المخزن والمجتمع المغربي: أية علاقة؟

بقلم: تنيرت تيرجيت

عندما نذكر المخزن نتحدث بذلك عن شبكة عنكبوتية غامضة، وهمية إلا أنها موجودة، فوجودها في عدمها. لن أدخل في متاهات هذه الشبكة للتعريف بمفهومها الفضفاض، لكن الهدف من المقال تسليط الضوء عليها من خلال منظور بسيط و تداول لدى العامة من الناس، هذا المنظور الذي لم استنبطه من فراغ وإنما من الواقع المعيش ومن خلال الظروف التي لا محالة تجعلنا نواجه هذه الشبكة كشعب.

انطلقت لكتابة هذا المقال من المفهوم البسيط الذي نعيشه نحن كمغاربة من خلال علاقتنا التلقائية مع مؤسسات هذه الشبكة، وكيف تتردد كلمة (لمخزن) - بتسكين حروفها- على أسماعنا كلما واجهناه رغبة في تحقيق مصالحنا الشخصية، فكيف يكون ذلك اللقاء بين عامة الشعب وهذه الشبكة؟

ما أكثر المشاكل الصحية التي يواجهها هذا الشعب الذي كلما عانى سمعت لسان حاله يقول: ذهبت إلى المستشفى العمومي أو بالمفهوم المتداول صبيطار المخزن أي مستشفى تحت سلطة الدولة، لتبدأ بذلك رحلة العذاب الحقيقي الذي يزيد الطين بلة، فبالإضافة إلى المرض الذي يواجهه المريض يضطر لمواجهة طاقم صبيطار المخزن الذي يفتح ذراعيه فرحا لعثوره على ضحية جديدة يقتات منها بأية طريقة كانت.

غير بعيد عن المستشفيات هناك مدرسة المخزن، هذه المدرسة التي درسنا بها سنوات عديدة مليئة بلحظات الخوف والحزن، ناهيك عن الطريقة العشوائية التي تمدرسنا بها، طبعا فهي مدرسة المخزن يجب الخضوع لأصحاب الأمر والطاعة، أصحاب "العصا لمن يعصى" حتى أصبحت حياتنا خليطا من الخوف و المكبوتات، وما أكثر من واجه مشاكل صحية من جراء الخوف من الذهاب إلى المدرسة ومن المشرفين عليها، والعديد من لم يكمل دراسته اعتقادا منه أنه سيرتاح منها، إلا أن المخزن وراءه أينما حل وارتحل، مدرسة المخزن زرعت في قلوب تلاميذها عقدا لا زالوا يعانون منها حتى بعد وصولهم سن الرشد، عقدة الصمت وحشومة، وتنفيذ القرارات بدون أي اعتراض حتى وإن كان ذلك الصمت على حسابهم، وعندما يصل ذلك التلميذ إلى مرحلة النضج ويدخل عالم الحرية بانتقاله إلى مرحلة التعليم العالي يجد نفسه يفجر تلك الثورة التي كانت في يوم من الأيام مكبوتة داخله، لكنه يضطر مرة أخرى لمواجهة المخزن الذي تمثله الإدارة والحراس المشرفون عليها لإعادة القيود، وعودة العصا والعنف والاحتواء والقمع.

صورة أخرى من صور المخزن تتجلى في المقاطعات والمحاكم والإدارات المخزنية على العموم، وما عساك تفعل أو تقول لشخص لم يتجاوز مستواه الدراسي مستواك، وأنت تطلب منه إسداء خدمة من واجبه، فيقف بغرور وتكبر والويل لك كل الويل إن لم تذعن لأوامره، ستجد نفسك خارج الإطار دون قضاء حاجاتك. فإما الصمت وتقديم الولاء والطاعة أو عدم قضاء الحاجة. و هذا عنف آخر من نوع خاص، التساؤل المطروح إذن أين يوجد الخلل؟ هل فينا نحن كشعب أم في تلك الشبكة الاحتوائية؟

حقيقة الأمر أننا شعب مقهور يقهر نفسه، مقهور لأنه مقيد من طرف شبكة المخزن، و يقهر نفسه لأنه يخضع بتلقائية لهذه القيود دون رغبة ملحة في الاحتجاج، فإذا أخذنا القضية الأمازيغية كمثال عن هذا القهر الحقيقي فستكون أكثر القضايا التي تعرضت و لا زالت إلى يومنا هذا تتعرض لهذا القمع والقهر، والدليل على ذلك مخزنة ولهجنة و تعريب اللغة الأمازيغية، إضافة غالى احتواء القضية داخل مؤسسة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، ومخزنة عدة جمعيات أمازيغية تابعة له، وأخيرا ظهور الأحزاب التي تريد أن تنصب نفسها الناطق الرسمي باسم القضية بدعوى المشاركة في السلطة وتقرير المصير. وما هي إلا إطارات ممخزنة أو متمخزنة تحاول في عبث تقزيم القضية واحتوائها قبل أن يتسرب الخطاب الأمازيغي إلى الشارع. فبعد القمع الذي تعرض له أغلبهم من طرف شبكة المخزن وجدوا أنفسهم ينصهرون معه ويخضعون لأوامره لكي يستطيعوا قتل ذلك الصمت ولو بالبقايا والفتات الذي يصبح على حساب شفافية النضال ومصداقية القضية الحقيقة.

إن نظرة الشعب إلى شبكة المخزن ما هي إلا نظرة احتقار وعدم ثقة، ونفس النظرة توجد لدى المخزن نحو الشعب، وبهذا نستنتج ذلك التنافر بين الطرفين: فالأول يكره الثاني لكنه كره داخلي غير واضح إضافة إلى انعدام الثقة، والثاني لتمثيله السلطة والقوة القمعية، يحس بالنشوة وهو يمارسها على الأول حيث يستغل ضعفه وعدم قدرته على المواجهة. وهنا يظهر ذلك الارتباك والخلل في العلاقة بين المجتمع المدني والمخزن.

وأخيرا نرى أن مخزن هذه الأرض ما هو إلا سلطة قمعية احتوائية تريد التكلم دون غيرها، ومن يريد التكلم يجب أن يكون في صفها، يتكلم بلسانها خاضعا لها وإلا فالصمت إلى الأبد. وبالخضوع لها يتحول الهدف من المصلحة العامة إلى المصلحة الخاصة. فهل يمكن تغيير هذا الوضع؟ المناضل الأمازيغي الشهيد معتوب الوناس وغيره حاولوا تغييره إلا أنهم نسفوا. لهذا سيبقى السؤال مفتوحا إلى أجل غير مسمى.

(Tanirt Tirgit :le 07 /01 /2007)


 

Free Web Hosting