ASEGWAS AMAYNU محطة لتجديد الوعي بالهوية الأمازيغية

بقلم: فاطمة الزهراء السعدي ( طالبة باحثة، وجدة)

يحل يوم 13 يناير من كل سنة حاملا معه ذكرى السنة الأمازيغية الجديدة أو ما يطلق عليها بالأمازيغية (ASEGWAS AMAYNU)، حدث يحمل في طياته الكثير من معاني التضحية والنضال، ويعتبر التقويم الأمازيغي من بين أقدم التقويمات التي استعملها البشر على مر العصور، إذ استعمله الأمازيغ منذ 2956 أي فبل 650 فبل الميلاد. وهو تقويم ليس مرتبطا بأي حدث ديني أو تعبدي، بل هو مرتبط أساسا بحدث تاريخي، وقد دأب الأمازيغ على الاحتفال بالسنة الأمازيغية واعتبارهم لهذا اليوم عيدا طبيعيا يرسخ الالتزام بالتقاليد والعادات، فهو يمثل رمزا من رموز الارتباط بالأرض التي عشقوها دوما وناضلوا من أجلها وكرسوا حياتهم لها. وما زال العديد من الأمازيغ عبر مختلف ربوع ثامزغا يحتفلون بهذه المناسبة، وأصبحت فرصة للجمعيات الأمازيغية والحركة الثقافية الأمازيغية من داخل الجامعة المغربية (MCA) من أجل تنظيم مختلف الأنشطة الثقافية والاحتفال بهاته المناسبة بطقوس أمازيغية تجسد مدى المكانة التي تحتلها في الذاكرة الأمازيغية، وفرصة للتذكير بمواقفها ومطالبها العادلة والمشروعة، والتي تتجلى في المطلب الجوهري الذي ناضلت وما زالت تناضل من أجله الحركة الأمازيغية وهو الاعتراف الدستوري بالأمازيغية كلغة رسمية في دستور ديموقراطي شكلا ومضمونا، لأن دساتير شمال إفريقيا ما زالت إلى يومنا هذا دساتير استبدادية ترتكز على البعد الأحادي المتمثل في العروبة والإسلام، وعلى ضرورة الاهتمام بثقافة الأمازيغ وحضاراتهم وفي جعل اليوم الأول من كل سنة جديدة (13 يناير) يوم عطلة للجميع نظرا لما تزخر به هذه المناسبة من دلالات عميقة تظل راسخة في أذهان الأمازيغ الأحرار.

إن السنة الأمازيغية تبتدئ بشهرyanuyur مركبة من yan ويعني 1 بالأمازيغية و Ayur أي الشهر ويطلق عليه أيضا بين فترتين أي فترة البرد القارص وفترة الاعتدال وهي الفترة التي تبتدئ فيها السنة الفلاحية عند الأمازيغ. ويؤرخ هذا التقويم لانتصار الملكCHICHONG (950 قبل الميلاد) على الفراعنة في فترة حكم رمسيس الثاني، ونظرا لعظمة هذا الحدث بدأ الاحتفال به كل سنة. ومنذ ذلك الوقت أصبح 13 يناير رمزا من رموز الأمازيغ ومحطة تقف عندها الحركة الأمازيغية في كل بقاع ثامزغا لتجديد الوعي بالذات وبالهوية الأمازيغية التي تعرضت للتهميش والإقصاء باسم "العروبة".

إن الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة يجعلنا نقف وقفة المسؤولية للدفاع عما خلفته لنا الذاكرة الجماعية، لأن الارتباط بالثقافة والهوية واللغة سلاح الإنسان الأمازيغي لمواجهة الآخر بالإضافة إلى استحضار عصارة جهد أسلافنا الذين نعتز بالانتساب إليهم والنظر بعين الاحترام إلى ما قدموه من إسهامات في بناء الحضارة الإنسانية يوم كان البحر المتوسط مركز العالم المتحضر.

إن القضية الأمازيغية قضية مشروعة تستمد مشروعيتها من حقائق التاريخ والجغرافية واللغة والإنسان، وأن تاريخ البشرية مليء بالدروس والعبر التي تؤكد أن حبل التضليل قصير، فإذا كانت الأمازيغية مرادفة للحرية فالحرية قيمة جوهرية لا تموت، وها هي اليوم الأمازيغية أصبحت قضية وطنية أعلنت للعالم أنها حية بفضل ما تتمتع به من مناعة وراثية تحميها من الاندثار والذوبان في الغير، مهما بلغت أساليب الطمس التي مورست عليها بتلطيخ الذاكرة الجماعية وتشويهها لجعل الأبناء يتنكرون للآباء. فلا مكان اليوم للإرهاب الفكري الذي يتعرض له دعاة التحرر من قبل ثقافة الرأي الواحد الذي يتستر أنصاره خلف إيديولوجية قومية وهمية، وتارة أخرى خلف تأويلات دينية مصطنعة، بينما الهدف واحد هو خنق الحق في التعدد والتنوع. إننا عندما ننظر إلى الماضي نظرة الاعتزاز ونحن واعون لمدى المسؤولية المعلقة علينا، إذ يجب أن نهتم بالتراث الحضاري والثقافي والحفاظ عليه من التشتت والطمس والمساهمة في البحث في الحقائق التي ما زالت مختبئة في ضباب المستقبل.

