افتتاحية:

أليس المغرب مستعمرة عربية حقيقية؟

بقلم: محمد بودهان

سبق، في مناسبات كثيرة، أن كتبنا وأكدنا أن المغرب يعيش حالة استعمار ثقافي ولغوي وديني (نقصد الوهابية وكل أشكال التطرف الديني ذات الأصول المشرقية). ولكن لم يسبق أن قلنا إنه يعيش استعمارا سياسيا مباشرا، لأن هذا الوجه السياسي لاستعمار العربي يبدو غائبا ولا يلاحظ كظاهرة بارزة مثل ما يتصل بالثقافة واللغة والدين، رغم العلاقة القوية بين الثقافي واللغوي والديني من جهة، والسياسي من جهة أخرى. ثم لأن الحكم السياسي بالمغرب لا يباشره حكام عرب من المشرق العربي رغم ولاء الحكام المغاربة لهذا المشرق، مما يجعل الحكم بالمغرب مستقلا نوعا ما عن التعليمات والأوامر السياسية للمشرق العربي.

هذا ما كنا نعتقده.

لكن قضية أسبوعية "نيشان" تقدم الدليل الساطع على أن المغرب، ليس تابعا لدول المشرق العربي ثقافيا ولغويا ودينيا، فحسب، كما كنا نعتقد، بل هو تابع لها سياسيا أيضا يتلقى منها الأوامر والنواهي الموجهة لسياسته الداخلية. فما كان لقضية "نيشان" أن تصبح "قضية" وتعرف كل ذلك الحجم والتهويل لولا التعليمات الصارمة ـ في شكل بيان ـ التي وجهها البرلمان الكويتي (مجلس الأمة) إلى الحكومة المغربية يأمرها بمعاقبة "نيشان". وهو ما امتثل له على الفور الوزير الأول جطّو الذي قرر وقف الأسبوعية.

وهنا تطرح علينا أسئلة محرقة ومؤلمة: هل المغرب بلد ذو سيادة واستقلال حقا أم هو مجرد ولاية كويتية؟ من يحكم المغرب، حكامه المغاربة أم حكام الكويت؟ هل الحكومة المغربية تعمل لمصلحة المغرب والمغاربة أم لمصلحة الكويت؟ أين هي كرامة المغرب عندما تنفذ حكومته المغربية أوامر أجنبية تتعلق بشأن داخلي وليس خارجيا؟

إنه استعمار عربي حقيقي يجعل من المغرب مستعمرة عربية حقيقية تتلقى الأوامر من "الميتروبول" بالخليج العربي يحدد لها ما يجب عليه فعله وما يجب تركه وتجنبه. والأوامر المتعلقة بأسبوعية "نيشان" لم تصدر عن وزارة أو محكمة، بل عن البرلمان الذي يمثل السيادة الوطنية والشعبية. وبما أن نفوذ هذا البرلمان يشمل كل الأراضي التي تدخل تحت سيادة الكويت، وبما أن المغرب أصبح من مشمولات هذا النفوذ، بعد أن تلقى أوامر من هذا البرلمان ونفذها، فالنتيجة أن المغرب أصبح إذن ملحقة عربية كويتية تحكمها قرارات البرلمان الكويتي التي تحكم مناطق داخل الكويت مثل السالمية وكويت سيتي.

وكنا ننتظر من البرلمان الكويتي أن يمنح إقليمه المغربي، نظرا للبعد الجغرافي وتواجد العنصر "البربري" الغير العربي، نوعا من الحكم الذاتي يسمح له بتسيير شؤونه الداخلية، مثل قضية "نيشان"، دونما تدخل مباشر من السلطة المركزية بالكويت. لكن، بما أن الأنظمة العربية معروفة بحكمها المركزي المباشر والاستبدادي، فقد أبت السلطة المركزية بالكويت إلا أن تسهر هي نفسها مباشرة على ملف أسبوعية "نيشان"، التي هي قضية داخلية تتعلق بالصحافة "المحلية" وبنكت مغربية.

والمشكلة بالنسبة للمغرب، هو أنه لم تعد هناك "خلافة" عربية واحدة، في المدينة أو دمشق أو بغداد، كما كان الأمر منذ قرون خلت، ينفذ إقليمُها المغربي تعليماتِها وأوامرَها بشكل لا تتداخل فيه الأوامر ولا تتعارض لأن مصدر القرار واحد. أما اليوم، فهناك "خلافات" (جمع خلافة) عربية متعددة بتعدد آبار النفط، وكلها تعتبر المغرب مستعمرتها المفضلة: فهل ينفذ المغرب أوامر "الخلافة" الكويتية، أم القطرية، أم السعودية، أم العمانية أم الوهابية أم البعثية؟ هذا التعدد "للخلافات" العربية التي تعتبر المغرب تابعا لها، هو ما يفسر أن بلاغ وزارة الخارجية المغربية بصدد إعدام صدام حسين صيغ بطريقة لا تغضب أية "خلافة" عربية، وخصوصا "الخلافة" الكويتية و"الخلافة" البعثية المتعاديتين أشد ما يكون العداء.

المعروف أن الشعوب المستعمرة، مثل المغرب المستعمر عربيا، تستغل تفكك السلطة المركزية المستعمرة لها ـ كما فعل الإسبان إبان تفكك السلطة العربية بالأندلس إلى ملوك طوائف ـ وانقسامها إلى سلط ضعيفة ودويلات صغيرة، لتنتفض ضد هذه السلطة وتتحرر منها نهائيا. إلا أن الغريب في المغرب، هو أنه بقدر ما تنقسم وتتعدد "الخلافات" العربية، بقدر ما يزيد المغرب من ولائه لهذه "الخلافات" العربية، وذلك بمضاعفة هذا الولاء حسب عدد "الخلافات" التي يصبح تابعا لها جميعها.

فكيف يمكن وضع حد لهذا النوع من الاستعمار والتبعية المهينة والمخصية للرجولة المغربية الأصيلة، كما يتجلى ذلك في قرار البرلمان الكويتي وتنفيذه من طرف الحكومة المغربية؟ بعبارة أخرى، كيف يمكن تحرير المغرب؟ ليس هناك من وسيلة أخرى، كما نكرر ذلك دائما، سوى تحريره من حكامه العروبيين (وليس العرب) الذين جعلوا منه مستعمرة عربية حقيقية، وإرجاعه إلى حقيقته الأمازيغية. فالحد الفاصل إذن بين الاستقلال والاستعمار، بين التحرر والتبعية، في حالة المغرب، هو الأمازيغية. إنها غاية ووسيلة في نفس الوقت: وسيلة للاستقلال الهوياتي وغايته كذلك.

 

Free Web Hosting