الرومانسية في الشعر الأمازيغي
بقلم: محمد أرجدال، باحث في الثقافة الأمازيغية (بويزكران)
الشعر الرومانسي أو شعر الطبيعة هو "الشعر الذي يمثل الطبيعة وبعض ما اشتملت عليه في جو طبيعي يزيده جمالا خيال الشاعر وتتمثل فيه نفسه المرهفة وحبه لها واستغراقه بمفاتنها"1،كما يعني هذا الصنف الشعري "الحب للطبيعة فمنها المواد والألوان والصدق فلا مبالغة ولا إحالة، والبساطة فلا تكلف ولا تصنع في الألفاظ والمعاني والإيجاز فلا حشو ولا فضول، والدقة فلا كلمة نابية ولا أخيلة غير مطابقة وإنما جو محكم يسود الوصف كله "2. ومنذ فجر التاريخ لحظة أن فتح الإنسان عينيه على الطبيعة اهتم بجمال رباها وزرقة سمائها واعتبرها صديقة وفية له لما تمنحه من جمال لحسه وهدوء لنفسه، فيستسلم إليها ويشاطرها المناجاة ويبوح إليها بعواطفه وآلامه ويصورها بقسوتها ورقتها وقد وجد فيها الشاعر مرتعا لخياله ومقيلا لأفكاره فتغنى بجمالها وهدوئها وبغضبها وقوتها.
وقد عرف الشعر الأمازيغي الرومانسية على الشكل الذي أوحت به بيئة تامزغا فأخذ الشاعر يتأمل الطبيعة يناجيها تارة ويصورها أخرى، تستهويه الرياض والسهول الخضراء بأزهارها ويقف على شلالاتها وجبالها الشاهقة فتثير شجونه، فتملك عليه الغزلان والحمام فؤاده. وقد ظهر هذا اللون الشعري بتمازغا لأن حاجة الإنسان الأمازيغي للتعبير عن عواطفه وأفكاره ضرورية، ثم إن الطبيعة بجبالها الشامخة التي تكللها الثلوج البيضاء وغاباتها المتسعة وأنهارها الكثيرة وشواطئها البديعة وصحاريها الممتدة، كل هذا التناغم البيئي يؤثر في النفوس ويغري بالتغني بجمالها على النمط الذي مثله الشعر الرعوي ( la poésie bucolique) في البيئة الأوربية. وقد تغنى الشاعر الأمازيغي بطبيعة وطنه تمازغا ووصف أوديتها وجبالها وبساتينها ورياضها وأزهارها وثمارها وربيعها وشتاءها ووصف بحيراتها وسواقيها وكل ما هناك من مظاهر طبيعية وإن بقيت بمجملها جزئية غير منتظمة لمشهد برمته. وبذلك يكون الشاعر الأمازيغي قد وصف الطبيعة الحية من غزلان ووعول وحمام ونسور وغيرها كما شمل وصفه الطبيعة الصامتة من سحاب وقمر ومطر وبرق وأزهار وأشجار وغيرها...
ونورد مجموعة من المقاطع الشعرية التي تغنى فيها الشاعر الأمازيغي بطبيعة تمازغا، والتي تجمع بين تأثير الجاذبية والاندهاش، اندهاش بروعة جبالها التي تطل بعنفوان وشموخ على سهول وروابي متحدية الزمن وتعانق هضابا مليئة بالأشجار الوارفة الظلال وشواطئ ملتحمة بالمياه الزرقاء الفيروزية، هذه المقاطع التي وصفت الطبيعة حبا فيها، لأنها تمنح الشاعر هنيهات من السكينة مقاطعا رومانسية محضة وليس تلك التي استعملت عناصر الطبيعة لغة رمزية وعبارات استعارية للتعبير عن حقائق معاشة تعجز الكلمة العادية عن إيصال معناها إلى أذن السامع وعلى طريقة الحكماء الهنديين القدماء لان "الكلمة في الشعر أكثر قيمة من تلك التي في نصوص اللغة العامية وليس صعبا أن نلاحظ أنه كلما كان النص أكثر أناقة وصقلا كانت الكلمة أكثر قيمة وكانت دلالاتها أرحب وأوسع" 3. ومن بين هذه الأبيات الشعرية الرومانسية التي وصفت الطبيعة الصامتة هذا المقطع الذي أخبر فيه الشاعر المتلقي المشتاق إلى النسيم العليل بهبوب الرياح التي تلطف الجو وتخفف من حرارته فقال:
Ighlid rrih izuzwan
Awad ighran irrih izuzwan
كما تحدث الشاعر مع الطبيعة وناجاها وطلب منها أن تنعم عليه بنسائمها العليلة وتخفف عليه شدة الحرارة والبرودة حتى يصل إلى مقصده فقال:
Irbbi aygnwan adur takkam iwakal
Irafan d ussmmid acku nkka agharas
وطلب شاعر آخر من الرياح الشمالية الجافة أن تترك المجال للرياح الغربية المحملة بالأمطار فتروي الحقول والمروج عكس الأولى التي تنشر الضباب الكثيف فوق القمم والبرودة والصقيع فقال:
