القاضي، وبذلك تعتبر هذه الوثيقة تسجيلا الخلاف بين الأطراف، والموافقة على عرض الأمر على القاضي للحكم فيما شجر بينهما.

- يستعرض القاضي جميع البيانات الخاصة بالقضية ومنها شهادة الشهود، واليمين، ثم يصدر حكمه بعد اقتناعه).

وفي معرض آخر أشار هذا الكتاب إلى أن الخصمين هما اللذان يختاران القاضي، فإذا لم يفعلا اختير القاضي من بين قائمة أعضاء مجلس الشيوخ في عصر الجمهورية، أو من القائمة الخاصة بذلك في عهد الإمبراطورية، وقد يختار القاضي بطريق الاقتراع.

إذن يمكن من خلال ما تقدم أن نستنتج عناصر تشابه إجراءات الدعويين فيما يلي:

1)- تعلقهما معا بالميدان المدني بوجه عام دون الميدان الزجري.

2) – ضرورة اتفاق الأطراف المتنازعة على القاضي المختار.

3)- ضرورة تحرير وثيقة الاتفاق لدى السلطة المختصة، لطبعها بالطابع الرسمي.

4)- ضرورة تسليم هذه الوثيقة إلى القاضي المختار.

5)- تقديم الأطراف حججهم ووسائل دفاعهم أمام هذا القاضي.

6)- إصدار القاضي الحكم في القضية.

7)- تنفيذ السلطة للحكم الحائز لقوة الشيء المحكوم به، عند امتناع المحكوم عليه عن التنفيذ.

8)- عدم اتسام هذه المحاكمة المدنية بطابع التحكيم، لفرض سلوكها على المتنازعين سواء اتفقوا عليها أو لم يتفقوا، خلافا لقضاء التحكيم الذي يشترط فيه الاتفاق.

ذ – الصافي مومن علي، محام بالدار البيضاء

****

المراجع

1– دراسات في القانون الروماني- الدكتور عبد المجيد الحفناوي طبعة 1986.

2– روح القوانين – مونتيسكيو – الجزء الأول – ترجمة عادل زعيتر، القاهرة 1954.

3– حماية حقوق الإنسان في الإجراءات الجنائية في مصر وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية – المعهد الدولي للعلوم الجنائية – طبعة 1989.

4– الدستور المغربي الجديد لسنة 2011

5– المسطرة الجنائية المغربية ظهير 3 أكتوبر 2002

6– قانون الالتزامات والعقود المغربي ظهير 12 غشت 1913

7– بداية المجتهد ونهاية المقتصد – ابن رشد- تحقيق وتخريج عبد الرزاق المهدي، دار الكتاب العربي ببيروت

8- آفاق القانون في المستقبل- اللورد ديننج –ترجمة هنري رياض- عبد العزيز صفوت، دار ابن زيدون بيروت.

9– شرح القانون المدني –الدكتور عبد الرزاق احمد السنهوري – الجزء الأول – الناشر دار النهضة العربية – الطبعة الثانية 1964

10ـ الواح جزولة – الأستاذ العثماني محمد السوسي.

11ـ المجتمع المغربي في القرن التاسع عشر- احمد التوفيق – الطبعة الثانية 1983 منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط

12ـ قصة الحضارة – ويل ديورانت- الحضارة الرومانية – الجزء 9-10 ترجمة محمد بدران.

13ـ مقالة الهوية الدنيوية المدنية للتنظيم القضائي الأمازيغي –الصافي مون علي- جريدة تاويزا – العدد 172 غشت 2011

14ـ التطور التاريخي للقانون عبر المؤسسات والأحداث الاجتماعية – دكتور عبد المنعم ابراهيم البدراوي – أستاذ بجامعة محمد الأول – وجدة – طبعة 1980.

 

 

 

 

 

 

 

Copyright 2002 Tawiza. All rights reserved.

Free Web Hosting