إن كل من يختزل تاريخ أمته يضيع على نفسه فرصة الوعي للحقائق الجوهرية البسيطة والمعقدة في آن واحد، وأن 33 قرنا لا يمكن أن يختصر في أقل من نصفها ولا أن يغفل منها ما هو بمكانة الجذر الأكبر لكياننا القومي.

إن القضية الأمازيغية من القضايا المثيرة التي عرفت حركية والتزاما لدى جل المناضلين الأمازيغ، أفرزت عدة مطالب ديمقراطية ومشروعة تؤمن بالنسبية التعددية والاختلاف وشكلت صلب القضايا التي طرحت في الساحة السياسية على مستوى شمال إفريقيا على وجه العموم والمغرب على وجه الخصوص، فالأمازيغية كقضية وطنية كانت وما زالت مغيبة في الوثيقة الدستورية، ورغم بعض المواقف الإيجابية التي اتخذت اتجاه الأمازيغية، سواء في الجزائر أو المغرب أو ليبيا في الآونة الأخيرة، إلا أنها تظل غير كافية بكون الحركة الأمازيغية متشبثة بدسترة الأمازيغية كمدخل لتحقيق كافة المطالب التي تنادي بها. إن المقاربة المخزنية التي تنهجها الأنظمة العروبية بشمال إفريقيا تجاه القضية الأمازيغية باءت بالفشل. ففي الجزائر أبان النظام العسكري عن فشله في احتواء مطالب الحركة الأمازيغية، وسرعان ما تهدمت جدران "المحافظة السامية للأمازيغية" التي أنشئت لاحتواء المطالب المشروعة للحركة الأمازيغية بالجزائر، ونفس المصير الذي سيلقاه حتما ما يسمى "بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية " بالمغرب الذي فشل فشلا ذريعا في احتواء مطالب الأمازيغية نتيجة لوجود تيار رافض لهذه المقاربة المخزنية المتمثلة في مؤسسة المعهد، ونقصد هنا الجعميات الأمازيغية المستقلة والحركة الثقافية الأمازيغية داخل الجامعة. بالإضافة إلى كون تدريس الأمازيغية بصفة إجبارية بالمدرسة المغربية أصبح رهينا بتوجهات الدولة التي جعلت منه شعارا للاستهلاك الداخلي والخارجي، وتقزيم الأمازيغية في المنظومة الإعلامية، ووصول العديد من المشاريع إلى الباب المسدود. وهذا التعامل اللامسؤول من طرف المخزن هو الذي أدى إلى انسحاب 7 أعضاء من المجلس الإداري من مجلس إدارة لـ"يركام". أما في ليبيا فإن اهتمام الرئيس الليبي معمر القدافي بالأمازيغية يظل شعارا فارغا من محتواه ومن أجل إعطاء صورة لامعة في الداخل و الخارج، فبالرغم من استقباله للوفد الممثل للكونغرس العالمي الأمازيغي كاعتراف ضمني بهذه المؤسسة والأمازيغية والأمازيغ عموما، كان الهدف منه كسب عواطف الأمازيغ لتهييء ابنه للحكم وفرش بساط الأمازيغية له على غرار بساط العروبة الذي طالما افترشه لنفسه على مدى عقود من الزمن وتقليص المعارضة الليبية المتواجدة بالخارج، المكونة أساسا من الحركة الأمازيغية حيث ما زال نظام القدافي العروبي ينتهك حقوق الأمازيغ بليبيا إذ قام بمنع سفر مجموعة أوسمان من السفر للمشاركة في مهرجان طنجة خلال غشت الماضي، وقام بمنع نشاط ثقافي مؤخرا تخليدا لذكرى استشهاد الشهيد سعيد سيفاو.

إن المصالحة الحقيقية مع الأمازيغية تبنى أساسا عن دسترتها وترسيمها كلغة وطنية ورسمية بعيدا عن كل أشكال الاحتواء .

وها هم الأمازيغون يحتفلون يوم 13 يناير بالسنة الأمازيغية الجديدة 2957 بعد احتفال الحركة الحقوقية بذكرى صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، واحتفال البشرية جميعا بالسنة الميلادية الجديدة 2007، وكلها مناسبات نحييها نحن الأمازيغ بوعي مع دلالات كل مناسبة وما تطرحه علينا ماضيا وحاضرا ومستقبلا. والقطيعة مع جل الراغبين في إذابـتـنا بالإيديولوجيات المقدسة لغويا ودينيا.

إنها مناسبة للمحاسبة مع ذواتنا واستحضار مصلحة وطننا ونضالنا من أجل دولة الحق والقانون، لرد الاعتبار للتاريخ الحقيقي ودورنا في التعاطي مع الحضارات التواقة إلى إخراج الإنسانية من العبودية اللغوية أو الثقافية.

ويظل الأمازيغ يتطلعون إلى غد أفضل وأملهم يزداد شيئا فشيئا إلى أن تشرق شمس الحرية والحقيقة بكل ما تحمله من آمان وآمال للمجتمع.

فـسـنـة أمازيـغـيـة سـعـيـدة وكـل عـام والأمـازيـغ بـألـف خـيـر.


 

Free Web Hosting