Aghen arwas atagut farq utrim
Ibu tarsiwin lhm amma kmmin
Ibussar katssigut ghir ntafatin
وخاطب الشاعر المتلهف بلقاء محبوبته الرياح الجنوبية الشرقية القوية وطلب منها أن تحمل تحياته وأشواقه الحارة إلى النبع الذي تسقي منه محبوبته فقال:
Awiming abu timzaywigin awi slam
Ar iggi làin issuggan bayyi ini yas…
وفي ليلة حالكة الظلام سرى احد الشعراء الأمازيغ في الصحراء ولم يجد ما يؤئنسه ويرشده إلى وجهته غير نجمة لامعة فمدحها ورفع من مكانتها فاعتبرها مصدر الأنوار التي لا تنضب وقارنها بالقمر فقال:
Allap izd ayyur kaghllan iznzarn
Mqqar izbub itri ganak tifawt
Aras itziyyan rbbi taghzutns
كما أنه لم ينس أزهار البراري المزركشة الألوان والفواحة عطرا وطيبا والتي يملأ أريجها فضاء الروابي والوهاد فقال:
Ayabssas abu tgmut
Ijja bdda umalu gh tllit
وتتبع نمو الإزهار وكيفية استفادتها من الماء العذب والتربة الجيدة لتتفتح براعمها فقال:
Ad ukan yafi ujddig aman
Yafi akal iàdln irrudu bapra
وخاطب شاعر آخر نوعا من نبات البراري التي لا تنبت إلا في شقوق الصخور العالية فسألها لماذا رفضت السهل رغم انحباس المطر وندرة المياه فقال:
Ah ataylulut tugit luta
tilit ghwafa ujarif
ighab unzar ilih aman
كما تحدث عن كثرة أزهار الورد ونبات السنبل على جانب الطريق فقال:
Iga snbl agussif ghugharas
Ula talwrdin asbah lxir
كما شبه الشاعر نفسه بنبات الصبر الدائم الاخضرار بالوادي فقال:
Inna hnna ghigh alili wassif
Urat isswa yan rbbins iàawnt ukan
وتوسل آخر بأشجار الحناء أن تنبت بجنبات وادي "ايداكوكمار" حيث تعيش الحسناوات فقال:
Wassir alhnna mun dwassif
ndaggagmar atzt zzin
فهذه الأزهار المختلفة والأشجار جميعها تشكل لوحة طبيعية جميلة يعتلي عرش جمالها شجر الاركان الذي ينفرد به المغرب دون سائر البلدان والذي قالت فيه شاعرة أمازيغية:
nga targinin duglnin ghussawn
Urak nhsad abnadm tanwwact
وقال آخر:
Aqqa wwargan agh rgln issafarn
Atn ukan issu umadun ar sawaln
أما الأبيات الشعرية التي تناولت موضوع الطبيعة الحية فكثيرة كما هو الأمر بالنسبة لهذا المقطع الشعري الذي بحث فيه الشاعر عن سخاء الألوان لاستكشاف غرائبها واكتشف سهول تمازغا العذراء بسحر ألوانها وفتنة طبيعتها ونسائم إزهارها وأنين نحلها وصهيل خيلها فقال:
Rwahtak an nag azaghar
Issa sul gis tlalan ijdaàn
Dis ibssa ujddig lli gis illan
Ighibssa tizzwa ad issawal
كما خاطب الظباء التي تركت السهول واختارت أعلى القمم مرتعا لها لتقتات بأفضل الأعشاب فقال:
Udad ighlin ar ijarifn
Icca simins tuga lli ran
وطلب شاعر آخر من صديقه الصياد أن ينتبه جيدا ويستمتع بضوء القمر ليتربص بقطعان الغزلان فقال:
Ayyur ighlid rzm dagh titnk
Ayaniran ayduf jjlb iznkad mani kkan
كما تساءل شاعر آخر وباندهاش كبير: هل يستطيع أحد أن يمتطي ظهر الأسد ويروضه؟ فقال:
Mayzdarn ayizm adak ig tarikt
Igak algamu nuzzal ismmerkn
من خلال هذه الأبيات الشعرية يتضح أن الإنسان الأمازيغي أحب الطبيعة فسرح ببصره في جمال النجوم والبحر والريح وكان من أثر حبه إياها أن علقت بها أفكاره، فرغب في فهمها بشكل أدق، ثم تغنى بها لأن "الحكمة الحقيقية هي أن نتحدث ونعمل بالإنصات إلى الطبيعة " 4.
الإحالات:
1- جودت الركابي، في الأدب الأندلسي، دار المعارف، مصر، ط 3.
2- سيد نوفل، شعر الطبيعة في الأدب العربي، القاهرة مصر، 1945، ص 28.
3- يوري لوتمان، تحليل النص الشعري، ترجمة محمد فتوح احمد، ص 126.
4-هيراقليطس، الشذرة 126، موسوعة اونيفرساليس.